السبت، 24 أغسطس 2019

الإمام شمس الدين أبو عبد الله الدمشقي، ابن القيم

هو الإمام ,المجاهد, العابد, محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد ابن جرير الزرعي الإمام شمس الدين أبو عبد الله الدمشقي المعروف بابن قيم لجوزية الحنبلي ولد سنة 691 وتوفي سنة 751 إحدى وخمسين وسبعمائة.

كان والده شيخاً صالحاً عابداً ناسكاً, وكان له الأثر الكبير في توجيهه لطلب العلم, فبدأ بطلب العلم من الصغر.

أخذ عنه العلم خلق كثير من حياة شيخه وإلى أن مات، وانتفعوا به، وكان الفضلاء يعظمونه، ويتتلمذون له، كابن عبد الهادي وغيره.

ودرس بالصدرية. وأمَّ بالجوزية مدة طويلة. وكتب بخطه ما لا يوصف كثرة.

وصنف تصانيف كثيرة جداً في أنواع العلم. وكان شديد المحبة للعلم، وكتابته ومطالعته وتصنيفه، واقتناء الكتب، واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره.

اشتهر بابن قيم الجوزية, وذلك أن والده كان قيّماً على المدرسة الجوزية بدمشق, فلذلك عرف بابن القيِّم.



مشايخه:

التقي سليمان, وأبو بكر بن عبد الدائم, والمطعم, وابن الشيرازي, وإسماعيل ابن مكتوم وقرأ العربية على ابن أبي الفتح, والمجد التونسي, وقرأ الفقه على المجد الحراني, وابن تيمية, وكان لأبيه في الفرائض يد فأخذها عنه, وقرأ في الأصول على الصفي الهندي, وابن تيمية.



تلاميذه:

ابنه برهان الدين إبراهيم, ابنه شرف الدين عبد الله, أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير, أبو الفرج زين الدين عبد الرحمن المعروف بابن رجب الحنبلي, أبو الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي, محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي, محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن قدامة المقدسي, محمد بن يعقوب الفيروز آبادي.



مصنّفاته:

له الكثير من التصانيف, منها:

فمن تصانيفه: " تهذيب سنن أبي داود " وإيضاح مشكلاته والكلام على ما فيه من الأحاديث المعلولة ، " طريق الهجرتين وباب السعادتين " ، " منازل السائرين بين منازل إياكَ نَعْبُدُ وإياكَ نَسْتَعِين " ، " شرح أسماء الكتاب العزيز " ، " زاد المعاد في هدي خير العباد " ، " جلاء الأفهام في ذكر الصلاة والسلام على خير الأنام " ، " بيان الدليل على استغناء المسابقة عن التحليل " ، " نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول " ، " إعلام الموقعين عن رب العالمين " ، " بدائع الفوائد " , " الشافية الكافية في الانتصار للفرقة الناجية " ، " الصواعق المنزلة على الجهمية والمعطلة " ، " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " , " صفة الجنة " ، " روضة المحبين " ، " الداء والدواء " ، " تحفة الودود في أحكام المولود " ، " مفتاح دار السعادة " ، " اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية " , " الطرق الحكمية " , " رفع اليدين في الصلاة " , " عدة الصابرين " , " حكم تارك الصلاة " ، " التحفة المكية " كتاب " أمثال القرآن " " شرح الأسماء الحسنى " ، " أقسام القرآن ".



مناقبه وثناء العلماء عليه:

قال الحافظ ابن كثير كان ملازما للاشتغال ليلا نهارا كثير الصلاة والتلاوة حسن الخلق كثير التودد لا يحسد ولا يحقد ثم قال لا أعرف في زماننا من أهل العلم أكثر عبادة منه وكان يطيل الصلاة جداً ويمدّ ركوعها وسجودها ".

قال الحافظ ابن حجر: كان جريء الجنان واسع العلم عارفا بالخلاف ومذاهب السلف".

وقال الذهبي في المختصر: عني بالحديث ومتونه، وبعض رجاله. وكان يشتغل في الفقه، ويجيد تقريره وتدريسه، وفي الأصلين. وقد حبس مدة، لإِنكاره شد الرحال إلى قبر الخيل، وتصدى للأشغال، وإقراء العلم ونشره".

وقال ابن رجب: وكان رحمه الله ذا عبادة وتهجد، وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتأله ولهج بالذكر، وشفف بالمحبة، والإِنابة والاستغفار، والافتقار إلى الله، والإنكسار له، والإطراح بين يديه على عتبة عبوديته، لم أشاهد مثله في ذلك، ولا رأيت أوسع منه علماً، ولا أعرف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه، وليس هو المعصوم، ولكن لم أرَ في معناه مثله".

وقال القاضي برهان الدين الزرعي عنه: ما تحت أديم السماء أوسع علماً منه.

وقال عنه الشوكاني: العلامة الكبير المجتهد المطلق المصنف المشهور.



محنته:

قال الحافظ ابن حجر:

" واعتقل مع ابن تيمية بالقلعة بعد أن أهين وطيف به على جمل مضروبا بالدرة, فلما مات أفرج عنه, وامتحن مرة أخرى بسبب فتاوى ابن تيمية.

وقال ابن كثير: كان يُقصد للإفتاء بمسألة الطلاق حتى جرت له بسببها أمور يطول بسطها مع ابن السبكي وغيره.

