الجمعة، 23 أغسطس 2019

العلامة محمد علي الدقر الحسيني الدمشقي

"الرجل الذي هز دمشق، من أربعين سنة، هزة لم تعرف مثلها من مئتي سنة، وصرخ في أرجائها صرخة الإيمان، فتجاوبت أصداؤها في أقطار الشام، واستجاب لها الناس، يعودون إلى دين الله أفواجاً، يبتدرون المساجد، ويستبقون إلى حلقاتها....

وهو علامة الشام، بل هو في الشام علم الأعلام، أعطي من التوفيق في العمل، والعمق في الأثر، مالم يعط مثله الشيخ بدر الدين ولا غيره، من مشايخ الشام "

كلمات من الشيخ  علي الطنطاوي

تلميذ الشيخ علي الدقر رحمهما الله



لمحة عن عصره:

عاصر الشيخ علي الدقر فترة عصيبة مرت على سورية، ما بين نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، شهد فيها أحداث عدة: سقوط الدولة العثمانية، وظهور الاستعمار الحديث، والصهيونية العالمية، والحرب العالمية  الأولى، ومن ثم تقسيم الوطن العربي.

فعايش في سورية فترة الانتداب الفرنسي فيها، وعاين معاناة الشعب السوري، وكان للشيخ الجليل دور بارز وكبير في إشعال لهيب الثورة السورية الكبرى 1925م.

فمن هو الشيخ علي الدقر ؟ 

نشأته:

ولد في دمشق عام 1877 – 1294 ه، لأسرة دمشقية عريقة النسب، يعمل والده في التجارة، وكان يعرف بأجود الناس وأكرمهم، وكذلك والدته عرفت بالصلاح والتقى والجود والكرم رحمهم الله جميعاً، هذا وبعد أن رزق هذين الأبوين بولدهما علي تعهداه بالرعاية و العناية، فأخذوا بالأسباب الدنيوية، وقاموا بتوجيهه نحو الاستقامة في الطريق، جلس في الكتّاب، ثم انتقل إلى مدرسة الشيخ عبد السفرجلاني، وتلقى العلوم الشرعية والعربية لسنوات، مع ملازمة الشيخ بدر الدين الحسني، ثم انتقل إلى مدرسة الشيخ محمد القاسمي، ثم محدث الشام بدر الدين الحسني، فكان أحب التلاميذ إليه، وقرأ عليه الكتب الخمسة: البخاري - مسلم - أبو داوود - الترمذي - النسائي.

ذكرت الكتب في سيرته أن الشيخ علي الدقر قد ورث من والده مزرعتين في المزة وداريا، يؤمهما الفقراء والمحتاجون، فيأخذ كل واحد منهم ما يحتاج دون استئذان، وأن الشيخ قد أذن لهم مسبقاً، وكان طلبة العلم الفقراء يزورونه في بيته، وعندما يخرجون يأخذون ما يحتاجون من أكياس: الحنطة، الدقيق، الزبيب، العدس، الأرز، الشاي، السمن، الزيت....وغير ذلك.

وعندما تمد الموائد يفرح بازدحام المساكين عليها، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب المساكين فقد روي عنه: (اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين) فالشيخ علي الدقر رحمه الله يتمثل بسلوكه سلوك النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه المأثرة التي وردت عن الشيخ تشربها وتلقى نسائمها في محضنه الأول ألا وهي الأسرة، فمن خلال والديه الذين كانا له عوناً في تعليمه وإرشاده إلى طريق النجاة والسلامة في هذه الدنيا للآخرة عرفاه وأعلماه ثم عوداه على حب النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، تيمناً في قوله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ).

وبعد يا إخوتي ماذا أيضاً ؟

صفاته:

ما هي الصفات الجليلة التي تمتع بها الشيخ رحمه الله فكانت كأبخرة المسك والعود التي تفوح من بين السطور في ترجمة سيرته ؟؟؟

إن من أحب المساكين وجلس معهم، لهو دليل على خلق التواضع الذي كان يتصف به شيخنا، ومن تعلم وأحب العلم والتعليم وبسلوك التواضع، لسوف  يورث في القلب خشية وفي اللسان صدق وإخلاص لله تعالى في الوعظ والإرشاد، وهذا ما يفسره ازدحام الناس عليه، وقوله لهم عندما يرى هذا الازدحام والشعبية والتأثر "هذا نحن ما تغير فينا شي" رحمه الله. ولذلك قال تلميذه الطنطاوي رحمه الله: "لم يكن في الدرس علم غزير، ولكن فيه شيء لا يجده سامعه عند ذوي العلم الغزير، فيه الموعظة التي تخرج من القلب لتقع في القلب، فتحرك فيه خامد الشعور، وتثير فيه كامن الإيمان، فيه يملأ بالدموع...ويلين أفئدة كانت أشد من الصخر، ويستخلص من أيدي الشيطان نفوساً كان قد تحكم بهاو تملكها الشيطان".

هذا التوفيق الإلهي الذي يتحدث عنه الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، يوضح لنا مدى قوة سر من أسرار هذا التوفيق ألا وهو الدعاء فدعاء والديه رحمهما الله، ودعاؤه في جوف الليل، يجعل له التوفيق والقبول في الأرض.

