الجمعة، 23 أغسطس 2019

موسى بن أبي غسان .. آخر مجاهدي الأندلس

غرناطة .. حصار حتى الموت

برز في هذا الحصار الأخير داخل غرناطة حركة جهادية بارزة على رأسها رجل يُسمى موسى بن أبي غسان، فكان أن حرَّك الجهاد في قلوب الناس، وبدأ يُحَمِّسهم على الموت في سبيل الله، وعلى الدفاع عن بلدهم وهويتهم، فاستجاب له الشعب وتحرك للدفاع عن غرناطة[1].

وطيلة سبعة أشهر كاملة ظل أصحاب الانتفاضة في دفاعهم عن حصون غرناطة ضد الهجمات النصرانية الشرسة، وإليك طرفًا من هذا الصمود يحكيه الفارس المعاصر صاحب كتاب نبذة العصر:

«رجع ملك قشتالة إلى فحص غرناطة، ونزل بمحلته بقرية عتقة، ثم شرع في البناء، فبنى هنالك سورًا كبيرًا في أيام قلائل، وصار يهدم القرى، ويأخذ ما فيها من آلة البناء، ويجعله على العجل، ويحمله إلى ذلك البلد الذي بناه، ويبني به، وهو مع ذلك يقاتل المسلمين ويقاتلونه قتالاً شديدًا، وحارب ملك الروم -أيضًا- أبراج القرى الدائرة بغرناطة وأخذها، ولم يبق إلا قرية الفخار، فلم يزل يُلِحُّ عليها ويجلب عليها بخيله ورجله، ويطمع أن يجد فرصة فلم يقدر على شيء، حتى قتل له عليها خلق كثير من الروم، ووقعت عليها ملاحم كثيرة بين المسلمين والنصارى؛ لأن المسلمين كانوا يُلِحُّون على حمايتها خوفًا من أن يملكها الروم؛ فتكون سببًا في إخلاء قرى الجبل وحصار البلد، فلم يزالوا يدافعون عنها ويقاتلون مَنْ قصدها؛ حتى قصر عنها العدو؛ لكثرة ما قُتل له عليها من خيل ورجال.

ولم تزل الحرب متصلة بين المسلمين والنصارى كل يوم؛ تارة في أرض الفخار، وتارة في أرض بليانة، وتارة في أرض رسانة، وتارة في أرض طفير، وتارة في أرض يعمور، وتارة في أرض الجدوى، وتارة في أرض رملة أفلوم، وتارة في أرض الربيط، وتارة وادي منتثيل، وغير ذلك من المواضع التي على غرناطة، وفي كل ملحمة من هذه الملاحم يثخن كثير من أنجاد الفرسان بالجراحات من المسلمين، ويستشهد آخرون، ومن النصارى أضعاف ذلك، والمسلمون فوق ذلك صابرون محتسبون، واثقون بنصر الله تعالى، يقاتلون عدوهم بنية صادقة وقلوب صافية، ومع ذلك يمشي منهم الرجال في ظلام الليل لمحلة النصارى، ويتعرضون لهم في الطرقات، فيغنمون ما وجدوا من خيل وبغال وحمير وبقر وغنم ورجال، وغير ذلك حتى صار اللحم بالبلد من كثرته: رطل بدرهم.

ومع ذلك لم تزل الحرب متصلة بين المسلمين والنصارى، والقتل والجراحات فاشيان في الفريقين سبعة أشهر، إلى أن فنيت خيل المسلمين بالقتل، ولم يبقَ منها إلا القليل، وفني -أيضًا- كثير من نجدة الرجال بالقتل والجراحات»[2].

إلاَّ أن البسالة وحدها لا تكفي في ظلِّ وضع كهذا؛ إذ المسلمون محاصرون داخل المدينة ولا يمكنهم الحصول على الإمدادات، فيما النصاري يحاصرونهم من الخارج، وخطوط الإمدادات مفتوحة من بلادهم، ولا سيما أن الحرب دفعت بكثير من الغرناطيين إلى الخروج من البلدة، بما انتهبها من الخوف والفزع، وتبعات الحرب المتواصلة، فظلت غرناطة تضعف شيئًا فشيئًا، ثم لما دخل فصل الشتاء ونزلت الثلوج أصابت طريق البشرة -الذي كانت الأطعمة تأتي عبره إلى غرناطة- فقل الطعام عند ذلك في أسواق المسلمين في غرناطة، واشتد الغلاء وأدرك الجوع كثيرًا من الناس وكثر السؤال.

تسليم غرناطة

وهنا لم يكن أمام الغرناطيين إلا التسليم بالأمان، فذهب جمع منهم إلى ملكهم محمد؛ طالبين منه أن يفاوض ملك قشتالة على التسليم بالأمان، وقد أورد صاحب نبذة العصر ما يُفيد بأن التسليم كان رغبة قائمة في نفس محمد الصغير من قبل، إلاَّ أنه خاف من العامة، فكان يُراسل ملك قشتالة سرًّا، ولهذا قطع ملك قشتالة الحرب فترة، وبقي على ما هو فيه من الحصار والتشديد، منتظرًا جهود محمد الصغير في إقناع العامة بالتسليم بالأمان، فلما أثمرت جهوده مع العامة، وذهب وفدهم إليه، سارع مستجيبًا لهم، ثم سارع مرسلاً وزراءه إلى ملك قشتالة، الذي سارع بدوره بالقبول[3].

ونحن نذهب إلى قبول هذه الرواية وترجيحها، لا سيما وأن سيرة ملك غرناطة وطبيعة وزرائه تدفعنا لإسائة الظن بهم، ثم وجدنا الأستاذ محمد عبد الله عنان يوافق هذه الرواية –بعدما كان يرتاب فيها- لما ظهر من وثائق فيما بعدُ؛ أفادت بأن مساعي كانت تُبْذَل في الخفاء لتحقيق ما يمكن من الضمانات والمغانم الخاصة لأبي عبد الله وأسرته ووزرائه، فعُقدت معاهدة سرية مُنح فيها أبو عبد الله وأفراد أسرته ووزرائه منحًا خاصة بين ضياع وأموال نقدية وحقوق مالية وغيرها، هذا بخلاف الأملاك التي كانوا يملكونها وتصرفوا فيها بالبيع، منذ بدأت الحوادث تتجهم في غرناطة[4].

حركة الجهاد في غرناطةواستقرَّ الأمر على تسليم غرناطة بالأمان، يروي المقري فيقول: «ثم عددوا مطالب وشروطًا، أرادوها وزادوا أشياء على ما كان في صلح وادي آش؛ منها أن صاحب رومة يوافق على الالتزام والوفاء بالشرط إذا أمكنوه من حمراء غرناطة والمعاقل والحصون، ويحلف على عادة النصارى في العهود... وكانت الشروط سبعة وستين؛ منها تأمين الصغير والكبير في النفس والأهل والمال، وإبقاء الناس في أماكنهم ودورهم ورباعهم وعقارهم، ومنها: إقامة شريعتهم على ما كانت، ولا يحكم أحد عليهم إلا بشريعتهم، وأن تبقى المساجد كما كانت والأوقاف كذلك، وأن لا يدخل النصارى دار مسلم، ولا يغصبوا أحدًا، وأن لا يولى على المسلمين إلا مسلم أو يهودي ممن يتولى عليهم من قبل سلطانهم... وأن يفتك جميع من أسر في غرناطة من حيث كانوا، وخصوصًا أعيانًا نصَّ عليهم، ومن هرب من أسارى المسلمين ودخل غرناطة لا سبيل عليه لمالكه ولا سواه، والسلطان يدفع ثمنه لمالكه، ومن أراد الجواز للعدوة لا يمنع، ويجوزون في مدة عينت في مراكب السلطان، لا يلزمهم إلا الكراء، ثم بعد تلك المدة يعطون عشر مالهم والكراء، وأن لا يؤخذ أحد بذنب غيره، وأن لا يقهر من أسلم على الرجوع للنصارى ودينهم، وأن مَنْ تَنَصَّر من المسلمين يوقف أيامًا حتى يظهر حاله، ويحضر له حاكم من المسلمين وآخر من النصارى، فإن أبى الرجوع إلى الإسلام تمادى على ما أراد، ولا يعاتب على مَنْ قَتل نصرانيًّا أيام الحرب، ولا يؤخذ منه ما سلب من النصارى أيام العداوة، ولا يكلف المسلم بضيافة أجناد النصارى، ولا يسفر لجهة من الجهات، ولا يزيدون على المغارم المعتادة، وترفع عنهم جميع المظالم والمغارم المحدثة، ولا يطلع نصراني للسور، ولا يتطلع على دور المسلمين، ولا يدخل مسجدًا من مساجدهم، ويسير المسلم في بلاد النصارى آمنًا في نفسه وماله، ولا يجعل علامة كما يجعل اليهود وأهل الدجن، ولا يمنع مؤذن ولا مصلٍّ ولا صائم ولا غيره من أمور دينه، ومن ضحك منه يعاقب، ويتركون من المغارم سنين معلومة، وأن يوافق على كل الشروط صاحب رومة ويضع خط يده، وأمثال هذا مما تركنا ذكره»[5].

