الجمعة، 23 أغسطس 2019

سالم بن عبد الله بن الخطاب - رحمه الله

سالم بن عبد الله بن الخطاب - رحمه الله
كان سالم بن عبد الله بن الخطاب أشبه الناس سمتا بجده عمر بن الخطاب .. ولد في
المدينة وترعرع فيها ونشأ على التقوى والزهد .. كان قرة عين أبيه فقد أحبه حبا
عظيما لما رأى فيه من صفات الرجال وفضائل الإسلام...

عاش سالما عمرا حافلا بالتقى عامرا بالصلاح والهدى معرضا عن زينة الدنيا وزخرفها...
دخل على سليمان بن عبد الملك في المدينة المنورة وقد كانت تفيض بالخير والنعمة فقال
له سليمان: يا بن عمر ما طعامك؟ قال سالم: الخبز والزيت.. فقال سليمان: وتشتهيه يا
سالم؟!!! قال سالم: أترك الطعام حتى أشتهيه!

ولسليمان بن عبد الملك شؤون كثيرة .. فها هو يلقاه في الكعبة وقد استغرق في صلاته
وتسبيحه وركن بعدها إلى جدار وقد انشغل بذكر الله فقال له سليمان: سلني حاجة أقضها
لك يا أبا عمر! .. فلم يجب سالم... فكرر سليمان عليه القول .. فقال سالم: والله
لأستحي أن أكون في بيت الله عز وجل ثم أسأل أحد غيره !... فانتظر سليمان حتى خرجوا
من الكعبة وكرر عليه قائلا: ها نحن قد خرجنا من المسجد فسلني حاجة أقضيها لك! قال
سالم: أمن حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ .. استغرب سليمان وأخذته الدهشة وقال:
بل من حوائج الدنيا يا سالم! .. فنظر إليه وابتسامة عريضة على شفتيه وقال: إنني لم
أطلب حوائج الدنيا ممن يملكها ، فكيف اطلبها ممن لا يملكها؟ ...

ظل سالم بن عبد الله زاهدا في الدنيا .. جاهرا لكلمة الحق.. حتى إنه جلس يوما في
مجلس الحجاج فجيء إليه بطائفة من الرجال مقيدين بالحديد فسأله سالم: من هؤلاء؟ قال
الحجاج: هؤلاء بغاة مفسدون في الأرض مستبيحون لما حرم الله من الدماء ثم أعطاه سيفه
وأشار إلى رجل منهم قائلا: عليك به يا سالم فقم إليه واضرب عنقه... أخذ سالم السيف
من يد الحجاج وذهب إلى الرجل فلما كان عنده قال: أمسلم أنت؟ .. قال الرجل: نعم ،
ولكن لا شأن لك بذلك امض لإنفاذ ما أمرت به! .. قال سالم: وهل صليت الصبح؟.. قال
الرجل: قلت لك بأني مسلم فكيف تسألني إن كنت قد صليت الصبح ؟ هل تظن أن هناك مسلما
لا يصلي الصبح؟... فقال سالم: أسألك عن اليوم ، صبح هذا اليوم!.. قال الرجل: نعم...
فرجع سالم إلى الحجاج ورمى له بسيفه وقال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال:\" من صلى الصبح فهو في ذمة الله\"... وإني لا أقتل رجلا دخل في ذمة الله عز
وجل... رحم الله سالما فقد ورث الجهر بالحق عن أبيه وجده فعاش عمره كله يفيض
بالتقوى ويعرض عن زينة الدنيا

عبد الرحمن بن مهدي

عبد الرحمن بن مهدي (ع)

ابن حسان ، بن عبد الرحمن ، الإمام الناقد المجود ، سيد الحفاظ أبو سعيد العنبري ، وقيل : الأزدي ، مولاهم البصري اللؤلؤي .

ولد سنة خمس وثلاثين ومائة قاله أحمد بن حنبل .

وطلب هذا الشأن ، وهو ابن بضع عشرة سنة .

سمع أيمن بن نابل ، وعمر بن أبي زائدة ، ومعاوية بن صالح الحضرمي ، وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وإسماعيل بن مسلم العبدي قاضي جزيرة قيس ، وأبا خلدة خالد بن دينار ، وسفيان ، وشعبة ، والمسعودي ، وعبد الله بن بديل بن ورقاء ، وأبا يعلى عبد الله بن عبد الرحمن الثقفي ، وعبد الجليل بن عطية البصري ، وعكرمة بن عمار ، وعلي بن مسعدة الباهلي ، وعمران القطان ، والمثنى بن سعيد الضبعي ، ويونس بن أبي إسحـاق ، وأبا حرة واصل بن عبد الرحمن ، وحماد بن سلمة ، وأبان بن يزيد ، ومالك بن أنس ، وعبد العزيز بن الماجشون ، وأمما سواهم .

حدث عنه : ابن المبارك ، وابن وهب -وهما من شيوخه- وعلي ، ويحيى ، وأحمد ، وإسحاق ، وابن أبي شيبة ، وبندار ، وأبو خيثمة ، وأحمد بن سنان ، والقواريري ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وعبد الله بن هاشم ، وعبد الرحمن بن عمر : رستة ، ومحمد بن يحيى ، وهارون بن سليمان الأصبهاني ، وعبد الرحمن بن محمد الحارثي كربزان ، ومحمد بن ماهان زنبقة ، وخلق يتعذر حصرهم .

وكان إماما حجة ، قدوة في العلم والعمل .

قال الخليلي : قال الشافعي : لا أعرف له نظيرا في هذا الشأن .

قال أحمد بن حنبل : عبد الرحمن أفقه من يحيى القطان وقال : إذا اختلف عبد الرحمن ووكيع ، فعبد الرحمن أثبت ، لأنه أقرب عهدا بالكتاب ، واختلفا في نحو من خمسين حديثا للثوري قال : فنظرنا ، فإذا عامة الصواب في يد عبد الرحمن .

قال أيوب بن المتوكل : كنا إذا أردنا أن ننظر إلى الدين والدنيا ، ذهبنا إلى دار عبد الرحمن بن مهدي .

إسماعيل القاضي : سمعت ابن المديني يقول : أعلم الناس بالحديث عبد الرحمن بن مهدي . قلت له : قد كتبت حديث الأعمش ، وكنت عند نفسي أنني قد بلغت فيها ، فقلت : ومن يفيدني عن الأعمش ؟ فقال لي : من يفيدك عن الأعمش ؟ قلت : نعم . فأطرق ، ثم ذكر ثلاثين حديثا ليست عندي ، يتبع أحاديث الشيوخ الذين لم ألقهم أنا ولم أكتب حديثهم نازلا . قال إسماعيل : أحفظ من ذلك منصور بن أبي الأسود .

قال محمد بن أبي بكر المقدمي : ما رأيت أحدا أتقن لما سمع ولما لم يسمع ولحديث الناس من عبد الرحمن بن مهدي إمام ثبت ، أثبت من يحيى بن سعيد ، وأتقن من وكيع ، كان عرض حديثه على سفيان .

قال عبيد الله بن عمر القواريري : أملى علي عبد الرحمن عشرين ألف حديث حفظا .

وقال عبيد الله بن سعيد : سمعت ابن مهدي يقول : لا يجوز أن يكون الرجل إماما حتى يعلم ما يصح مما لا يصح .

قال علي بن المديني : كان علم عبد الرحمن في الحديث كالسحر .

