الجمعة، 23 أغسطس 2019

من هو مجاهد؟

بسم الله الرحمن الرحيم

فإن مجاهد الذي يرد ذكره كثيراً في كتب التفسير عن ابن عباس هو التابعي الجليل أبو الحجاج ولد سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر، أثبت أصحاب ابن عباس في التفسير، قال عن نفسه: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية وأسأله عنها..
قال عنه الذهبي في السير: أجمعت الأمة على إمامة مجاهد والاحتجاج به.
وفي تهذيب التهذيب لابن حجر: مجاهد بن جبر المكي أبو الحجاج المخزومي المقري مولى السائب بن أبي السائب، روى عن علي وسعد بن أبي وقاص والعبادلة الأربعة... وخلق كثير.
وروى عنه أيوب السختياني وعطاء وعكرمة... وآخرون، كان أعلمهم بالتفسير، مات سنة إحدى ومائة، وقيل اثنتين، وقيل ثلاث... بمكة وهو ساجد، وقيل عاش ابن ثلاث وثمانين سنة.

كان أحد الأعلام الأثبات، والعباد الزهاد، مع فقه في الدين، وورع مملوء باليقين. وهو أحد أصحاب ابن عباس رضي الله عنهما، وأوثقهم رواية عنه، وإن كان أقلهم رواية عنه، وأكثرهم دراية في تفسير كتاب الله. حتى وصفه بعض من أخذ العلم عنه وعاصره، بقوله: كان أعلمهم بالتفسير .

لقي الإمام مجاهد الأكابر من الصحابة؛ حيث روى عن ابن عباس ، و ابن عمر ، و جابر بن عبد الله ، وأبي سعيد الخدري ، و أبي هريرة ، و رافع بن خديج رضي الله عنهم أجمعين، وحدث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، إلا أن حديثه عنها مرسل؛ لأنه لم يسمع منها. وقد حدث عنه أعلام من كبار التابعين، منهم: عطاء ، و طاوس ، و عكرمة وغيرهم كثير .

وقد لازم الإمام مجاهد ابن عباس رضي الله عنهما مدة ليست بالقصيرة، وأخذ التفسير عنه رواية ودراية، لهذا وجدنا الإمام البخاري في "صحيحه" يعتمد عليه، وينقل عنه كثيراً من تفسير القرآن الكريم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مكانة الإمام مجاهد وعدالته عند أهل العلم وقبوله عندهم .


ومما يدل أيضًا على علو كعب أبي الحجاج - كما كان يكنى - وطول باعه في تفسير كتاب الله وفهمه له، ما رواه أبان بن صالح ، عن مجاهد ، أنه قال: عرضت القرآن على ابن عباس رضي الله عنهما ثلاث عرضات، أقفه عند كل آية، أسأله فيم نزلت ؟ وكيف كانت ؟ .


وروى ابن أبي مليكة ، قال: رأيت مجاهداً سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن تفسير القرآن ومعه ألواحه، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: اكتب، حتى سأله عن التفسير كله .


وروى أبو نعيم في ( حلية الأولياء ) عن الفضل بن ميمون ، قال: سمعت مجاهدًا يقول: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين عرضة .

وقد أجمع معاصروه على مكانته العالية في معرفته بتفسير كتاب الله، حتى روي القول عن بعضهم: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به؛ وهذا ما دفع الإمام الذهبي أن يقول في آخر ترجمةمجاهد : أجمعت الأمة على إمامة مجاهد والاحتجاج به. ويكفي لبيان مكانته ما ذكرناه من اعتماد الإمام البخاري على رواية مجاهد في كتاب التفسير من كتابه ( الجامع الصحيح ) وكذلك رواية أصحاب الكتب الستة عنه في كتبهم .

ونرى من المناسب أن ننقل بعضًا مما أُثر من أقوال هذا الإمام في التفسير؛ فمن ذلك قوله في قول الله تعالى: { وتبتل إليه تبتيلا } (المزمل:8) قال: أخلص له إخلاصًا. وفي قوله تعالى: { وثيابك فطهر } (المدثر:4) قال: وعملك فأصلح. وفي قوله سبحانه: { واسألوا الله من فضله } (النساء:32) قال: ليس بعَرَض الدنيا. وفي قوله تعالى: { والذي جاء بالصدق وصدق به } (الزمر:33) قال: هم الذين يجيئون بالقرآن، يقولون: هذا الذي قد أعطيتمونا، قد اتبعنا ما فيه. أما قوله سبحانه: { ولا تنس نصيبك من الدنيا } (القصص:77) فقال في تفسيره: خذ من دنياك لآخرتك، أن تعمل فيها بطاعته. وقوله سبحانه: { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } (التكاثر:8) قال: عن كل شيء من لذه الدنيا. وفي قوله تعالى: { وقوموا لله قانتين } (البقرة:238) قال: القنوت: الركوع، والخشوع، وغض البصر، وخفض الجناح من رهبة الله تعالى. قال: وكانت العلماء إذا قام أحدهم إلى الصلاة هاب الرحمن عز وجل أن يشذ نظره، أو يلتفت، أو يقلب الحصى، أو يعبث بشيء، أو يحدث نفسه بشيء من الدنيا، إلا ناسيًا ما دام في الصلاة. وفي قوله تعالى: { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة } (مريم:59) قال: عند قيام الساعة، وذهاب صالحي أمة محمد صلى الله عليه وسلم { واتبعوا الشهوات } قال: ينـزوا بعضهم على بعض زناة في الأزقة. وقوله سبحانه: { بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته} (البقرة:81) قال في تفسير هذه الآية: الذنوب تحيط بالقلوب، كلما عمل ذنبًا ارتفعت حتى تغشى القلب، وحتى يكون هكذا، ثم قبض يده، ثم قال: هو الران. وفي قوله تعالى: { فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب } (الشرح:7-8) قال: إذا فرغت من أمر الدنيا، فقمت إلى الصلاة، فاجعل رغبتك إليه، ونيتك له. وقوله تعالى: { وتقطعت بهم الأسباب } (البقرة:166) قال في معناها: الأوصال التي كانت بينهم في الدنيا. أما قوله تعالى: { ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } (الأنعام:153) فقال في معناها: إنها البدع والشبهات. وقوله تعالى: { وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة } (لقمان:20) قال: أما ( الظاهرة ) فالإسلام والرزق، وأما ( الباطنة ) فما ستر من العيوب والذنوب. وفي قوله تعالى: { ادفع بالتي هي أحسن } (فصلت:34) قال: هو السلام عليه إذا لقيته؛ وفي قول آخر له في معنى الآية نفسها، قال: المصافحة .


وتتبع أقوال هذا الإمام لا يمكن حصرها في مقال كهذا، وفي الأمثلة التي ذكرناها ما يدل على مكانة هذا الإمام، ومنزلته في علم التفسير .


على أن بعض أهل العلم قد لاحظ على منهج التفسير عند الإمام مجاهد أمرين:


أولهما: أنه كان يسأل أهل الكتاب عن تفسير بعض الآيات التي لم يثبت فيها نَقْل لديه .


