الأرجنتين، وتعرف رسميا باسم جمهورية الأرجنتين (بالإسبانية: República Argentina)، هي دولة في أمريكا الجنوبية، تحدها تشيلي من الغرب والجنوب، بوليفيا وباراغواي في الشمال، والبرازيل وأوروغواي من الشمال شرقي. تدعي الأرجنتين سيادتها على القارة القطبية الجنوبية، وجزر فوكلاند (الإسبانية: مالفيناس) وجورجيا الجنوبية وجزر ساندويتش الجنوبية. الأرجنتين عبارة عن اتحاد يضم 23 مقاطعة، ومدينة بوينس آيرس هي العاصمة وأكبر مدينة بالبلاد. الأرجنتين هي ثامن أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، والأكبر بين الدول الناطقة باللغة الإسبانية. الأرجنتين هي عضو مؤسس في الأمم المتحدة، وعضو في كل من: ميركوسور، اتحاد دول أمريكا الجنوبية، منظمة الدول الأيبيرية الأمريكية، مجموعة البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وهي واحدة من مجموعة ال 15 ومجموعة ال 20 لأكبر الاقتصادات. الأرجنتين قوة معترف بها أقليمياً وقوة وسطي، وتعدّ ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، مع تصنيف عالٍ جداً في مؤشر التنمية البشرية. تحتل الأرجنتين المركز الخامس في إجمالي الناتج المحلي الاسمي للفرد الواحد علي مستوي دول أمريكا اللاتينية والأعلى في القدرة الشرائية. يشير المحللون إلى أن البلاد لديها أساس قوي للنمو المستقبلي نظرا لحجم سوقها، مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر، نسبتها من صادرات التكنولوجيا الفائقة وحصتها من الناتج الكلي للسلع المصنعة، وهي مصنفة من قبل المستثمرين على أنها من الاقتصادات الناشئة الوسطي.
الاسم
كلمة الأرجنتين مشتقة من اللفظة اللاتينية ارجنتيوم والتي تعني الفضة، مع العلم أن الأرجنتين لا تحوي أي مصادر للفضة ولكن سميت هكذا لأن الغزاة الأسبان أتوا إلى تلك الأراضي بعد انتشار الشائعات بأنها تحوي جبالاً من الفضة. أول استخدام للفظة الأرجنتين يمكن تتبعه إلى العام 1602 م في قصيدة للشاعر مارتن ديل باركو سنتينيرا، ولكن الاسم لم يصبح متداولاً الا في القرن الثامن عشر. أول استخدام رسمي للاسم كان في دستور عام 1826 م والذي استخدمت فيه كل من جمهورية الأرجنتين وأمة الأرجنتين، تم إلغاء الدستور وتحول الاسم إلى اتحاد الأرجنتين وهي الكلمة التي استخدمت في دستور عام 1853 م. لاحقاً أيضا تم تعديل الاسم إلى أمة الأرجنتين في عام 1859 م وأخيرا عدل ليصبح جمهورية الأرجنتين مرة أخرى في عام 1860 م بعد اتخاذ الدولة تنظيمها الحالي.
تعود أقدم أدلة الوجود البشري في الأرجنتين إلى سنة 11,000 ق.م والتي تم اكتشافها في باتاقونيا. هذه الاكتشافات تعود إلى شعوب الدياقويتا، الهواربي والسانافيرون وهي من جماعات السكان الأصليين. في العام 1480 م قامت إمبراطورية الإنكا تحت قيادة حاكمها باشاكيوتك باجتياح والاستيلاء علي المنطقة التي تمثل حالياً الجزء الشمالي الغربي من الأرجنتين، ودحرت القبائل المحلية والتي تجمعت في منطقة سميت كوللاسويو. أما بقية القبائل مثل السانافيرون، لولي-تونوكوتي وكوميشنقون فقد قاومت الإنكا وظلت مستقلة عن حكمها. كان أول المستكشفين الأوروبيين وصولاً إلى الأرجنتين هو خوان دياز دي سوليس في عام 1516 والتي كانت تعرف في حينها باسم ريو دي لابلاتا. وقامت إسبانيا بتأسيس إمارة التاج الأسباني في بيرو والتي كانت تضم جميع ممتلكات إسبانيا في أمريكا الجنوبية. تأسست مدينة بوينوس آيريس في العام 1536 ولكن تم تدميرها بواسطة السكان الأصليون، وتم إعادة بناء المدينة مرة أخرى في العام 1580 م. استعمار الأرجنتين الحديثة أتى من ثلاث جهات مختلفة: من البراغواي بتأسيس ولاية ريو دي لابلاتا، من بيرو ومن تشيلي. أصبحت بوينوس إيرس عاصمة إمارة ريو دي لابلاتا في العام 1776 م مع مقاطعات من إمارة بيرو. قاومت بوينوس إيرس ومونتيفيديو اثنين من الاجتياحات البريطانية المشؤومة في عامي 1806 و 1807، وفي المرتين كان يقود المقاومة الفرنسي سنتياقو دي لينيريس والذي سيصبح حاكماً من خلال الدعم الشعبي له. مع ظهور أفكار عصر التنوير ونماذج الثورات الأطلسية بدأت تتولد الانتقادات للحكم الملكي المطلق، والإطاحة بملك إسبانيا فيرناندو السابع في حرب شبه الجزيرة الأيبيرية أنشأت اهتماماً عظيماً لدي الأمريكيين، وبدلأت العديد من المدن بخلع السلطات الملكية الحاكمة وتعيين حكام جدد يعملون وفقاً للأفكار السياسية الجديدة. وهكذا بدأت حروب الاستقلال الأمريكية الإسبانية في أنحاء القارة، أما بوينوس ‘يرس فقد أطاحت بحاكمها الملكي بالتاسار هيدالقو دي سيسنيروس في العام 1810 فيما عرف بثورة مايو.