وقال أبو عبيد : سمعت عبد الرحمن يقول : ما تركت حديث رجل إلا دعوت الله له وأسميه .

قال إبراهيم بن زياد سبلان قلت لعبد الرحمن بن مهدي : ما تقول فيمن يقول : القرآن مخلوق ؟ فقال : لو كان لي سلطان ، لقمت على الجسر ، فلا يمر بي أحد إلا سألته ، فإذا قال : مخلوق ، ضربت عنقه ، وألقيته في الماء .

قال أبو داود السجستاني : التقى وكيع وعبد الرحمن في الحرم بعد العشاء ، فتواقفا ، حتى سمعا أذان الصبح . وروي عن ابن مهدي قال : لولا أني أكره أن يعصى الله ، لتمنيت أن لا يبقى أحد في المصر إلا اغتابني ! أي شيء أهنأ من حسنة يجدها الرجل في صحيفته لم يعمل بها ؟ ! .

وعنه قال : كنت أجلس يوم الجمعة ، فإذا كثر الناس ، فرحت ، وإذا قلوا ، حزنت ، فسألت بشر بن منصور ، فقال : هذا مجلس سوء ، فلا تعد إليه ، فما عدت إليه .

قال عبد الرحمن رسته : حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن مهدي ، أن أباه قام ليلة ، وكان يحيي الليل كله ، قال : فلما طلع الفجر رمى بنفسه على الفراش حتى طلعت الشمس ، ولم يصل الصبح ، فجعل على نفسه أن لا يجعل بينه وبين الأرض شيئا شهرين ، فقرح فخذاه جميعا .

وقال رسته : سمعت ابن مهدي يقول لفتى من ولد الأمير جعفر بن سليمان : بلغني أنك تتكلم في الرب ، وتصفه وتشبهه . قال : نعم ، نظرنا ، فلم نر من خلق الله شيئا أحسن من الإنسان ، فأخذ يتكلم في الصفة ، والقامة . فقال له : رويدك يا بني حتى نتكلم أول شيء في المخلوق ، فإن عجزنا عنه ، فنحن عن الخالق أعجز ، أخبرني عما حدثني شعبة ، عن الشيباني ، عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله: لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى قال : رأى جبريل له ست مائة جناح فبقي الغلام ينظر . فقال : أنا أهون عليك صف لي خلقا له ثلاثة أجنحة ، وركب الجناح الثالث منه موضعا حتى أعلم . قال : يا أبا سعيد ، عجزنا عن صفة المخلوق ، فأشهدك أني قد عجزت ، ورجعت .

قال أبو حاتم الرازي : سئل أحمد بن حنبل عن يحيى وابن مهدي ، فقال : ابن مهدي أكثر حديثا .

قال أحمد العجلي : شرب عبد الرحمن بن مهدي البلاذر وكذا الطيالسي ، فبرص عبد الرحمن ، وجذم الآخر . قال : وقيل لعبد الرحمن : أيما أحب إليك ، يغفر لك ذنبا ، أو تحفظ حديثا ؟ قال : أحفظ حديثا .

أبو الربيع الزهراني : سمعت جريرا الرازي يقول : ما رأيت مثل عبد الرحمن بن مهدي . ووصف حفظه وبصره بالحديث .

قال نعيم بن حماد : قلت لعبد الرحمن بن مهدي : كيف تعرف الكذاب ؟ قال : كما يعرف الطبيب المجنون .

قال محمد بن أبي صفوان : سمعت علي بن المديني يقول : لو أخذت ، فحلفت بين الركن والمقام ، لحلفت بالله أني لم أر أحدا قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدي . سمعه أبو حاتم الرازي منه .

أخبرنا محمد بن قيماز ، وغيره ، قالوا : أخبرنا عبد الله بن اللتي ، أخبرنا أبو الوقت ، أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري ، أخبرنا عبد الجبار الجراحي ، أخبرنا ابن محبوب ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، سمعت محمد بن عمرو بن نبهان بن صفوان الثقفي ، سمعت علي بن المديني يقول : لو حلفت بين الركن والمقام ، لحلفت أني لم أر أحدا أعلم من عبد الرحمن بن مهدي .

وبه إلى الترمذي : حدثنا أحمد بن الحسن ، قال أحمد بن حنبل : ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد ، وعبد الرحمن بن مهدي إمام .

وقال زياد بن أيوب الطوسي : قمنا من مجلس هشيم ، فأخذ أحمد وابن معين وأصحابه بيد فتى ، فأدخلوه مسجدا ، وكتبنا عنه ، فإذا الفتى عبد الرحمن بن مهدي .

محمد بن عيسى الطرسوسي : سمعت عبد الرحمن رسته يقول : كانت لعبد الرحمن بن مهدي جارية ، فطلبها منه رجل ، فكان منه شبه العدة ، فلما عاد إليه ، قيل لعبد الرحمن : هذا صاحب الخصومات . فقال له عبد الرحمن : بلغني أنك تخاصم في الدين . فقال : يا أبا سعيد ، إنا نضع عليهم لنحاجهم بها فقال : أتدفع الباطل بالباطل ، إنما تدفع كلاما بكلام ، قم عني ، والله لا بعتك جاريتي أبدا .

قال ابن المديني : قال عبد الرحمن : اترك من كان رأسا في بدعة يدعو إليها .

وقال ابن المديني : دخل على امرأة عبد الرحمن بن مهدي ، وكنت أزورها بعد موته ، فرأيت سوادا في القبلة ، فقلت : ما هذا ؟ قالت : موضع استراحة عبد الرحمن ، كان يصلي بالليل ، فإذا غلبه النوم ، وضع جبهته عليه .

ويروى عن ابن مهدي قال : من طلب العربية ، فآخره مؤدب ، ومن طلب الشعر ، فآخره شاعر ، يهجو أو يمدح بالباطل ، ومن طلب الكلام ، فآخر أمره الزندقة ، ومن طلب الحديث ، فإن قام به ، كان إماما ، وإن فرط ، ثم أناب يوما ، يرجع إليه ، وقد عتقت وجادت .

قال يحيى بن يحيى : كنت أسأل عبد الرحمن عن المشايخ بالبصرة.

ونقل غير واحد عن عبد الرحمن بن مهدي قال : إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن يكون الله كلم موسى ، وأن يكون استوى على العرش ، أرى أن يستتابوا ، فإن تابوا ، وإلا ضربت أعناقهم .

قال ابن المديني : ثم كان بعد مالك بن أنس عبد الرحمن بن مهدي ، يذهب مذهب تابعي أهل المدينة ، ويقتدي بطريقتهم .

وقال : نظرت ، فإذا الإسناد يدور على ستة ، ثم صار علمهم إلى اثني عشر نفسا ، ثم صار علمهم إلى يحيى بن سعيد ، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، وابن المبارك ، ووكيع ، وعبد الرحمن بن مهدي ، ويحيى بن آدم .

قال علي : وأوثق أصحاب سفيان يحيى القطان وعبد الرحمن .

قال أحمد بن حنبل : عبد الرحمن ثقة خيار صالح مسلم ، من معادن الصدق .

قال ابن مهدي : كان أبو الأسود يتيم عروة أخا لهشام بن عروة من الرضاعة ، وقد قال هشام : حدثنا أخي محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، عن أبي ، قال : لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلا ، حتى نشأ فيهم أبناء سبايا الأمم ، فقالوا فيهم بالرأي ، فضلوا وأضلوا .