وهو القائل:

بنيُّ أبي بكر كثير ذنوبه ... فليس على من نال من عرضه إثم

بني أبي بكر غدا متصدرا ... يعلم علما وهو ليس له علم

بني أبي بكر جهول بنفسه ... جهول بأمر الله أنى له العلم

بني أبي بكر يروم ترقيا ... إلى جنة المأوى وليس له عزم



وفاته:

توفي رحمه الله وقت عشاء الآخرة ليلة الخميس ثالث عشرين رجب سنة إحدى وخمسين وسبعمائة. وصلِّي عليه من الغد بالجامع عقيب الظهر، ثم بجامع جراح. ودفن بمقبرة الباب الصغير، وشيعه خلق كثير، ورئيت له منامات كثيرة حسنة رضي اللّه عنه.

وكان قد رأى قبل موته بمدة الشيخ تقي الدين رحمه الله في النوم، وسأله عن منزلته؟ فأشار إلى علوها فوق بعض الأكابر. ثم قال له: وأنت كدت تلحق بنا، ولكن أنت الآن في طبقة ابن خزيمة رحمه اللّه.

الصَحَابِي الجَلِيل ' تَمِيم بْن أوْس ' رَضِي الله عَنْهُ

تميم بن أوس
رضي الله عنه

تميم بن أوس بن خارجة بن سُود بن جَذيمة بن وداع الدَّاري ، أسلم في السنة التاسعة
من الهجرة ، وروى عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، كانت له ابنة اسمها رقية


إيمانه
كان من علماء الكتابين ( نصرانياً ) ، وكان يختم في ركعة ، وكان كثير التهجّد ، وقام ليلة بآية حتى أصبح وهي قوله تعالى :( أم حَسِبَ الذين اجترحوا السّيئات ) سورة الجاثية

كما أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أقْطَعه بيت حَبْرون عندما سكن في فلسطين ، وهو أول من أسْرَج السِّراج في المسجد ، وأول من قصّ القصص في عهد عمر


حديث تميم الكبير
نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( الصلاة جامعة ) فخرج المسلمون الى المسجد وصلوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فلمّا قضى رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- صلاتـه جلس على المنبـر وهو يضحـك فقال :( ليلْزَمْ كلُ إنسانٍ مصّلاه ) ثم قال :( أتدرون لِمَ جمعتُكم ؟)  قالوا :( الله ورسوله أعلم ) قال :( إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا رهبة ، ولكن جمعتكم لأنّ تميماَ الداري كان رجلاً نصرانياً ، فجاء فبايعَ وأسلمَ ، وحدّثني حديثاً وافقَ الذي كنتُ أحدّثكم عن المسيح الدَّجال
حدّثني أنه ركب في سفينة بحرية ، مع ثلاثين رجلاً من لخم وجُذام ، فلعب بهم الموجُ شهراً في البحر ، ثم ارْفَؤوا إلى جزيرةٍ في البحر ، حتى مغرب الشمس ، فجلسوا في أقْرُب السفينة -أي في السفن الصغيرة تكون مع السفينة الكبيرة- فدخلوا الجزيرة ، فلقيتهم دابّةٌ أهلب -أي غليظة الشعر- كثيرة الشعر ، لا يدرون ما قُبُلُـه من دُبـُره ، من كثرة الشعـر ، فقالوا :( ويلك ما أنتِ ؟!) فقالت :( أنا الجسّاسة ) قالوا :( وما الجسّاسة ؟) قالت :( أيها القوم ! انطلقوا إلى هذا الرجل في الدّير ، فإنه إلى خبركم بالأشواق ) قال : لمّا سمّتْ لنا رجلاً فرِقْنا منها -أي خِفنا منها- أن تكون شيطانة
قال : فانطلقنا سْرَاعاً ، حتى دخلنا الدّير ، فإذا فيه أعظمُ إنسانٍ رأيناه قطّ خَلْقاً ، وأشدُّهُ وِثاقاً ، مجموعةٌ يداه إلى عُنقه ، ما بين رُكبتيه إلى كعبيه بالحديد ، قلنا :( وَيْلَك ! ما أنت ؟) قال :( قد قَدَرْتُم على خبري ! فأخبروني ما أنتم ؟) قالوا :( نحن أناس من العرب ، ركبنا في سفينة بحريّة ، فصادفنا البحر حين اغتَلم -أي هاج- فلعب بنا الموجُ شهراً ، ثم أرفأنا إلى جزيرتِكَ هذه ، فجلسنا في أقرُبها ، فدخلنا الجزيرة ، فلقِيَتْنا دابّة أهلبُ كثير الشعر ، لا يُدرى ما قُبُلُهُ من دُبِرِه من كثرة شعره ، فقلنا :( ويلك ! ما أنتِ ؟) فقالت :( أنا الجسّاسة ) قلنا :( وما الجسّاسة ؟) قالت :( اعمِدُوا إلى هذا الرجل في الدّير فإنّه إلى خبركم بالأشواق ) فأقبلنا إليك سْرَاعاً ، وفزِعْنا منها ، ولم نأمن أن تكون شيطانة ؟) 

فقال :( أخبروني عن نخـل بَيْسَـانَ -قرية بالشام-) قلنا :( عن أيِّ شأنها تَسْتَخْبـِر ؟) قال :( هل في العيـن ماءٌ ؟ وهل يزرع أهلهـا بماء العيـن ؟) قلنا له :( نعم ، هي كثيرة الماء ، وأهلها يزرعون من مائها ) قال :( أخبروني عن نبيِّ الأمّيّين ما فَعل ؟) قالوا :( قد خرج من مكة ونزل يثرب ) قال :( أقاتله العرب ؟) قلنا :( نعم ) قال :( كيف صنع بهم ؟) فأخبرناه أنّه قد ظهرَ على من يليه من العرب وأطاعوه ) قال لهم :( قد كان ذلك ؟) قلنا :( نعم ) قال :( أما أنّ ذاك خيرٌ لهم أن يطيقوهُ ، وإني مخبركم عني                                         