أشعلت ثورة مايو حرب الاستقلال الأرجنتيني بين الوطنيين والملكيين. أرسل المجلس العسكري الإسباني -الحكومة الجديدة في بوينس آيريس-أرسل الحملات العسكرية لقرطبة، بيرو العليا وباراغواي، ودعم حركات التمرد في باندا الشرقية. ولكن هزمت هذه الحملات العسكرية فقامت بوينس آيريس بتوقيع هدنة مع مونتيفيديو. بقيت الباراغواي علي سياسة عدم التدخل خلال الفترة المتبقية من الصراع، أما البيرو فقد دحرت المزيد من الحملات العسكرية، وتم إعادة الاستيلاء على باندا الشرقية من قبل وليام براون خلال تجدد القتال. كذلك المنظمة الوطنية- سواء في ظل حكومة مركزية تقع في بوينس آيرس أو كاتحاد- بدأت الحروب الأهلية الأرجنتينية، مع اندلاع الصراعات بين بوينس آيريس، وخوسيه أرتيغاس جرفاسيو. وصدر إعلان الاستقلال في الأرجنتين من قبل الكونغرس من توكومان في عام 1816. أبقي مارتن ميغيل دي جويميس علي الملكيين محاصرين في الشمال، بينما عبر خوسيه دي سان مارتين جبال الانديز لتأمين استقلال تشيلي. مع البحرية الشيلية تحت تصرفه قام بنقل المعركة إلى معقل الملكيين الحصين في ليما. كانت حملات سان مارتين العسكرية تستكمل تلك الت بدأها سيمون بوليفار في كولومبيا الكبرى، وأدت إلى انتصار الوطنيين في حروب الاستقلال الأمريكية الإسبانية. كانت نهاية السلطة الوطنية المركزية في معركة سيبيدا عام 1820 والتي دارت بين المركزيين والفدراليين. وصدر دستور جديد للمركزية في عام 1826، خلال الحرب مع البرازيل، وعين برناردينو ريفادافيا أول رئيس للأرجنتين، ولكن تم رفضه من قبل المحافظات، مما اضطر ريفادافيا إلى الاستقالة. أطيح بالحاكم الجديد مانويل دوريغو وأعدم علي يد خوان لافال، مما أدى إلى تفاقم الحرب الأهلية. نظم خوان مانويل دي روساس المقاومة ضد لافال، واستعاد السلطات المخلوعة. بعدها اعتبرت المحافظات نفسها كونفدرالية فضفاضة من المحافظات التي تفتقر إلى قيادة موحدة للدولة. ولتلافي ذلك الوضع قامو بتفويض حاكم مقاطعة بوينس أيريس في بعض السلطات الهامة مثل تسديد الديون وإدارة العلاقات الدولية.
حكم خوان مانويل دي روساس في الفترة بين 1829-1832، و 1835-1852. خلال فترة ولايته الأولى دعي إلى الاتفاقية الفيدرالية وهزم رابطة الاتحاديين. بعد 1835، حصل على "كامل السلطة العامة". واجه العديد من الصعوبات منها الحصار الفرنسي بين 1838-1840، حرب الاتحاد في الشمال، الحصار الأنجلو فرنسي بين 1845-1850، وتمرد مقاطعة كورينتس. ولكن بقي روساس صامدا خلال هذه السلسلة من الصراعات ومنع فقدان المزيد من الأراضي الوطنية. رفضه سن دستور وطني، وفقا لاتفاق الاتحادية، أدي بمحافظ انتري ريوس: خوستو خوسيه دي اورغيزا للانقلاب ضد روساس والمصادقة على دستور الأرجنتين لعام 1853. رفضا ذلك، انفصلت بوينس آيريس من الاتحاد وأصبحت دولة بوينس آيريس. واستمرت الحرب بين البلدين ما يقرب من عقد من الزمن، وانتهت بفوز بوينس آيريس في معركة بافون. أعادت بوينس ايريس الانضمام للاتحاد، وانتخب بارتولومي ميتر أول رئيس للبلد الموحد في عام 1862. وبدأ الحملات العسكرية ضد كل من بقايا الفيدراليين في الأرجنتين والبيض من أوروغواي، وباراغواي. حرب التحالف الثلاثي -تحالف الأرجنتين مع أوروغواي والبرازيل- خلفت أكثر من 300,000 قتيل ودمرت باراغواي. أصبح بارتولوم ميتر قير قادر علي التأثير علي انتخاب الرؤساء اللاحقين دومينجو فاوستينو سارمينتو ونيكولاس افيانيدا الذين خلفوه وبالرغم من انهما كانا اتحاديين لكنهما لم يكونا من بوينس ايريس ومختلفين معه. لذا حاول ميتري مرتين فصل بوينس آيرس من البلاد لكنه فشل في ذلك. قام افيانيدا بجعل بوينس آيريس فيدرالية، بعد إخماده محاولات الانفصال الفاشلة. منذ عهد الاستعمار، كانت أراضي واسعة تحت سيطرة السكان الأصليين. كل الحكومات التي تعاقبت منذ ذلك الحين حاولت توطيد بقاءها بعدة وسائل، منها قتلهم أو دفعهم إلى حدود أبعد من أي وقت مضى. وكان الصراع الأخير في غزو الصحراء، والذي شنه خوليو أرجنتينو روكا. مع هذه العملية العسكرية استحوذت الأرجنتين علي باتاغونيا.
صعود البيرونية
أسست دعائم الأرجنتين الحديثة بواسطة "جيل الثمانينيات" وهي حركة سياسية معارضة لنظام ميتري، وسعت لجعل الأرجنتين بلداً صناعيا. ومن ناحية أخرى أدت موجة الهجرة الأوروبية إلى تعزيز تماسك الدولة، كما أدت تنمية الزراعة الحديثة إلى إعادة صياغة المجتمع والاقتصاد الأرجنتيني، وبرزت الأرجنتين كواحدة من أغني عشر دول في العالم، مستفيدةً من اقتصاد تقوده الصادرات الزراعية فضلا عن الاستثمار البريطانية والفرنسية. مدفوعاً بالهجرة وانخفاض معدل الوفيات، نما تعداد سكان الأرجنتين بمقدار خمسة أضعاف، كما نما الاقتصاد بمقدار 15 ضعفاً، ولكن مع ذلك لم يتمكن الحزب الاستقلالي الوطني من تحقيق أهدافه الأساسية في جعل الأرجنتين دولة صناعية، وبقيت البلاد كمجتمع ما قبل الثورة الصناعية. واجه الرئيس خواريز سيلمان أزمة اقتصادية ولدت سخطاً شعبياً وأدت إلى قيام ثورة المتنزه في عام 1890، بقيادة الاتحاد المدني. مع استقالة الرئيس ميتري أصبح الاتحاد المدني يعرف بالاتحاد المدني الراديكالي، وعلى الرغم من فشل الانقلاب إلا أن الرئيس سيلمان تقدم بإستقالتة، والتي كانت بداية الـتراجع والانحسار للحزب الوطني الاستقلالي. سيطرت النخب المحافظة على السياسة في الأرجنتين حتى عام 1912 عندما قام الرئيس روكي ساينز بينيا بسن قانون الاقتراع للذكور والاقتراع السري، مما سمح للاتحاد المدني الراديكالي