ألا ليت الأسرة الإسلامية تصحو من سبات وغفلة باعدت بينها وبين القبلة للدعاء، وتركت هذه الأسرة المسلمة الأبناء والبنات للصدفة والجهل ولمجريات الحياة، تجري كما يحلو لها، وإلى أين أرادت...

نسأل الله عز وجل أن ينجينا من كارثة الغياب الذهني التربوي السليم لأولادنا.

هذا ولا ننسى يا إخوتي أن ندعو للشيخ علي الدقر والشيخ علي الطنطاوي رحمهما الله، فقد أضاؤوا في نفوسنا ومضات من السكينة والطمأنينة، من خلال هذه السطور العطرة في ترجمة الشيخ علي الدقر.

ومن عوّد أبناؤه من الصغر على حب الخير والتواضع للخلق ومحبة العلم والتعليم والجود والكرم للفقراء والمساكين وطلبة العلم وحب مجالسة الصالحين، فقد ضمن سعادة الدارين لأبنائه، لا بل ونال مرتبة الشرف عند الله ونبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

لا بد من توعية الثقافة التربوية الإسلامية، التي يحيا ويعيش عليها الأسرة الإسلامية، والذين بدلوا بالقيم والمفاهيم التربوية جعلوا وللأسف، حب الأنا والذات تطفو وتطغى في نفوس أبنائنا، بعناوين مختلفة: خذ حقك بيديك، لا تسمح لأحد بإهانتك، لا تعطي أحد من حصتك، وعناوين غيرها، مما هيأ لظهور مسلمين هوية، غير مسلمين سلوكاً والعياذ بالله، نسأل الله المغفرة والتوبة والفهم بعد العلم ثم العمل والعمل و العمل بصبر ودعاء لله تعالى بالتوفيق...

وبعد أما عن صفات أخرى تمتع بها شيخنا رحمه الله صفة الشجاعة والجرأة، فقد عاصر الشيخ علي الدقر أحداث الانتداب الفرنسي على سورية، وكان له دور هام لتوعية الناس للحذر من هذا العدو الغاشم، فكان للشيخ رحمه الله مع كثير من علماء تلك الفترة، كالشيخ بدر الدين الحسني رحمه الله، أثر بالغ الأهمية في بذر البذور الأولى لثورة سورية الكبرى 1925م، فقد قام الشيخ علي مع الشيخ بدر الدين ولفيف من علماء برحلة طافوا فيها مدن سورية عام 1924م، للدعوة وبحماس شديد مع غيرة دينية لطرد العدو الفرنسي من سورية، فكان الشيخ علي رحمه الله يطرح على الناس سؤالاً بطريقة تحفيزية تلهب وتشعل العقل والفؤاد للعمل، قائلاً: "يا إخواننا اللص دخل الدار وهو يطلب منكم ثلاثة أشياء: دينكم، ومالكم، وعرضكم" ولما سئل الشيخ: من هو هذا اللص يا شيخنا ؟ أجاب: إنه فرنسا.

وبعد أن علم الفرنسيون المستعمرون بدور الشيخ، قاموا بحرق مقر الجمعية الغراء، وجامع تنكز معاً، قبل رحيلهم انتقاماً منه.

رحم الله الشيخ علي وتلاميذه الذين كانوا منارة للعلم والدين والعمل على نشر الإسلام، وهكذا يتجلى لنا أن الشيخ علي الدقر كان إلى جانب علمه وعمله مجاهداً في سبيل الله لا يخاف في الله لومة لائم رحمه الله .

أعماله: 

لا بد أن نتساءل عن سبب تسمية الشيخ علي الدقر بأنه صاحب النهضة العلمية التي بدأت في عصره، وأتت ثمارها في السنوات التي من بعدها، فقد أدرك الشيخ علي الدقر خطورة المستعمر الفرنسي وما يحمل من نوايا خبيثة تجاه سورية وشعب سورية، عمل مجاهداً في توعية العقول وتبصير الغافلين، وتوجيههم نحو تعلم العلوم الشرعية لمعرفة دينهم الإسلامي، فقام بعد الاستخارة والاستشارة لدى أهل العلم والثقة أمثال الشيخ بدر الدين الحسني وبتعاون مع الشيخ هاشم الخطيب، قام بإنشاء (جمعية الغراء لتعليم أولاد الفقراء) وأخذ يحشد الطلاب من سورية كافة بلا استثناء، فكان تاريخ تأسيسها 1443ه - 1924 م.

وأنشأت المدرسة في البداية داخل بناء المدرسة السمسياطية لمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وعندما ضاقت عليهم لجأ إلى مراكز إضافية في جامع العدس، التكية السليمانية، المدرسة الخيضرية، السباهية، وغيرها...

ثم قام ببناء مدارس أخرى: السعادة للذكور، وقاية للذكور، ومدرسة هداية وروضة الحياء وزهرة الحياء للإناث ابتدائي.

ثم تأسست مدارس ثانوية أخرى، معاهد للذكور والإناث منها: معهد العلوم الشرعية للذكور، ثانوية السعادة للذكور ومعهد العلوم الشرعية للإناث.

قال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: "لقد أثمرت الجمعية الغراء خيراً كثيراً، وخرجت علماء ودعاة، أحيا بها الله أرض حوران البلقاء، الأردن.."