والثاني: اعتماده الرأي أحياناً في فهم بعض نصوص القرآن الكريم؛ ولا يسعنا أن نفهم هذين المنهجين إلا على وفق ما يليق بمكانة هذا الإمام .


فسؤاله أهل الكتاب كان في حدود ما هو جائز ومشروع، ولم يتعدَّ ذلك إلى ما هو محظور وممنوع. كيف لا، وهو تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما، الذي كان يشدد النكير على من يأخذ عن أهل الكتاب، أو يصدقهم فيما يقولونه، إلا ما شهد له شاهد من الشرع .


وأما مسألة إعماله العقل في تفسير بعض الآيات، فحاصل القول فيها: إن كل الناس يؤخذ منه ويُرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عصمه الله عن الخطأ، وعلى هذا فإن هذا المنهج منمجاهد لا يقلل من القيمة العلمية لهذا الإمام، الذي أجمع الناس على إمامته في التفسير من غير منازع ولا مدافع .


ثم إن كتب التراجم قد ذكرت أن مولد هذا الإمام كان سنة إحدى وعشرين للهجرة، وتوفي بمكة سنة اثنتين ومائة، وتوفي وهو ساجد رحمه الله. قال ابن جريج : بلغ مجاهد يوم مات ثلاثًا وثمانين سنة .

بعد هذا نقول: إن من بين التفاسير التي كُتب لها أن تصل إلينا تفسير الإمام مجاهد، وهو تفسير مطبوع ومتداول بين أهل العلم، وهو أيضًا يدل على مكانة هذا الإمام؛ فما هذا التفسير وغيره من التفاسير، إلا أثر من آثار السلف الصالح، التي تدلنا على سيرهم المتواصل في حقل تبيينهم لكتاب ربهم، وتدعونا إلى أن لا نألوا جهدًا في تدبر القرآن، ولا ندخر وسعًا لتفهم آياته، ونجتهد غاية الاجتهاد في سبيل هذا التبيان؛ قصدًا مخلصًا إلى الحق، فرب مبلغ أوعى من سامع 

أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُوْنَةُ رضي الله عنها

أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ مَيْمُوْنَةُ رضي الله عنها

مَيْمُوْنَةُ أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ بِنْتُ الحَارِثِ بنِ حَزْنٍ الهِلاَلِيَّةُ ابْنِ بُجَيْرِ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُخْتُ أُمِّ الفَضْلِ زَوْجَةِ العَبَّاسِ، وَخَالَةُ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وهي خَالةُ عبدِ الله بنِ عَبَّاسٍ. وهيَ ءاخِرُ نِسائه تَزويجًا ومَوتًا. وقيلَ إنّها ماتَت قبلَ عَائشةَ رضي الله عنها، وردَ ذلكَ في حديثٍ صَحيح عن عائشةَ.

أمُّها هندٌ بنتُ عوفِ بنِ زُهَير .

قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ، فَسَمَّاهَا رَسُوْلُ اللهِ: مَيْمُوْنَةَ.

كانت تحتَ مَسعودِ بنِ عمرو بنِ عبدِ نَائلٍ الثّقفِي في الجاهِليّة وفَارقَها، ثم خَلَفَ عليها أبو رُهْم بنُ عبد العُزّى بنِ أبي القيس فتُوُفّي عنها.

رواياتها للحديث

رَوَتْ عِدَّةَ أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَآخَرُوْنَ.
رُوِيَ لَهَا: سَبْعَةُ أَحَادِيْثَ فِي (الصَّحِيْحَيْنِ)، وَانْفَرَدَ لَهَا البُخَارِيُّ بِحَدِيْثٍ، وَمُسْلِمٌ بِخَمْسَةٍ، وَجَمِيْعُ مَا رَوَتْ: ثَلاَثَةَ عَشَرَ حَدِيْثًا.

 زواجها من رسول الله

تَزَوَّجَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَقْتِ فَرَاغِهِ مِنْ عُمْرَةِ القَضَاءِ، سَنَةَ سَبْعٍ، فِي ذِي القَعْدَةِ، وَبَنَى بِهَا بِسَرِفٍ - وهو المَكَانَ المَعْرُوْفَ بِأَبِي عُرْوَةَ - وَكَانَتْ مِنْ سَادَاتِ النِّسَاءِ.

وروى ابْنُ سَعْدٍ: لَمَّا أَرَادَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخُرُوْجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ القَضِيَّةِ، بَعَثَ أَوْسَ بنَ خَوْلِيٍّ وَأَبَا رَافِعٍ إِلَى العَبَّاسِ؛ فَزَوَّجَهُ بِمَيْمُوْنَةَ، فَأَضَلاَّ بَعِيْرَيْهِمَا؛ فَأَقَامَا أَيَّامًا بِبَطْنِ رَابِغٍ، حَتَّى أَدْرَكَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُدَيْدٍ، وَقَدْ ضَمَّا بَعِيْرَيْهِمَا، فَسَارَا مَعَهُ، حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ.

فَأَرْسَلَ إِلَى العَبَّاسِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَجَعَلَتْ مَيْمُوْنَةُ أَمْرَهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وعَنْ مَيْمُوْنِ بنِ مِهْرَانَ: دَخَلْتُ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَجُوْزٍ كَبِيْرَةٍ، فَسَأَلْتُهَا: أَتَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُوْنَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟

قَالَتْ: لاَ، وَاللهِ لَقَدْ تَزَوَّجَهَا، وَإِنَّهُمَا لَحَلاَلاَنِ.

وعَنْ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ قَالَ: خَطَبَهَا وَهُوَ حَلاَلٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلاَلٌ.


ويُقال إنّها وهَبت نفسَها للنبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذلكَ أنّ خُطبَة النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتَهت إليها وهيَ على بَعِِيرِها فقَالت: البَعيرُ وما علَيه لله ورسوله رضي الله عنها، فأنزل اللهُ عزّ وجل: "وامرأةً مؤمِنةً إن وهَبتْ نَفْسَها للنبيّ". والمعنى أحْلَلنَا لكَ مَن وقَعَ لها أن تهَبَ لكَ نَفسَها ولا تَطلُبَ مَهرًا مِنَ النّساء المؤمناتِ إن اتفَقَ ذلكَ.

ويُقال التي وهبت نفسَها للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زينبُ بنت جحش رضي الله عنها، ويُقال أمّ شَرِيك غُزِّيّة بنتُ جابر بنِ وهب، ويقال غيرُها، ذكره ابن إسحاق.

وقد ورد أن عَائِشَةَ قَالَت: أَمَا إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ أَتْقَانَا للهِ، وَأَوْصَلِنَا لِلرَّحِمِ!

وفاتها

وعَنْ يَزِيْدَ بنِ الأَصَمِّ قَالَ: دَفَنَّا مَيْمُوْنَةَ بِسَرِفٍ، فِي الظُلَّةِ الَّتِي بَنَى بِهَا فِيْهَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَزَلْتُ فِي قَبْرِهَا، أَنَا وَابْنُ عَبَّاسٍ.