بالفوز في الانتخابات الحرة في البلاد لأول مرة في عام 1916. سن الرئيس هيبوليتو يريغوين الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية ومساعدة أسر المزارعين والشركات الصغيرة. بقيت الأرجنتين محايدة خلال الحرب العالمية الأولى. واجهت الإدارة الثانية للرئيس يريغوين أزمة اقتصادية ضخمة علي إثر أزمة الركود العظيم العالمية، مما دفع الجيش للقيام بانقلاب عسكري وأطاح به من السلطة، وكانت تلك بداية العقد سيئ السمعة. تولي خوسيه فيليكس اوريبورو الحكم العسكري لمدة عامين، وأنتخب بعده بيدرو أغوستين خوستو رئيساً في انتخابات مزورة، ووقع على معاهدة روكا-رونسيمان. التزم كل من روبرتو ماريا أورتيز وكاستيلو رامون الحياد خلال الحرب العالمية الثانية. كانت بريطانيا تؤيد الحياد الأرجنتيني، ولكن بعد الهجوم الياباني على بيرل هاربر طلبت الولايات المتحدة من جميع دول أمريكا الجنوبية الانضمام إلى دول الحلفاء[؟]. أطيح أخيرا بكاستيلو بثورة 43 التي قادها انقلاب عسكري جديد، واتي ارادت وضع حد لتزوير الانتخابات الذي ساد العقد الماضي. أعلنت الأرجنتين الحرب على دول المحور قبل شهر من نهاية الحرب العالمية الثانية في أوروبا. إزدادت شعبية وزير الشؤون العسكرية خوان بيرون في أوساط العمال بعد فصله من منصبه وسجنه، ولكن مظاهرة ضخمة أجبرت السلطات تحريره، ترشح بيرون لرئاسة الجمهورية في عام 1946 وفاز فيها بنسبة 53.1%. أنشأ خوان بيرون حركة سياسية عرفت باسم البيرونية. مستفيدا من واردات الصناعات البديلة والدمار الذي عم أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية، قام بيرون بتأميم الصناعات الإستراتيجية والخدمات، وقام برفع الأجور وتحسين ظروف العمل، تسديد كامل الديون الخارجية، وتقريبا تحقيق معدل العمالة الكاملة. لكن مع ذلك بدأ الاقتصاد في التراجع عام 1950، شدد بيرون الرقابة والقمع، وقام بإيقاف 110 من المطبوعات، كما سجن وعذب العديد من الشخصيات المعارضة. كانت زوجته إيفا بيرون ذات شعبية كبيرة، ولعبت دورا سياسياً محوريا، وكان معظم نشاطها من خلال مؤسسة إيفا بيرون والحزب الأنثوي البيروني بعدما تم منح المرأة حق التصويت في عام 1947. بالرغم من ذلك منعها تدهور حالتها الصحية من الترشح لمنصب نائب الرئيس في عام 1951، وتوفيت بالسرطان في العام التالي. بدأ الجيش في رسم مخطط ضد بيرون في عام 1955، وقصف بلازا دي مايو في محاولة فاشلة لقتله. وبعد بضعة أشهر، استقال بيرون خلال انقلاب عسكري جديد، غادر بيرون البلاد، واستقر أخيرا في إسبانيا.
الحرب القذرة
قام الرئيس بيدرو يوجينيو أرامبورو بحظر البيرونية ومنع جميع مظاهرها، ولكنها رغم ذلك لم تختف حيث حافظ البيرونيون علي أنفسهم منظمين في عدة روابط غير رسمية. تم إلغاء تعديل الدستور لعام 1949 ولكن انتخابات الجمعية التشريعية لوضع الدستور حصلت علي أغلبية أصوات فارغة بسبب حظر البيرونيون. إزدادت شعبية أرتورو فرونديزي من حزب الاتحاد المدني الراديكالي بسبب معارضته للحكم العسكري، وتم انتخابه في الانتخابات التالية. من جهة أخرى لم يسمح الجيش بتأثير البيرونية علي الحكومة الجديدة، وسمح لفرونديزي بتولي زمام السلطة بشرط ان يكون حليفا للعسكر.
تدخل العسكر كثيرا لصالح المحافظين والمصالح الزراعية، وكانت نتائج هذا التدخل مشوشة ومضطربة. شجعت سياسات فرونديزي الأستثمار وأوصلت البلاد لمرحلة الاكتفاء الذاتي من الطاقة والصناعة، مساعداً في القضاء علي العجز التجاري المزمن الذي لازم الأرجنتين. أكسبت جهود فرونديزي للبقاء علي علاقة جيدة مع كل من البيرونيون والعسكر، بدون الانحياز الكامل لأحد الطرفين دون الاخر، عدم ثقة ورفض كلا الطرفين. قاد رفع فرونديزي الحظر عن البيرونيون إلى إنتصارهم في عدة محافظات، الشيء الذي اغضب العسكر، وأدي إلى قيام انقلاب عسكري جديد جرده من سلطته، ولكن في رد فعل سريع قام خوسيه ماريا غوايدو (رئيس مجلس الشيوخ) بتطبيق القوانين الخاصة بفراغ منصب الرئيس، وأصبح رئيساُ بدلا عن العسكر. ألغيت الانتخابات وتم حظر البيرونية مرة أخرى. أنتخب أرتورو إيليا رئيساً في عام 1963، ولكن برغم الازدهار اطاح به انقلاب عسكري عام 1966 بسبب محاولاته إشراك البيرونيون في الممارسة السياسية. حاولت الحكومة العسكرية الجديدة والتي عرفت باسم الثورة الأرجنتينية حكم الأرجنتين بغموض وعلي نحو غير محدد.
قام المجلس العسكري الجديد بتعيين خوان كارلوس أونغانيا رئيسا للبلاد. قام أونغانيا بإغلاق مجلس الشيوخ وحظر كل الأحزاب السياسية وحل كل اتحادات الطلاب والعديد من اتحادات العمال. نتج عن تلك الإجراءات أستياء شعبي كبير قاد إلى خروج مظاهرات ضخمة في كل من قرطبة وروزاريو. تم استبدال اونغانيا بروبيرتو ليفينجستون، وبعد ذلك بقليل كان هنالك حالة فوضي واضطراب سياسي كبير علي إثر اختطاف وتصفية الرئيس الأسبق أرامبورو. نفذت الجريمة بواسطة المونتونيريون، والذين دخلوا جنبا إلى جنب مع مليشيا الجيش الشعبي الثوري في حرب عصابات ضد الجيش، عرفت بالحرب القذرة. بعدها أيضا تم استبدال ليفنجستون بأليخاندرو اوغستين لانوسي، والذي دخل في مفاوضات لإعادة الديموقراطية ورفع الخظر عن البيرونية. مبدئياً سعي إلى السماح بعودة البيرونية ولكن ليس عودة خوان بيرون نفسه من منفاه في إسبانيا، باتفاقية تشترط إقامة المرشحين الرئاسيين داخل الأرجنتين في يوم 24 أغسطس. وهكذا لم يكن بيرون هو مرشح البيرونيون، إنما هيكتور خوسيه كامبورا، والذي فاز في الانتخابات بنسبة 49.59%.