وخرج منها علماء وخطباء ووعاظ منهم على سبيل السرد: الشيخ حسن حبنكة رحمه الله، الشيخ عبد الوهاب حافظ دبس وزيت، الشيخ عبد الكريم الرفاعي رحمه الله، والشيخ عبد الغني الدقر وأحمد الدقر رحمهما الله، وهما ولدي الشيخ علي رحمه الله وغيرهم.

الذين ملؤوا الأرض انتشاراً لدين الله عز وجل، ولا زالت الحسنات تسجل في صحيفة هذا الشيخ المبارك وصحيفة من شاركه في تأسيسها، إن كان بالمال أو العمل رحمهم الله وجزاهم خيراً، وجعلنا لهم قرة عين بالعلم والعمل الصالح اللهم آمين.

أما عن كرامات الشيخ رحمه الله نذكر منها:

 قال الشيخ عبد الكريم الرفاعي أنه ذهب إلى شيخه الشيخ بدر الدين الحسني من أجل الدروس، فقد درس علي يديه 17 سنة، فلما وصل إليه قال له: افتح كتاب كذا وافتح صفحة كذا وضع علامة ثم افتح كتاب كذا من صفحة كذا وضع علامة، وهكذا حتى اجتمعت بين يديه عدة كتب، أمره أن يذهب بهم إلى الشيخ علي الدقر، ذهب و فعل كما طلب منه ذلك، صار الشيخ علي الدقر يبكي، فسأله الشيخ عبد الكريم ما الأمر ؟ فقال له: قد جاءتني أسئلة من لبنان صعبة، فقلت في نفسي ليس لدي وقت للبحث عن الإجابة وأخرج له الأسئلة، ثم قال له: إن إجابتها كلها معلم عليها في الكتب التي أرسلها الشيخ بدر الدين. ما هو رأيكم أيها الإخوة...؟ أليس في الأمر سر تفوح منه رائحة صدق طلب القرب والرضى من الله وقوة الجهد في هذا الاتصال مع الله عز وجل، أي عبادة وأي قب وعى هذا الصدق وترجمه لسانه، أم أي حال وصلوا إليه لتكشف عنهم الحجب... وينالوا كرامات لهذا الحال...؟؟؟

أما الحكاية الثانية في عنوان الكرامات:

 فهي يرويها لنا الشيخ عبد الكريم الرفاعي، الذي يقول: أن والدته رضي الله عنها وأكثر من عدد فئاتها (اللهم آمين) قد أخذته إلى الشيخ علي الدقر ليتعلم عنده العلم الشرعي، فكان يمشي على عكازين، جلس عند مقعد الشيخ وأخذ يسأل الله الشفاء له، ولعل الله يشفيه ببركة هذا الشيخ، بقي ملازماً لكرسيه، وبعد أيام عاد لأمه بدون عكازين، فقد شفاه الله عز وجل الله الله...الله الله...لقد كانوا بصدق حبهم لله عز وجل ولرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأمانة عالية قد قاموا بأعمال وأعمال يباهى بها أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عرض النتائج وسرد العلامات والدرجات...فهيهات هيهات.. متى نفهم ونعمل بحق هذا الذي فهمناه، ولكن نحن نفهم ولا نريد هذا الفهم، نولي وجوهنا وعقولنا لاتجاه آخر، لذلك برزت الأعمال المخالفة والمغايرة...والعياذ بالله هذا من تعلقنا بهذه الدنيا وزينتها والتي تسلمنا من زينة إلى زينة.. نسأل الله عز وجل العصمة في الحركات والسكنات والخطرات...اللهم آمين آمين.. اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن... وجنينا مزالق الشيطان.. اللهم آمين...آمين.

أما عن أولاد الشيخ علي الدقر رحمه الله:

 فقد كان هل ولدان من علماء دمشق أيضاً، الشيخ عبد الغني الدقر صاحب "معجم النحو" والشيخ أحمد الدقر الذي يرأس الجمعية بعد والده رحمهم الله.

وفاته:

توفي الشيخ علي الدقر في دمشق يوم الثلاثاء 2 صفر سنة 1362ه - 1943م وصلي عليه في الأموي، ودفن في مقبرة الباب الصغير رحمه الله ورضي عنه، وجزاه الله عن أمة الإسلام خير الجزاء، وعوضنا الله بأمثال من هذا الشيخ الكريم اللهم آمين.

محمد الغزالي.. الداعية المجاهد

 الشيخ محمد الغزالي عالم جليل وشيخ فاضل كان له أعظم الأثر في الدعوة الإسلامية في واقعنا المعاصر؛ ففي 22 سبتمبر 1917م وُلد الشيخ محمد الغزالي، الذي يعد واحدًا من دعاة الإسلام العظام، ومن كبار رجال الإصلاح، اجتمع له ما لم يجتمع إلا لقليل من النابهين؛ فهو إلى جوار إيمانه الصادق، مجاهد داعية، عاش لإسلامه وعقيدته ونذر حياته كلها لخدمته، وسخر قلمه وفكره في بيان مقاصده وجلاء أهدافه، وشرح مبادئه، والذود عن حماه، والدفاع عنه ضد خصومه، لم يدع وسيلة تمكنه من بلوغ هدفه إلا سلكها في تبليغ ما يريد.
نذكر الشيخ محمد الغزالي الذي افتقدنا بوفاته جرأته في الحق، وفهمه العميق لقضايا الأمة، ونظرته في تجديد الحياة، وما زلنا نفتقد الأخلاق التي أصَّلها، والعقيدة التي يسرها وثبَّتها، وذبَّه عن الإسلام ما ليس فيه، ودفاعه عن الشريعة ضد مطاعن أعدائها، ونفتقد صدعه بالحق رغم مرارته.