وَعَنْ عَطَاءٍ: تُوُفِّيَتْ مَيْمُوْنَةُ بِسَرِفٍ، فَخَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَيْهَا، فَقَالَ: إِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا، فَلاَ تُزَلْزِلُوْهَا، وَلاَ تُزَعْزِعُوْهَا.

وَقِيْلَ: تُوُفِّيَتْ بِمَكَّةَ، فَحُمِلَتْ عَلَى الأَعْنَاقِ بِأَمْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى سَرِفٍ، وَقَالَ: ارْفُقُوا بِهَا، فَإِنَّهَا أُمُّكُمْ.

الصحابية الجليلة أم ورقة بنت نوفل

الصحابية الجليلة أم ورقة بنت نوفل

أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن عويمر الأنصارية، وقيل: أم ورقة بنت نوفل، وهي مشهورة بكنيتها واختلفوا في نسبها.

كانت الصحابية الجليلة أم ورقة بنت نوفل من المؤمنات التقيات، وقد كان النبي يزورها مع أصحابه ويقول لهم " قوموا بنا نزور الشهيدة " وذلك قبل أن تنال الشهادة.

فقد ورد في سنن أبي داود عن الْوَلِيد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِى جَدَّتِى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلاَّدٍ الأَنْصَارِىُّ عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ نَوْفَلٍ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا غَزَا بَدْرًا، قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ يَارَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِى فِى الْغَزْوِ مَعَكَ، أُمَرِّضُ مَرْضَاكُمْ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِى شَهَادَةً.

قَالَ« قِرِّى فِى بَيْتِكِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُكِ الشَّهَادَةَ ». قَالَ فَكَانَتْ تُسَمَّى الشَّهِيدَةَ.

قَالَ وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتِ الْقُرْآنَ فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَتَّخِذَ فِى دَارِهَا مُؤَذِّنًا، فَأَذِنَ لَهَا.

قَالَ: وَكَانَتْ دَبَّرَتْ غُلاَمًا لَهَا وَجَارِيَةً، فَقَامَا إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ، فَغَمَّاهَا بِقَطِيفَةٍ لَهَا حَتَّى مَاتَتْ، وَذَهَبَا، فَأَصْبَحَ عُمَرُ فَقَامَ فِى النَّاسِ فَقَالَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ هَذَيْنِ عِلْمٌ أَوْ مَنْ رَآهُمَا فَلْيَجِئْ بِهِمَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَصُلِبَا فَكَانَا أَوَّلَ مَصْلُوبٍ بِالْمَدِينَةِ.

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهَا فِى بَيْتِهَا وَجَعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَنَا رَأَيْتُ مُؤَذِّنَهَا شَيْخًا كَبِيرًا.

وورد أنه لما قيل لعمر رضي الله عنه: إنها قتلت، قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان يقول: " انطلقوا بنا نزور الشهيدة ".

وقد ورد في الاصابة :

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها في بيتها، وجعل لها مؤذنًا يؤذن لها، وكان لها غلام وجارية، فدبرتهما فقاما إليها فغمياها فقتلاها.

فلما أصبح عمر قال: والله ما سمعت قراءة خالتي أم ورقة البارحة، فدخل الدار فلم ير شيئًا، فدخل البيت فإذا هي ملفوفة في قطيفة في جانب البيت، فقال: صدق الله ورسوله، ثم صعد المنبر فذكر الخبر، فقال: عليَّ بهما، فأتى بهما فسألهما، فأقرا أنهما قتلاها، فأمر بهما فصلبا.اهـ

النسفي .. صاحب العقائد

نسبه ومولده
هو عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بنِ إسماعيل بن محمد بن علي بن لُقْمَانَ، أبو حَفْصٍ النَّسَفِيُّ الحنفيُّ، ويلقب بـ(نجم الدين) وشيخ الإسلام. وقد وُلِد سنةَ (461هـ/ 1069م) في نَسَف، وهي نَخْشَب قرب سمرقند.

شيوخه
سافر نجم الدين النسفي وارتحل في طلب العلم، واستفاد من شيوخٍ كثيرين. وقد جمع هو أسماءهم في كتاب، فبلغوا خمسمائة وخمسة وخمسين شيخًا، ولم يذكر أصحاب التراجم والسير إلا النزر اليسير منهم، وهم: أَبو القَاسِمِ بن بَيَانٍ سمع منه ببغداد فِي الكُهُوْلَةِ، وإِسْمَاعِيْلُ بنِ مُحَمَّدٍ النُّوحِيُّ النسفي، وَالحَسَنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ القَاضِي، وَمَهْدِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ العَلَوِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ عِيْسَى النَّسَفِيُّ، وَأَبو اليُسْرِ مُحَمَّدُ بن مُحَمَّد بن الحسين النَّسَفِيُّ، وَحُسَيْنٌ الكَاشْغَرِيِّ، وَأَبو مُحَمَّدٍ الحَسَن بن أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ المَاتُرِيدِيُّ، وأبو علي الحسن بن عبد الملك النسفي.

 تلاميذه
رَوَى عَنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ التُّوربُشْتِيُّ، وَوَلَدُه أبو اللَّيْثِ أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بن محمد النسفي، وعمر بن محمد بن عمر العقيلي، وأبو سعد عبد الكريم السمعاني صاحب التحبير في المعجم الكبير، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.

مؤلفاته
له مؤلفات كثيرة نافعة، من ذلك:
1- القَنْد فِي تَارِيخِ سَمَرْقَنْد. والذي يعتبر مرجعًا ومصدرًا لما كتبه أكابر أهل التراجم والسير، مثل الذهبي وابن حجر وغيرهما.
2- أجناس الفقه.
3- تطويل الأسفار لتحصيل الأخبار. جمع فيه ما سمعه من الأحاديث من شيوخه، وتعداد الشيوخ الذين روى عنهم.
4- التيسير في التفسير.
5- الجمل المأثورة.
6- الخصائص في الفروع. وهو كتاب كبير.
7- دعوات المستغفرين.
8- طلبة الطلبة في اللغة على ألفاظ كتب أصحاب الحنفية.
9- الفتاوى النسفية.
10- مشارع الشارع في فروع الحنفية.
11- المعتقد.
12- منظومة النسفي في الخلاف.

كتابه في العقيدة
له كتاب العقائد النسفية أو عقائد النسفي، وهو متن متين، اعتنى به جمٌّ من الفضلاء، فشرحه العلامة سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني المتوفَّى سنة 791هـ، وفرغ منه في شعبان سنة 768هـ؛ قال: "إن المختصر المسمى بالعقائد يشتمل على غرر الفوائد في ضمن فصول هي للدين قواعد، وأصول مع غاية من التنقيح والتهذيب... إلخ".

وقد ولع به العلماء فقاموا بشرحه والتعليق عليه، أو تلخيصه، أو التحشية عليه، وقد ذكر حاجي خليفة بعضًا من شروحه.