شهدت عودة البيرونية إلى السلطة خلافات عنيفة بين شقيها الداخليين: جناح اليمين قادة الاتحاد وجناح اليسار شباب مونتونيرو. تسببت عودة بيرون إلى البلاد في اندلاع نزاع مسلح، عرف بمزبحة إيزيزا. مغمورون بالعنف السياسي تقدم كامبورا ونائبة بإستقالاتهم، معلنين عن انتخابات جديدة ترشح فيها بيرون وانتخب رئيساً مع زوجته إيزابيل في منصب نائب الرئيس، ولكن قبل توليه السلطة قاما المونتينيرو بقتل قائد الاتحاد خوسيه إجناسيو روتشي والذي تربطه صلات وطيدة ببيرون. قام بيرون بطردهم من بلازا دي مايو ومن الحزب، وأصبحوا مرة أخرى منظمة سرية. قام خوسيه لوبيز ريجا بتنظيم التحالف الأرجنتيني ضد الشيوعية. توفي بيرون بعد ذلك بفترة قصيرة وخلفته زوجته، التحالف الأرجنتيني ضد الشيوعية واصل عملياته ضد المليشيات المسلحة مما ذاد من قوته. صدر مرسوم يأمر الجيش بإنهاء التدمير. قام الجيش بانقلاب عسكري اخر في مارس 1976 عرف بعملية إعادة التنظيم الوطني، وأيضا تم إغلاق مجلس الشيوخ، عزل أعضاء المحكمة العلية، حظر الأحزاب السياسية، الاتحادات واتحادات الطلاب. أيضا تم تشديد الإجراءات ضد الجيش الشعبي الثوري والمونتونيروس والذين كانوا يقومون باختطاف وقتل تقريبا أسبوعيا منذ 1970. لجأ الجيش إلى تصفية عناصر المليشيات المشتبه بهم، وبدأ يكسب الحرب. كانت خسائر المونتونيروس تقترب من الألفين شخص بنهاية عام 1976. حاول المجلس العسكري رفع شعبيته لدي المواطنين في صراع بيغل وفي مونديال 1978.
بحلول عام 1977 كان قد تم دحر الجيش الشعبي الثوري تماماً، وإضعاف المونتينيروس بقسوة، لكنهم قاموا بهجوم مضاد ضخم تمت هزيمتهم فيه وإسدال الستار علي تهديدات المليشيات.
بقي المجلس العسكري في سدة الحكم، وقام ليوبولدو غالتييري بشن حرب الفوكلاند لإستعادة الجذر ولكنه هزم من قبل المملكة المتحدة في عضون شهرين. غادر غاليتييري الحكومة بسبب الهزيمة العسكرية، وبدأ بعده رينالدو بيغنوني تنظيم عملية التحول الديموقراطي بالانتخابات الحرة في عام 1983.
العهد المعاصر
في حملة 1983 الانتخابية دعا ألفونسين إلى الوحدة الوطنية، واستعادة الحكم الديمقراطي والملاحقة القضائية لكل المسئولين عن الحرب القذرة، كما قام أيضا بإنشاء اللجنة الوطنية المعنية بالأشخاص المختفين (CONADEP) للتحقيق في حالات الاختفاء القسري، أصدرت اللجنة تقريرا مفصلا عن 340 من مراكز الاعتقال غير القانونية، و 8961 حالة اختفاء قسري. في محاكمة المجلس العسكري عام 1986 صدرت أحكام قضائية علي كل قيادات الحكومة في تلك السنوات، بعدها استهدف ألفونسين العسكر من الرتب الدنيا، الشيء الذي زاد من استياء المؤسسة العسكرية وهدد بخطر حدوث انقلاب جديد، ولإرضاء الجيش قام بإصدر قانون التوقف الكامل، والذي يحدد موعد نهائي لمحاكمات جديدة. لكن لم يثمر هذا العمل على النحو المنشود، وأدي إلى تمرد مجموعة من الجيش عرفت بالكارابينتاداس (الوجوه المطلية) وإجبارهم الحكومة علي الأخذ بقانون الطاعة الواجبة، والذي ينص علي عدم مساءلة أي من أفراد المؤسسة العسكرية الذين قاموا بتنفيذ أوامر وجهت اليهم من رتب عليا. تسبب ذلك في خفض الدعم الشعبي للحكومة، فضلا عن الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى التضخم المفرط.
فاز البيروني كارلوس منعم في انتخابات 1989، لكن أعمال الشغب الهائلة التي سببتها الأزمة الاقتصادية أجبرت ألفونسين على الاستقالة، وتسليم الحكومة لمنعم. قاد كارلوس منعم تغييراً في البيرونية، متخلياً عن سياستها المعتادة وتبني الليبرالية الجديدة بدلا عنها. أدي تحديد سعر صرف ثابت في عام 1991، وتفكيك الحواجز الحمائية، وإعادة صياغة الموجهات التجارية والخصخصة في عدة مؤسسات، أدي كل ذلك إلى إعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح لبعض الوقت. أدت انتصارات منعم في انتخابات 1991 و 1993 إلى تعديل الدستور لعام 1994 في الأرجنتين، مما سمح له بالترشح لولاية ثانية. وأعيد انتخابه، لكن بدأ الاقتصاد في الانخفاض في عام 1996، مع ارتفاع معدلات البطالة والركود الاقتصادي. خسر منعم انتخابات عام 1997، ولكن الحزب المدني الراديكالي عاد إلى الرئاسة في انتخابات عام 1999.
سعى الرئيس فرناندو دي لا روا لتغيير نمط منعم السياسي، لكنه أبقي علي خطته الاقتصادية بغض النظر عن الركود الاقتصادي المتنامي. وعيّن دومينغو كافالو، الذي كان وزير الاقتصاد في عهد الرئيس كارلوس منعم. قاد السخط الاجتماعي إلى ظهور المتظاهرين وأصوات فارغة ضخمة في انتخابات عام 2001 التشريعية. في محاولة منها لوقف هروب رؤوس الأموال الضخمة إلى لخارج قامت الحكومة بتجميد الحسابات المصرفية، مما أدي لتوليد المزيد من السخط. أدت أعمال شغب عدة في البلاد بالرئيس إلى إعلان حالة الطوارئ، مدعومةً بالمزيد من الاحتجاجات الشعبية، أجبرت أعمال الشغب الضخمة في ديسمبر كانون الأول الرئيس دي لا روا أخيراً على الاستقالة.
تم تعيين الرئيس ادواردو دوهالدي من قبل الجمعية التشريعية، وقام بالتقليل من أهمية سعر الصرف الثابت الذي وضعه منعم. وبدأت الأزمة الاقتصادية في الانتهاء أواخر عام 2002 تحت إدارة وزير الاقتصاد روبرتو لافانيا. تسبب مقتل اثنين من المتظاهرين في فضيحة سياسية أجبرت دوهالدي للدعوة إلى انتخابات مبكرة. حصل كارلوس منعم على أغلبية الأصوات، يليه نيستور كيرشنر. وكان كيرشنر غير معروف إلى حد كبير من قبل الشعب، ولكنه كان سيبقي على لافاجنا وزيرا. ومع ذلك، رفض منعم خوض جولة الإعادة، الأمر الذي جعل كيرشنر الرئيس الجديد.
بعد السياسات الاقتصادية التي وضعها دوهالدي ولافاجنا، قام كيرشنر بإنهاء الأزمة الاقتصادية، والحصول على الفوائض المالية والتجارية. لكنه ابتعد عن دوهالدى بمجرد تقلده زمام السلطة. قام كيرشنر بإعادة فتح إجراءات قضائية ضد جرائم الحرب القذرة. خلال فترة حكمه تم إعادة هيكلة ديون الأرجنتين المتعثرة مع تخفيض كبير (حوالي 66٪) على معظم السندات، كما تم تسديد الديون لدي صندوق النقد الدولي وتأميم بعض المؤسسات التي تمت خصخصتها من قبل. لم يرشح كيرشنر نفسه لاعادة انتخابه، معززاً من ترشيح زوجته كريستينا فرنانديز دي كيرشنر للمنصب.