موسى بن أبي غسان

في رد فعل طبيعي وصريح له حيال ما حدث وقف موسى بن أبي غسان -رحمه الله- في قصر الحمراء وقال: لا تخدعوا أنفسكم، ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم، ولا تركنوا إلى شهامة مَلِكِهم؛ إن الموت أقل ما نخشى (يُريد أن هناك ما هو أصعب من الموت)؛ فأمامنا نهب مدننا وتدميرها، وتدنيس مساجدنا، وتخريب بيوتنا، وهتك نسائنا وبناتنا، وأمامنا الجور الفاحش والتعصب الوحشي، والسياط والأغلال، وأمامنا السجون والأنطاع والمحارق، هذا ما سوف نعاني من مصائب وعسف، وهذا ما سوف تراه على الأقل تلك النفوس الوضيعة، التي تخشى الآن الموت الشريف، أما أنا فوالله! لن أراه[6].

يُريد موسى بن أبي غسان أنه لن يرى كل هذا الذُّل، الذي سيحل بالبلاد جراء هذا التخاذل والتقاعس، وأنه اختار الموت الشريف، ثم غادر المجلس وذهب إلى بيته ولبس سلاحه وامتطى جواده.

وانطلق يقابل سرية من سرايا النصارى، وبمفرده يقابل موسى بن أبي غسان خمس عشرة رجلاً من النصارى، فيقتل معظمهم، ثم يُقتل هو في سبيل الله .[7]

[1] يقول الأستاذ عنان: «لم نعثر في المصادر العربية التي بين أيدينا على ذكر لموسى أو أعماله؛ ومرجعنا في ذلك هو المؤرخ الإسباني كوندي، الذي يقول: إنه نقل روايته عن مصادر عربية. ولكنه كعادته لم يذكر لنا هذه المصادر، وأشار الوزير محمد بن عبد الوهاب الغساني -في رحلته- إلى من يُدعى موسى أخا السلطان حسن المتغلب عليه بغرناطة رحلة الوزير المنشورة بعناية معهد فرانكو ص13... وقصة موسى تشغل حيزًا كبيرًا في الروايات الإسبانية... ونحن ننقل هنا أقوال الرواية القشتالية عن موسى وفروسيته لا على أنها محققة من الناحية التاريخية، ولكن لأنها تقدم لنا صورًا رائعة لدفاع المسلمين عن دينهم ووطنهم وآخر قواعدهم». انتهى كلام الأستاذ عنان دولة الإسلام في الأندلس هامش 7/237، 238. والحقيقة أننا لا نتوقع أن تؤلف المصادر الإسبانية شخصية إسلامية تقود دفاعًا رائعًا عن غرناطة، بل الأقرب إلى التوقع أن توجد حركة صحوة ودفاع وجهاد قبيل فترة السقوط، وهي الحركة التي تُعَدُّ من طبائع الناس جميعًا، ولا شك أن ندرة المصادر العربية عن هذه الفترة تمثل عنصرًا سلبيًّا في مثل هذه اللحظات التاريخية، فلا نجد –لملء الفراغ- إلا أن نستنطق الرويات الأخرى ونستخدم التوقع والترجيح.

[2] مجهول: نبذة العصر ص117 وما بعدها.

[3] مجهول: نبذة العصر ص121 وما بعدها.

[4] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 7/242.

[5] المقري: نفح الطيب، 4/524- 527، وانظر: مجهول نبذة العصر ص119 وما بعدها، ومحمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 7/245 وما بعدها.

[6] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، 7/254، 255.

[7] المصدر السابق، 7/255، 256، وتنهي المصادر القشتالية حياة موسى بأنه انتحر، ونحن نستبعد هذا الاحتمال في سيرة مجاهد كهذه السيرة.

رجالا تعلموا وتخرجوا في مدرسة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




إن الحمد لله أحمده وأستعينه وأستهديه وأستغفره
وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا رسول الله
أرسله ربه للعالمين هاديا ومبشرا ونذيرا وسراجا منيرا
فاللهم صلَ وبارك وسلم عليه تسليما كثيرا أما بعد
أقدم لكم في هذه السلسلة رجالا تعلموا وتخرجوا في مدرسة الحبيب محمد
صلى الله عليه وسلم
رجالا حكموا العالم بأسره لأنهم تمسكوا بكتاب الله وسنة الحبيب محمد
صلى الله عليه وسلم
والكلام عن أمثال هؤلاء شرف لنا فهم من زكاهم ربهم جل وعلا من فوق سبع سماوات
فقال تعالى{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }الأحزاب23
وإنه لحري بنا أن نتعرف على سيرة هؤلاء ونقتدي بهم كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم
فهم الذين قال فيهم المصطفى صلى الله عليه وسلم:
243197 - عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ
الراوي: - المحدث: البزار - المصدر: جامع بيان العلم وفضله - الصفحة أو الرقم: 2/924
خلاصة الدرجة: إسناده صحيح

وأرجو أن نتعلم من هؤلاء الرجال وأن نتأسى بهم والله أسأل أن يتقبل مني ومنكم هذا العمل وأن يجعله في موازيننا وأن يرزقنا الإخلاص وألا يجعل لأحد غيره من عملنا هذا شيئا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
والآن أترككم مع الشخصية الأولى والرجل الأولأبو بكر الصديق (رضي الله عنه)

أحد العشرة المبشرين بالجنة

( إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)(التوبة: من الآية 40) هو عبد الله بن أبي قحافة، من قبيلة قريش، ولد بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بثلاث
سنين ، أمه أم الخير سلمى بنت صخر التيمية بنت عم أبيه ، كان يعمل بالتجارة ومن
أغنياء مكة المعروفين ، وكان أنسب قريشاً لقريش وأعلم قريش بها وبما كان فيها من
خير وشر وكان ذا خلق ومعروف يأتونه الرجال ويألفونه اعتنق الاسلام دون تردد فهو
أول من أسلم من الرجال الأحرار ثم أخذ يدعو لدين الله فاستجاب له عدد من قريش من
بينهم عثمان بن عفان ، والزبير بن العوام ، وعبدالرحمن بن عوف ، والأرقم
ابن أبي الأرقم