الشيخ الغزالي النشأة والمنبت الفكري
ولد الشيخ محمد الغزالي في قرية "نكلا العنب" التابعة لمحافظة البحيرة بمصر في (5 من ذي الحجة 1335هـ الموافق 22 سبتمبر 1917م)، ونشأ في أسرة كريمة، وتربى في بيئة مؤمنة؛ فحفظ القرآن، وقرأ الحديث في منزل والده، ثم التحق بمعهد الإسكندرية الديني الابتدائي، وظل به حتى حصل على الثانوية الأزهرية، ثم انتقل إلى القاهرة سنة 1356هـ والتحق بكلية أصول الدين.

وفي أثناء دراسته بالقاهرة اتصل بالإمام حسن البنا -مؤسس جماعة الإخوان المسلمين- وتوثقت علاقته به، وأصبح من المقربين إليه، حتى إن الإمام البنا طلب منه أن يكتب في مجلة "الإخوان المسلمين" لما عهد فيه من الثقافة والبيان؛ فظهر أول مقال له وهو طالب في السنة الثالثة بالكلية، وأصبح له باب ثابت تحت عنوان "خواطر حية"، وكان البنا لا يفتأ يشجعه على مواصلة الكتابة حتى تخرج سنة 1940م ثم تخصص في الدعوة، وحصل على درجة "العالمية" سنة 1943م، وبدأ رحلته في الدعوة في مساجد القاهرة.

ثم لم يلبث أن ظهر أول مؤلفات الشيخ الغزالي بعنوان "الإسلام والأوضاع الاقتصادية" سنة 1947م، أبان فيه أن للإسلام من الفكر الاقتصادي ما يدفع إلى الثروة والنماء والتكافل الاجتماعي بين الطبقات، ثم أتبع هذا الكتاب بآخر تحت عنوان "الإسلام والمناهج الاشتراكية"، مكملاً الحلقة الأولى في ميدان الإصلاح الاقتصادي، شارحًا ما يراد بالتأمين الاجتماعي، وتوزيع الملكيات على السنن الصحيحة، وموضع الفرد من الأمة ومسئولية الأمة عن الفرد، ثم لم يلبث أن أصدر كتابه الثالث "الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين".

والكتب الثلاثة تبين في جلاء جنوح الشيخ إلى الإصلاح في هذه الفترة المبكرة، وولوجه ميادين في الكتابة كانت جديدة تمامًا على المشتغلين بالدعوة والفكر الإسلامي، وطرْقه سبلاً لم يعهدها الناس من قبله، وكان همُّ معظم المشتغلين بالوعظ والإرشاد قبله الاقتصار على محاربة البدع والمنكرات[1].

ظل الشيخ محمد الغزالي يعمل في مجال الدعوة حتى ذاعت شهرته بين الناس لصدقه وإخلاصه وفصاحته وبلاغته، حتى هبّت على جماعة "الإخوان المسلمين" رياح سوداء؛ فصدر قرار بحلها في 1948م ومصادرة أملاكها والتنكيل بأعضائها، واعتقال عدد كبير من المنضمين إليها، وانتهى الحال باغتيال مؤسس الجماعة رحمه الله، وكان الشيخ الغزالي واحدًا ممن امتدت إليهم يد البطش والطغيان، فأودع معتقل الطور مع كثير من إخوانه، وظل به حتى خرج من المعتقل في سنة 1949م، ليواصل عمله وهو أكثر حماسًا للدعوة، وأشد صلابة في الدفاع عن الإسلام وبيان حقائقه.

وكان الغزالي دائمًا ما يذكر أهلَ الفضل بالفضل، ولو اختلف معهم، وكثيرًا ما يذكر فضل شيوخه عليه، وتأثره بهم؛ فهو يقول مثلاً عن الشيخ البنا رحمه الله: "وإني أعترف -رادًّا الفضل لأهله- بأني واحد من التلامذة الذين جلسوا إلى حسن البنا، وانتصحوا بأدبه، واستقاموا بتوجيهه، واستفادوا من يقظاته ولَمَحَاته".

كما عُرف عن الشيخ أنه كان رقيق القلب، أما التحدي فيثير فيه الغضب، ولعل هذا مما أثار عليه حفيظة الكثيرين؛ فمعظم الآراء التي كتبها قال بها غيره، غير أن غيرته على الإسلام، وخوفه من إبرازه في صورة غير لائقة جعلته يخرج عن الحد المطلوب في بعض الأحايين؛ فيصف بعض الآراء الفقهية بأنها فقه بدوي، أو أن هذه تقاليد عبس وذبيان، أو يصف البعض بالبَلَه، ويصف آخر بالغفلة أو الحماقة، وغير ذلك.