بدأت رئاسة كريستينا كيرشنر بصراع مع القطاع الزراعي، والناجم عن محاولة لزيادة الضرائب على الصادرات.تم تصعيد الصراع إلى الكونغرس، وأعطي نائب الرئيس خوليو كوبوس تصويتاً غير متوقع أدي لكسر التعادل في التصويت ضد مشروع القانون. خاضت الحكومة عدة خلافات مع الصحافة، مقلصةً من حرية التعبير.
في 15 يوليو 2010، وأصبحت الأرجنتين أول دولة في أمريكا اللاتينية وثاني بلد في نصف الكرة الجنوبي يقوم بإضفاء الشرعية على زواج المثليين. توفي نيستور كيرشنر في عام 2010، واعيد انتخاب كريستينا فرنانديز في عام 2011.
الجغرافيا
الاسم
كلمة الأرجنتين مشتقة من اللفظة اللاتينية ارجنتيوم والتي تعني الفضة، مع العلم أن الأرجنتين لا تحوي أي مصادر للفضة ولكن سميت هكذا لأن الغزاة الأسبان أتوا إلى تلك الأراضي بعد انتشار الشائعات بأنها تحوي جبالاً من الفضة. أول استخدام للفظة الأرجنتين يمكن تتبعه إلى العام 1602 م في قصيدة للشاعر مارتن ديل باركو سنتينيرا، ولكن الاسم لم يصبح متداولاً الا في القرن الثامن عشر. أول استخدام رسمي للاسم كان في دستور عام 1826 م والذي استخدمت فيه كل من جمهورية الأرجنتين وأمة الأرجنتين، تم إلغاء الدستور وتحول الاسم إلى اتحاد الأرجنتين وهي الكلمة التي استخدمت في دستور عام 1853 م. لاحقاً أيضا تم تعديل الاسم إلى أمة الأرجنتين في عام 1859 م وأخيرا عدل ليصبح جمهورية الأرجنتين مرة أخرى في عام 1860 م بعد اتخاذ الدولة تنظيمها الحالي.
تعود أقدم أدلة الوجود البشري في الأرجنتين إلى سنة 11,000 ق.م والتي تم اكتشافها في باتاقونيا. هذه الاكتشافات تعود إلى شعوب الدياقويتا، الهواربي والسانافيرون وهي من جماعات السكان الأصليين. في العام 1480 م قامت إمبراطورية الإنكا تحت قيادة حاكمها باشاكيوتك باجتياح والاستيلاء علي المنطقة التي تمثل حالياً الجزء الشمالي الغربي من الأرجنتين، ودحرت القبائل المحلية والتي تجمعت في منطقة سميت كوللاسويو. أما بقية القبائل مثل السانافيرون، لولي-تونوكوتي وكوميشنقون فقد قاومت الإنكا وظلت مستقلة عن حكمها. كان أول المستكشفين الأوروبيين وصولاً إلى الأرجنتين هو خوان دياز دي سوليس في عام 1516 والتي كانت تعرف في حينها باسم ريو دي لابلاتا. وقامت إسبانيا بتأسيس إمارة التاج الأسباني في بيرو والتي كانت تضم جميع ممتلكات إسبانيا في أمريكا الجنوبية. تأسست مدينة بوينوس آيريس في العام 1536 ولكن تم تدميرها بواسطة السكان الأصليون، وتم إعادة بناء المدينة مرة أخرى في العام 1580 م. استعمار الأرجنتين الحديثة أتى من ثلاث جهات مختلفة: من البراغواي بتأسيس ولاية ريو دي لابلاتا، من بيرو ومن تشيلي. أصبحت بوينوس إيرس عاصمة إمارة ريو دي لابلاتا في العام 1776 م مع مقاطعات من إمارة بيرو. قاومت بوينوس إيرس ومونتيفيديو اثنين من الاجتياحات البريطانية المشؤومة في عامي 1806 و 1807، وفي المرتين كان يقود المقاومة الفرنسي سنتياقو دي لينيريس والذي سيصبح حاكماً من خلال الدعم الشعبي له. مع ظهور أفكار عصر التنوير ونماذج الثورات الأطلسية بدأت تتولد الانتقادات للحكم الملكي المطلق، والإطاحة بملك إسبانيا فيرناندو السابع في حرب شبه الجزيرة الأيبيرية أنشأت اهتماماً عظيماً لدي الأمريكيين، وبدلأت العديد من المدن بخلع السلطات الملكية الحاكمة وتعيين حكام جدد يعملون وفقاً للأفكار السياسية الجديدة. وهكذا بدأت حروب الاستقلال الأمريكية الإسبانية في أنحاء القارة، أما بوينوس ‘يرس فقد أطاحت بحاكمها الملكي بالتاسار هيدالقو دي سيسنيروس في العام 1810 فيما عرف بثورة مايو.
أشعلت ثورة مايو حرب الاستقلال الأرجنتيني بين الوطنيين والملكيين. أرسل المجلس العسكري الإسباني -الحكومة الجديدة في بوينس آيريس-أرسل الحملات العسكرية لقرطبة، بيرو العليا وباراغواي، ودعم حركات التمرد في باندا الشرقية. ولكن هزمت هذه الحملات العسكرية فقامت بوينس آيريس بتوقيع هدنة مع مونتيفيديو. بقيت الباراغواي علي سياسة عدم التدخل خلال الفترة المتبقية من الصراع، أما البيرو فقد دحرت المزيد من الحملات العسكرية، وتم إعادة الاستيلاء على باندا الشرقية من قبل وليام براون خلال تجدد القتال. كذلك المنظمة الوطنية- سواء في ظل حكومة مركزية تقع في بوينس آيرس أو كاتحاد- بدأت الحروب الأهلية الأرجنتينية، مع اندلاع الصراعات بين بوينس آيريس، وخوسيه أرتيغاس جرفاسيو. وصدر إعلان الاستقلال في الأرجنتين من قبل الكونغرس من توكومان في عام 1816. أبقي مارتن ميغيل دي جويميس علي الملكيين محاصرين في الشمال، بينما عبر خوسيه دي سان مارتين جبال الانديز لتأمين استقلال تشيلي. مع البحرية الشيلية تحت تصرفه قام بنقل المعركة إلى معقل الملكيين الحصين في ليما. كانت حملات سان مارتين العسكرية تستكمل تلك الت بدأها سيمون بوليفار في كولومبيا الكبرى، وأدت إلى انتصار الوطنيين في حروب الاستقلال الأمريكية الإسبانية. كانت نهاية السلطة الوطنية المركزية في معركة سيبيدا عام 1820 والتي دارت بين المركزيين والفدراليين. وصدر دستور جديد للمركزية في عام 1826، خلال الحرب مع البرازيل، وعين برناردينو ريفادافيا أول رئيس للأرجنتين، ولكن تم رفضه من قبل المحافظات، مما اضطر ريفادافيا إلى الاستقالة. أطيح بالحاكم الجديد مانويل دوريغو وأعدم علي يد خوان لافال، مما أدى إلى تفاقم الحرب الأهلية. نظم خوان مانويل دي روساس المقاومة ضد لافال، واستعاد السلطات المخلوعة. بعدها اعتبرت المحافظات نفسها كونفدرالية فضفاضة من المحافظات التي تفتقر إلى قيادة موحدة للدولة. ولتلافي ذلك الوضع قامو بتفويض حاكم مقاطعة بوينس أيريس في بعض السلطات الهامة مثل تسديد الديون وإدارة العلاقات الدولية.