إسلامه  لقي أبو بكر -رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال :( أحقّ ما تقول قريش يا محمد من تركِكَ آلهتنا ، وتسفيهك عقولنا وتكفيرك آباءَنا ؟!)فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( إني رسول الله يا أبا بكر ، ونبّيه بعثني لأبلغ رسالته ، وأدعوك الى الله بالحق ، فوالله إنه للحق أدعوك الى الله يا أبا بكر ، وحده لا شريك له ، ولا نعبد غيره ، والموالاة على طاعته أهل طاعته )وقرأ عليه القرآن فلم ينكر ، فأسلم وكفر بالأصنام وخلع الأنداد ، وأقرّ بحقّ الإسلام ورجع أبو بكر وهو مؤمن مُصَدّقيقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له عنه كَبْوَة وتردد ونظر إلا أبا بكر ما عَتّم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه )


أول خطيب

عندما بلغ عدد المسلمين تسعة وثلاثين رجلاً ، ألح أبو بكر على الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الظهور فقال الرسول :( يا أبا بكر إنّا قليل )فلم يزل يلح حتى ظهر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتفرّق المسلمون في نواحي المسجد ، وكل رجل معه ، وقام أبو بكر خطيباً ورسول الله جالس ، وكان أول خطيب دعا الى الله عزّ وجل والى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين ، فضربوهم ضربا شديدا ، ووُطىءَ أبو بكر ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة ، فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ، وأثّر على وجه أبي بكر حتى لا يعرف أنفه من وجهه ، وجاء بنو تيم تتعادى ، فأجلوا المشركين عن أبي بكر ، وحملوا أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه ولا يشكون في موته ، ورجعوا بيوتهم و قالوا :( والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عُتبة )ورجعوا الى أبي بكر وأخذوا يكلمونه حتى أجابهم فتكلم آخر النهار فقال :( ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟)فنالوه بألسنتهم وقاموا


أم الخير

ولمّا خلت أم الخير ( والدة أبي بكر ) به جعل يقول :( ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟)قالت :( والله ما لي علم بصاحبك )قال :( فاذهبي الى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه )فخرجت حتى جاءت أم جميل ، فقالت :( إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله ؟)قالت :( ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله وإن تحبي أن أمضي معك الى ابنك فعلت ؟)قالت :( نعم )فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا ، فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت :( إنّ قوما نالوا منك هذا لأهل فسق ؟! وإنّي لأرجو أن ينتقم الله لك )قال :( فما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟)قالت :( هذه أمك تسمع ؟)قال :( فلا عين عليك منها )قالت :( سالم صالح )قال :( فأين هو ؟)قالت :( في دار الأرقم )قال :( فإن لله عليّ ألِيّة ألا أذوق طعاما أو شرابا أو آتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- )فأمهَلَتا حتى إذا هدأت الرِّجْل وسكن الناس خرجتا به يتكىء عليهما حتى دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فانكب عليه يقبله وانكبّ عليه المسلمون ورقّ رسول الله فقال أبو بكر :( بأبي أنت وأمي ليس بي إلاّ ما نال الفاسق من وجهي ، وهذه أمي بَرّة بوالديها ، وأنت مبارك فادعها الى الله ، وادع الله لها عسى أن يستنقذها بك من النار )فدعا لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم دعاها الى الله عزّ وجل ، فأسلمت فأقاموا مع رسول الله في الدار شهراً ، وكان حمزة يوم ضُرِب أبو بكر قد أسلم


جهاده بماله

أنفق أبوبكر معظم ماله في شراء من أسلم من العبيد ليحررهم من العبودية ويخلصهم من العذاب الذي كان يلحقه بهم ساداتهم من مشركي قريش ، فأعتق بلال بن رباح وستة آخرين من بينهم عامر بن فهيرة وأم عبيس

فنزل فيه قوله تعالى :" (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى 17 الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى 18")سورة الليل

منزلته من الرسول

كان -رضي الله عنه- من أقرب الناس الى قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعظمهم منزلة عنده حتى قال فيه :( ان من أمَنِّ الناس علي في صحبته وماله أبوبكر ، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الاسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سُدّ إلا باب أبي بكر )
كما أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن أبا بكر أرحم الأمة للأمة ، وأنه أول من يدخل معه الجنة فقد قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي )وأنه صاحبه على الحوض فقد قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( أنت صاحبي على الحوض ، وصاحبي في الغار )
كما أن أبو بكر الصديق هو والد أم المؤمنين عائشة لذا كان عظيم الإفتخار بقرابته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومصاهرته له وفي ذلك يقول :( والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحبُّ إليّ من أن أصل قرابتي )


الإسراء والمعراج

وحينما أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة الى بيت المقدس ذهب الناس الى أبي بكر فقالوا له :( هل لك يا أبا بكر في صاحبك ، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع الى مكة !)فقال لهم أبو بكر :( إنكم تكذبون عليه )فقالوا :( بلى ، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس ) فقال أبو بكر :( والله لئن كان قاله لقد صدق ، فما يعجّبكم من ذلك ! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من السماء الى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه ! فهذا أبعد مما تعجبون منه )ثم أقبل حتى انتهى الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال :( يا نبي الله ، أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟)قال :( نعم )قال :( يا نبي الله فاصفه لي ، فإني قد جئته )فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( فرفع لي حتى نظرت إليه)فجعل الرسول الكريم يصفه لأبي بكر ويقول أبو بكر :( صدقت ، أشهد أنك رسول الله )حتى إذا انتهى قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر :( وأنت يا أبا بكر الصديق )فيومئذ سماه الصديق


الصحبة

ولقد سجل له القرآن الكريم شرف الصحبة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أثناء الهجرة الى المدينةالمنورة

فقال تعالى :"( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)"
كان أبو بكر رجلا ذا مال ، فاستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-في الهجرة فقال له الرسول :( لا تعْجل لعل الله يجعل لك صاحباً )فطمع بأن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما يعني نفسه حين قال له ذلك ، فابتاع راحلتين فاحتبسهما في داره يعلفهما إعدادا لذلك ، وفي يوم الهجرة ، أتى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيت أبي بكر بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها ، فلما رآه أبو بكر قال :( ما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-هذه الساعة إلا لأمر حدث )فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره ، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس عند أبي بكر إلا أسماء وعائشة ، فقال الرسول :( أخرج عني من عندك )فقال أبو بكر :( يا رسول الله ، إنما هما ابنتاي ، وما ذاك ؟ فداك أبي وأمي !)فقال :( إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة )فقال أبو بكر :( الصُّحبة يا رسول الله ؟)قال :( الصُّحبة )تقول السيدة عائشة :( فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ )ثم قال أبو بكر :( يا نبيّ الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا )فاستأجرا عبد الله بن أرْقَط ، وكان مشركاً يدلهما على الطريق ، فدفعا إليه راحلتيهما ، فكانت عنده يرعاهما لميعادهما   أبواب الجنة




مناقبه وكراماته

مناقب أبو بكر -رضي الله عنه- كثيرة ومتعددة فمن مناقبه السبق الى أنواع الخيرات والعبادات حتى قال عمر بن الخطاب :( ما سبقت أبا بكر الى خير إلاّ سبقني )وكان أبو بكر الصديق يفهم إشارات الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي تخفى على غيره كحديث :( أن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عنده ) ، ففهم أنه عليه الصلاة والسلام ينعي نفسه ، ومن ذلك أيضا فتواه في حضرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإقراره على ذلك
وهو أول خليفة في الإسلام ، وأول من جمع المصحف الشريف ، وأول من أقام للناس حجّهم في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعده وكان في الجاهلية قد حرم على نفسه شرب الخمر ، وفي الإسلام امتنع عن قول الشعركما أنه -رضي الله عنه- لم يفته أي مشهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-وقد قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( أنت عتيق الله من النار ) ، فسمّي عتيقاً

وقد بلغ بلال بن رباح أن ناساً يفضلونه على أبي بكر فقال :( كيف تفضِّلوني عليه ، وإنما أنا حسنة من حسناته !!)

عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال : ‏كنت جالسا عند النبي ‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏إذ أقبل ‏‏أبو بكر‏ ‏آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته ، فقال النبي ‏-‏صلى الله عليه وسلم-:( ‏‏أما صاحبكم فقد ‏‏غامر ‏‏)فسلم وقال :( إني كان بيني وبين ‏‏ابن الخطاب ‏ ‏شيء ، فأسرعت إليه ثم ندمت ، فسألته أن يغفر لي ، فأبى علي فأقبلت إليك )فقال :( يغفر الله لك يا ‏أبا بكر ‏)‏ثلاثا ، ثم إن ‏عمر ‏ندم ، فأتى منزل ‏أبي بكر ‏، ‏فسأل :( أثم ‏أبو بكر ‏) فقالوا :( لا )فأتى إلى النبي ‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏فسلم ، فجعل وجه النبي‏ -‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏يتمعر ، حتى أشفق ‏‏أبو بكر ،‏ ‏فجثا ‏‏على ركبتيه فقال :( يا رسول الله ، والله أنا كنت أظلم مرتين )فقال النبي ‏-‏صلى الله عليه وسلم-:( ‏إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت ، وقال ‏ أبو بكر‏ ‏صدق ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي )مرتين فما أوذي بعدها


خلافته

وفي أثناء مرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يصلي بالمسلمين ، وبعد وفاة الرسول الكريم بويع أبوبكر بالخلافة في سقيفة بني ساعدة ، وكان زاهدا فيها ولم يسع اليها ، اذ دخل عليه ذات يوم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فوجده يبكي ، فساله عن ذلك فقال له :( يا عمر لا حاجة لي في امارتكم !!) فرد عليه عمر :( أين المفر ؟ والله لا نقيلك ولا نستقيلك)  جيش أسامة

وجَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد في سبعمائة الى الشام ، فلمّا نزل بذي خُشُب -واد على مسيرة ليلة من المدينة- قُبِض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وارتدّت العرب حول المدينة ، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله فقالوا :( يا أبا بكر رُدَّ هؤلاء ، تُوجِّه هؤلاء الى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة ؟!)فقال :( والذي لا إله إلا هو لو جرّت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رَدَدْت جيشاً وجَّهه رسول الله ولا حللت عقدَهُ رسول الله )فوجّه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا :( لولا أن لهؤلاء قوّة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم )فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام


حروب الردة

بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ارتدت العرب ومنعت الزكاة ، واختلف رأي الصحابة في قتالهم مع تكلمهم بالتوحيد ، قال عمر بن الخطاب :( كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:( أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا منّي دماءَهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله )؟!)
فقال أبو بكر :( الزكاة حقُّ المال )
وقال :( والله لأقاتلن من فرّق الصلاة والزكاة ، والله لو منعوني عَنَاقاً كانوا يُؤدّونها الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها )
ونصب أبو بكر الصديق وجهه وقام وحده حاسراً مشمِّراً حتى رجع الكل الى رأيه ، ولم يمت حتى استقام الدين ، وانتهى أمر المرتدين


جيوش العراق والشام

ولمّا فرغ أبو بكر -رضي الله عنه- من قتال المرتدين بعث أبا عبيدة الى الشام وخالد بن الوليد الى العراق ، وكان لا يعتمد في حروب الفتوحات على أحد ممن ارتدَّ من العرب ، فلم يدخل في الفتوح إلا من كان ثابتا على الإسلام


استخلاف عمر

لمّا أراد أبو بكر أن يستخلف عمر بن الخطاب بعث إليه وقال :( إني أدعوك إلى أمر متعب لمن وليه ،فاتق الله يا عمر بطاعته ، وأطعه بتقواه ، فإن المتقي آمن محفوظ ، ثم إن الأمر معروض لا يستوجبه إلا من عمل به ، فمن أمر بالحق وعمل بالباطل ، وأمر بالمعروف وعمل بالمنكر يوشك أن تنقطع أمنيتُهُ ، وأن يحبط عمله ، فإن أنت وليت عليهم أمرهم فإن استطعت أن تخفّ يدك من دمائهم ، وأن تصم بطنك من أموالهم ، وأن يخف لسانك عن أعراضهم ، فافعل ولا حول ولا قوة إلا بالله )


وفاته

ولد أبو بكر في مكة عام ( 51 قبل الهجرة ) ومات بالمدينة بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بسنتين وثلاثة أشهر وبضع ليال سنة ( 13 ه )ولمّا كان اليوم الذي قُبض فيه أبو بكر رجّت المدينة بالبكاء ، ودهش الناس كيوم قُبض الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وجاء علي بن أبي طالب باكيا مسرعا وهو يقول :( اليوم انقطعت خلافة النبوة)حتى وقف على البيت الذي فيه أبو بكر مسجّىً فقال :( رحمك الله يا أبا بكر ، كنت أول القوم إسلاما ، وأكملهم إيمانا ، وأخوفهم لله ، وأشدهم يقينا ، وأعظمهم عناءً ، وأحوطهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وأحدبهم على الإسلام ، وآمنهم على أصحابه ، وأحسنهم صُحْبة ، وأفضلهم مناقب ، وأكثرهم سوابق ، وأرفعهم درجة ، وأشبههم برسول الله -صلى الله عليه وسلم- به هدياً وخُلُقاً وسمتاً وفعلاً‏عن أبي هريرة ‏قال :‏ ‏سمعت رسول الله ‏-صلى الله عليه وسلم- ‏‏يقول :(‏ ‏من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب‏ ‏-يعني الجنة- يا عبد الله هذا خير ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد ، دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان )فقال أبو بكر ‏:( ‏ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة )وقال :( هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله )قال :( نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا ‏‏أبا بكر )

~ سلسلة عظماء اسلموا ~ الحلقة الثانية { الداعية الأمريكي ميكائيل عبد الله








نشأ "ميخائيل" في أسرة كاثوليكية متشددة في إحدى مدن ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وفي سنّ مبكرة ألحقوه بإحدى المدارس الدينية، لكنّ الطفل الصغير كان كثير الفضول، وكان يوجّه أسئلة يصعب على أساتذته تقديم إجابات مقنعة عليها، وقبل بلوغه سنّ الرابعة عشرة اهتمّ بدراسة اليهودية لكنه -خلال بضع سنين- تأكّد أنّها بدورها لا تقنع عقله الحائر ولا تلبّي تطلعاته الروحية، ولفت نظره أنّ النفاق والفساد هما الطابع المشترك بين رجال الديانتين، فضلاً عن الأخطاء البشعة الناتجة عن تحريف التوراة والأناجيل المختلفة، فانصرف تمامًا عنهما، وصمّم على البحث عن دين آخر، واتّجه إلى دراسة مذاهب مسيحية أخرى، فوجدها لا تقل انحرافًا وشذوذًا عن الكاثوليكية أو اليهودية، وهكذا تأكّد أنّه لن يقبل بأي من الديانتين بقية عمره.