ومع هذا فقد كان الشيخ سريع الدمعة، فربما قرأ آية من كتاب الله أثرت في مسيرته، أو حديثًا نبويًّا يرشده إلى تغيير سلوكه، أو بيتًا من الشعر تُمَجَّد فيه حضارة الإسلام، فيكاد يبكي على ما ضاع من حضارة الإسلام.

وقد كان الشيخ الغزالي مقدرا لعلماء الأمة، ينهل من كل ما يراه خيرًا، ويكاد يُجَنُّ حين يسمع مَن لا فقه له ولا علم يطعن في أحد الأئمة!!

فكان يرى أن عدم احترامنا لعلمائنا من دعائم سقوط حضارتنا، ويشيد بأن الأمم الأخرى تحترم أصحاب نظريات فارغة.. فما بالنا لا نحترم سادة الأمة من العلماء؟!

قتيبة بن مسلم .. فاتح بلاد الصين

هو قتيبة بن مسلم بن عمرو بن حصين بن الأمير أبو حفص الباهلي، قائد إسلامي شهير من كبار القادة الذين سجلهم التاريخ؛ فعلى يديه فُتحت هذه البلاد التي تُسَمَّى اليوم بالجمهوريات الإسلامية، التي انفصلت عما كان يُسَمَّى بالاتحاد السوفيتي، وتوغَّل حتى حدود الصين، وتدين كثير من هذه البلاد بدين الإسلام، قُتل سنة 96 هـ، وعمره 48 سنة.

نشأة قتيبة بن مسلم
أبوه مسلم بن عمرو من أصحاب مصعب بن الزبير والي العراق من قِبَل أخيه أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير، وقاتل معه في حربه ضد عبد الملك بن مروان سنة (72هـ= 692م)، وُلِدَ قتيبة بن مسلم في بيت إمارة وقيادة سنة (49هـ= 669م) بأرض العراق، ولمَّا ترعرع تعلَّم العلم والفقه والقرآن، ثم تعلَّم الفروسية وفنون الحرب وقد نشأ قتيبة بن مسلم –رضي الله عنه- على ظهور الخيل رفيقًا للسيف والرمح، محبًّا للفروسية، وكانت منطقة العراق مشهورة بكثرة الفتن والثورات؛ لذلك عمل كلُّ ولاة العراق على شغل أهلها بالغزوات لاستغلال طاقاتهم الثورية في خدمة الإسلام ونشر الدعوة؛ لذلك كانت أرض العراق هي قاعدة الانطلاق للحملات الحربية على الجبهة الشرقية للدولة الإسلامية، وقد اشترك قتيبة في هذه الحملات منذ شبابه المبكِّر، وأبدى شجاعة فائقة وموهبة قيادية فذَّة، لفتت إليه الأنظار خاصة من القائد العظيم المهلب بن أبي صفرة، وكان المهلب خبيرًا في معرفة الأبطال ومعادن الرجال؛ فتفرَّس فيه أنه سيكون من أعظم أبطال الإسلام، فأوصى به لوالي العراق الشهير الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي كان يحبُّ الأبطال والشجعان، فانتدبه لبعض المهامِّ ليختبره بها ويعلم مدى صحَّة ترشيح المهلب له. ثم ولَّاه عبد الملك بن مروان مدينة الرَّيِّ، وولَّاه -أيضًا- خراسان، وقد كانت حينها من أعمال العراق يوم ذاك، وهي تحت إمرة الحجاج، فلم يعبأ بشيء سوى الجهاد، فلمَّا وصل خراسان سنة (86هـ= 705م) علا بهمَّته إلى حرب بلاد ما وراء النهر، وأقام بخراسان ثلاث عشرة سنة.

وعندما قام المسلمون الأوائل بحركة الفتح الإسلامي في الشرق، كان هناك نوعان من الأجناس البشرية تسكن هذه المنطقة؛ القبائل الساسانية أو الفارسية والقبائل التركية، وكان نهر المرغاب هو الحدّ الفاصل بين هؤلاء وهؤلاء، وقد تمَّ إدخال القبائل الفارسية في الإسلام في عهد الخلفاء الراشدين، أمَّا القبائل التركية فقد كانت أكبر عددًا وأوسع انتشارًا؛ منهم: الأتراك الغزية، والأتراك القراخطاي، والأتراك القوقازيون، والأتراك الإيجور، والأتراك البلغار، والأتراك المغول. وقد كان لفتح قتيبة أثرٌ كبير في إدخال الأتراك شرقي نهر المرغاب وبلاد ما وراء النهر في الإسلام.

فتوحات قتيبة بن مسلم
بدأ قتيبة بن مسلم فتوحاته سنة (86هـ= 705م)، وذلك عندما ولَّاه الحجاج بن يوسف الثقفي ولاية خراسان؛ وهو إقليم شاسع مترامي الأطراف، لم يكن المسلمون قد واصلوا الفتح بعده، وكان المهلب بن أبي صفرة واليًا على خراسان من عام 78هـ حتى عام 86هـ، وقد رأى الحجاج أن يدفع بدماء شابة جديدة في قيادة المجاهدين هناك، فلم يجد أفضل من قتيبة بن مسلم لهذه المهمَّة.