حكم خوان مانويل دي روساس في الفترة بين 1829-1832، و 1835-1852. خلال فترة ولايته الأولى دعي إلى الاتفاقية الفيدرالية وهزم رابطة الاتحاديين. بعد 1835، حصل على "كامل السلطة العامة". واجه العديد من الصعوبات منها الحصار الفرنسي بين 1838-1840، حرب الاتحاد في الشمال، الحصار الأنجلو فرنسي بين 1845-1850، وتمرد مقاطعة كورينتس. ولكن بقي روساس صامدا خلال هذه السلسلة من الصراعات ومنع فقدان المزيد من الأراضي الوطنية. رفضه سن دستور وطني، وفقا لاتفاق الاتحادية، أدي بمحافظ انتري ريوس: خوستو خوسيه دي اورغيزا للانقلاب ضد روساس والمصادقة على دستور الأرجنتين لعام 1853. رفضا ذلك، انفصلت بوينس آيريس من الاتحاد وأصبحت دولة بوينس آيريس. واستمرت الحرب بين البلدين ما يقرب من عقد من الزمن، وانتهت بفوز بوينس آيريس في معركة بافون. أعادت بوينس ايريس الانضمام للاتحاد، وانتخب بارتولومي ميتر أول رئيس للبلد الموحد في عام 1862. وبدأ الحملات العسكرية ضد كل من بقايا الفيدراليين في الأرجنتين والبيض من أوروغواي، وباراغواي. حرب التحالف الثلاثي -تحالف الأرجنتين مع أوروغواي والبرازيل- خلفت أكثر من 300,000 قتيل ودمرت باراغواي. أصبح بارتولوم ميتر قير قادر علي التأثير علي انتخاب الرؤساء اللاحقين دومينجو فاوستينو سارمينتو ونيكولاس افيانيدا الذين خلفوه وبالرغم من انهما كانا اتحاديين لكنهما لم يكونا من بوينس ايريس ومختلفين معه. لذا حاول ميتري مرتين فصل بوينس آيرس من البلاد لكنه فشل في ذلك. قام افيانيدا بجعل بوينس آيريس فيدرالية، بعد إخماده محاولات الانفصال الفاشلة. منذ عهد الاستعمار، كانت أراضي واسعة تحت سيطرة السكان الأصليين. كل الحكومات التي تعاقبت منذ ذلك الحين حاولت توطيد بقاءها بعدة وسائل، منها قتلهم أو دفعهم إلى حدود أبعد من أي وقت مضى. وكان الصراع الأخير في غزو الصحراء، والذي شنه خوليو أرجنتينو روكا. مع هذه العملية العسكرية استحوذت الأرجنتين علي باتاغونيا.
صعود البيرونية
أسست دعائم الأرجنتين الحديثة بواسطة "جيل الثمانينيات" وهي حركة سياسية معارضة لنظام ميتري، وسعت لجعل الأرجنتين بلداً صناعيا. ومن ناحية أخرى أدت موجة الهجرة الأوروبية إلى تعزيز تماسك الدولة، كما أدت تنمية الزراعة الحديثة إلى إعادة صياغة المجتمع والاقتصاد الأرجنتيني، وبرزت الأرجنتين كواحدة من أغني عشر دول في العالم، مستفيدةً من اقتصاد تقوده الصادرات الزراعية فضلا عن الاستثمار البريطانية والفرنسية. مدفوعاً بالهجرة وانخفاض معدل الوفيات، نما تعداد سكان الأرجنتين بمقدار خمسة أضعاف، كما نما الاقتصاد بمقدار 15 ضعفاً، ولكن مع ذلك لم يتمكن الحزب الاستقلالي الوطني من تحقيق أهدافه الأساسية في جعل الأرجنتين دولة صناعية، وبقيت البلاد كمجتمع ما قبل الثورة الصناعية. واجه الرئيس خواريز سيلمان أزمة اقتصادية ولدت سخطاً شعبياً وأدت إلى قيام ثورة المتنزه في عام 1890، بقيادة الاتحاد المدني. مع استقالة الرئيس ميتري أصبح الاتحاد المدني يعرف بالاتحاد المدني الراديكالي، وعلى الرغم من فشل الانقلاب إلا أن الرئيس سيلمان تقدم بإستقالتة، والتي كانت بداية الـتراجع والانحسار للحزب الوطني الاستقلالي. سيطرت النخب المحافظة على السياسة في الأرجنتين حتى عام 1912 عندما قام الرئيس روكي ساينز بينيا بسن قانون الاقتراع للذكور والاقتراع السري، مما سمح للاتحاد المدني الراديكالي بالفوز في الانتخابات الحرة في البلاد لأول مرة في عام 1916. سن الرئيس هيبوليتو يريغوين الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية ومساعدة أسر المزارعين والشركات الصغيرة. بقيت الأرجنتين محايدة خلال الحرب العالمية الأولى. واجهت الإدارة الثانية للرئيس يريغوين أزمة اقتصادية ضخمة علي إثر أزمة الركود العظيم العالمية، مما دفع الجيش للقيام بانقلاب عسكري وأطاح به من السلطة، وكانت تلك بداية العقد سيئ السمعة. تولي خوسيه فيليكس اوريبورو الحكم العسكري لمدة عامين، وأنتخب بعده بيدرو أغوستين خوستو رئيساً في انتخابات مزورة، ووقع على معاهدة روكا-رونسيمان. التزم كل من روبرتو ماريا أورتيز وكاستيلو رامون الحياد خلال الحرب العالمية الثانية. كانت بريطانيا تؤيد الحياد الأرجنتيني، ولكن بعد الهجوم الياباني على بيرل هاربر طلبت الولايات المتحدة من جميع دول أمريكا الجنوبية الانضمام إلى دول الحلفاء[؟]. أطيح أخيرا بكاستيلو بثورة 43 التي قادها انقلاب عسكري جديد، واتي ارادت وضع حد لتزوير الانتخابات الذي ساد العقد الماضي. أعلنت الأرجنتين الحرب على دول المحور قبل شهر من نهاية الحرب العالمية الثانية في أوروبا. إزدادت شعبية وزير الشؤون العسكرية خوان بيرون في أوساط العمال بعد فصله من منصبه وسجنه، ولكن مظاهرة ضخمة أجبرت السلطات تحريره، ترشح بيرون لرئاسة الجمهورية في عام 1946 وفاز فيها بنسبة 53.1%. أنشأ خوان بيرون حركة سياسية عرفت باسم البيرونية. مستفيدا من واردات الصناعات البديلة والدمار الذي عم أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية، قام بيرون بتأميم الصناعات الإستراتيجية والخدمات، وقام برفع الأجور وتحسين ظروف العمل، تسديد كامل الديون الخارجية، وتقريبا تحقيق معدل العمالة الكاملة. لكن مع ذلك بدأ الاقتصاد في التراجع عام 1950، شدد بيرون الرقابة والقمع، وقام بإيقاف 110 من المطبوعات، كما سجن وعذب العديد من الشخصيات المعارضة. كانت زوجته إيفا بيرون ذات شعبية كبيرة، ولعبت دورا سياسياً محوريا، وكان معظم نشاطها من خلال مؤسسة إيفا بيرون والحزب الأنثوي البيروني بعدما تم منح المرأة حق التصويت في عام 1947. بالرغم من ذلك منعها تدهور حالتها الصحية من الترشح لمنصب نائب الرئيس في عام 1951، وتوفيت بالسرطان في العام التالي. بدأ الجيش في رسم مخطط ضد بيرون في عام 1955، وقصف بلازا دي مايو في محاولة فاشلة لقتله. وبعد بضعة أشهر، استقال بيرون خلال انقلاب عسكري جديد، غادر بيرون البلاد، واستقر أخيرا في إسبانيا.