قال أيوب بن المتوكل : كان حماد بن زيد إذا نظر إلى عبد الرحمن بن مهدي في مجلسه ، تهلل وجهه .

وقال صدقة بن الفضل المروزي الحافظ : أتيت يحيى بن سعيد أسأله ، فقال لي : إلزم عبد الرحمن بن مهدي ، وأفادني عنه أحاديث ، فسألت عبد الرحمن عنها ، فحدثني بها .

قال أحمد بن سنان القطان : سمعت مهدي بن حسان يقول : كان عبد الرحمن يكون عند سفيان عشرة أيام ، خمسة عشر يوما بالليل والنهار ، فإذا جاءنا ساعة ، جاء رسول سفيان في أثره يطلبه ، فيدعنا ، ويذهب إليه .

قال أحمد بن سنان : وسمعت عبد الرحمن يقول : أفتى سفيان في مسألة ، فرآني كأني أنكرت فتياه ، فقال : أنت ما تقول ؟ قلت : كذا وكذا ، خلاف قوله ، فسكت .

قال ابن المديني : حدثنا عبد الرحمن ، قال لي سفيان : لو أن عندي كتبي ، لأفدتك علما .

قال أحمد بن سنان : كان لا يتحدث في مجلس عبد الرحمن ، ولا يبرى قلم ، ولا يتبسم أحد ، ولا يقوم أحد قائما ، كان على رءوسهم الطير ، أو كأنهم في صلاة ، فإذا رأى أحدا منهم تبسم أو تحدث ، لبس نعله ، وخرج .

قال أحمد بن سنان : سمعت عبد الرحمن يقول : عندي عن المغيرة بن شعبة في المسح على الخفين ثلاثة عشر حديثا -يعني الطرق .

قال بندار : سمعت عبد الرحمن يقول : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ، لكتبت تفسير الحديث إلى جنبه ، ولأتيت المدينة حتى أنظر في كتب قوم سمعت منهم .

قال محمد بن عبد الرحيم صاعقة : سمعت عليا يقول : -وذكر الفقهاء السبعة- فقال : كان أعلم الناس بقولهم وحديثهم ابن شهاب ، ثم بعده مالك ، ثم بعده عبد الرحمن بن مهدي .

وقال أحمد بن حنبل : إذا حدث عبد الرحمن عن رجل ، فهو ثقة .

وقال علي : كان ورد عبد الرحمن كل ليلة نصف القرآن .

وقال محمد بن يحيى الذهلي : ما رأيت في يد عبد الرحمن بن مهدي كتابا قط -يعني كان يحدث حفظا .

وقال رسته : سمعت عبد الرحمن يقول : كان يقال : إذا لقي الرجل الرجل فوقه في العلم ، فهو يوم غنيمته ، وإذا لقي من هو مثله ، دارسه ، وتعلم منه ، وإذا لقي من هو دونه ، تواضع له ، وعلمه ، ولا يكون إماما في العلم من حدث بكل ما سمع ، ولا يكون إماما من حدث عن كل أحد ، ولا من يحدث بالشاذ ، والحفظ للإتقان .

وقال ابن نمير : قال عبد الرحمن بن مهدي : معرفة الحديث إلهام .

قال يوسف بن ضحاك : سمعت القواريري يقول : كان ابن مهدي يعرف حديثه وحديث غيره ، وكان يحيى القطان يعرف حديثه ، فسمعت حماد بن زيد يقول : لئن عاش عبد الرحمن بن مهدي ، لنخرجن رجل أهل البصرة .

قال أبو بكر بن أبي الأسود : سمعت ابن مهدي يقول بحضرة يحيى القطان ، وذكر الجهمية ، فقال : ما كنت لأناكحهم ، ولا عُلَيَّة أصلي خلفهم .

قال عبد الرحمن بن عمر رسته : سمعت عبد الرحمن يقول : الجهمية يريدون أن ينفوا الكلام عن الله ، وأن يكون القرآن كلام الله ، وأن يكون كلم موسى ، وقد وكده الله تعالى فقال : وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا .

قال عبد الرحمن رسته : سألت ابن مهدي عن الرجل يبني بأهله ، أيترك الجماعة أياما ؟ قال : لا ، ولا صلاة واحدة . وحضرته صبيحة بني على ابنته ، فخرج ، فأذن ، ثم مشى إلى بابهما ، فقال للجارية : قولي لهما : يخرجان إلى الصلاة ، فخرج النساء والجواري ، فقلن : سبحان الله ! أي شيء هذا ؟ فقال : لا أبرح حتى يخرجا إلى الصلاة ، فخرجا بعدما صلى ، فبعث بهما إلى مسجد خارج من الدرب .

قلت : هكذا كان السلف في الحرص على الخير .

قال رسته : وكان عبد الرحمن يحج كل عام ، فمات أخوه ، وأوصى إليه ، فأقام على أيتامه ، فسمعته يقول : قد ابتليت بهؤلاء الأيتام ، فاستقرضت من يحيى بن سعيد أربع مائة دينار احتجت إليها في مصلحة أرضهم .

ذكر أبو نعيم الحافظ لابن مهدي في "الحلية" ترجمة طويلة جدا ، فروى فيها من حديثه مائتين وثمانين حديثا وقد لحق صغار التابعين كأيمن بن نابل ، وصالح بن درهم ، ويزيد بن أبي صالح ، وجرير بن حازم ، وكان قد ارتحل في آخر عمره من البصرة ، فحدث بأصبهان .

قال بندار : سمعت عبد الرحمن يقول : ما نعرف كتابا في الإسلام بعد كتاب الله أصح من "موطأ مالك" .

وقال رسته : سمعت عبد الرحمن يقول : أئمة الناس في زمانهم : سفيان بالكوفة ، وحماد بن زيد بالبصرة ، ومالك بالحجاز ، والأوزاعي بالشام .

أبو حاتم بن حبان : حدثنا عمر بن محمد الهمداني ، حدثنا عمرو بن علي ، سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : حدثنا أبو خلدة ، فقال له رجل : أكان ثقة ؟ فقال : كان صدوقا ، وكان خيارا ، وكان مأمونا ، الثقة سفيان وشعبة .

ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، سمعت ابن مهدي يقول : لزمت مالكا حتى ملني ، فقلت يوما : قد غبت عن أهلي هذه الغيبة الطويلة ، ولا أعلم ما حدث بهم بعدي قال : يا بني ، وأنا بالقرب من أهلي ، ولا أدري ما حدث بهم منذ خرجت .

قال ابن حبان في صدر كتابه في "الضعفاء" : إلا أن من أكثرهم : تنقيرا عن شأن المحدثين وأتركهم للضعفاء والمتروكين حتى يجعله لهذا الشأن صناعة لهم لم يتعودها -مع لزوم الدين ، والورع الشديد ، والتفقه في السنن- رجلين يحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدي .

قال سهل بن صالح : سمعت يزيد بن هارون يقول : وقعت بين أسدين : عبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان .

قلت : توفي ابن مهدي بالبصرة في جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائة .

وعاش أبوه بعده ، وكان شيخا عاميا ، ربما كان يمزح بجهل ، ويشير إلى الجماعة إلى ابنه ، ويشير إلى متاعه ، فيقول : هذا خرج من هذا .

وقال عبد الرحمن بن محمد بن سلم : سمعت عبد الرحمن بن عمر ، سمعت ابن مهدي يقول : فتنة الحديث أشد من فتنة المال والولد .