سار قتيبة بن مسلم على الخطَّة نفسها التي سار عليها آل المهلب، وهي خطة الضربات السريعة القوية المتلاحقة على الأعداء، فلا يترك لهم وقتًا للتجمُّع أو التخطيط لردِّ الهجوم على المسلمين، ولكنَّه امتاز عن آل المهلب بأنه كان يضع لكل حملة خطَّة ثابتة لها هدف ووجهة محدَّدة، ثم يُوَجِّه كلَّ قوَّته للوصول إلى هدفه.

استعرض قتيبة بن مسلم جيشه، وابتدأ مسيرته إلى فتح الشرق كله، ففتح المدائن مثل خوارزم وسجستان، حتى وصل إلى سمرقند، فحاصرها حصارًا شديدًا حتى صالحه أهلها على أموال كثيرة جدًّا، وفطن له الصُّغْد فجمعوا له الجموع؛ فقاتلهم في شُومان قتالاً عنيفًا حتى هزمهم، وسار نحو بِيكَنْد وهي آخر مدن بُخَارَى، فجمعوا له الجموع من الصُّغْد ومَنْ وَالَاهُم فأحاطوا به من كل مكان، وكان له جواسيس من الأعداء يمدُّونه بالأخبار, فأعطاهم الأعداء أموالًا طائلة ليصدُّوا عنهم قتيبة؛ فجاءوا يُثَبِّطونه عن قتالهم فقتلهم، ثم جمع الجيش وخطبهم وحثَّهم على القتال؛ فقاتلوا أشدَّ القتال، وفتحوا الطوق وغنم منها أموالًا لا تُحصى، ثم اتَّجه ناحية الصين، فغزا المدن التي في أطرافها وانتصر عليها، وضرب عليهم الجزية، فأذعنت له بلاد ما وراء النهر كلها حتى وصل إلى أسوار الصين.

استراتيجية قتيبة بن مسلم في الغزوات
قام قتيبة بن مسلم –رضي الله عنه- بتقسيم أعماله إلى أربع مراحل، حقَّق في كل واحدة منها فتح ناحية واسعة فتحًا ثَبَّت فيه أقدام الدولة الأموية وما تابعها من دول إسلامية ردحًا طويلاً من الزمن؛ وهي كالآتي:
المرحلة الأولى: قام فيها قتيبة بحملته على طَخارستان السفلى فاستعادها وذلك سنة 86هـ، وطَخارستان السفلى هي الآن جزء من أفغانستان وباكستان.
المرحلة الثانية: قاد فيها حملته الكبرى على بخارى (تقع الآن في أوزبكستان) فيما بين سنتي (87- 90هـ)، وخلالها أتمَّ فتح بخارى وما حولها من القرى والحصون، وكانت أهمَّ مدن بلاد ما وراء النهر وأكثفها سكانًا وأمنعها حصونًا.
المرحلة الثالثة: وقد استمرَّت فيما بين سنتي (91- 93هـ)، وفيها تمكَّن قتيبة من نشر الإسلام وتثبيته في وادي نهر جيحون كله، وأتمَّ فتح إقليم سجستان في إيران الآن، وإقليم خوارزم، ووصلت فتوحاته إلى مدينة سمرقند في قلب آسيا، وضمَّها إلى الدولة الأموية.
المرحلة الرابعة: وقد امتدَّت فيما بين سنتي (94- 96هـ)، وفيها أتمَّ قتيبة بن مسلم فتح حوض نهر سيحون بما فيه من مدن، ثم دخل أرض الصين وأوغل فيها، ووصل مدينة كاشغر وجعلها قاعدة إسلامية، وكان هذا آخر ما وصلت إليه جيوش إسلامية في آسيا شرقًا، ولم يصل أحد من المسلمين أبعد من ذلك قط.

وفاة قتيبة بن مسلم
حارب قتيبة ثلاث عشرة سنة لم يضع فيها السلاح، وقد كان قتيبة بن مسلم من قادة الحجاج بن يوسف الثقفي؛ فقد كان يعلم مقدار كراهية سليمان بن عبد الملك للحجاج، فلمَّا ولي الخلافة خشي قتيبة من انتقامه؛ لأنه وقف إلى جانب الوليد بن عبد الملك حين أراد أن يخلع أخاه سليمان من ولاية العهد ويجعلها لابنه؛ ولذلك عزم قتيبة على الخروج على سليمان، وجمع جموعًا لذلك من رجاله وأهل بيته، لكنَّ حركته فشلت، وانتهت بقتله في بلد اسمها فرغانة سنة (96هـ= 715م) على يد وكيع بن حسان التميمي، وقيل: إنه لم يتمرَّد، ولكن وقع ضحية مؤامرة حاكها بعض الطامعين بالولاية.

نماذج مِن إيثار الصَّحابة رضوان الله عليهم

ضرب الصَّحابة أروع أمثلة الإيثَار وأجملها، ومَن يتأمَّل في قصص إيثارهم يحسب ذلك ضربًا مِن خيال، لولا أنَّه منقولٌ لنا عن طريق الإثبات، وبالأسانيد الصَّحيحة الصَّريحة.
وإليك بعضًا مِن النَّماذج التي تروي لنا صورًا رائعة مِن الإيثَار:

ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أنَّ رجلًا أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلَّا الماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن يضمُّ- أو يضيف- هذا؟ فقال رجل مِن الأنصار: أنا. فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت: ما عندنا إلَّا قوت صبياني. فقال: هيِّئي طعامك، وأصبحي سراجك صورة، ونوِّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء. فهيَّأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونوَّمت صبيانها، ثمَّ قامت كأنَّها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنَّهما يأكلان، فباتا طاويين صورة، فلمَّا أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ضحك الله اللَّيلة -أو عجب مِن فعالكما-،» فأنزل الله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9].