إني أنا المسيح ، وإني أوشك أن يُؤذن لي في الخروج ، فأخرج فأسير في الأرض فلا أدعُ قريةً إلاّ هبطتها في أربعين ليلة ، غير مكة وطيبة فهما محرّمتان عليّ كلتاهما ، كلّما أردت أن أدخل واحدةً أو واحداً منها ، استقبلني مَلَكٌ بيده السيفُ صلْتاً ، يصدُّني عنها ، وإنّ على كلِّ نقبٍ منها ملائكةً يحرسونها )

فقال رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- وطعَنَ بمخْصرتِهِ في المنبـر :( هذه طَيْبَةٌ ! هذه طَيْبَةٌ ! هذه طَيْبَةٌ -يعني المدينة- ، ألا هلْ كنتُ حدّثتكم ذلك ؟) فقال الناس :( نعم ) قال :( فإنّه أعجبني حديثُ تميمٍ أنّه وافق الذي كنت أحدّثكم عنه وعن المدينة ومكة : ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن ، لا بل من قِبَلِ المشرق ما هو ، من قِبَلِ المشرق ما هو ، من قِبَلِ المشرق ما هو ) وأوْمَأ بيدِهِ إلى المشرق


فضله
قدِمَ معاوية بن حَرْمـَل المدينـة ، فلبث في المسجد ثلاثاً لا يُطْعِـم ، فأتى عمـر فقال :( يا أمير المؤمنيـن تائبٌ من قبل أن يُقْـدَرَ عليـه ؟) قال :( من أنت ؟) قال :( أنا معاوية بن حَرْمَل ) قال :( اذهب إلى خير المؤمنين فانزل عليه ) وكان تميم الدّاري إذا صلى ضربَ بيده عن يمينه وعن شماله فأخذ رجلين فذهَبَ بهما ، فصلّى معاوية إلى جنبه ، فضرب يده فأخذ بيده فذهب به ، فأتيا الطعام ، فأكل أكلاً شديداً ما شبع من شدة الجوع


وفاته

سلسلة رجال حول الرسول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما



الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله

من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له

و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم بإحسان الى يوم الديـــن و سلم تسليما كثيرا ،أما بعد يطيب لي إخوة الايمان في منتدى سير ألانبياء وأعلام الامة أن اضع بين أيديكم السلسسة المعروفة برجال حول الرسول



اليوم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما



شرف نسب عبد الله بن عمر:



هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، يكنى أبا عبد الرحمن، أمه زينب بنت مظعون، وُلد بعد البعثة بأربعة أعوام وكان أبوه ما زال على الكفر، وما إن أصبح يافعًا حتى كان الله قد هدى والده عمر بن الخطاب إلى الإسلام.

بدأت علاقته مع الإسلام منذ أن هاجر مع والده إلى المدينة وهو ابن عشرة أعوام، وبعد الهجرة أخذ ينهل من تعاليم الإسلام عن الرسول مباشرةً، حيث كان يتبعه كظلِّه.

لم يشهد بدرًا وأُحد لصغر سنِّه، وشارك في غزوة الخندق عندما سمح له النبي بذلك، وهو ابن خمسة عشر عامًا، وشارك في بيعة الرضوان. كان فقيهًا كريمًا حسن المعشر طيِّب القلب، لا يأكل إلا وعلى مائدته يتيم يشاركه الطعام.

محاكاة عبد الله بن عمر للرسول :

كان عبد الله بن عمر رضي الله حريصًا كل الحرص على أن يفعل ما كان الرسول يفعله، فيصلي في ذات المكان، ويدعو قائمًا كالرسول الكريم، بل يذكر أدق التفاصيل؛ ففي مكة دارت ناقة الرسول دورتين قبل أن ينزل الرسول من على ظهرها ويصلي ركعتين، وقد تكون الناقة فعلت ذلك بدون سبب، لكن عبد الله لا يكاد يبلغ نفس المكان في مكة حتى يدور بناقته ثم ينيخها ثم يصلي لله ركعتين تمامًا كما رأى الرسول يفعل، وتقول في ذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "ما كان أحد يتبع آثار النبي في منازله كما كان يتبعه ابن عمر ". حتى إنّ النبي نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة، فيصبُّ في أصلها الماء لكيلا تيبس.

جهاد عبد الله بن عمر :

أول غزوات عبد الله بن عمر رضي الله كانت غزوة الخندق، فقد اسْتُصْغِرَ يوم أُحد، ثم شهد ما بعدها من المشاهد، وخرج إلى العراق وشهد القادسية ووقائع الفرس، وورَدَ المدائن، وشهد اليرموك، وغزا إفريقية مرتين.

وكان ابن عمر رجلاً آدم جسيمًا ضخمًا، يقول ابن عمر: "إنّما جاءتنا الأدْمة من قِبل أخوالي، والخال أنزعُ شيء، وجاءني البُضع من أخوالي، فهاتان الخصلتان لم تكونا في أبي ؛ كان أبي أبيض، لا يتزوَّج النساء شهوةً إلا لطلب الولد".