الحرب القذرة
قام الرئيس بيدرو يوجينيو أرامبورو بحظر البيرونية ومنع جميع مظاهرها، ولكنها رغم ذلك لم تختف حيث حافظ البيرونيون علي أنفسهم منظمين في عدة روابط غير رسمية. تم إلغاء تعديل الدستور لعام 1949 ولكن انتخابات الجمعية التشريعية لوضع الدستور حصلت علي أغلبية أصوات فارغة بسبب حظر البيرونيون. إزدادت شعبية أرتورو فرونديزي من حزب الاتحاد المدني الراديكالي بسبب معارضته للحكم العسكري، وتم انتخابه في الانتخابات التالية. من جهة أخرى لم يسمح الجيش بتأثير البيرونية علي الحكومة الجديدة، وسمح لفرونديزي بتولي زمام السلطة بشرط ان يكون حليفا للعسكر.
تدخل العسكر كثيرا لصالح المحافظين والمصالح الزراعية، وكانت نتائج هذا التدخل مشوشة ومضطربة. شجعت سياسات فرونديزي الأستثمار وأوصلت البلاد لمرحلة الاكتفاء الذاتي من الطاقة والصناعة، مساعداً في القضاء علي العجز التجاري المزمن الذي لازم الأرجنتين. أكسبت جهود فرونديزي للبقاء علي علاقة جيدة مع كل من البيرونيون والعسكر، بدون الانحياز الكامل لأحد الطرفين دون الاخر، عدم ثقة ورفض كلا الطرفين. قاد رفع فرونديزي الحظر عن البيرونيون إلى إنتصارهم في عدة محافظات، الشيء الذي اغضب العسكر، وأدي إلى قيام انقلاب عسكري جديد جرده من سلطته، ولكن في رد فعل سريع قام خوسيه ماريا غوايدو (رئيس مجلس الشيوخ) بتطبيق القوانين الخاصة بفراغ منصب الرئيس، وأصبح رئيساُ بدلا عن العسكر. ألغيت الانتخابات وتم حظر البيرونية مرة أخرى. أنتخب أرتورو إيليا رئيساً في عام 1963، ولكن برغم الازدهار اطاح به انقلاب عسكري عام 1966 بسبب محاولاته إشراك البيرونيون في الممارسة السياسية. حاولت الحكومة العسكرية الجديدة والتي عرفت باسم الثورة الأرجنتينية حكم الأرجنتين بغموض وعلي نحو غير محدد.
قام المجلس العسكري الجديد بتعيين خوان كارلوس أونغانيا رئيسا للبلاد. قام أونغانيا بإغلاق مجلس الشيوخ وحظر كل الأحزاب السياسية وحل كل اتحادات الطلاب والعديد من اتحادات العمال. نتج عن تلك الإجراءات أستياء شعبي كبير قاد إلى خروج مظاهرات ضخمة في كل من قرطبة وروزاريو. تم استبدال اونغانيا بروبيرتو ليفينجستون، وبعد ذلك بقليل كان هنالك حالة فوضي واضطراب سياسي كبير علي إثر اختطاف وتصفية الرئيس الأسبق أرامبورو. نفذت الجريمة بواسطة المونتونيريون، والذين دخلوا جنبا إلى جنب مع مليشيا الجيش الشعبي الثوري في حرب عصابات ضد الجيش، عرفت بالحرب القذرة. بعدها أيضا تم استبدال ليفنجستون بأليخاندرو اوغستين لانوسي، والذي دخل في مفاوضات لإعادة الديموقراطية ورفع الخظر عن البيرونية. مبدئياً سعي إلى السماح بعودة البيرونية ولكن ليس عودة خوان بيرون نفسه من منفاه في إسبانيا، باتفاقية تشترط إقامة المرشحين الرئاسيين داخل الأرجنتين في يوم 24 أغسطس. وهكذا لم يكن بيرون هو مرشح البيرونيون، إنما هيكتور خوسيه كامبورا، والذي فاز في الانتخابات بنسبة 49.59%.
شهدت عودة البيرونية إلى السلطة خلافات عنيفة بين شقيها الداخليين: جناح اليمين قادة الاتحاد وجناح اليسار شباب مونتونيرو. تسببت عودة بيرون إلى البلاد في اندلاع نزاع مسلح، عرف بمزبحة إيزيزا. مغمورون بالعنف السياسي تقدم كامبورا ونائبة بإستقالاتهم، معلنين عن انتخابات جديدة ترشح فيها بيرون وانتخب رئيساً مع زوجته إيزابيل في منصب نائب الرئيس، ولكن قبل توليه السلطة قاما المونتينيرو بقتل قائد الاتحاد خوسيه إجناسيو روتشي والذي تربطه صلات وطيدة ببيرون. قام بيرون بطردهم من بلازا دي مايو ومن الحزب، وأصبحوا مرة أخرى منظمة سرية. قام خوسيه لوبيز ريجا بتنظيم التحالف الأرجنتيني ضد الشيوعية. توفي بيرون بعد ذلك بفترة قصيرة وخلفته زوجته، التحالف الأرجنتيني ضد الشيوعية واصل عملياته ضد المليشيات المسلحة مما ذاد من قوته. صدر مرسوم يأمر الجيش بإنهاء التدمير. قام الجيش بانقلاب عسكري اخر في مارس 1976 عرف بعملية إعادة التنظيم الوطني، وأيضا تم إغلاق مجلس الشيوخ، عزل أعضاء المحكمة العلية، حظر الأحزاب السياسية، الاتحادات واتحادات الطلاب. أيضا تم تشديد الإجراءات ضد الجيش الشعبي الثوري والمونتونيروس والذين كانوا يقومون باختطاف وقتل تقريبا أسبوعيا منذ 1970. لجأ الجيش إلى تصفية عناصر المليشيات المشتبه بهم، وبدأ يكسب الحرب. كانت خسائر المونتونيروس تقترب من الألفين شخص بنهاية عام 1976. حاول المجلس العسكري رفع شعبيته لدي المواطنين في صراع بيغل وفي مونديال 1978.