قال أبو قدامة : سمعت ابن مهدي يقول : لَأَنْ أعرف علة حديث أحب إلي من أن أستفيد عشرة أحاديث .

قال عبد الله أخو رسته : سمعت ابن مهدي يقول : محرم على الرجل أن يفتي إلا في شيء سمعه من ثقة " .

وعن عبد الرحمن أنه كان يكره الجلوس إلى ذي هوى أو ذي رأي .

وقال رسته : قام ابن مهدي من المجلس ، وتبعه الناس ، فقال : يا قوم ، لا تطؤن عقبي ، ولا تمشن خلفي ، حدثنا أبو الأشهب ، عن الحسن ، قال عمران : خفق النعال خلف الأحمق قل ما يبقي من دينه .

قال رسته : سألت ابن مهدي عن الرجل يتمنى الموت مخافة الفتنة على دينه ، قال : ما أرها بذلك بأسا ، لكن لا يتمناه مِن ضُرٍّ به ، أو فاقةٍ ، تمنى الموت أبو بكر وعمر ومن دونهما .

وسمعت ابن مهدي يقول : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : دع ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك فقلت : الآمر رجل ، فقال : خذ بما لا يريبك حتى لا يصيبك ما يريبك -يعني الحيل .

وبلغنا عن ابن مهدي قال : ما هو -يعني الغرام بطلب الحديث- إلا مثل لعب الحمام ونطاح الكباش .

قلت : صدق والله إلا لمن أراد به الله ، وقليل ما هم .

أخبرنا أبو حفص عمر بن عبد المنعم أخبرنا القاضي جمال الدين عبد الصمد بن محمد ، أخبرنا علي بن المسلم ، أخبرنا أبو نصر بن طلاب ، أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن جميع بصيدا ، حدثنا عبد الملك بن أحمد ببغداد ، حدثنا حفص بن عمرو الربالي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن إسرائيل ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن النفخ في الطعام والشراب .

قال أبو عبيد الآجري : سمعت أبا داود يقول : قال أحمد بن سنان : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : لو كان لي عليه سلطان -على من يقرأ قراءة حمزة- لأوجعت ظهره وبطنه .

قلت : جاء نحو هذا عن جماعة وإنما ذلك عائد إلى ما فيها من قبيل الأداء ، والله أعلم ، وقد استقر اليوم الإجماع على تلقي قراءة حمزة بالقبول .

قصة عن الامام الشفاعي رحمه الل


بسم الله الرحمن الرحيم


اخواني واخواتي في منتديات ماجدة ياهو:
هذه قصة عن الامام الشفاعي رحمه الله ، حيث ان الامام الشافعي كان صغير السن وكان يتردد كثيرا على مجلس علم الامام ملك، ولانه صغير السن كان لا يستطيع ان يجلس في مجلس علم الامام مالك

فكان يلجأ الي ان يسال كل من يطلب الامام مالك في فتوي عن الاجابة

وفي مرة جاء رجل الي الامام مالك ليساله في امر
حيث انه قال لزوجته ( انتي طالق ان لم تكوني اجمل من القمر )
فقال له الامام مالك انت قد طلقتها

فما كان من الرجل الا ان خرج حزينا

فساله الامام الشافعي عن جواب فتواه
وعندما علم الامام الشافعي دخل الي الامام مالك وقال له يا امام
الله سبحانه وتعالي يقول ( وخلقنا الانسان في احسن تقويم)
فما كان من الامام مالك الا ان تراجع عن فتواه وقال ( اخطأ مالك واصاب الشافعي)
ومن ذلك حين صار يسمح للامام الشافعي للخول الي مجلسه.

أنس بن النضر "رضي الله عنه "


أنس بن النضر "رضي الله عنه "

نسبه وقبيلته:
هو أبو عمرو أنس بن النضر بن ضخم النجاري الخزرجي الأنصاري عم أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إسلامه:
أسلم رضي الله عنه بعد وصول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم خيرًا.
مواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن أنس قال:عمي أنس بن النضر سميت به لم يشهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر علي فقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه أما والله لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرين الله ما أصنع قال فهاب أن يقول غيرها فشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد من العام القابل فاستقبله سعد بن معاذ فقال يا أبا عمرو أين؟ قال: واها لريح الجنة أجدها دون أحد فقاتل حتى قتل، فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية فقالت: عمتي الربيع بنت النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانه.
أهم ملامح شخصيته:
في البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال نرى هذه الآية نزلت في أنس بن النضر، {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }.
روى البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه أن الربيع وهي ابنة النضر كسرت ثنية جارية فطلبوا الأرش وطلبوا العفو فأبوا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالقصاص فقال أنس بن النضر أتكسر ثنية الربيع يا رسول الله لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال: «يا أنس كتاب الله القصاص» فرضي القوم وعفوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره» زاد الفزاري عن حميد عن أنس: فرضي القوم وقبلوا الأرش.
مواقف من حياته مع الصحابة:
لما جال المسلمون يوم أحد جولاتهم، وأُشيع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل استمر أنس بن النضر يقاتل فرأى عمر ومعه رهط فقال: ما يقعدكم ؟ قالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم جال بسيفه حتى قتل.
وفاته:
استشهد رضي الله عنه وأرضاه في غزوة أحد، ووجد به بضع وثمانون مابين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ومثل به المشركون انتقاماً مما صنع بهم حتى لم يعرفه أحد إلا أخته الرُّبَيّع عرفته ببنانه.


من مراجع البحث:
- ابن الجوزي: صفة الصفوة.
- د سيد بن حسين العفاني: فرسان النهار من الصحابة الأخيار.

"مجهول في أهل الأرض معروف في أهل السماء "التابعي الجليل أُوَيْس القَرَنيّ



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



"مجهول في أهل الأرض معروف في أهل السماء "
التابعي الجليل أُوَيْس القَرَنيّ



سيد العباد وعلم الاصفياء من الزهاد

هو أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني، من بني قَرَن بن ردمان بن ناجية بن مراد، أحد سادة التابعين، مخضرم.
أدرك زمن النبي ولم يره.

ولكن بشر النبي  به وأوصى به أصحابه
فلنختلس من عمر الزمان لحظات نطالع فيها سيرته علنا نتأسي به

كان عمر بن الخطاب يسأل أهل اليمن عنه فلما لقيه طلب منه أن يستغفر له، ففعل.
هذا لأن عمر قال: سمعت رسول الله يقول:
" خير التابعين رجل يقال له أويس بن عامر كان به بياض،
فدعا الله فأذهبه عنه، إلا موضع الدرهم في سرته" حديث صحيح.