قيامه الليل :

يحدثنا ابن عمر رضي الله عنه: "رأيت على عهد رسول الله كأن بيدي قطعة إستبرق، وكأنني لا أريد مكانًا من الجنة إلا طارت بي إليه، ورأيت كأن اثنين أتياني وأرادا أن يذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطيّ البئر، فإذا لها قرنان كقرني البئر، فرأيت فيها ناسًا قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار. فلقينا ملك فقال: لا تُرَع. فخليا عني، فقصَّتْ حفصة أختي على النبي رؤياي، فقال رسول الله: "نِعْمَ الرجلُ عبد الله، لو كان يصلي من الليل فيكثر". ومنذ ذلك اليوم إلى أن لقي ربَّه لم يدع قيام الليل في حلِّه أو ترحاله.

تقواه وعلمه :

كان عبد الله مثل أبيه تهطل دموعه حين يسمع آيات النذير في القرآن؛ فقد جلس يومًا بين إخوانه فقُرئ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 1-6]، ثم مضى يردد: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6], ودموعه تسيل كالمطر، حتى وقع من كثرة وجده وبكائه.

وكتب رجل إلى ابن عمر رضي الله عنه فقال: "اكتبْ إليَّ بالعلم كله". فكتب إليه ابن عمر: "إن العلم كثيرٌ، ولكن إن استطعتَ أن تلقى الله خفيفَ الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كافًّا لسانك عن أعراضهم، لازمًا لأمر الجماعة فافعلْ، والسلام".

شدة ورع عبد الله بن عمر :

دعاه يومًا الخليفة عثمان رضي الله عنه وطلب منه أن يشغل منصب القضاء فاعتذر، وألحَّ عليه عثمان فثابر على اعتذاره، وسأله عثمان : "أتعصيني؟" فأجاب ابن عمر : "كلا، ولكن بلغني أن القضاة ثلاثة: قاضٍ يقضي بجهل فهو في النار، وقاضٍ يقضي بهوى فهو في النار، وقاضٍ يجتهد ويصيب؛ فهو كفاف لا وزر ولا أجر، وإني لسائلك بالله أن تعفيني". وأعفاه عثمان بعد أن أخذ عليه عهدًا ألاَّ يخبر أحدًا؛ لأنه خشي إذا عرف الأتقياء الصالحون أن يتبعوه وينهجوا نهجه.

حذر عبد الله بن عمر :

كان شديد الحذر في روايته عن الرسول، فقد قال معاصروه: "لم يكن من أصحاب رسول الله أحدٌ أشد حذرًا من ألا يزيد في حديث رسول الله أو ينقص منه من عبد الله بن عمر".

كما كان شديد الحذر والحرص في الفُتيا، فقد جاءه يومًا سائل يستفتيه في سؤالٍ، فأجابه قائلاً: "لا علم لي بما تسأل". وذهب الرجل إلى سبيله، ولا يكاد يبتعد بضع خطوات عن ابن عمر حتى فَرَك ابن عمر كفيه فرحًا، ويقول لنفسه: "سُئل ابن عمر عمّا لا يعلم، فقال لا يعلم".

جود عبد الله بن عمر :

كان ابن عمر رضي الله عنه من ذوي الدخول الرغيدة الحسنة؛ إذ كان تاجرًا أمينًا ناجحًا، وكان راتبه من بيت مال المسلمين وفيرًا، ولكنه لم يدخر هذا العطاء لنفسه قَطُّ، إنما كان يرسله على الفقراء والمساكين والسائلين، فقد رآه أيوب بن وائل الراسبي وقد جاءه أربعة آلاف درهم وقطيفة، وفي اليوم التالي رآه في السوق يشتري لراحلته علفًا دَيْنًا، فذهب أيوب بن وائل إلى أهل بيت عبد الله وسألهم، فأخبروه: "إنه لم يبت بالأمس حتى فرَّقها جميعًا، ثم أخذ القطيفة وألقاها على ظهره وخرج، ثم عاد وليست معه، فسألناه عنها فقال: إنه وهبها لفقير".

كما كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه  يلوم أبناءه حين يولمون للأغنياء ولا يأتون معهم بالفقراء، ويقول لهم: "تَدْعون الشِّباع، وتَدَعون الجياع".

زهد عبد الله بن عمر :

أهداه أحد إخوانه القادمين من خُراسان حُلَّة ناعمة أنيقة، وقال له: "لقد جئتك بهذا الثوب من خراسان، وإنه لتقر عيناي إذ أراك تنزع عنك ثيابك الخشنة هذه، وترتدي هذا الثوب الجميل". قال له ابن عمر: "أرِنيه إذن". ثم لمسه وقال: "أحرير هذا؟" قال صاحبه: "لا، إنه قطن". وتملاّه عبد الله قليلاً، ثم دفعه بيمينه وهو يقول: "لا، إني أخاف على نفسي، أخاف أن يجعلني مختالاً فخورًا، والله لا يحب كل مختال فخور".

وأهداه يومًا صديق وعاءً مملوءًا، وسأله ابن عمر رضي الله عنه : "ما هذا؟" قال: "هذا دواء عظيم، جئتك به من العراق". قال ابن عمر: "وماذا يُطَبِّب هذا الدواء؟" قال: "يهضم الطعام". فابتسم ابن عمر وقال لصاحبه: "يهضم الطعام! إني لم أشبع من طعام قَطُّ منذ أربعين عامًا".

لقد كان عبد الله خائفًا من أن يقال له يوم القيامة: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: 20]. كما كان يقول عن نفسه: "ما وضعت لَبِنَة على لَبِنَة، ولا غرست نخلة منذ تُوُفِّي رسول الله". ويقول ميمون بن مهران: "دخلت على ابن عمر ، فقَومتُ (ثَمّنْتُ) كل شيء في بيته من فراش ولحاف وبساط، ومن كل شيء فيه، فما وجدته يساوي مائة درهم".