ثناء العلماء عليه
قال عنه الذهبي: "العَلاَّمَةُ، المُحَدِّثُ". وقال العلامة قاسم بن قطلوبغا: "كان فقيهًا عارفًا بالمذهب والأدب". وقال السمعاني: "إمام فقيه فاضل، عارف بالمذهب والأدب، صنَّف التصانيف في الفقه والحديث، ونظم الجامع الصغير، وجعله شعرًا، وصنف قريبًا من مائة مصنف". وذكره ابن النجار فأطال، وقال: "كان فقيهًا فاضلاً، مفسرًا محدثًا، أديبًا مفتيًا". ووصفه القرشي فقال: "الإمام الزاهد نجم الدين أبو حفص".

وفاته
تُوُفِّي بِسَمَرْقَنْدَ، ليلة الخميس ثَانِي عَشَرَ جُمَادَى الأُوْلَى، سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

المراجع
- التحبير في المعجم الكبير، السمعاني.
- سير أعلام النبلاء، الذهبي.
- هدية العارفين، الباباني.
- الأعلام، الزركلي.
- كشف الظنون، حاجي خليفة.
- مقدمة كتاب طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية للنسفي، والتي كتبها الدكتور عصمت الله عنايت الله، الجامعة الإسلامية العالمية، إسلام آباد.

طاوس بن كيسان .. العبادة والزهادة والعلم والعمل

قدم للقارئ نموذجًا ندر وجوده في هذه الأزمان، لرجل ليس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه بلغ عظيم الشأن في القربى والصلاح مع العلم والفهم، أحاول أن أجعل أصحابه ومن شهده هم الذين يحدثوننا عنه؛ فالمواقف عنه لا تحتاج تعليقًا بل هي تعلق عن نفسها، وتبين سبيلها، وتنير سبيل من اقتفى الأثر..

إنه التابعي الكبير طاوس بن كيسان من أكبر أصحاب عبد الله بن عباس، وهو أول طبقة أهل اليمن من التابعين، وأدرك جماعة كبيرة من الصحابة، قال ابن كثير: أدرك خمسين من الصحابة، ت 106هـ.

علامات مضيئة في حياة طاوس بن كيسان
أولاً: العلم:
ليس التابعي الجليل طاوس بن كيسان بحاجة لنعرفه للناس فهو أبين من أن يعرف، وعلمه بلغ الآفاق، وقد روى عن كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن كثير: كان أحد الأئمة الأعلام، قد جمع العبادة والزهادة والعلم النافع والعمل الصالح، وأكثر روايته عن ابن عباس، وروى عنه خلق من التابعين وأعلامهم، منهم مجاهد وعطاء وعمرو بن دينار وإبراهيم بن ميسرة وأبو الزبير ومحمد بن المنكدر والزهري والضحاك ووهب بن منبه وغيرهم.

ثانيًا: العبادة والزهد:
كان الإمام طاوس بن كيسان نموذجا يُحتذى في تطبيق العلم، والسير به، وامتثاله، فتجده منفذًا لما علم، مسارعًا للأجر والثواب، مقبلاً على ربه سبحانه، قال ابن كثير: توفي طاوس بمكة حاجًّا. وقال ابن شوذب: رحم الله طاوسًا، حج أربعين مرة.

وروى الإمام أحمد قال: كان طاوس وأصحابه إذا صلوا العصر استقبلوا القبلة، ولم يكلموا أحدًا، وابتهلوا إلى الله تعالى.

- حتى إنه كان ليستغرب من الغافلين والساهين، كيف غفلوا عن الجادة، وكيف يغفل من يريد العلياء؟ قال ابن الجوزي: أتى طاوسٌ رجلاً في السَّحَر، فقالوا: هو نائم. فقال: ما كنت أرى أن أحدًا ينام في السحر.

- وبشكل تطبيقي متفرد، يطير النوم من عيني صاحبنا؛ إذ التبعة ملقاة على القلب لا على مجرد البدن، قال ابن الجوزي: كان طاوس يفترش فراشه ثم يضطجع فيتقلى كما تتقلى الحبة في المقلى، ثم يثب فيدرجه (يعني يجمعه) ويستقبل القبلة حتى الصباح، ويقول: "طَيَّر ذكرُ جهنم نوم العابدين".

- وعن ليث عن طاوس قال: ما من شيء يتكلم به ابن آدم إلا أحصي عليه حتى أنينه في مرضه. ولما علم الإمام أحمد ذلك من قوله وكان يتأوه بينما كان مريضًا، توقف عن التأوه - رحمهم الله جميعًا.

- قال ابن كثير: كان طاوس يقول: خَفِ الله مخافة لا يكون عندك شيء أخوف منه، وارجه رجاءً هو أشد من خوفك إياه، وأحبب للناس ما تحب لنفسك.

- وقال عبد الله بن المبارك: قالوا لطاوس: ادع الله لنا. قال: لا أجد لذلك حسبة.. ادعوا لأنفسكم؛ فإنه يجيب المضطر إذا دعاه.

- وقال ابن جرير: قال طاوس: البخل أن يبخل الإنسان بما في يده، والشح أن يحب أن له ما في أيدي الناس ولا يقنع.

- قال ليث بن سعد: قال طاوس: ألا رجل يقوم بعشر آيات من الليل، فيصبح قد كُتب له مائة حسنة أو أكثر من ذلك.

- قال إبراهيم بن ميسرة: قال طاوس: لا يحرز دين المؤمن إلا حفرته (يعني لا يعلم حقيقته).

- وقال مجاهد لطاوس: رأيتك تصلي في الكعبة والنبي صلى الله عليه وسلم على بابها يقول لك: اكشف قناعك وبيِّن قراءتك. فقال له: اسكت، لا يسمع هذا منك أحد. (فكان طاوس ينبسط في الحديث ويكثر منه بعد ذلك).

- وعن سفيان بن عمرو: ما رأيت أحدًا أشد تنزهًا مما في أيدي الناس من طاوس.

ثالثًا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح للأمة:
- قال إبراهيم بن ميسرة: ورب هذا البيت، ما رأيت أحدًا الشريف عنده والوضيع بمنزلة واحدة إلا طاوس.

- وقال ابن جرير: قال لي عطاء: جاءني طاوس فقال لي: يا عطاء، إياك أن ترفع حوائجك إلى من أغلق دونك بابه وجعل دونك حجابه، وعليك بطلب مَنْ بابه لك مفتوح إلى يوم القيامة، طلب منك أن تدعوه ووعدك بالإجابة.

- قال ابن كثير: جاء مسلم بن قتيبة بن مسلم -صاحب خراسان- لطاوس ليسأله، فانتهره طاوس بشدة، فقيل: هذا صاحب خراسان. قال طاوس: ذلك أهون له عليّ!!

- قال الطبراني: بعث محمد بن يوسف -أخو الحجاج- إلى طاوس بصرّة فيها دنانير وقال للرسول: إن أخذها منك فإن الأمير سيكسوك ويحسن إليك. قال: فخرج بها حتى قدم على طاوس ومعه الجند، فقال: يا أبا عبد الرحمن، نفقة بعث بها إليك الأمير. قال: ما لي بها حاجة. قال: فأراده على قبضها، فأبى، فرمى بها من كُوّة في المنزل ثم ذهب، فقال لهم: قد أخذها..