بحلول عام 1977 كان قد تم دحر الجيش الشعبي الثوري تماماً، وإضعاف المونتينيروس بقسوة، لكنهم قاموا بهجوم مضاد ضخم تمت هزيمتهم فيه وإسدال الستار علي تهديدات المليشيات.
بقي المجلس العسكري في سدة الحكم، وقام ليوبولدو غالتييري بشن حرب الفوكلاند لإستعادة الجذر ولكنه هزم من قبل المملكة المتحدة في عضون شهرين. غادر غاليتييري الحكومة بسبب الهزيمة العسكرية، وبدأ بعده رينالدو بيغنوني تنظيم عملية التحول الديموقراطي بالانتخابات الحرة في عام 1983.
العهد المعاصر
في حملة 1983 الانتخابية دعا ألفونسين إلى الوحدة الوطنية، واستعادة الحكم الديمقراطي والملاحقة القضائية لكل المسئولين عن الحرب القذرة، كما قام أيضا بإنشاء اللجنة الوطنية المعنية بالأشخاص المختفين (CONADEP) للتحقيق في حالات الاختفاء القسري، أصدرت اللجنة تقريرا مفصلا عن 340 من مراكز الاعتقال غير القانونية، و 8961 حالة اختفاء قسري. في محاكمة المجلس العسكري عام 1986 صدرت أحكام قضائية علي كل قيادات الحكومة في تلك السنوات، بعدها استهدف ألفونسين العسكر من الرتب الدنيا، الشيء الذي زاد من استياء المؤسسة العسكرية وهدد بخطر حدوث انقلاب جديد، ولإرضاء الجيش قام بإصدر قانون التوقف الكامل، والذي يحدد موعد نهائي لمحاكمات جديدة. لكن لم يثمر هذا العمل على النحو المنشود، وأدي إلى تمرد مجموعة من الجيش عرفت بالكارابينتاداس (الوجوه المطلية) وإجبارهم الحكومة علي الأخذ بقانون الطاعة الواجبة، والذي ينص علي عدم مساءلة أي من أفراد المؤسسة العسكرية الذين قاموا بتنفيذ أوامر وجهت اليهم من رتب عليا. تسبب ذلك في خفض الدعم الشعبي للحكومة، فضلا عن الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى التضخم المفرط.
فاز البيروني كارلوس منعم في انتخابات 1989، لكن أعمال الشغب الهائلة التي سببتها الأزمة الاقتصادية أجبرت ألفونسين على الاستقالة، وتسليم الحكومة لمنعم. قاد كارلوس منعم تغييراً في البيرونية، متخلياً عن سياستها المعتادة وتبني الليبرالية الجديدة بدلا عنها. أدي تحديد سعر صرف ثابت في عام 1991، وتفكيك الحواجز الحمائية، وإعادة صياغة الموجهات التجارية والخصخصة في عدة مؤسسات، أدي كل ذلك إلى إعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح لبعض الوقت. أدت انتصارات منعم في انتخابات 1991 و 1993 إلى تعديل الدستور لعام 1994 في الأرجنتين، مما سمح له بالترشح لولاية ثانية. وأعيد انتخابه، لكن بدأ الاقتصاد في الانخفاض في عام 1996، مع ارتفاع معدلات البطالة والركود الاقتصادي. خسر منعم انتخابات عام 1997، ولكن الحزب المدني الراديكالي عاد إلى الرئاسة في انتخابات عام 1999.
سعى الرئيس فرناندو دي لا روا لتغيير نمط منعم السياسي، لكنه أبقي علي خطته الاقتصادية بغض النظر عن الركود الاقتصادي المتنامي. وعيّن دومينغو كافالو، الذي كان وزير الاقتصاد في عهد الرئيس كارلوس منعم. قاد السخط الاجتماعي إلى ظهور المتظاهرين وأصوات فارغة ضخمة في انتخابات عام 2001 التشريعية. في محاولة منها لوقف هروب رؤوس الأموال الضخمة إلى لخارج قامت الحكومة بتجميد الحسابات المصرفية، مما أدي لتوليد المزيد من السخط. أدت أعمال شغب عدة في البلاد بالرئيس إلى إعلان حالة الطوارئ، مدعومةً بالمزيد من الاحتجاجات الشعبية، أجبرت أعمال الشغب الضخمة في ديسمبر كانون الأول الرئيس دي لا روا أخيراً على الاستقالة.
تم تعيين الرئيس ادواردو دوهالدي من قبل الجمعية التشريعية، وقام بالتقليل من أهمية سعر الصرف الثابت الذي وضعه منعم. وبدأت الأزمة الاقتصادية في الانتهاء أواخر عام 2002 تحت إدارة وزير الاقتصاد روبرتو لافانيا. تسبب مقتل اثنين من المتظاهرين في فضيحة سياسية أجبرت دوهالدي للدعوة إلى انتخابات مبكرة. حصل كارلوس منعم على أغلبية الأصوات، يليه نيستور كيرشنر. وكان كيرشنر غير معروف إلى حد كبير من قبل الشعب، ولكنه كان سيبقي على لافاجنا وزيرا. ومع ذلك، رفض منعم خوض جولة الإعادة، الأمر الذي جعل كيرشنر الرئيس الجديد.
بعد السياسات الاقتصادية التي وضعها دوهالدي ولافاجنا، قام كيرشنر بإنهاء الأزمة الاقتصادية، والحصول على الفوائض المالية والتجارية. لكنه ابتعد عن دوهالدى بمجرد تقلده زمام السلطة. قام كيرشنر بإعادة فتح إجراءات قضائية ضد جرائم الحرب القذرة. خلال فترة حكمه تم إعادة هيكلة ديون الأرجنتين المتعثرة مع تخفيض كبير (حوالي 66٪) على معظم السندات، كما تم تسديد الديون لدي صندوق النقد الدولي وتأميم بعض المؤسسات التي تمت خصخصتها من قبل. لم يرشح كيرشنر نفسه لاعادة انتخابه، معززاً من ترشيح زوجته كريستينا فرنانديز دي كيرشنر للمنصب.
بدأت رئاسة كريستينا كيرشنر بصراع مع القطاع الزراعي، والناجم عن محاولة لزيادة الضرائب على الصادرات.تم تصعيد الصراع إلى الكونغرس، وأعطي نائب الرئيس خوليو كوبوس تصويتاً غير متوقع أدي لكسر التعادل في التصويت ضد مشروع القانون. خاضت الحكومة عدة خلافات مع الصحافة، مقلصةً من حرية التعبير.
في 15 يوليو 2010، وأصبحت الأرجنتين أول دولة في أمريكا اللاتينية وثاني بلد في نصف الكرة الجنوبي يقوم بإضفاء الشرعية على زواج المثليين. توفي نيستور كيرشنر في عام 2010، واعيد انتخاب كريستينا فرنانديز في عام 2011.
الجغرافيا