موقف عبد الله بن عمر من الخلافة :

عُرضت الخلافة على ابن عمر رضي الله عنه عدة مرات فلم يقبلها، فها هو الحسن يقول: "لما قُتِل عثمان بن عفان، قالوا لعبد الله بن عمر : "إنك سيِّد الناس وابن سيد الناس، فاخرج نبايع لك الناس". قال: "إني والله لئن استطعت، لا يُهرَاق بسببي مِحْجَمَة من دم". قالوا: "لَتَخْرُجَنَّ أو لنقتُلك على فراشك". فأعاد عليهم قوله الأول، فأطمعوه وخوفوه، فما استقبلوا منه شيئًا".

واستقر الأمر لمعاوية رضي الله عنه ومن بعده لابنه يزيد، ثم ترك معاوية الثاني ابن يزيد الخلافة زاهدًا فيها بعد أيام من توليه، وكان عبد الله بن عمر شيخًا مسنًّا كبيرًا، فذهب إليه مروان وقال له: "هَلُمَّ يدك نبايع لك؛ فإنك سيد العرب وابن سيدها". قال له ابن عمر : "كيف نصنع بأهل المشرق؟" قال مروان: "نضربهم حتى يبايعوا". قال ابن عمر : "والله ما أحب أنها تكون لي سبعين عامًا، ويقتل بسببي رجل واحد". فانصرف عنه مروان.

موقف عبد الله بن عمر من الفتنة :

رفض استعمال القوة والسيف في الفتنة المسلحة بين عليٍّ ومعاوية، وكان الحياد شعاره ونهجه: "من قال: حي على الصلاة أجبته، ومن قال: حي على الفلاح أجبته، ومن قال: حي على قَتْل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت: لا". يقول أبو العالية البراء: "كنت أمشي يومًا خلف ابن عمر وهو لا يشعر بي، فسمعته يقول: "واضعين سيوفهم على عَوَاتِقِهم، يقتل بعضهم بعضًا، يقولون: يا عبد الله بن عمر، أَعْطِ يدك".

وفاة عبد الله بن عمر :

كُفَّ بصر عبد الله بن عمر رضي الله عنه آخر عمره، وقد مات بمكة سنة أربع وسبعين للهجرة، وقيل: سنة ثلاث وسبعين وهو ابن أربع وثمانين سنة.

الصَحَابِي الجَلِيل ' الطٌفَيْل بنُ عَمْرُو الدّوسِي ' رَضِي الله عَنْهُ

الطفيل بن عمرو الدّوسي
رضي الله عنه
الطفيل بن عمرو الدوسي نشأ في أسرة كريمة في أرض ( دَوْس ) وذاع صيته كشاعر
نابغة ، وكان موقعه في سوق عكاظ في المقدمة ، وكان كثير التردد على مكة


اسلامه







وفي إحدى زياراته لمكة كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد شرع بدعوته ، وخشيت قريش أن يلقاه الطفيل ويسلم ، فيضع شعره في خدمة الإسلام ، لذا أحاطوا فيه وأنزلوه ضيفاً مكرماً ، وراحوا يحذرونه من محمد ، بأن له قولاً كالسحر ، يفرق بين الرجل وأبيه ، والرجل وأخيه ، والرجل وزوجته ، ويخشون عليه وعلى قومه منه ، ونصحوه بألا يسمعه أو يكلمه
وحين خرج الطفيل من عندهم ، وضع في أذنه كُرسُفاً ( القطن ) كي لا يسمع شيئا ، فوجد النبي -صلى الله عليه وسلم- قائما يصلي عند الكعبة ، فقام قريبا منه فسمع بعض ما يقرأ الرسول الكريم ، فقال لنفسه :( واثُكْلَ أمي ، والله إني لرجل لبيب شاعر ، لا يخفى علي الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من الرجل ما يقول ، فإن كان الذي يأتي به حسن قبلته ، وإن كان قبيحا رفضته )
ثم تبع الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى منزله ودخل ورائه و قال :( يا محمد إن قومك قد حدثوني عنك كذا وكذا ، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ، ولكن الله شاء أن أسمع ، فسمعت قولا حسنا ، فاعرض علي أمرك ) فعرض عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- الإسلام ، وتلا عليه القرآن ، فأسلم الطفيل وشهد شهادة الحق وقال :( يا رسول الله ، إني امرؤ مطاع في قومي وإني راجع إليهم ، وداعيهم الى الإسلام ، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عوناً فيما أدعوهم إليه ) فقال عليه السلام :( اللهم اجعل له آية )


الآيـة







وروى الطفيل قائلاً :( فخرجتُ إلى قومي ، حتى إذا كنت بثنيّة تُطلعني على الحاضر -القوم النازلين إلى الماء- فوقع نورٌ بين عيني مثل المصباح ، فقلت :( اللهم في غير وجهي ، فإني أخشى أن يظنّوا أنّها مُثلةٌ وقعتْ في وجهي لفراق دينهم ) فتحوّل النور فوقع في رأس سَوْطي ، فجعل الحاضر يتراءَوْن ذلك النور في سوْطي كالقنديل المعلّق ) وفي رواية كان يُضيء في الليلة المظلمة له ، فسُمّي ذا النور