فلبثوا حينًا، ثم بلغهم عن طاوس شيء يكرهونه، فقال: ابعثوا إليه فليبعث إلينا بمالنا. فجاءه الرسول فقال: المال الذي بعث به إليك الأمير؟ قال: ما قبضت منه شيئًا. فرجع الرسول فأخبرهم، فعرفوا أنه صادق، فقيل للرجل الذي ذهب إليه وبعثوه إليه، فقال: المال الذي جئتك به يا أبا عبد الرحمن؟ هل قبضت منه شيئًا؟ قال: لا. قال: فهل تدري أين وضعته؟ قال: نعم في تلك الكوة، فأبصره حيث وضعته. قال: فمدّ يده فإذا هو بالصرة قد بنت عليها العنكبوت بيتها، فأخذها فذهب بها إليهم.

- ولما حج سليمان بن عبد الملك قال: انظروا إليّ فقيهًا أسأله عن بعض المناسك، قال: فخرج الحاجب يلتمس له، فمرّ طاوس فقالوا: هذا طاوس اليماني، فأخذه الحاجب فقال: أجب أمير المؤمنين. فقال: أعفني، فأبى، فأدخله عليه، قال طاوس: فلما وقفت بين يديه قلت: إن هذا المقام يسألني الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين، إن صخرة كانت على شفير جهنم هوت فيه سبعين خريفًا حتى استقرت في قرارها، أتدري لمن أعدها الله؟ قال: لا!! ويلك، لمن أعدها؟ قال: لمن أشركه الله في حكمه فَجَار (يعني ظَلَم).

- وقال الزهري: دخل طاوس على سليمان بن عبد الملك فقال له: "إن أهون الخلق على الله عز وجل من ولي من أمور المسلمين شيئًا فلم يعدل فيهم".

- وقال طاوس لأبي نجيح: يا أبا نجيح، من قال واتقى الله خيرٌ ممن صمت واتقى.

- وقال ابن كثير: كان طاوس يقول: "الجلاوذة والشُّرَط وأعوان الظلمة كلاب النار".

- وقال ابن كثير: قال سليمان بن عبد الملك لطاوس: حدثنا. فقال طاوس: حدثني ابن عباس أن آخر آية نزلت في كتاب الله {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].

القاب الصحابة


القاب الصحابة


أبو تراب هو علي بن أبي طالب فقد دخل ‏علي ‏‏على ‏فاطمة -رضي الله عنهما-‏ ‏ثم خرج فاضطجع في المسجد ، فقال النبي ‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏:( ‏أين ابن عمك ) قالت :( في المسجد )فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره ، وخلص التراب إلى ظهره ، فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول :( اجلس يا ‏‏أبا تراب )‏مرتين
أبو المساكين هو جعفر بن أبي طالب يقول أبو هريرة :( كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب )أبو الحُسام هو حسّان بن ثابت لمناضلته بشعره عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ولتقطيعه أعراض المشركين

أرق الناس أفئدة هم وفد الأشعريين فبعد فتح خيبر ،قدم وفد يقرب من بضعة وخمسون من أهل اليمن سماه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالأشعريين وبأنهم أرق الناس أفئدة
أسد الله هو حمزة بن عبد المطلب

أم المساكين هي أم المؤمنين زينب بنت خزيمة

أمين هذه الأمة هو أبو عبيدة بن عامر بن الجراح فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :(\\\\\\\' لكل أمة أمينا وأميننا أيتها الأمة أبوعبيدة عامر الجراح )
ابـن أم عبـد هو عبد الله بن مسعود فقد كان ينسـب الى أمـه أحيانا فيقال :( ابـن أم عبـد )وأم عبـد كنية أمه -رضي الله عنهما-

إمام المهاجرين هو سالم مولى أبى حذيفة فقد كان إمامـاً للمهاجريـن من مكة الى المدينة طوال صلاتهم في مسجد قباء

البحر هو عبد الله بن العبّاس

ترجمان القرآن هو عبد الله بن العبّاس

جامع القرآن هو زيد بن ثابت

حاجب الكعبة المعظّمة هو شيبة بن عثمان

حب رسول الله هو زيد بن حارثة

الحب بن الحب هو أسامة بن زيد

حَبْرُ الأمة هو عبد الله بن العباس

حواري الرسول هو الزبير بن العوام ففي يوم الخندق قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :( مَنْ رجلُ يأتينا بخبر بني قريظة ؟)فقال الزبير :( أنا )فذهب ، ثم قالها الثانية فقال الزبير :( أنا )فذهب ، ثم قالها الثالثة فقال الزبيـر :( أنا ) فذهب ، فقال النبـي -صلى الله عليه وسلم- :( لكل نبيّ حَوَارِيٌّ، والزبيـر حَوَاريَّ وابن عمتي )

خادم رسول الله هو أنس بن مالك

خطيب رسول الله هو ثابت بن قيس

ذات النطاقين هي أسماء بنت أبي بكر

ذو الجناحين هو جعفر بن أبي طالب فقد أخذ الراية يوم مؤتة بيمينه فقطعت ، فأخذها بشماله فقطعت ، فاحتضنها بعضديه حتى قتل ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء

ذو النور هو الطُّفيل بن عمرو الدّوسي فقد كان في رأس سَوْطه نور كالقنديل المعلّق ، كان يُضيء في الليلة المظلمة له
ذو النورين هو عثمان بن عفان فقد تزوج من رقيـة بنت رسـول اللـه -صلى اللـه عليه وسلم- ولما توفيـت تزوج أختها أم كلثـوم فسمي ( ذي النورين )
ساقي الحرمين  هو العباس بن عبد المطلب ففي عام الرمادة خرج أمير المؤمنين عمر والمسلمون معه الى الفضاء يصلون صلاة الإستسقاء فوقف عمر وقد أمسك يمين العباس بيمينه ، ورفعها صوب السماء وقال :( اللهم إنا كنا نستسقي بنبيك وهو بيننا ، اللهم وإنا اليوم نستسقي بعمِّ نبيك ، فاسقنا ) ولم يغادر المسلمون مكانهم حتى جاءهم الغيث ، وهطل المطر ، وأقبل الأصحاب على العباس يعانقونه و يقبلونه ويقولون :( هنيئا لك ساقي الحرمين )

سِداد البطحاء هو صفوان بن أمية فقد كان أحد المطعمين

سيد الشهداءهو حمزة بن عبد المطلب

سيد الفوارس هو أبو موسى الأشعري ففد كان موضع ثقة الرسول وأصحابه وحبهم ، فكان مقاتلا جسورا ، ومناضلا صعبا ، يحمل مسئولياته في استبسال جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول عنه :( سيد الفوارس أبوموسى )

سيد المسلمين هو أبي بن كعب فقد قال عنه عمر بن الخطاب :( أبي سيد المسلمين )فغدا بين الناس معروفاً بذلك
سيدا شباب الجنة هما الحسن و الحسين