وبعد أن انتهى من دراساته المتخصصة في علوم الحاسب الآلي، وتخطيه الخامسة والعشرين من عمره، تعرّض لضائقة مادية اضطرته للبحث عن وظيفة، وساقه قدر الله إلى العمل بأحد مطاعم الوجبات السريعة، ومنذ اليوم الأول لاحظ وجود سيدة ترتدي ملابس قريبة الشبه بثياب الراهبات، لكنّها متزوجة، وليس مفروضًا عليها العزوبة والحرمان مثلهن!! وزادت دهشته بسبب مواظبة تلك الزميلة في العمل على أداء حركات غريبة كل يوم في موعد ثابت لا يتغير، وكان من الطبيعي أن يسألها عمّا تلبس وتفعل، فأخبرته (فاطمة) بأنّها مسلمة، وأنّها تصلّي يوميًّا كما أمرها الله رب العالمين الذي تعبده بلا شريك أو ولد، وطلبت من أخيها (محمود) وابن عمها (جاويد) أن يقوما بالإجابة عن كل أسئلته حول الإسلام، وقد رحب الشابان -فورًا- بتقديم كل المعلومات عن الدين الحنيف إلى ميخائيل الذي كادت السعادة تفقده صوابه.

في خلال أيام قلائل أدرك أنه قد عثر أخيرًا على ضالته المنشودة، وكانت الخطوة الحاسمة في حياته عندما اصطحبه الشابان بعد أسبوعين إلى أكبر مساجد المنطقة؛ حيث علّمه إمام المسجد كيف ينطق بالشهادتين ليكون مسلمًا، وحانت أسعد لحظات عمره، فنطق بها في المسجد وسط تكبير وتهليل أكثر من مائتي مسلم، وفاضت الدموع من عينيي ميكائيل وهم يحتضنونه ويقبلونه بحرارة، مهنئينه بمولده الجديد، كما لم يفعل أحد من أفراد عائلته معه طوال حياته، وللمرة الأولى في حياته نام بعد عودته إلى مسكنه نومًا عميقًا مريحًا هادئًا بلا كوابيس ولا قلق كما كان يحدث له من قبل، وعكف خلال الأسابيع التالية على قراءة كتاب "تفسير معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية" الذي كان إمام المسجد قد أهداه إليه، وقد وجد في القرآن الكريم كل الإجابات الكافية و الشافية -بوضوح تام- على كل ما كان يعصف بعقله من تساؤلات حائرة عن الله تعالى، وعيسى، والأنبياء عليهم السلام، وحكمة الخلق، والحياة، والآخرة، والعبادات، والتشريعات وغير ذلك.

وبعد اعتناقه الإسلام بثلاثة أسابيع تقريبًا رأى ميكائيل -في منامه- الرسول صلى الله عليه وسلم مبتسمًا مرحبًا به، وكان عليه السلام مع عدد من أصحابه يؤدون الصلاة في حديقة مليئة بالأشجار والأزهار -وخاصة الياسمين- لم ير ميكائيل لها مثيلاً من قبل في جمالها وروعتها، وتعرّف على شخص النبي الأكرم فورًا من بين كل من كانوا يصلون معه، وأحس بحب وشوق شديدين إليه، اندفع نحوه بلهفة قائلاً له: أتأذن لي يا سيدي في أن أعانقك؟! ابتسم صاحب الخلق العظيم مجيبًا: ليس الآن، هناك شيء أريدك أن تفعله قبل ذلك، ظنّ ميكائيل أنّ السبب هو أنّه لم يحسن الصلاة، فذهب إلى الموضع الذي كانوا يصلون فيه، وهو أرض مبلّطة برخام ثمين نادر، وأعاد الصلاة بخشوع، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: هل أعانقك الآن؟ ابتسم عليه السلام وقال له: لا ليس بعد، أنت لم تفعل ما أخبرتك به بالشكل المطلوب، وتكرر هذا مرة ثالثة، ثم قال ميكائيل في المرة الأخيرة: حسنًا يا سيدي سوف أبذل كل جهدي لتنفيذ ما أمرتني به، حتى أكون جديرًا بمعانقتك، فأشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم أن نعم اجتهد أن تفعل ما قلت لك، ثم استيقظ من نومه عند هذا الحد.

وبعد ذلك بعدة أسابيع رأى ميكائيل في منامه أنه يتحاور مع إخوته الأشقاء -غير المسلمين- وأحد القساوسة وراهبة في إحدى الكنائس حول الأديان، وحاولوا إقناعه بالدخول في الكفر من جديد فرفض، وقال لهم: أنتم على ضلال، تشاجروا معه وحاول بعدهم أن يضربه بعصا لكنه أمسكها بيده ومنعه من ذلك، وكرروا محاولة الاعتداء عليه فمنعهم أيضًا، وحان وقت صلاة الظهر فطلب منهم السماح له بالصلاة فاعترضوا، فخرج من الكنيسة إلى حديقة أمامها وأقام الصلاة، بعد تكبيرة الإحرام بدأ في قراءة الفاتحة, ولاحظ أن عددًا من النصارى خرجوا وراءه من مبنى الكنيسة، وبدءوا في الصلاة خلفه فور سماعهم لترتيله فاتحة القراّن الكريم بصوت جميل عذب وتجويد تام، ولم يكد ينتهي من قراءة الفاتحة حتى وجد أنّ أعداد المصلين خلفه قد تضاعفت، فرغ من أداء الصلاة والتفت خلفه فإذا به يرى كل من كانوا بداخل الكنيسة قد خرجوا جميعا -ومعهم القسيس والراهبة- واصطفوا خلفه يؤدون صلاة الظهر بالحديقة!!

وبعد ذلك بقليل تحولت الكنيسة إلى مسجد، وفي صلاة العصر انضم إليه كل سكان المنطقة من رعايا تلك الكنيسة -سابقًا- بمن فيهم النساء والأطفال!!

كانت تلك الرؤيا -مع رؤيا النبي عليه السلام من قبل- توجيهًا إلهيًّا واضحًا بما يشبه المعجزة، لقد فهم ميكائيل الأمر النبوي الشريف له بالتزود بالمعرفة الإسلامية الكافية ودراسة العلوم الشرعية مع التطبيق السليم، ثم دعوة أهله وأقاربه وكل أصدقائه ومعارفه وجيرانه ومن يقابلهم في أي مكان -بالحكمة والموعظة الحسنة- إلى الإسلام.

ومنذ ذلك الوقت نذر الداعية الأمريكي نفسه وكلَّ ما يملك لإرشاد الضالين والحيارى في بلاد العم سام إلى الله.

وفى الختام يقول ميكائيل: لقد سألني أخٌ في الله: ماذا تريد أكثر من أن ترى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام؟! إنّ هذا لخير عظيم يتمناه الملايين ممن ولدوا مسلمين ولم يحصلوا عليه؟!

وأجيب بأنّ هذه منحة كبرى من الله حقًّا بعد أن أنعم علينا بالإسلام، وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن يثبّتنا على ملّته، وأن يقبضنا عليها، وأن يجعلنا هداة مهتدين، ويهدي بنا الملايين إن لم يكن المليارات من البشر إلى الحق والسلام والإسلام، وأُبشّر المسلمين في كل مكان بأننا نشهد الآن فتحًا جديدًا لا ريب فيه، فالإسلام ينتشر هنا في الغرب بسرعة البرق الخاطف، أو كضياء الشمس الذي يغمر كل الكائنات في ثوان معدودات، ولا يستطيع أحد وقفه أو الحد من انتشاره، وحتى المشاكل أو المصائب التي يواجهها المسلمون هنا تنقلب بقدرة وفضل الله عز وجل إلى خير عظيم، وسوف أضرب لكم مثالاً واحدًا ليعلم الجميع أنّ الله تعالى لا يقوى على حربه أحد، وأنّ الله يرد كيد الأعداء إلى نحورهم، وهو نعم الناصر والمعين للمؤمنين. فقد شعرنا جميعًا بالحزن -في المنطقة التي أسكن فيها- بسبب اعتقال إمام مسجدنا رغم أنّ التحقيقات أثبتت براءته!! ولكنّ المولى عز وجل أراد به وبآخرين الخير كل الخير، فقد جعله سببًا في اعتناق أكثر من ثلاثين شخصًا للإسلام داخل السجن خلال بضعة أسابيع فقط، ولو لم يدخل هذا الإمام الفاضل السجن فمن كان سيدعو هؤلاء السجناء؟! ومن كان سيعلمهم قواعد الإسلام؟!!