وعند الحاكم عن الحسن قال:
قال رسول الله :
« يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة، ومضر »

قال هشام: فأخبرني حوشب عن الحسن، أنه أويس القرني،



حج عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة ثلاث وعشرين للهجرة،
وكان شغله الشاغل في حجه البحث عن تابعي يريد لقاءه، فصعد جبلا وأطل على الحجيج ونادى بأعلى صوته:
يا أهل اليمن أفيكم أويس من "مراد"؟
فقام شيخ طويل اللحية، فقال: يا أمير المؤمنين،
إنك قد أكثرت السؤال عن أويس هذا، وما فينا أحد اسمه أويس إلا ابن أخ لي يقال له: أويس فأنا عمه،
وهو حقير بين أظهرنا، خامل الذكر، وأقل مالا، وأوهن أمرا من أن يُرفع إليك ذكره،
فسكت عمر ثم قال: وأين ابن أخيك هذا أهو معنا بالحرم؟
فقال الشيخ: نعم يا أمير المؤمنين، غير أنه في "أراك عرفة" يرعى إبلا لنا.
ركب عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وأسرعا إلى "أراك عرفة"،
فصارا يتخللان الشجر ويبحثان عنه،
فوجداه في لباس صوف أبيض يصلي إلى شجرة، راميا ببصره إلى موضع سجوده
وملقيا يديه على صدره، والإبل ترعى حوله،
فقال عمر لعلي: يا أبا الحسن إن كان في الدنيا أويس القرني فهذا
هو وهذه صفته،
ثم نزلا وتوجها إليه، فلما سمع أويس حسيسهما أوجز في صلاته ثم تشهد وسلم،
فتقدما إليه وقالا له: السلام عليك ورحمة الله وبركاته،
فقال أويس: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
فقال عمر: مَن الرجل؟
قال: راعي إبل وأجير للقوم،
فقال عمر: ليس عن الرعاية أسألك ولا عن الإجارة، إنما أسألك عن اسمك،فمن أنت يرحمك الله؟
فقال: أنا عبد الله وابن أمته،
فقالا:قد علمنا أن كل من في السموات والأرض عبيد لله،
وإنا لَنُقْسم عليك إلا أخبرتنا باسمك الذي سمتك به أمك،
قال: يا هذان ما تريدان؟ أنا أويس بن عبد الله،
فقال عمر: الله أكبر، أرنا شقك الأيسر،
فقال: وما حاجتكما إلى ذلك؟
فقال له علي: إن رسول الله
وصفك لنا، وقد وجدنا الصفة كما أخبرنا،
غير أنه أخبرنا بأن
شقك الأيسر فيه لمعة بيضاء كمقدار الدينار أو الدرهم، ونحن نحب أن ننظر إلى ذلك، فكشف لهما عن شقه الأيسر،
فلما نظر علي وعمر رضي الله عنهما إلى اللمعة البيضاء
ابتدروا أيهما يقبل قبْل صاحبه،
وقالا: يا أويس إن رسول الله  أمرنا أن نقرئك منه السلام،
وأمرنا أن نسألك أن تستغفر لنا،
فإن رأيت أن تستغفر لنا، فقد أخبرنا بأنك سيد التابعين،
وأنك تشفع يوم القيامة في عدد ربيعة ومضر،
فبكى أويس بكاء شديدا،
ثم قال: عسى أن يكون ذلك غيري،
فقال علي كرم الله وجهه:إنا قد تيقنا أنك هو فادع الله لنا،
فقال أويس: من أنتما يرحمكما الله؟
فإني قد أخبرتكما بأمري ولا أحب أن يعلم بمكاني أحد من الناس،
فقال علي: أما هذا فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب،
وأما أنا فعلي بن أبي طالب،
فوثب أويس فرحا مستبشرا،
فعانقهما وسلم عليهما ورحب بهما،
وقال: جزاكما الله عن هذه الأمة خيرا،
قالا: وأنت جزاك الله عن نفسك خيرا،
ثم قال أويس: وهل مثلي يستغفر لأمثالكما؟

فقالا: نعم، إنا قد احتجنا إلى ذلك منك،
فخصنا رحمك الله بدعوة منك حتى نؤمن على دعائك،

فرفع أويس رأسه وقال:
اللهم إن هذين يذكران أنهما يحباني فيك وقد رأوني،فاغفر لهما وأدخلهما في شفاعة نبيهما محمد ،



فقال عمر رضي الله عنه مكانك حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي،وفضل كسوة من ثيابي، فإني أراك رث الحال،
هذا المكان ميعاد بيني وبينك غدا،



فقال: يا أمير المؤمنين، لا ميعاد بيني وبينك، ولا أعرفك بعد اليوم ولا تعرفني،
ما أصنع بالنفقة؟ وما أصنع بالكسوة؟
أما ترى عليَّ إزارا من صوف؟ متى أراني أخلِفه؟
أما ترى نعليَّ مخصوفتين،متى تُراني أبليهما؟
ومعي أربعة دراهم أخذت من رعايتي متى تُراني آكلها؟



يا أمير المؤمنين: إن بين يدي عقبة لا يقطعها إلا كل مخف مهزول،
فأخف يا أبا حفص، إن الدنيا غرارة غدارة، زائلة فانية،
فمن أمسى وهمته فيها اليوم مد عنقه إلى غد،
ومن مد عنقه إلى غد علق قلبه بالجمعة،
ومن علق قلبه بالجمعة لم ييأس من الشهر،
ويوشك أن يطلب السنة، وأجَله أقرب إليه من أمله،
ومن رفض هذه الدنيا أدرك ما يريد غدا من مجاورة الجبار،
وجرت من تحت منازله الثمار.

فلما سمع عمر رضي الله عنه كلامه ضرب بدُرَته الأرض
ثم نادى بأعلى صوته:
ألا ليت عمر لم تلده أمه، ليتها عاقر لم تعالج حملها، ألا من يأخذها بما فيها ولها؟
فقال أويس: يا أمير المؤمنين، خذ أنت ها هنا حتى آخذ أنا ها هنا
( يعني إذهب من هذه الطريق حتى أذهب من الأخرى)
ومضى يسوق إبله وعمر وعلي ينظران إليه حتى غاب عنهما.


"مجهول في أهل الأرض معروف في أهل السماء"

.........

كانت لأويس القرني مكانة عظيمة
يعرفها الصحابة رضوان الله عليهم أكثر من غيرهم وذلك لـمَا سمعوه من النبي 
عن فضله ومنزلته ومقامه، وفيما يلي بعض ذلك:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله :
"إن الله عز وجل يحب من خلقه الأتقياء الأصفياء الأخفياء الأبرياء،المشعثة رؤوسهم، المغبرة وجوههم، الخمصة بطونهم،
الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم يفتقدوا ،
وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا،
فقلنا يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟ قال: ذلك أويس القرني، قالوا: وما أويس القرني،
قال: أشهل ذو صهوبة، بعيد ما بين المنكبين، معتدل القامة، آدم شديد الأدمة، ضارب بذقنه إلى صدره،
رام ببصره إلى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله، يبكي على نفسه،
ذو طمرين لا يؤبه له، متزر بإزار صوف ورداء صوف،
مجهول في أهل الأرض معروف في أهل السماء،
لو أقسم على الله لأبره، ألا وإن تحت منكبه الأيسر لمعه بيضاء،
ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد ادخلوا الجنة،
وقيل لأويس قم فاشفع فيشفعه الله عزوجل في مثل عدد ربيعة ومضر،
يا عمر يا علي إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما يغفر الله لكما " .

- روى ابن سعد في طبقاته عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:
سمعت رسول الله  يقول:
"يأتي عليكم أويس بن عامر من مُراد ثم من قَرَن، كان به برَص فبرأ منه إلا موضع درهم،
له والدة هو بها بَرٌّ، لو أقسم على الله لأبرَّه ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل" .

- عن حماد بن سلمة عن الجريري عن أبي نضرة عن أُسَير بن جابر
-عن عمر بن الخطاب أنه قال: سمعت رسول الله  يقول:
"إن خير التابعين رجل يقال له أويس بن عامر،كان به بياض فدعا اللهفأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سرته" ،
وقد روى هذا الحديث مسلم في صحيحه، وروى لفظا آخر فيه زيادة:
"فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر لكم" .