أهل بيته







ما كاد الطفيل -رضي اللـه عنه- يصل الى داره في أرض ( دَوْس ) حتى أتى أبـاه فقال له :( إليك عني يا أبتـاه ، فلست مني ولست منك ) فقال :( ولِمَ يا بنيّ ؟) قال :( إني أسلمتُ واتبعتُ دين محمد -صلى الله عليه وسلم- ) 0قال :( يا بُنيّ ديني دينك ) قال :( فاذهب فاغتسلْ وطهّر ثيابك ) ثم جاء فعرض عليه الإسلام فأسلم 
ثم أتت زوجته فقال لها :( إليك عني لستُ منكِ ولستِ مني  قالت :( ولِمَ بأبي أنت ؟) قال :( فرّق بيني وبينك الإسلام ، إني أسلمتُ وتابعتُ دين محمد -صلى الله عليه وسلم- ) قالت :( ديني دينك ) 0فقال :( فاذهبي إلى حمى ذي الشّرىَ ، فتطهّري منه ) وكان ذو الشرَى صنم دَوس والحِمَى حمىً له يحمونه ، وله وَشَلٌ وماءٌ يهبط من الجبل ، فقالت :( بأبي أنت ، أتخافُ على الصبية من ذي الشرى شيئاً ؟) قال :( لا ، أنا ضامن لما أصابك) فذهبت فاغتسلت ثم جاءَت ، فعرض عليها الإسلام فأسلمت


أهل دَوْس








وانتقل الى عشيرته فلم يسلم أحد منهم سوى أبو هريرة -رضي الله عنه- ، وخذلوه حتى نفذ صبره معهم ، فركب راحلته وعاد الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يشكو إليه وقال :( يا رسول الله إنه قد غلبني على دَوْس الزنى والربا ، فادع الله أن يهلك دَوْساً !)000وكانت المفاجأة التي أذهلت الطفيل حين رفع الرسول -صلى الله عليه وسلم-كفيه الى السماء وقال :( اللهم اهْدِ دَوْساً وأت بهم مسلمين ) ثم قال للطفيل :( ارجع الى قومك فادعهم وارفق بهم )000فنهض وعاد الى قومه يدعوهم بأناة ورفق000


قدوم دَوْس
وبعد فتح خيبر أقبل موكب ثمانين أسرة من دَوْس الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- مكبرين مهللين ، وجلسوا بين يديه مبايعين ، وأخذوا أماكنهم والطفيل بين المسلمين ، وخلف النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وأسهم لهم مع المسلمين ، وقالوا :( يا رسول الله ، اجعلنا مَيْمَنتك ، واجعل شعارنا : مَبْرور ) ففعل ، فشعار الأزد كلها إلى اليوم ( مَبْرُور )


فتح مكة








ودخل الطفيل بن عمرو الدوسي مكة فاتحا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين ، فتذكر صنماً كان يصحبه اليه عمرو بن حُممة ، فيتخشع بين يديه ويتضرع إليه ، فاستأذن النبي الكريم في أن يذهب ويحرق الصنم ( ذا الكَفّين ) صنم عمرو بن حَمَمَة ، فأذن له النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فذهب وأوقد نارا عليه كلما خبت زادها ضراما وهو ينشد :( يا ذا الكَفّيْنِ لستُ من عُبّادِكا ، مِيلادُنا أكبرُ من مِيلادِكا ، إنّا حَشَشْنَا النارَ في فؤادِكا )


حروب الردة







وبعد انتقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى الرفيق الأعلى ، شارك الطفيل -رضي الله عنه- في حروب الردة حربا حربا ، وفي موقعة اليمامة خرج مع المسلمين وابنه عمرو بن الطفيل ، ومع بدء المعركة راح يوصي ابنه أن يقاتل قتال الشهداء ، وأخبره بأنه يشعر أنه سيموت في هذه المعركة وهكذا حمل سيفه وخاض القتال في تفان مجيد


الرؤيا







وقبل معركة اليمامة قال الطفيل لأصحابه :( إنّي رأيت رؤيا ، فاعْبُرُوها لي ، رأيتُ أنّ رأسي حُلِقَ ، وأنّه خرج من فمي طائرٌ ، وأنّه لقيتني امرأةٌ فأدخلتني في فرجها ، وأرى ابني يطلبني حَثيثاً ، ثم رأيته حُبسَ عنّي ) قالوا :( خيراً ) قال :( أمّا أنا والله فقد أوّلتها ) قالوا :( ماذا ؟) قال :( أمّا حلق رأسي فَوَضْعُهُ ، وأمّا الطائر الذي خرج من فمي فرُوحي ، وأمّا المرأة التي أدخلتني فرجها فالأرض تُحْفَرُ لي ، فأغَيّب فيها ، وأمّا طلب ابني إيّاي ثم حبْسُه عني فإني أراه سيجهد أن يُصيبه ما أصابني )


استشهاده


الصَحَابِية نَسِيبَة بنتُ كَعب ' أمُّ عمارة ' رضي الله عنها

نسيبة بنت كعب
أمُّ عمارة

نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مازن بن النجار الأنصارية
وكنيتهـا أمُّ عمارة ، كانت هـي وأختها في بيعـة العقبة الثانية وبايعتا
الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وقد حضر معها زوجها زيد بن عاصم
وابنها حبيب


غزوة أحد


خرجت نسيبة يوم أحد ومعها سقاء وفيه ماء ، فانتهت الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في أصحابه ، والدولة والربح للمسلمين ، فلمّا انهزم المسلمون انحازت الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، فكانت تباشر القتال وتذود عنهم بالسيف ، وترمي عن القوس حتى جُرِحَت على عاتقها جُرحاً أجوفاً له غَوْر ، أصابها به ابن قُميئة وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( لمقامُ نسيبة بنت كعب اليومَ خيرٌ من مقام فلانٍ وفلان ) وكان يراها تقاتل أشدَّ القتال ، وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جُرِحَت ، وقد قالت للرسول -صلى الله عليه وسلم- :( ادْعُ الله أن نرافقك بالجنة ؟!) فقال :( اللهمَّ اجعلهم رفقائي في الجنة ) فقالت :( ما أبالي ما أصابني من الدنيا ) 