الأنصار... إيثار منقطع النَّظير:
أقبل المهاجرون إلى المدينة لا يملكون مِن أمر الدُّنْيا شيئًا، قد تركوا أموالهم وما يملكون خلف ظهورهم، وأقبلوا على ما عند الله عزَّ وجلَّ يرجون رحمته ويخافون عذابه، فاستقبلهم الأنصار الذين تبوَّؤوا الدَّار، وأكرموهم أيَّما إكرام، ولم يبخلوا عليهم بشيء مِن حطام الدُّنْيا في صورة يعجز عن وصفها اللِّسان، ويضعف عن تعبيرها البيان:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «لما قدم المهاجرون المدينة نزلوا على الأنصار في دورهم، فقالوا: يا رسول الله، ما رأينا مثل قوم نزلنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أبذل في كثير منهم، لقد أشركونا في المهنأ وكفونا المؤنة، ولقد خشينا أن يكونوا ذهبوا بالأجر كلِّه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلَّا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم به عليهم».
وهذا عبد الرَّحمن بن عوف لمَّا قدم المدينة آخى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الرَّبيع الأنصاريِّ، وعند الأنصاريِّ امرأتان، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال له: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلُّوني على السُّوق.


إيثار... حتى بالحياة:
وقد وصل الحال بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آثروا إخوانهم بحياتهم، وهذا غاية الجود، ومنتهى البذل والعطاء.
ففي غزوة اليرموك قال عكرمة بن أبي جهل: قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن وأفرُّ منكم اليوم؟! ثمَّ نادى: مَن يبايع على الموت؟ فبايعه عمُّه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور في أربعمائة مِن وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدَّام فسطاط خالد حتى أُثْبِتُوا جميعًا جراحًا، وقُتِل منهم خلقٌ، منهم ضرار بن الأزور رضي الله عنهم، فلمَّا صرعوا مِن الجراح استسقوا ماء، فجيء إليهم بشربة ماء، فلمَّا قربت إلى أحدهم نظر إليه الآخر، فقال: ادفعها إليه. فلما دُفِعَت إليه نظر إليه الآخر، فقال: ادفعها إليه. فتدافعوها كلُّهم مِن واحد إلى واحد حتى ماتوا جميعًا ولم يشربها أحد منهم رضي الله عنهم أجمعين.


صورٌ مِن إيثار أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
لما طُعِن أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب رضي الله عنهما قال لابنه عبد الله: اذهب إلى أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقل: يقرأ عمر ابن الخطَّاب عليك السَّلام، ثمَّ سلها أن أُدْفَن مع صاحبيَّ. قالت: كنت أريده لنفسي، فلأوثرنَّه اليوم على نفسي. فلمَّا أقبل، قال له: ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين. قال: ما كان شيء أهمَّ إليَّ من ذلك المضجع، فإذا قُبِضت فاحملوني، ثمَّ سلِّموا، ثمَّ قل: يستأذن عمر بن الخطَّاب، فإن أذنت لي فادفنوني، وإلَّا فردُّوني إلى مقابر المسلمين.


ودخل عليها مسكينٌ فسألها وهي صائمة وليس في بيتها إلَّا رغيف فقالت لمولاة لها: أعطيه إيَّاه. فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه؟ فقالت: أعطيه إيَّاه. قالت: ففعلتُ. قالت: فلمَّا أمسينا أهدى لنا أهل بيت أو إنسان ما كان يُهدِي لنا: شاة وكفنها. فدعتني عائشة فقالت: كلي مِن هذا، فهذا خيرٌ مِن قرصك.


ابن عمر نموذج آخر مِن نماذج الإيثَار الفذَّة:
مرض ابن عمر فاشتهى عنبًا -أول ما جاء العنب- فأرسلت صفيَّة -يعني امرأته- فاشترت عنقودًا بدرهم، فاتَّبع الرَّسول السَّائل، فلمَّا دخل به، قال السَّائل: السَّائل. فقال ابن عمر: أعطوه إيَّاه. فأعطوه إيَّاه. ثمَّ أرسلت بدرهم آخر، فاشترت عنقودًا، فاتَّبع الرَّسول السَّائلُ، فلمَّا دخل، قال السَّائل: السَّائل. فقال ابن عمر: أعطوه إيَّاه. فأعطوه إيَّاه. فأرسلت صفيَّة إلى السَّائل، فقالت: والله إن عُدتَ لا تصيبُ منه خيرًا أبدًا. ثمَّ أرسلت بدرهم آخر فاشترت به.


واشتهى يومًا سمكةً، وكان قد نَقِهَ مِن مرضٍ فالتُمِسَت بالمدينة، فلم توجد حتى وُجِدَت بعد مُدَّةٍ، واشْتُرِيَت بِدرهم ونصفٍ، فشُوِيَت وجيء بها على رغيف، فقام سائلٌ بالباب، فقال ابن عمر للغلام لفَّها برغيفها، وادفعها إليه. فأبى الغلام، فردَّه وأمره بدفعها إليه، ثمَّ جاء به فوضعها بين يديه، وقال: كُلْ هنيئًا يا أبا عبد الرَّحمن، فقد أعطيته درهمًا وأخذتها. فقال: لفَّها وادفعها إليه، ولا تأخذ منه الدِّرهم.