- أخرج مسلم من حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن زرارة،عن أُسَير بن جابر
قال: سمعت رسول الله  يقول:
"يأتي عليكم أويس القرني مع أمداد من اليمن، كان به برص فبرأمنه إلا موضع درهم،
له والدة هو بها بار، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل" .


- أخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي نعيم عن شريك
أن النبي 
قال: "إن من خير التابعين أويسا القَرَني" .
.........



من هو أويس القَرَني؟

هو أويس بن عامر بن جَزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن
عصْوان بن قَرَن بن ردمان بن ناجية بن مُراد،
لم تذكر المراجع تاريخ ولادته
لكنه أدرك النبي  ولم يره
أو يلتقه حيث منعه من السفر إليه بره بأمه،

نقل الذهبي عن أصبغ بن زيد أنه قال:
"إنما منع أويسا أن يقدم على النبي  بره بأمه"،

لذلك فهو من التابعين بل خيرهم وسيدهم وكبيرهم وأفضلهم لما في صحيح مسلم:
"خير التابعين رجل يقال له أويس بن عامر" .


عاش رضي الله عنه في اليمن وانتقل إلى الكوفة،
رَوى عن عمر وعلي،

وروى عنه يُسير بن عمرو وعبد الرحمن بن أبي ليلى وغيرهم
روايات يسيرة كما ذهب إلى ذلك الذهبي، وقال في فضله:

"القدوة الزاهد سيد التابعين في زمانه، كان من أولياء الله المتقين،ومن عباده المخلصين"،

كما عقد له الحاكم بابا في مناقبه وقال عنه:
"أويس راهب هذه الأمة".

- كان الناس يرمونه رضي الله عنه بالحجارة للباسه وحالته فلا يجدون منه إلا العفو والصفح،
- كانت يد الأذى تناله فكان دائما يغفر ويتجاوز،
- كان يجالسهم ويحدثهم رغم ما يصيبه من أذى ألسنتهم،
يقول أسير بن جابر:
- كان محدث يتحدث بالكوفة فإذا فرغ من حديثه تفرقوا ويبقى رهط فيهم
-رجل يتكلم بكلام لا أسمع أحدا يتكلم بكلامه فأحببته، ففقدته
فقلت لأصحابي:هل تعرفون رجلا كان يجالسنا كذا وكذا؟
فقال رجل من القوم: نعم أنا أعرفه،ذاك أويس القرني
قلت:أو تعرف منزله، قال: نعم
فانطلقت معه حتى جئت حجرته فخرج إلي
فقلت: يا أخي ما حبسك عنا،
فقال: العري



قال:
- وكان أصحابه يسخرون منه ويؤذونه، فقلت له: خذ هذا البُرد فالبسه،
قال:لا تفعل فإنهم يؤذونني،
قال: فلم أزل معه حتى لبسه فخرج عليهم،
فآذوه وشتموه (لظنهم بأنه خدع شخصا وأخذ ثيابه) فأتيت المجلس فقلت:
ما تريدون من هذا الرجل قد آذيتموه، الرجل يعرى مرة ويكتسي مرة،
وأخذتهم بلساني...
..........

- كان يغلب على أويس القرني (رحمه الله)
التفكر في مخلوقات الله تعالى التي تنتهي به إلى حب خالقها عز وجل،

- ولما قدم هرم بن حيان الكوفة سأل عن أويس فقيل له:
هو يَألف موضعا من الفرات يقال له:
العريض، ومن صفته كذا وكذا، فمضى هرم حتى وقف عليه،
فإذا هو جالس ينظر إلى الماء ويفكر،
وكانت عبادة أويس الفكرة.
كان دائم النصح والتوجيه للآخرين، قائما بالحق رغم معاداة الآخرين له ورميه بالاتهامات،
إلا أن ذلك لم يمنعه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،

- ومما يروى في هذا الصدد أن رجلا من "مراد" جاءه وقال له:
السلام عليكم قال: وعليكم، قال: كيف أنت يا أويس؟
قال:بخير نحمد الله
قال: كيف الزمان عليكم؟
قال: ما تسأل رجلا إذا أمسى لم ير أنه يصبح، وإذا أصبح لم ير أنه يمسي،
يا أخا مراد،إن الموت لم يُبق لمؤمن فرحا،
يا أخا مراد، إن معرفة المؤمن بحقوق الله لم تُبق له فضة وذهبا،
يا أخا مراد، إن قيام المؤمن بأمر الله لم يُبق له صديقا،
والله إنا لنأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيتخذونا أعداءا،
ويجدون على ذلك من الفساق أعوانا،
حتى والله لقد رموني بالعظائم،
وأيم الله لا يمنعني ذلك أن أقوم لله بالحق...
.........

من كلامه رضي الله عنه

- عن سفيان الثوري
قال: كان لأويس القرني رداء إذا جلس مس الأرض،
وكان يقول:
" اللهم إني أعتذر إليك من كل كبد جائعة وجسد عار وليس لي إلا ما على ظهري وفي بطني".

عن أصبغ بن زيد قال:
- "كان أويس القرني إذا أمسى يقول:
هذه ليلة الركوع فيركع حتى يصبح (يطيل الركوع في الصلاة حتى يصبح)
وكان يقول إذا أمسى (في ليلة أخرى) هذه ليلة السجود فيسجد حتى يصبح (يطيل السجود حتى يصبح)

- وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل والطعام والثياب، ثم يقول:
" اللهم من مات جوعا فلا تؤاخذني به،ومن مات عريانا فلا تؤاخذني به"،
وفي رواية:
"اللهم إني أعتذر إليك من كل كبد جائعة، وجسد عار، وليس لي إلا ما على ظهري وبطني".



- طلب هرم بن حيان من أويس أن يوصيه، فقرأ عليه آيات من
آخر سورة الدخان، من قوله تعالى:
"إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين"
حتى ختمها، ثم قال له: يا هرم، احذر ليلة صبيحتها القيامة.


- خاطب أهل الكوفة يوما فقال لهم:
"يا أهل الكوفة توسدوا الموت إذا نمتم،واجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم".


- وقال في الخوف من الله ومراقبته:
"كن في أمر الله كأنك قتلت الناس جميعا".


وفاته رحمه الله
خرج أويس القرني رضي الله عنه مع أمير المومنين علي رضي الله عنهفي موقعة صفين،
وقد نال الشهادة بعد أن طلبها من الله عز وجل،
ودفن في منطقة الرقة في سوريا
وبعد استشهاده وجدوا في جسده ما يزيد عن أربعين جرحا،
وكان ذلك سنة 37 للهجرة+

رحمك الله يا أويس وجعلك في عليين.
.........



اللهم صلِّ وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطناً، اللهم توفنا على ملته،اللهم احشرنا في زمرته، اللهم اسقنا من حوضه،
اللهم أدخلنا في شفاعته،اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين،
اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين،وعن زوجاته أمهات المؤمنين، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
اللهم ارضَ عنا كما رضيت عنهم يا رب العالمين

ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه

- اسمه ونسبه:

ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري الخزرجي، وكنيته: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد المدني، خطيب الأنصار، وخطيب النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وأمه هند الطائية، وقيل: غير ذلك.

وأولاده: محمد، ويحيى، وعبد الله، قتلوا يوم الحرة.

وإخوته لأمه: عبد الله بن رواحة، وعمرة بنت رواحة.

وكان زوج جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول، فولدت له محمداً.