وقد جُرِحَ يوم أحد ابنها عبد الله في عَضُده اليسرى ، ضربه رجل ورحل عنه ، وجعل الدم لا يرقأ ، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( اعْصِبْ جُرْحَك ) فأقبلت أمه نسيبة ومعها عصائب قد أعدّتها للجراح ، فربطت جُرْحَه ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- واقف ينظر إليه ، ثم قالت :( انهضْ بنيّ فضارِب القومَ ) فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول :( ومَنْ يُطيقُ ما تُطيقينَ يا أمَّ عمارة ؟!) وأقبلَ الرجلُ الذي ضرب ابنها فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :( هذا ضارب ابنك ) فاعترضته وضربت ساقه فبرَكَ ، فابتسم الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى رأت نواجذه وقال :( اسْتَقَدْتِ يا أمَّ عمارة ) وعندما أتوا على نفسه قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :( الحمدُ لله الذي ظفّركِ وأقرّ عينك من عدوّك ، وأراك ثأرَكِ بعينِك ) 

ولمّا انكشف الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقيت السيدة نسيبة وزوجها وابناها بين يديه يذُبّوا عنه ، والناس يمرون به منهزمين ، ورآها الرسـول الكريـم ولا ترسَ معها فرأى رجـلاً مُوليّاً معه ترس ، فقال له :( ألقِ تُرْسَـكَ إلى مَنْ يُقاتِل ) فألقى تُرْسَـه ، فأخذته نسيبة وتروي ذلك قائلة :( فجعلت أتترَس به عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وإنّما فعلَ بنا الأفاعيلَ أصحابُ الخيل ، لو كانوا رجّالةً مثلنا أصبناهم إنْ شاء الله ، فيُقبل رجلٌ على فرسٍ فضربني ، وتترّسْتُ له فلم يصنع سيفه شيئاً ، وولّى ، وأضرب عُرْقوب فرسِهِ ، فوقع على ظهره ، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يصيح :( يا ابن أم عمارة أمَّكَ أمَّكَ !) فعاونني عليه حتى أزْوَرْتُهُ شَعُوب )

ثم نادى منادي الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى حمراء الأسد لملاحقة قريش ، فشدّت عليها ثيابها ، فما استطاعت من نزف الدم ، ولمّا رجع رسول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- أرسل إليها عبد اللـه بن كعب المازنيّ يسأل عنها ، فرجع إليه يخبره بسلامتها ، فسُرَّ الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- بذلك


مقتل حبيب


رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يبعث لمسيلمة الكذاب رسالة ينهاه فيها عن حماقاته ، وحمل حبيب بن زيد الرسالة ، وفض مسيلمة كتاب رسول الله له فازداد ضلالا وغرورا ، فجمع مسيلمة قومه ، وجيء بمبعوث رسول الله وأثار التعذيب واضحة عليه ، فقال مسيلمة لحبيب :( أتشهد أن محمدا رسول الله ؟) وقال حبيب :( نعم ، أشهد أن محمدا رسول الله )  وكست صفرة الخزي وجه مسيلمة ، وعاد يسأل :( وتشهد أني رسول الله ؟) وأجاب حبيب في سخرية :( اني لا أسمع شيئا !!)   وتلقى الكذاب لطمة قوية أمام من جمعهم ، ونادى جلاده الذي أقبل ينخس جسد حبيب بسن السيف ثم راح يقطع جسده قطعة قطعة ، وبضعة بضعة وعضوا عضوا والبطل العظيم لا يزيد على همهمة يردد بها نشيد اسلامه :( لا اله الا الله ، محمد رسول الله )


معركة اليمامة والثأر


أقسمت أم البطل نسيبة بنت كعب على الأخذ بالثأر لابنها حبيب من مسيلمة الكذاب فشهدت اليمامة مع ابنها عبدالله تحت إمرة خالد بن الوليد وقُتِلَ مسيلمة وقُطِعَت يدها في الحرب ، وجُرِحَت اثني عشر جُرْحاً  وقد كان أبو بكر الصديق الخليفة آنذاك يأتيها يسأل عنها  رضي الله عنها وأرضاها 

الصَحابِي 'النٌعْمَان بْنُ المُقرِن' رَضِي الله عَنْه أحَد القَادَة المُسْلِمِين الأبْطَاْل

النعمان بن المقرن
أحد القادة المسلمين الأبطال

النعمان من قبيلة مزينة وكنيته أبوالحكيـم وكان يوم إسلامه يوما مشهودا
إذ أسلم معه عشرة أخوة له ومعهم أربعمائة فارس بين يدي رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- فقال فيهم :( ان للإيمان بيوتا و للنفاق بيوتا وان بيـت
بني مقرن من بيوت الايمان )


جهاده واستشهاده


ولقد شهد النعمان الغزوات كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان له ولقبيلته دور بارز في محاربة المرتدين

وكان هو بطل معركة نهاوند يوم أن ندبه أمير المؤمنين عمر لهذه المهمة الجليلة اذ كتب اليه قائلا  فانه قد بلغني أن جموعا من الأعاجم كثيرة قد جمعوا لكم بمدينة نهاوند ، فاذا أتاك كتابي هذا فسر بأمر الله وبنصر الله بمن معك من المسلمين ، ولا توطئهم وعرا فتؤذيهم ولا تمنعهم حقا فتكفرهم ولا تدخلهم غيضة فان رجلا من المسلمين أحب الي من مئة ألف دينار والسلام عليكم)