سيف الله المسلول هو خالد بن الوليد ففي غزوة مؤتة قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :(  حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله ، حتى فتح الله عليهم ) فسمي خالد من ذلك اليوم سيف الله

شاعر الرسول هو حسّان بن ثابت

الشعار هم الأنصار ( أهل المدينة المنورة )
صاحب سر الرسول هو حذيفة بن اليَمان

صاحب سر الرسول ( صاحب السواد ) هو عبد الله بن مسعود

صاحب نعلى رسول الله هو عبد الله بن مسعود فقد كان يدخلهما في يديه عندما يخلعهما النبي -صلى الله عليه وسلم-

صاحب وسادة رسول الله ومطهرته هو عبد الله بن مسعود

الصديقة هو أبو بكر الصديق فقد صدّق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الإسراء والمعراج

طلحة الجود هو طلحة بن عبيد الله فقد أسماه الرسول -صلى الله عليه وسلم- طلحة الجود في حنين

طلحة الخير هو طلحة بن عبيد الله فقد أسماه الرسول -صلى الله عليه وسلم- طلحة الخير في غزوة أحد

طلحة الفياض هو طلحة بن عبيد الله فقد أسماه الرسول -صلى الله عليه وسلم- طلحة الفياض في غزوة العشيرة

العتيق هو أبو بكر الصديق فقد قال له الرسول -صلى اللـه عليه وسلم- :( أنت عتيق الله من النار ) 

الفاروق هو عمر بن الخطاب فبعد أن أسلم عمر خرج ومعه المسلمون ودخلوا المسجد الحرام وصلوا حول الكعبة دون أن تجـرؤ قريش على اعتراضهم أو منعهم ، لذلك سماه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ( الفاروق ) لأن الله فرق بين الحق والباطل

فتى الكهول هو عبد الله بن العباس فقد كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يحرص على مشورته ويلقبه ( فتى الكهول )
كاتب رسول الله هو زيد بن ثابت

الكاملهو سعد بن عُبادة فقد كان يحسن العَوْمَ والرمي فسمي بالكامل
لقمان الحكيم هو سلمان الفارسي فقد كان علي بن أبي طالب يلقبه بلقمان الحكيم فقال عنه :( ذاك امرؤ منا وإلينا أهل البيت ، من لكم بمثل لقمان الحكيم ؟أوتي العلم الأول والعلم الآخر ، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر ، وكان بحرا لا ينزف )

مؤذن الإسلام هو بلال بن رباح الحبشي

مرضعة الرسول هي حليمة السعدية

مولاة الرسول وأم إبراهيم هي مارية القبطية

مولاة الرسول وحاضنته هي أم أيمن

الإمام البويطي ـ حياته وفقهه وصبره وثباته

تاريخ الأمة المحمدية زاخر بالمواقف والمشاهد التي تكررت عبر عصور هذه الأمة، والتي تحكي وتكشف لنا عن حقيقة العلماء الربانيين، والأئمة الكبار الذين يعلمون يقينا الدور المنوط بهم، وتبعات هذا الدور الهام الشريف، لذلك فإننا نعجب كثيرا إذا ما رأينا أن رد فعل هؤلاء العلماء أمام الفتن والمحن، واحد لا يتغير، فردهم وجوابهم على المحنة، هو الثبات على الحق، الثبات حتى الممات، الثبات والأخذ بالعزمات، والإعراض عن الرخصات، لا لشيء إلا لأنهم قدوات متبوعة، بترخصهم يترخص الكثيرون، وبضعفهم يتضعضع بنيان الدين، وهذه قصة واحد من أعلامهم، بثباته ثبت أهل مصر جميعا.



الإمام البويطي هو الإمام العلاّمة، سيد الفقهاء، وكبير الشافعية، جبل العلم، أبو يعقوب يوسف بن يحيي القرشي البويطي، أخص تلاميذ الإمام الشافعي، وأنجبهم، وأقربهم إلى قلبه، ووارث حلقته، وخليفته في درسه بعد وفاته.



لا يعلم على وجه التحديد متى ولد، ولكنه يرجع لأرومة قرشية أصيلة، والبويطي نسبة إلى قرية بويط بصعيد مصر، حيث استقرت اسرته منذ الفتح الإسلامي لمصر في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.



تلقى العلم على يد شيوخ قريته الصغيرة؛ بويط، ثم انتقل إلى العاصمة؛ الفسطاط التي كانت تعتبر أحد القلاع العلمية في العالم الإسلامي وقتها، فجلس إلى شيخ المالكية وكبيرهم؛ الإمام ابن وهب، وحمل عنه علما كثيرا، فلما دخل الشافعي - رحمه الله - مصر سنة 198ه، في رحلته العلمية الشهيرة، جلس إليه البويطي، فانبهر بعلمه، وأدرك أنها فرصة لا تعوض، فلزم مجلسه ولم يفارقه، فتخرج به على الأصول والفروع، فحاز علم المذهبين؛ المالكي والشافعي.



وكان البويطي ذا حظ وافر من الفهم والذكاء وسرعة البديهة، فصار أكبر وأنجب تلاميذ الشافعي، واكثرهم فهما لدقائق مذهبه ومسائله.



ثناء الشافعي والناس عليه:



قد كان للبويطي منزلة عظيمة عند الإمام الشافعي، فقد كان الشافعي معجبًا بنجابة تلميذه وحبه للعلم ومقدرًا لنبوغه، قال الربيع: كان أبو يعقوب من الشافعي بمكان مكين، وربما يسأله أحد عن المسألة فيقول: سل أبا يعقوب فإذا أجاب أخبره، فيقول: هو كما قال، ولعل الدافع لذلك كان نابعًا عن رغبة الإمام الشافعي في أن يكون البويطي خليفة له في حلقة العلم مما كان يبعثه على إعداده وتأهيله وتعريف الناس بعلمه، وتأكد الجميع من وصوله إلى الدرجة التي تؤهله إلى خلافته، ومن ثم رأينا الإمام الشافعي يقول: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى، وحين مرض الشافعي بمصر كان في حلقته من كبار تلامذته البويطي ومحمد ابن عبد الله بن عبد الحكم والمزني، فاختلفوا في الحلقة أيهم يقعد فيها، وتنازعوا الرياسة فبلغ محمد بن إدريس الشافعي، فقال الحلقة ليوسف بن يحيى البويطي من شاء يقعد فيها ومن شاء قام، وليس أحد من أصحابي أعلم منه.



وقد كان البويطي فصيح اللسان قوي البيان ناصع الحجة جريئًا في الحق، وقد روي عن الإمام الشافعي أنه قال: أبو يعقوب لساني، وربما جاء إلى الشافعي رسول صاحب الشرطة فيوجه أبا يعقوب البويطي ويقول هذا لساني، وذلك لردع المفسدين والانكار على المجنة والفاسقين، الأمر الذي يجسد ثقة الإمام الشافعي القوية في ذكاء البويطي وجراءته، وقدرته على الرد والإقناع.