وكان جهير الصوت، خطيباً، بليغاً.

قيل: أن وفد تميم قدموا، وافتخر خطيبهم بأمور، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -، لثابت بن قيس: (( قم فأجب خطيبهم ))، فقام فحمد الله وأبلغ، وسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون بمقامه.

2- مشاهده:

شهد أحداً وما بعدها من المشاهد وقتل يوم اليمامة شهيداً - رحمه الله - في خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.

3- إحسانه:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ، أَتَى الزّبَيْرَ بْنَ بَاطَا الْقُرَظِيّ، وَكَانَ الزّبَيْرُ قَدْ مَنّ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فإنّهُ كَانَ مَنّ عَلَيْهِ يَوْمَ بُعَاثٍ، أَخَذَهُ فَجَزّ نَاصِيَتَهُ ثُمّ خَلّى سَبِيلَهُ - فَجَاءَهُ ثَابِتٌ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ في معركة بني قريظة وأراد أن يرد له دينه وإحسانه، حيث أنقذه من الموت، فأراد ثابت أن ينقذه من الموت؛ لأنه كان من الأسرى، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ هَلْ تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: وَهَلْ يَجْهَلُ مِثْلِي مِثْلَك؟، قَالَ: إنّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أَجْزِيَك بِيَدِك عِنْدِي، قَالَ: إنّ الْكَرِيمَ يَجْزِي الْكَرِيمَ، ثُمّ أَتَى ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ: إنّهُ قَدْ كَانَتْ لِلزّبَيْرِ عَلَيّ مِنّةٌ، وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ أَجْزِيَهُ بِهَا، فَهَبْ لِي دَمَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: هُوَ لَك، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ وَهَبَ لِي دَمَك، فَهُوَ لَك، قَالَ: شَيْخُ كَبِيرٌ لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا يَصْنَعُ بِالْحَيَاةِ؟ قَالَ فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي يَا رَسُولَ اللّهِ: هَبْ لِي امْرَأَتَهُ وَوَلَدَهُ؟ قَالَ: هُمْ لَك، فَأَتَاهُ فَقَالَ: قَدْ وَهَبَ لِي رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَك وَوَلَدَك، فَهُمْ لَك، قَالَ: أَهْلُ بَيْتٍ بِالْحِجَازِ لَا مَالَ لَهُمْ، فَمَا بَقَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَالَهُ، قَالَ: هُوَ لَك، فَأَتَاهُ ثَابِتٌ فَقَالَ: قَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَالَك، فَهُوَ لَك، قَالَ: أَيْ ثَابِتٌ: مَا فَعَلَ الّذِي كَأَنّ وَجْهَهُ مِرْآةٌ صِينِيّةٌ يَتَرَاءَى فِيهَا عَذَارَى الْحَيّ، كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ فَمَا فَعَلَ سَيّدُ الْحَاضِرِ وَالْبَادِي: حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ فَمَا فَعَلَ مُقَدّمَتُنَا إذَا شَدَدْنَا، وَحَامِيَتُنَا إذَا فَرَرْنَا: عَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلَ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ الْمُجْلِسَانِ؟ يَعْنِي بَنِي كَعْبِ بْنِ قُرَيْظَةَ، وَبَنِيّ عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ، قَالَ: قُتِلُوا؟ قَالَ: فَأَنّي أَسْأَلُك يَا ثَابِتُ بِيَدِي عِنْدَك، إلّا أَلْحَقْتنِي بِالْقَوْمِ، فَوَاَللّهِ مَا فِي الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ خَيْرٍ، فَمَا أَنَا بِصَابِرِ لِلّهِ فَتْلَةَ دَلْوٍ نَاضِحٍ بقدر إفْرَاغَ الدَلْوٍ حَتّى أَلْقَى الْأَحِبّةَ، فَقَدّمَهُ ثَابِتٌ إلى الزبير بن العوام فَضَرِبَ عُنُقُهُ، فَلَمّا بَلَغَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ قَوْلَهُ أَلْقَى الْأَحِبّةَ، قَالَ: يَلْقَاهُمْ وَاَللّهِ فِي نَارِ جَهَنّمَ خَالِدًا فِيهَا مُخَلّدًا.

4- كرامته ووصيته:

كل إنسان يموت لا يمكن أن يوصي، إلا ثابت بن قيس، فقد أوصى بعدما مات، وهذه كرامة من الله له، ولنستمع الآن كيف حدث ذلك:

لما كان يوم اليمامة خرج ثابت مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة، فلما التقوا، انكشفوا فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم حفر كل واحد منهما له حفرة، فثبتا وقاتلا حتى قتلا، وكان على ثابت يومئذ درع له نفيسة، فمر به رجل من المسلمين فأخذها، فبينا رجل من المسلمين نائم، إذ أتاه ثابت في منامه فقال له: إني أوصيك بوصية، فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه، إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين، فأخذ درعي، ومنزله في أقصى الناس، وعند خبائه فرس يستن في طوله يتحرك في طول الحبل المربوط به، وقد كفا على الدرع بُرمة قدر وفوق البرمة رحل، فأت خالداً فمره أن يبعث إلي درعي فيأخذها، وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - فقل له: إن عليّ من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيق عتيق، فأتى الرجل خالداً، فأخبره، فبعث إلى الدرع فأتى به، وحدث أبا بكر - رضي الله عنه – برؤياه، فأجاز وصيته بعد موته، قالوا: ولا نعلم أحداً أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس - رضي الله عنه -، كرامة من الله له.

5- البشارة بالجنة:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)، جَلَسَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فِي بَيْتِهِ، وَقَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَاحْتَبَسَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ: ((يَا أَبَا عَمْرٍو مَا شَأْنُ ثَابِتٍ، أَشْتَكَى؟، قَالَ سَعْدٌ: إِنَّهُ لَجَارِي وَمَا عَلِمْتُ لَهُ بِشَكْوَى، قَالَ: فَأَتَاهُ سَعْدٌ فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ ثَابِتٌ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْفَعِكُمْ صَوْتاً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)) [رواه البخاري ومسلم واللفظ له].

5- وفاته:

عن ثابت بن قيس بن شماس - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((يا ثابت: أما ترضى أن تعيش حميداً، وتقتل شهيداً، وتدخل الجنة))، فقلت: بلى رضيت، فقتل ثابت بن قيس يوم اليمامة شهيداً، سنة اثنتي عشرة في أيام أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.

قال أنس بن مالك لما انكشف الناس تراجعوا يوم اليمامة، قلت لثابت بن قيس ابن شماس: ألا ترى يا عم، ووجدته قد حسر عن فخذيه وهو يتحنط الحنوط: (طيب يوضع مع الأكفان) فقال: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بئس ما عودتم أقرانكم، وبئس ما عودتم أنفسكم، اللهم إني أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء، ثم قاتل حتى قتل - رضي الله عنه -.

ثابت بن قيس من خيرة الرجال، ومن المقاتلين الأبطال، شهد له بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ)) [رواه الترمذي وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ].

يحيى بن موسى الزهراني

م سليم...سيدة من نساء أهل الجنة 1

هذه المرأة قمة من القمم التي صنعها الإسلام، كل موقف من حياتها يبهر العقل ويخطف اللب حقاً أدهشتني رجاحة عقلها حينما أكتب عنها يختلج صدري كثيراً من المعاني يعجز البيان عن تسطيرها قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دخلت الجنة فسمعت خشفة بين يدي فإذا أنا بالرميصاء أم سليم بنت ملحان)).