أسأل الله تعالى أن يستعملني في الدعوة المباركة إلى آخر لحظة من العمر، وأن يكون آخر كلامي لحظة خروج الروح من جسدي: لا اله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله، صلى الله عليه وعلى اّله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

وقفات في وفاة الشيخ ابن باز

وقفات في وفاة الشيخ ابن باز


إنَّ الحمد لله...



أمَّا بعدُ:

فيا معشر المؤمنين، اتَّقوا الله حق تُقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون.



عباد الله:

إنَّ ترابُط أفرادِ المجتمع المسلم علامةُ خير ورشد؛ فالمسلم يفرح لفرح أخيه، ويسعدُ لسروره، ويتمنى الخير له، كما يُشاركه في حزنه إنْ ألَمَّتْ به مصيبة، أو حلَّت به نازلة، فالمسلمون كالجسَد الواحد، والجسد يتألَّمُ كله لألم أحد أعضائه فضلاً عن فقدانه: ((المسلمون كرجلٍ واحدٍ؛ إنِ اشتكى عينُه اشتكَى كلُّه، وإنِ اشتكَى رأسُه اشتكى كلُّه))؛ مسلم.



ألا وإنَّ ممَّا يُحمَد لمجتمعنا المسلم حبَّه للعلماء الراسخين والدعاة الصادقين، والصُّدور عن فتياهم، والأخْذ بأقوالهم الموافقة للكتاب والسُّنَّة، فما تنزلُ بالمسلمين نازلةٌ إلا ويسارع كثيرٌ إلى سؤال العلماء والاستنارة برأيهم، أمَّا إنْ حلَّ بأحد العلماء أجلُه المقدَّر، وانطوت صحيفته وانتقل عن هذه الدنيا، فإنَّ الجموع تحزنُ والعيون تدمع، وكأنها فقدت أبًا أو أمًّا أو قريبًا لصيقًا، وممَّا يُؤكِّد هذا ما لمسه الجميع من الحزن الذي حلَّ بهذه الأمة بفقد عالمِها وإمامها سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، رحمه الله تعالى رحمة واسعة، اللهمَّ اغفِرْ له وارفَعْ درجته في المهديِّين، واخلُفْه في عَقِبِه في الغابرين، واغفِرْ لنا وله يا ربَّ العالمين، وافسحْ له في قبره ونوِّر له فيه.



عباد الله:

إنَّ محبة العلماء عبادةٌ؛ لما يحملونه من كلام الله تعالى وكلام نبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ من إجلال الله تعالى إكرامَ ذي الشيبة المسلم وحامل القُرآن غير الغالي فيه والجافي عنه))؛ حديث حسن رواه أبو داود.



وللعلماء في الدِّين منزلة لا تخفى؛ فهم الذين رفعهم الله فقال: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].



يقول الإمام ابن القيِّم - رحمه الله - عن العلماء:

هم في الأرض بمنزلة النُّجوم في السماء، بهم يهتَدِي الحيران في الظَّلماء، وحاجةُ الناس إليهم أعظمُ من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض من طاعة الآباء والأمَّهات بنصِّ الكتاب؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 59]، ا. هـ.



وقال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله -:

الناس أحوجُ إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب؛ لأنَّ الطعام والشراب يحتاجُ إليه في اليوم مرَّتين أو ثلاثًا، والعلم يحتاج إليه في كلِّ وقت، ا. هـ.



وأثَرُ العلماء لا يخفى في البلد والمجتمع؛ قال ميمون بن مهران: إنَّ مَثَلَ العالم في البلد كمَثَلِ عينٍ عذبة في البلد.



ولذا كان فَقْدُ العالم مصيبةً في المجتمع؛ قال الحسن: موت العالم ثلمةٌ في الإسلام لا يسدُّها شيء ما اختلف الليل والنهار.



وقال أيوب: إنِّي أُخبَرُ بموت الرجل من أهل السُّنَّة فكأني أفقد بعض أعضائي.

لَعَمْرُكَ مَا الرَّزِيَّةُ فَقْدَ مَالٍ
وَلاَ شَاةٌ تَمُوتُ وَلا بَعِيرُ
وَلَكِنَّ الرَّزِيَّةَ فَقْدُ شَخْصٍ
يَمُوتُ لِمَوْتِهِ خَلْقٌ كَثِيرُ


كيف لا يُقال ذلك والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقولُ: ((إنَّ الله لا يقبضُ العلم انتزاعًا ينتزعُه من الناس، ولكن يقبضُ العلم بقبْض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا اتَّخذ الناس رُؤوسًا جهالاً، فسُئِلوا، فأفتَوْا بغير علمٍ؛ فضلُّوا وأضلُّوا))؛ متفق عليه.



إخوةَ الإيمان:

ما زالَ الألم بفقْد الشيخ مُوجِعًا، وقد تجاوَبت أرجاء العالم بالتعزية فيه، وذكْر مَآثِره وتعداد مناقبه، وقد أفضى الشيخ إلى ربِّه، وهو سبحانه أعلم بعبدِه وما قدَّمَه في سبيل دِينه، ورحمةُ الله واسعةٌ، وما عندَ الله خيرٌ وأبقى.



ولكنَّ الحاجة الآن ماسَّةٌ إلى أخْذ العِبرة من سِيرة الشيخ والبحث في سِرِّ هذا الحبِّ الذي ملأ القلوب، وعطَّر الأفواه ممَّا تكنُّه جموع المسلمين في مَشارق الأرض ومغاربها على اختلاف طَبقاتها وتباعُد أقطارها، بل إنَّ الشيخ وسِيرته مدرسةٌ حافلة بالعطاء والبذْل في شتَّى الميادين، فقد تمكَّنت محبَّةُ الشيخ في قُلوب الجميع، وهذه منحة إلهيَّة تُذكِّرنا بالحديث المتَّفق على صحَّته: ((إذا أحبَّ الله تعالى العبدَ نادى جبريل: إنَّ الله يحبُّ فلانًا فأحببه، فيُحبه جبريل، فيُنادي في أهل السماء: إنَّ الله يحبُّ فلانًا فأحبُّوه، فيحبه أهل السَّماء، ثم يُوضَع له القبول في الأرض))، فمحبَّة الناس لا تُشتَرى بالمال، ولا بالتزيُّن الأجوف الذي لا ينطلقُ من مَبادِئ راسخة وقِيَمٍ ثابتة.



والحديث عن الشيخ يدعونا إلى تلمُّس العظات والفوائد التي ينبغي الوقوفُ عندها من الجميع، لا سيَّما العلماء والدعاة وطلبة العلم وأهل المال والجاه، وإليكُموها في هذه الوقفات المختصرة:

الأولى: تميُّز الفقيد - رحمه الله تعالى - بالمنهج العلمي الراسخ في الوقوف مع الدليل الصحيح من الكتاب والسُّنَّة وفق قواعد الاستدلال والترجيح المُعتَبرة، دُون اللجوء إلى التقليد لِمَن سبق من العلماء والاكتفاء بذلك، لا سيَّما في المسائل المشكِلة والنوازل المعضلة، وهذه سمةٌ عظيمة يعرفُ طلاب العلم أثرَها ومَسِيسَ الحاجة إليها.



الثانية: تميُّز الشيخ - رحمه الله تعالى - بالحِرص الشديد على العلم، وقَضاء الأوقات الكثيرة فيه، وترتيب الأوقات المناسبة له، والحِرص على استقطاب طلاب العلم، وإعانتهم وترغيبهم والإنفاق عليهم، وتفقُّد أحوالهم، وتشجيع النابهين منهم وتعاهدهم.