وقد بلغ البويطي درجة عظيمة في العلم حتى قال الشافعي: ليس في أصحابي أعلم من البويطي، وقد اختاره من دونهم كما عرفنا ليخلفه في حلقة العلم، فكانت حلقته أعظم حلقة في المسجد، ورجع الناس والسلطان إليه في الفتيا. وقال النووي: إن أبا يعقوب البويطي أجل من المزني والربيع  المرادي، ولكي نعرف المدى الذي وصل إليه البويطي لابد أن نعرف أن المزني والربيع المرادي قاماتان شامختان في العلم والدين، وكان لهما مكانهما عند الإمام الشافعي، فأما الربيع فقد قال الشافعي فيه: إنه أحفظ أصحابي، وقد كان الناس يرحلون إليه من أقطار الأرض ليأخذوا عنه علم الشافعي، ويرووا كتبه، وأما المزني فكان زاهداً عالماً مجتهداً مناظراً محجاجاً غواصاً على المعاني الدقيقة صنف كتباً كثيرة، قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي.



أما عن مؤلفات البويطي لفه كتاب "المختصر" المشهور، والذي اختصره من كلام الشافعي رضي الله عنه، قال أبو عصام: هو في غاية الحسن، على نظم أبواب المبسوط، ولهذا الكتاب مكانة كبيرة في الفقه الشافعي، ومن الطرائف أن المختصر كان سببًا في تسمية أحد العلماء وهو أبو عبد الله النسوي الشافعي بالبويطي، فقد كان عنده مختصر البويطي في الفقه على مذهب الشافعي، فكان يقول قرأت البويطي، وكررت البويطي، فلقب بالبويطي. وفي العصر الحديث أشعل الدكتور زكي مبارك جدلاً واسعًا حين ألف كتابًا سماه "إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي": كتاب الأم لم يؤلفه الشافعي، وإنما ألّفه البويطي، وتصرف فيه الربيع بن سليمان"، وقد رد عليه مجموعة من العلماء ردًا فندوا فيه ما ادعاه في كتابه، ومن هؤلاء المحقق العلامة أحمد شاكر فِي مقدمة تحقيقه للرسالة للشافعي، والشيخ محمد أبي زهرة في كتابه "الشافعي".



أما عن زهده وورعه وعبادته، فقد قال عنه الإمام الذهبي في ترجمته في السير: " كان إماما في العلم، وقدوة في العمل، زاهدا، ربانيا، متهجدا، دائم الذكر ". وصفه الإمام السبكي بأنه: " متنوع في صنائع المعروف كثير التلاوة لا يمر يوم وليلة حتى يختم.  وقد روى أصحابه ما يدل على عمق تقواه وشدة ورعه وزهده، ففي بيته كانت حياته عبادة حيث كان دائم التقرب إلى الله بالصلاة وقراءة القرآن، قال أبو الوليد ابن أبي الجارود: كان البويطي جاري فما كنت أنتبه ساعة من الليل إلا سمعته يقرأ ويصلي، وأما في خارج بيته فلم يكن ذكر الله ليغيب عنه لحظة، يقول الربيع بن سليمان: كان البويطي أبداً يحرك شفتيه بذكر الله تعالى،  وما رأيت أحداً أنزع بحجة من كتاب الله من أبي يعقوب البويطي، وقد كان في تقواه شبيهًا بأستاذه الشافعي، ويبدو أنه لم يستفد من علمه فحسب بل تأثر بزهده وورعه وتقواه، فسار على نهجه في الذروة من العبادة والعلم والعمل. قال ابن خلكان: "البويطي صاحب الشافعي - رحمه الله -، كان واسطة عقد جماعته، وأظهرهم نجابة، وكان صالحا متنسكا، عابدا، زاهدا ".



محنته وجراءته وثباته:



يعتبر الحسد هو الباعث الرئيس لمحنة الإمام البويطي، فقد كان رحمه الله وارث علم الشافعي وخليفته في مجلسه، وأكثر علماء مصر قبولا وهيبة وأتباعا، فقد كانت حلقته في المسجد أعظم الحلقات، ومجلسه غاص بالطلبة من مصر وخارجها، حتى صار تلاميذه بعشرات الآلاف في مصر وخارجها. في هذه الفترة كانت بدعة القول بخلق القرآن  قد بدأت تروج في المشرق الإسلامي، خاصة بعاصمة الخلافة بغداد، على يد المعتزلة الذين وجدوا دولة تحتضنهم، وسلطة ترعاهم، هي دولة الخليفة المأمون العباسي الذي كان يحب علوم الفلسفة والكلام والمنطق، دون بصيرة ولا آلة تكمنه من بيان الحق، والتفرقة بين الغث والسمين، فوقع في حبائل المعتزلة، واستولوا على عقله، ومجامع فؤاده، فصارت الدولة لهم، ومع الوقت حملوه على القول بخلق القرآن، ودعوة الناس لقول بها.



ونظرا لوجود العلماء والفقهاء والمحدثين بكثرة وقتها في العراق، فقد وجد المأمون صعوبة في إقناع الناس بذلك، ولكن مع دخول سنة 218 ه قرر المأمون حمل الناس على القول بهذه البدعة الكفرية، وإلزام الناس كافة بما فيهم العلماء والمحدثين والأئمة بالقول بها. لم يطل الأمر بالمأمون كثيرا ليري ثمرة فعلته الآثمة، فمات من عامه ذلك، وتولى الخلافة بعده أخوه المعتصم وكان شجاعا عسكريا مشغولا بالفتوحات والغزو، ولكنه كان في نفس الوقت أميا جاهلا، فأوصاه أخوة المأمون بمواصلة إجبار الناس على القول بخلق القرآن، وبالفعل أجاب وصية أخيه، وكانت محنة الإمام أحمد الشهيرة.



وتوفي المعتصم سنة 227 ه، وخلفه ابنه الواثق وكان أشد الناس اعتناقا بالبدعة، وأشدهم أيضا رغبة في نشرها، والسر في ذلك استيلاء قاضي المحنة وإمام البدعة " أحمد بن أبي دؤاد الإيادي " عليه وثقته العمياء في هذا الشيطان المريد قد دفعته لإطلاق يديه في التصرف في هذا الشأن بالصورة التي تحلو له، ومن ثم كانت المحنة العامة لأهل السنة عامة، وللأئمة الأعلام خاصة.



استغل أحمد بن أبي دؤاد  طاعة الواثق العمياء له، فوضع خطة واسعة من أحل نشر هذه البدعة بين المسلمين بشتى الطرق، فأقنع الواثق بضرورة تعيين كل القضاة والولاة والأئمة وجميع موظفي الدولة، حتى معلمي الصبيان في الكتاتيب ممن يقول بهذه البدعة، وتتبع كل من يقول بخلافها، والقضاء عليه والتنكيل به، ووصل الأمر لذروته بأنه قد أمر باختبار الأسرى المسلمين لدى الروم فمن قال منهم بخلق القرآن افتكه، ومن رفض تركه أسيرا لدى الروم في سابقة لم يعرف التاريخ مثلها من قبل.