وفاء منقطع النظير ليس له مثيل:

إنها امرأة من الأنصار صاحبة الجمال الباهر والذكاء النادر والعقل الراجح والخلق الكريم.

تزوجت بابن عمها مالك بن النضر وأنجبت له أنسا، وكان ذلك قبل الإسلام، وحينها بدأ نور الإسلام يتدفق إلى المدينة حتى صادف قلبها، فأشرق بالإيمان صدرها، فأعلنت إسلامها ولم تفكر في فراق زوجها الذي تحبه أو تعذيبه الذي تخاف منه .. وعندما علم زوجها غضب وثار عليها وأخذ يتوعدها ويهددها ويقول لها: أصبوت؟ فتقول: ما صبوت، ولكني آمنت، وجعلت تلقن ولدها أنس الشهادة فيعترضها زوجها ويقول: لا تفسدي علي ولدي فتقول: لا أفسده ولكن أهذبه وأعلمه، وعندما لم يجد زوجها مالك بن النضر سبيلاً لردها عن دينها الجديد، أعلمها أنه سيخرج من دارها بغير عودة، وقد كان ذلك وبالفعل خرج فلقي بعض أعدائه فقتلوه، وعندما علمت الزوجة الوفية بمقتل زوجها حزنت عليه كثيراً، وقالت: لا جرم، لا أفطم أنساً حتى يدع الثدي ولا أتزوج حتى يأمرني أنس، وكان ما قالت.

فانظر كيف وفت الزوجة لزوجها، وهو على خلاف دينها، وهذا يذكرنا بموقف ابنة رسول الله زينب - رضي الله عنها- حينما وقع زوجها العاص بن وائل وهو على الشرك في أسر المسلمين، فأرسلت تفتديه بقلادة أهدتها إياها أمها ليلة عرسها.

فما أحوج بيوتنا إلى تلك النماذج الراقية، والمعاني السامية حتى تملؤها البهجة، فتنبت لنا نباتاً حسناً.

فمن وفاء الزوجة لزوجها أن تتحمل زوجها إذا غضب.

ومن وفاء الزوج لزوجته أن يتحملها إذا غضبت، على أن لا يكون ذلك ديدنهم، فقد نهى رسول الله عن الغضب.

قال أبو الدرداء يوماً لزوجته: "إذا رأيتني غاضباً فرضني، وإذا رأيتك غضبى رضيتك، وإلا لم نصطحب".

ومن وفاء الزوج أن لا يفشي سرها، وأن لا يفضح عيبها، وكذلك الزوجة (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن).

ومن وفاء الزوجِ أن يوسع على أهله وعياله، والزوجةِ أن ترعى ذات يده، إلى غير ذلك من صور الوفاء التي ربما افتقدتها بيوتنا فتحولت من نعيم إلى جحيم.

أم سليم وفن تربية الأبناء:

عكفت أم سليم على تربية ولدها منذ نعومة أظفاره على تعاليم الإسلام إلى أن أصبح فتى يعتمد عليه، فأخذته وذهبت به إلى رسول الله، وعرضت عليه أن يكون فلذة كبدها ووحيدها أنس خادماً لرسول الله.

يذكرنا هذا بموقف أم سفيان الثوري حينما قالت لولدها: " يا بني اطلب العلم، وأنا أكفيك بمغزلي، يا بني إذا كتبت عشرة أحرف فانظر هل ترى في نفسك زيادة، فإن لم تر، فاعلم أنه لا ينفعك".

يالله امرأة تربي ولدها أن العلم لا يكون إلا دافعاً للإيمان والعمل، فليس العلم عن كثرة الرواية، ولكن العلم الخشية.

يرجع هذا المعنى بذاكرتنا إلى موقف سطره القرآن، وكتب له الخلود، إنه موقف تلك المرأة الزاكية امرأة عمران والتي قال الله عنها: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).

قدموا الآخرة على الدنيا فأعطاهم الله الآخرة والدنيا، إنها بركة التربية على الإيمان وتعلق القلوب بالآخرة، ألا فلنفهم رجالاً ونساءً كيف تكون التربية وطريق النعيم في الدنيا قبل الآخرة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

أما أنس فقد كان من بركة خدمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم له بكثرة المال والولد وطول العمر ومغفرة الذنب فرزقه الله من صلبه بأكثر من مائة من الأولاد، وكان عنده بستان يأتيه بالفاكهة مرتين في العام الواحد ومات وهو ابن ثلاث ومائة سنه.

وأما سفيان فقد أصبح أمير المؤمنين في الحديث يقصده الناس من كل فج عميق وكفى به شرفاً.

وأما الثالثة فقد خرق الله لها العادات: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، بل وشرفها بحمل نبي من أنبيائه على خلاف ناموس الكون وجعله آية للعالمين: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ)، فإذا ربينا أولادنا على طلب الآخرة كما كانت أم سليم صنعهم الله على عينه ورفع قدرهم في الدنيا والآخرة.

أكرم النساء مهراً:

بعد أن ربت ولدها ووفت لمالك زوجها، وسمع أبو طلحة براجحة عقلها سارع يخطب ودها، ويطلب زواجها ويمنيها بالمهر الكثير، وكان من أثرياء المدينة، فقالت تلك المرأة العظيمة: لا ينبغي لي أن أتزوج مشركاً أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم ينحتها عبد آل فلان، وأنكم لو أشعلتم فيها ناراً لاحترقت؟ فأخذ يعرض عليها من ألوان النعيم، فقالت: لا أريد منك مالاً، ولا نعيماً، ولكن أريد منك الإسلام، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلن إسلامه، فقالت لأنس: قم فأنكح أبا طلحة.

يقول أنس: ما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهراً من أم سليم، ألا فليسمع الآباء والأمهات والبنات.

فمن أكبر المشكلات التي تواجهها كثير من مجتمعات المسلمين الآن الغلاء الفاحش للمهور والذي أحجم بسببه كثير من الشباب عن الزواج.

ألا فلتسمعوا قولة عمر، وهو يصرخ من على منبره: " ألا لا تغالوا في صُدق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها رسول الله، وما أصدق رسول الله امرأة من نسائه، ولا أُصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية"، والأوقية ما يعادل أربعين درهما من الفضة تقريباً.

وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب أي ما يعادل تسعة جرامات تقريباً.

وزوج سعيد بن المسيب ابنته على درهمين أي ما يعادل ستة جرامات من الذهب تقريباً بعد أن خطبها الخليفة لولده، فأبى أن يزوجها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابي كما عند البخاري: (( التَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ))، فَلَمْ يَجِدْ، فَقَالَ: (( أَمَعَكَ مِنَ القُرْآنِ شَيْءٌ؟، قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، لِسُوَرٍ سَمَّاهَا، فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ)).

وفيما أخرج أحمد بسند حسن من حديث عائشة، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( يُمْنُ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرُ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرُ صَدَاقِهَا)).

نحن لا ندعو بذلك أن نعطي بناتنا لمعدم لا ينشط لعمل، فلا بد أن يجتمع فيه الدين والخلق، وهما أساس العمل والطموح، ولا بأس إن كان متعثراً في بداية حياته فكلنا ذاك الرجل.

يقول أبو بكر: " أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى"، هكذا كان هو اختيار أم سليم لنفسها فما هو اختيارنا لبناتنا؟؟

زياد علي

زياد علي محمد