ولما أعطى الشيخ العلم وقتَه أو غالب وقته أكرَمَه الله تعالى بسَعة العلم والتبحُّر فيه، فمنذُ تولَّى الشيخ القضاء وعمره سبعة وعشرون عامًا إلى أنْ تُوفِّي وعمره تسعون عامًا أو تنقص قليلاً ودروس العلم مستمرَّة لم تنقطعْ طيلة ثلاث وستين عامًا، وفي ذلك عبرةٌ لطلاب العلم؛ فالعلم لا يُؤخَذ جملةً واحدة.



اليَوْمَ عِلْمٌ وَغَدًا مِثْلُهُ
مِنْ نُخَبِ العِلْمِ الَّتِي تُلْتَقَطْ
يُحَصِّلُ المَرْءُ بِهَا حِكْمَةً
وَإِنَّمَا السَّيْلُ اجْتِمَاعُ النُّقَطْ


فما أحوج طلبة العلم إلى التأسِّي بالشيخ في طلب العلم وبذل الوقت فيه، ثم التصدِّي لنشره، وتعليم الناس ما يهمُّهم ويقيم حياتهم، والصبر على ذلك، والأمَّة لا تزال بخيرٍ ما دام العلم مبسوطًا للجميع، والنبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((الدنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه وعالمًا ومتعلمًا))؛ رواه الترمذي وحسَّنه.



وقد ضرَب الشيخ مثلاً رائعًا في كيفيَّة استغلال الوقت وتنظيمه ما بين حاجةِ النفس من الراحة والعبادة، وحاجة المجتمع وطلاب العلم وعامَّة الناس، والحاجة إلى التزوُّد من العلم والاطِّلاع في كتب العلماء ونشر العلم، وإنْ ضاق وقته وازدحمت المهام عليه ضحَّى براحته وصحَّته في سبيل نفع المسلمين، والشَّواهد على هذا كثيرةٌ من سيرته - رحمه الله تعالى.



الثالثة: عُرِفَ الشيخ - رحمه الله تعالى - ببذْل جاهه في حاجات المسلمين في داخل البلاد وخارجها، وكم من المشاريع الإسلاميَّة والمساجد وصُروح العلم التي ساهم فيها برأيه وجاهِه لدى أرباب الأموال والمسؤولين! وكان - رحمه الله تعالى - أبًا للمحتاجين والفقراء؛ يُواسيهم بماله قدر استطاعته، وربما استدان لإغاثة ملهوفٍ، فضلاً عن الشفاعة لدى المحسنين، ودلالتهم على ذوي الفقر والحاجة، وهذا يُذكِّرنا بالدور الذي يجبُ على ذوي الجاه والمكانة من بذل الخير ومدِّ يد الإحسان نحو عباد الله، والمساهمة في رفع الضرِّ والفاقة عن المعوزين.



الرابعة: وممَّا يشهدُ به لسَماحة الفقيد تفقُّد أحوال المسلمين ومُتابعة أخبارهم، والتألُّم لآلامهم في شتَّى بِقاع العالم، وكم صدَر له من البَيانات والفتاوى فيما يهمُّ المسلمين ويمسُّ حاجتهم، فقد كان - رحمه الله - عالميًّا في مُتابَعة هموم إخوانه، وإنْ بعدت دِيارهم وتناءَتْ أقطارهم، ولم تشغَلْه مهامُّه الضَّخمة وارتباطاته ودروسه العلميَّة عن معرفة قَضايا المسلمين والمساهمة في حلِّ مشكلاتهم، وهذا هو الواجب الذي يجبُ القيام به، فالمسلمون كالجسد الواحد، ولعلَّ تأثُّر المسلمين في شتَّى بِقاع العالم بوفاته صدى لجهودِه وعلامةً على وصول أثرِه إليهم - رحمه الله تعالى.



الخامسة: كما تميَّز - رحمه الله - بالرِّفق بالناس وتحملُ جاهلهم، والصَّفح عن المتجاهِل، والصبر على المفتري والمتطاول، ومُعالجة أمره بالرِّفق واللين، حتى وإنْ كبرت خطيئته، ولا يسأم من كثرة المناصحة والكتابة عند الحاجة إليها، كما كان - رحمه الله - قائمًا بالحِسبة وإنكار المنكرات، ومُتابَعة ذلك، حتى وإنْ كان وراءها مَن يزينها أو يُرقِّقها، نحسبُه كذلك والله حسيبُه ولا نُزكِّي على الله أحدًا.



ولا ريب أنَّ الاحتساب وإنكار المنكرات واجب على كلِّ مسلم بحسَب قدرته، والعلماء أَوْلَى مَن تصدَّى لذلك وأقدر لما حَباهم الله من الفقه والحكمة.



السادسة: أنَّ المتابع لسيرة الفقيد وبرنامجه اليومي يرى عَجَبًا، فوقته - رحمه الله - مملوءٌ بدروس العلم والإفتاء وخِدمة المسلمين، والسعي في مصالحهم من بعد صلاة الفجر إلى الهزيع الأوَّل من الليل، وهذا دأبُه طيلة ثلاث وستين عامًا كما ذكره القَريبون منه، ولم يعرفْ عنه أنَّه أخذ إجازة من عمَلِه الوظيفي، أو تخلَّى عن جدوله اليومي لأجل راحةٍ أو نزهةٍ، وهذا علامةٌ على الجديَّة وأخْذ الأمور بالعزم، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، وفي ذلك عبرةٌ للمعتبِرين، وهي شهادةٌ على أنَّ هذا الدِّين محفوظ - بإذن الله تعالى - وأنَّ الله سبحانه يقيضُ لدينه مَن يبذل له مهجته ويفرغ له وقته.



السابعة: ضرَب الفقيد - رحمه الله - أروع الأمثلة في الكرم الحقيقي فمائدته منصوبة لمدة ثلاث وستين عامًا، غداءً وعشاءً بلا إسراف ولا مخيلة، أو تمييز هذا عن ذاك، وربما اجتمع في مأدبته الأمير والفقير، والنسيب والغريب، بل كان مَلجَأ للمساكين الذين لا يجدون مَن يؤويهم، وذلك فضل الله يُؤتيه مَن يشاء، ولا رادَّ لفضله.



الثامنة: عَرَفَ الشيخ - رحمه الله تعالى - للحكام والولاة حقَّهم، ولم يمنَعْه ذلك من المناصحة والرفع عن كلِّ ما يبلغُه من القضايا والمنكرات إلى ولاة الأمر؛ براءةً للذمَّة، وقيامًا بالواجب المناط بالعلماء. ولقد كان لكلمته الأثرُ البالغ، في بلادٍ تعرفُ للعلماء قدرَهم، ولله الحمدُ والمنَّة سبحانه.



التاسعة: أنَّ العلم المقترن بالعمل إذا زانَه تواضع، وحلاه زهد في الدنيا وزخرفها، وصَحِبَه ورع عمَّا في أيدي الناس - يكسب صاحبه هيبةً ومحبةً في القلوب، وهذا ما كان عليه الشيخ - رحمه الله - نحسبُه كذلك والله حسيبه ولا نُزكِّي على الله أحدًا.



﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]، أقول ....




الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين.



وبعدُ: يا عباد الله:

هذه بعضُ الوقفات التي نحتاجُ إلى تذكُّرها في هذه المناسبة، وما أحرانا أنْ نتَّعظ ونعتَبِرَ، وأنْ يعرف كلُّ واحد منَّا دوره ومسؤوليَّته نحو دِين الله تعالى، أمَّا الشيخ فقد أفضى إلى ربِّه ولا ينفعه منَّا الآن إلا الدعاء له، وما خلفَه من الولد الصالح والصدقة الجارية، اللهمَّ اغفِرْ له وارحَمْه وعافه واعفُ عنه وأكرم نزلَه ووسِّع مدخلَه، واغسله بالماء والثَّلج والبرَد، ونقِّه من الذنوب والخَطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدَّنس، واجزِهِ عنَّا وعن المسلمين خيرًا، اللهمَّ اجبرْ مُصيبتنا فيه واخلُفنا خيرًا منه، إنَّك على كلِّ شيءٍ قدير.