نظرا لهذه السياسة الشنيعة تم تولية القاضي المعتزلي أبي بكر الأصم في منصب قاضي مصر، فلما دخلها هاله مكانة الإمام البويطي وطاعة الناس له، وكان البويطي جرئيا في الحق لا يبالي في سبيل ذلك ببطش طاغية، ولا بوشاية خسيس. كان البويطي أيضا سدا منيعا أمام انتشار هذه البدعة في مصر، فسعى به أبو بكر الأصم عند قاضي المحنة بن أبي دؤاد، وكتب إليه أن البويطي يحول بين نشر البدعة في الديار المصرية، فكتب بن أبي دؤاد إلى والي مصر وأمره بامتحان البويطي على خلق القرآن فإن أجاب وإلا وضعه في السجن. وكان الوالي محبا للبويطي، معظما لعلمه وورعه، ويكره أن يكون سببا في سجنه، فلما مثل البويطي بين يديه، أمر الوالي بإخلاء المجلس، وسارر البويطي بالأمر وقال له: "يا أبا يعقوب ابق على نفسك، وقل بالأمر سرا بيني وبينك، فأنا لا أملك مخالفة ابن أبي دؤاد، وأنت تعلم مكانه من الواثق ". فإذا بالأمام البويطي يضرب مثالا رائعا في فهم مكانة الإمام، وطبيعة دوره في قيادة الأمة وقت الفتن والأزمات، حيث أبى الترخص في الأمر، وعمل بالعزيمة، وقال للوالي: " إنه يقتدي بي مائة ألف أو يزيدون، لا يدرون أني أتظاهر فقط بالموافقة، وإن أجبت أجابوا هم أيضا ".



فلما علم الطاغية بن أبي دؤاد أمر بسجنه وحمله إلى بغداد في الحديد الثقيل وذلك سنة 233 ه. ويصور لنا الربيع بن سليمان مشهدًا بقدر ما يكشف لنا عن بشاعة التعذيب الذي واجهه البويطي بقدر ما يكشف لنا عمق الإيمان، وقوة الإصرار والصلابة والثبات للنفس المؤمنة التي ترفض الإقرار إلا بما يمليه الضمير، وتأبى إلا أن تكون قدوة في التمسك بالحق مهما كان الثمن، ومهما عظمت التضحية، يقول الربيع بن سليمان: رأيت البويطي على بغل، في عنقه غل وفي رجليه قيد، وبين الغل والقيد سلسلة من حديد فيها طوبة وزنها أربعون رطلاً، وهو يقول: إنما خلق الله - سبحانه - الخلق بِكُنْ، فإذا كانت كن مخلوقة فكأن مخلوقاً خلق مخلوقاً، فوالله لأموتن في حديدي حتى يأتي من بعدي قوم يعلمون أنه مات في هذا الشأن قوم في حديدهم، ولئن أدخلت عليه لأصدقنه يعني الواثق. فانظر إلى أمانة العالم وحرصه على الدفاع عن الحق وتبليغ رسالته حتى في أحلك الظروف.



حمل البويطي من الفسطاط إلى بغداد في القيود والأغلال، وهي مسافة طويلة تستغرق عدة أسابيع، ومع ذلك كان طوال الرحلة آمارا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، مرشدا واعظا، معلما مربيا، لكل من مر عليه من المسلمين، مما زاد من حنق ابن أبي دؤاد عليه، فلم يمتحنه مثلما فعل مع غيره، ولم يدخله على الخليفة كما هي العادة مع كبار العلماء، خشية أن يقنع الواثق بالحق، فقد كان البويطي في هذا الوقت من أعلم أهل الأرض وأكثرهم فقها. فأمر ابن أبي دؤاد بإلقائه في غياهب السجون مباشرة. ظل البويطي في غياهب السجون لشهور عديدة مثالا للعالم الرباني، يوسفي السيرة والمسيرة، صلاة وذكر وعبادة وقراءة وتضرع، وتعليم للمساجين، ومناظرة للمبتدعة الذين كان يرسلهم لطاغية كل يوم من أجل مناظرة البويطي في المسألة.



وفي سجن أبي يعقوب نرى مشهدًا آخر يرقق الأفئدة، ويعظم من مكانة هذا الرجل حيث يشعرنا بعمق إيمانه، وقوة صلته بالله  - عز وجل -؛ فقد كان أبو يعقوب إذا سمع المؤذن وهو في السجن يوم الجمعة اغتسل ولبس ثيابه ومشى حتى يبلغ باب الحبس فيقول له السجان: أين تريد؟ فيقول: حيث داعي الله فيقول: ارجع عافاك الله، فيقول أبو يعقوب: اللهم إنك تعلم أني قد أجبت داعيك فمنعوني.



هذه الأحوال الربانية، والثبات العجيب زاد في غضب ابن أبي دؤاد، وحقده وغله على البويطي، فأمر بتشديد الأغلال والقيود عليه، فلفوه كله بالحديد، حتى لم يعد قادرا على الحركة إلا بصعوبة كبيرة. أثر ذلك التشديد في نفسية الإمام تأثيرا بالغا، فقد عرف الطاغية أن يناله في مقتل، ويضيق عليه في أعز ما يملك؛ الصلاة وقيام الليل والعبادات، فكان الإمام يعاني من صعوبة بالغة في الحركة ودخول الخلاء والتطهر للصلاة، ولنقرأ هذه الرسالة المؤثرة التي أرسلها من محبسه إلى الإمام الذهلي وهو من كبار علماء الحديث في خراسان واصفا حاله، فكتب له يقول: " يا أبا يحيي قل لإخواني أصحاب الحديث، وطلبة العلم أن يدعو الله تعالى أن يفك كربتي، فلقد كبلوني بالحديد حتى أني لم أعد أتطهر وأصلي كما ينبغي، عسى الله أن يفرج عني ما أنا فيه بدعائهم ". فلما قرأ الإمام الذهلي الرسالة على المجلس بكى وبكوا جميعا وضجوا له بالدعاء.



ظل البويطي يدعو الله أن يخلصه من هذا الكرب العظيم بعد أن عجز عن الحركة ودخول الخلاء والصلاة من القيود والأغلال، وسرعان ما جاء الفرج، كأن أبواب السماء كانت مفتوحة عند دعائه، فجاء الفرج سريعا من رب السماء إلى عبده ووليه البويطي، وأخرجه الله - عز وجل - من السجن الكبير، أخرجه من سجن الدنيا التي لاقى فيها من أهلها الظلم والعنت والحسد والحقد والوشاية، أخرجه المولى سبحانه إلى الأفق الرحب، والسعادة السرمدية، والراحة الأبدية، أخرجه إلى جنات عرضها السموات والأرض ــ فيما نحتسبه على الله ــ ومات البويطي في محبسه وقيوده وأغلاله، وأمر أن يدفن في قيوده لا تفك عنه، ليخاصم أعداءه أمام الله تعالى يوم القيامة، وخرجت روحه الطاهرة منتصرة على خصومه الذين لم ينالوا إلا من دنياه. وهكذا العلماء الربانيون، ثابتون على الدرب، صامدون أمام الباطل، غير مبالين بضغوط ولا إغراءات، فما عند الله عز وجل خير، وأبقى، ولكن أكثر علماء الزمان لا يعلمون.

زياد علي

زياد علي محمد