فسار النعمان بالجيش والتقى الجمعان ، ودارت المعركة حتى ألجـأ المسلمون الفـرس الى التحصـن فحاصروهم وطال الحصـار عدة أسابيع وفكر المسلمون في طريقة يستخرجون فيها الفرس من حصونهم لمناجزتهم ، فبعثوا عليهم خيـلا تقاتلهم بقيـادة القعقاع حتى اذا خرجـوا من خنادقهم تراجـع القعقاع فطمعوا وظنوا أن المسلمين قد هزموا ، وكان النعمان قد أمـر جيش المسلمين ألا يقاتلوا حتى يأذن لهم وخاطبهم قائلا :(اني مكبر ثلاثا فاذا كبرت الثالثة فاني حامل فاحملوا ، وان قتلت فالأمر بعدي لحذيفة فان قتل ففلان ) حتى عد سبعة آخرهم المغيرة ، ثم دعا ربه قائلا :( اللهم أعزز دينك وانصر عبادك واجعل النعمان أول شهيد اليوم ، اللهم اني أسألك أن تقر عيني بفتح يكون فيه عز الاسلام واقبضني شهيدا ) فبكى الناس من شدة التأثر ودارت المعركة على مشارف نهاوند ، وقاد النعمان المعركة بشجاعة نادرة وظفر بالشهادة التي كان يتمناها ، وتحقق الفتح العظيم الذي طلبه من الله ، فأخذ أخوه نعيم بن مقرن الراية وسلمها لحذيفة ، فكتم أمر استشهاده حتى تنتهي المعركة

وذهب البشير يخبر أمير المؤمنين عمر و يقول له :( فتح الله عليك ، وأعظم الفتح ، واستشهد الأمير ) فقال عمر :( انا لله وانا اليه راجعون ) واعتلى المنبر ونعى الى المسلمين النعمان بن المقرن أمير نهاوند وشهيدها وبكى وبكى حتى علا صوته بالبكاء رضي الله عن النعمان القائد المنتصر شهيد معركة فتح الفتوح 

فصل في الأحاديث الواردة في فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه

فصل في الأحاديث الواردة في فضله غير
ما تقدم في ترجمة الصديق رضي الله عنه أخرج الشيخان عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر قلت لمن هذا القصر قالوا لعمر فذكرت غيرتك فوليت مدبرا فبكى عمر وقال أعليك أغار يا رسول الله وأخرج الشيخان عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم شربت يعنى اللبن حتى أنظر الرى يجري في أظفاري ثم ناولته عمر قالوا فما أولته يا رسول الله قال العلم وأخرج الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك وعرض علي عمر وعليه قميص يجره قالوا فما أولته يا رسول الله قال الدين وأخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر أي ملهمون وأخرج الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه قال ابن عمر وما نزل بالناس أمر قط فقالوا وقال إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر وأخرج الترمذي والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب وأخرجه الطبراني عن أبي سعيد الخدري وعصمة بن مالك وأخرجه ابن عساكر من حديث ابن عمر وأخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر وأخرج ابن ماجة والحاكم عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من يصافحه الحق عمر وأول من يسلم عليه وأول من يأخذ بيده فيدخل الجنة وأخرج ابن ماجه والحاكم عن أبي ذر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به وأخرج أحمد والبزار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه وأخرجه الطبراني من حديث عمر بن الخطاب وبلال ومعاوية بن أبي سفيان وعائشة رضي الله عنهم وأخرجه ابن عساكر من حديث ابن عمر وأخرج ابن منيع في مسنده عن علي رضي الله عنه قال كنا أصحاب محمد لا نشك أن السكينة تنطق على لسان عمر وأخرج البزار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر سراج أهل الجنة وأخرجه ابن عساكر من حديث أبي هريرة والصعب بن جثامة وأخرج البزار عن قدامة بن مظعون عن عمه عثمان بن مظعون قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا غلق الفتنة وأشار بيده إلى عمر لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين أظهركم وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقرىء عمر السلام وأخبره أن غضبه عز ورضاه حكم وأخرج ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الشيطان يفرق من عمر وأخرج أحمد من طريق بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الشيطان ليفرق منك يا عمر وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما في السماء ملك إلا وهو يوقر عمر ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفرق من عمر وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله باهى بأهل عرفة عامة وباهى بعمر خاصة وأخرج في الكبير مثله من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وأخرج الطبراني والديلمي عن الفضل بن العباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحق بعدي مع عمر حيث كان وأخرج الشيخان عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنه قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها إلى ما شاء الله ثم أخذها أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ثم جاء عمر ابن الخطاب فاستقى فاستحالت في يده غربا فلم أر عبقريا من الناس يفرى فريه حتى روى الناس وضربوا بعطن قال النووى في تهذيبه قال العلماء هذا إشارة إلى خلافة أبي بكر وعمر وكثرة الفتوح وظهرو الإسلام في زمن عمر وأخرج الطبراني عن سديسة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه وأخرجه الدارقطنى في الأفراد من طريق سديسة عن حفصة وأخرج الطبراني عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل ليبك الإسلام على موت عمر وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبغض عمر فقد أبغضني ومن أحب عمر فقد أحبني وإن الله باهي بالناس عشية عرفة عامة وباهى بعمر خاصة وإنه لم يبعث الله نبيا إلا كان في أمته محدث وإن يكن في أمتي منهم أحد فهو عمر قالوا يا رسول الله كيف محدث قال تتكلم الملائكة على لسانه إسناده حسن

زياد علي

زياد علي محمد