~ سلسلة عظماء اسلموا ~ الحلقة الثالثة {مايك تايسون الملاكم الأمريكي }

من هو مايك تايسون

وُلِدَ تايسون عام 1966م في الثلاثين من شهر يونيو. عاش تايسون حياة قاسية منذ طفولته، فهو ابن إحدى الأسر الزنجية، ترك والده المنزل وهو لا يزال طفلاً، وقد ساعدته عضلاته كثيرًا في أن يصبح متميزًا بين أقرانه، وكان يضرب كل من يخالفه حتى إن إدارة مدرسته اضطرت إلى فصله نهائيًّا؛ خوفًا من خطورته الكبيرة على بقية التلاميذ، وتمَّ إيداعه إحدى دور رعاية الأحداث.

وفي هذه الدار لفت (تايسون) بعضلاته الضخمة وتكوينه القوي نظر أحد مدربي الملاكمة فتولاه بالرعاية، وتنبَّأ له بمستقبل كبير في دنيا الملاكمة، وهذا ما حدث بالفعل عندما احترف (تايسون) الملاكمة.

وبدأت شهرته عندما أحرز بطولة العالم للوزن الثقيل عام 1985م، لتتوالى انتصاراته بعد ذلك التاريخ؛ حيث استطاع تايسون أن يمتلك سجلاً غنيًّا يضم 50 فوزًا، منها 44 بالضربة القاضية، إضافةً إلى مباراتين لم تُحسَما، محققًا 37 فوزًا متتاليًا منذ إحراز بطولة العالم 1985م، وحتى عام 1990م.

إسلام مايك تايسون
ساعد تايسون في التفكير الجدي في اعتناق الإسلام تمضيةُ ثلاث سنوات في السجن، أي نصف مدة العقوبة التي حُوكم بها وهي ست سنوات في سجن إنديانا للشباب؛ حيث وجد في خلوة السجن فرصة سانحة في مراجعة مسار حياته داخل حلبة الملاكمة وخارجها، فصمم بعد دراسته للإسلام على أن هذا الدين هو الذي سيساعده على تجاوز كل مشكلاته في الحياة.

اختار مايك تايسون بعد اعتناقه الإسلام اسمًا جديدًا لنفسه، وهو مالك عبد العزيز، باعتبار أن اسم مالك هو الاسم الإسلامي المقابل لاسم مايك، ورغم نجاحه في تغيير دينه، إلا أنه لم ينجح في تغيير اسمه؛ إذ ظلَّت وسائل الإعلام المختلفة تناديه بمايك تايسون؛ حيث كان إسلام تايسون بالنسبة لوسائل الإعلام الأميركية المختلفة له نفس صدى إسلام محمد علي كلاي في الستينيات.

ومن وقتها لاحظ كثيرون كيف أصبح تايسون حنونًا وأكثر تواضعًا واحترامًا بعد اعتناقه الإسلام، فقد أخذ على نفسه عهدًا بالحفاظ على الصلوات الخمس، والالتزام بأوامر الله ونواهيه؛ ليكون مسلمًا صادقًا في إيمانه، ومخلصًا في إسلامه ومطيعًا لربه، راجيًا رضاه ومغفرته.

يقول مايك تايسون: لقد قضى السجن على غروري، ومنحني الفرصة للتعرف على الإسلام، وإدراك تعاليمه السمحة التي كشفت لي عن حياة أخرى لها مذاق مختلف. وقد أمدني الإسلام بقدرة فائقة على الصبر، وعلمني أن أشكر الله حتى على الكوارث.

ويضيف: لم أكن أقبل أن أسلم بدون اقتناع؛ ولهذا كنت مترددًا في بداية الأمر حتى درست القرآن الكريم، ووجدت فيه إجابات على كل الأسئلة عن الحياة والموت، وأشد ما أقنعني في القرآن أنه يحترم اليهودية والمسيحية في الوقت الذي ينكر فيه اليهود المسيح، والمسيحيون ينكرون الإسلام، وكان إسلامي بعد هذا الاقتناع أكثر قوة فيما لو أسلمت دون دراسة أو وعي.

وعمّا أضافه الإسلام له، يقول مايك تايسون: كوني مسلمًا لا يعني أنني أصبحت ملاكًا، لكن ذلك سوف يجعلني شخصًا أفضل، أبتعد بنفسي عن الرذائل. وقد خرج تايسون من السجن ليعيش حياة إسلامية هادئة وسط أسرته التي أسلمت جميعًا، وكان أول ما فعله تايسون عقب خروجه من السجن أن توجه إلى أحد المساجد بصحبة أستاذه محمد علي كلاي ولاعب كرة السلة السابق كريم عبد الجبار اللذين كانا في استقباله؛ وذلك لأداء صلاة الشكر لله أن منَّ عليه بنعمة الإسلام.

الصحابي الجليل -خباب بن الارت-رضي الله عنه

 من سير اعلام النبلاء -بتصرف-











 خباب بن الارت





ابن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة، من تميم.
أبويحيى التميمي.



من نجباء السابقين.
له عدة أحاديث.
وقيل: كنيته أبو عبد الله.



شهد بدرا، والمشاهد.



حدث عنه: مسروق، وأبو وائل، وأبو معمر، وقيس بن أبي حازم، وعلقمة بن قيس ; وعدة.


قيل: مات في خلافة عمر، وصلى عليه عمر.



وليس هذا بشئ، بل مات بالكوفة سنة سبع وثلاثين، وصلى عليه علي.




وقيل: عاش ثلاثا وسبعين سنة.




نعم، الذي مات سنة تسع عشرة وصلى عليه عمر: هو خباب مولى عتبة بن غزوان، صحابي مهاجري أيضا.
عن مجاهد: أول من أظهر إسلامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وخباب، وبلال، وصهيب، وعمار.
وأما ابن إسحاق، فذكر إسلام خباب بعد تسعة عشر إنسانا، وأنه كمل العشرين.


 قال عمر لخباب: ادنه، فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار.
قال: فجعل يريه بظهره شيئا من آثار تعذيب قريش له .
عن خباب، قال: كنت قينا بمكة، فعملت للعاص بن وائل سيفا، فجئت أتقاضاه، فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد.


فقلت: لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث.
فقال: إذا بعثت كان لي مال ، فسوف أقضيك.
فقلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأنزلت:  (أفرأيت الذي كفر بآياتنا) [ مريم: 78 ].




لخباب بالمكرر اثنان وثلاثون حديثا.




ومنها: ثلاثة في " الصحيحين " وانفرد له البخاري بحديثين ; ومسلم بحديث

قصص الانبياء - الشيخ نبيل العوضي - قصة بداية الخلق ثم خلق آدم عليه السلام

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونـــــعوذ بالله من شرور أنفسنا

ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،

وأشهد ان لا إلـــــــه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبـده ورسـولـــه

اما بعد







 بسم الله الرحمن الرحيم

{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }
صدق الله العظيم




  نبذة عن الموضوع و محتواه

ساطرح بين ايديكم  سلاسل من قصص الانبياء عليهم السلام

للشيخ نبيل العوضي






رابط التحميل







وجزاكم الله خيراً
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

اخوكم في الله عماد

اللهم اجعل عملنا كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل فيه لأحد غيرك شيئا

زياد علي

زياد علي محمد