عمر يختبر إيثار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أخذ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أربعمائة دينار، فجعلها في صرَّة، ثمَّ قال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجرَّاح، ثمَّ تلكَّأ ساعة في البيت حتى تنظر ماذا يصنع بها. فذهب بها الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال: وصله الله ورحمه. ثمَّ قال: تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السَّبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان. حتى أنفدها، فرجع الغلام إلى عمر، فأخبره فوجده قد أعدَّ مثلها لمعاذ بن جبل. وقال: اذهب بهذا إلى معاذ بن جبل، وتلكَّأ في البيت ساعة حتى تنظر ماذا يصنع. فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال: رحمه الله ووصله. وقال: يا جارية، اذهبي إلى بيت فلان بكذا وبيت فلان بكذا. فاطَّلعت امرأة معاذ فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا. ولم يبق في الخرقة إلَّا ديناران فنحا بهما إليها. فرجع الغلام إلى عمر فأخبره، فسُرَّ بذلك عمر، وقال: إنَّهم إخوة بعضهم مِن بعض.


أخي وعياله أحوج.
قال ابن عمر رضي الله عنه: أهدي لرجل مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة، فقال: إنَّ أخي فلانًا وعياله أحوج إلى هذا منَّا. فبعث به إليهم، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها أهل سبعة أبيات حتى رجعت إلى الأوَّل، فنزلت: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].


إيثار... حتى للحيوان:
خرج عبد الله بن جعفر إلى ضيعة له، فنزل على نخيل قوم، وفيه غلام أسود يعمل فيه، إذ أتى الغلام بقوته فدخل الحائط كلبٌ ودنا مِن الغلام، فرمى إليه الغلام بقرصٍ فأكله، ثمَّ رمى إليه الثَّاني والثَّالث فأكله، وعبد الله ينظر إليه، فقال: يا غلام، كم قوتك كلَّ يوم؟ قال: ما رأيت. قال: فلِمَ آثرت به هذا الكلب؟! قال: ما هي بأرض كلاب، إنَّه جاء مِن مسافة بعيدة جائعًا، فكرهت أن أشبع وهو جائع. قال: فما أنت صانع اليوم؟! قال: أطوي يومي هذا. فقال عبد الله بن جعفر: أُلام على السَّخاء! إنَّ هذا الغلام لأسخى منِّي. فاشترى الحائط والغلام وما فيه مِن الآلات، فأعتق الغلام ووهبه منه.

عبد الله ناصح علوان الداعية والمربي

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عبد الله ناصح علوان الداعية والمربي

يعد الدكتور عبد الله ناصح علوان -رحمه الله- من أهم الدعاة الذين مارسوا التربية دعوة وتأليفا، وقد شغلت التربية مساحة كبيرة من اهتمامه، تمثلت في العديد من الكتب والمؤلفات التي تعد من فرائد المكتبة الإسلامية.

ولد -رحمه الله- في حي قاضي عسكر بمدينة حلب سنة 1928م في أسرة متدينة معروفة بالتقى والصلاح.

وتربى في ظل والده الشيخ سعيد علوان -رحمه الله-، وكان الناس في حلب وغيرها يقصدون الشيخ سعيدًا طلباً للتداوي؛ فقد كان طبيبًا وصيدليًا يداوي الناس بالأعشاب والمراهم، وكان لسانه لا يهدأ عن ذكر الله وقراءة القرآن، وكان يدعو ربه أن يجعل من أبنائه العالم الحكيم والطبيب المسلم، وقد أجاب الله دعاءه.

عندما انتهى عبد الله ناصح علوان من المرحلة الابتدائية وجهه والده عام 1943م إلى دراسة العلم الشرعي في الثانوية الشرعية، وكانت تعرف في ذلك الوقت بـ"الخسروية" نسبة إلى بانيها خسرو باشا، وكان يقوم بالتدريس في تلك المدرسة علماء قل نظيرهم في ذلك الزمن، منهم: راغب الطباخ، أحمد الشماع، عبد الرحمن زين العابدين، ناجي أبو صالح، نجيب خياطة، عبد الله حماد، سعيد الإدلبي، أحمد عز الدين البيانوني، عيسى البيانوني -رحمهم الله جميعاً-، وكان أساتذة المدرسة يعاملون طلابهم كأبناء وإخوة لهم.

وقد تأثر علوان بالشيخ راغب الطباخ، وكان علامة مؤرخاً كتب تاريخ مدينة حلب، وتأثر -أيضا- بالدكتور الشيخ مصطفى السباعي -رحمه الله- وكان يتخذه نموذجًا وقدوة.

ثم نال شهادة الثانوية الشرعية في سنة 1949، وبتوجيه من والده سافر إلى مصر لاستكمال تحصيله في علوم الشريعة الإسلامية، فحصل على شهادة كلية أصول الدين سنة 1952، ثم نال الماجستير سنة 1954، وفي مصر كان له نشاط إسلامي واسع وزيارات متبادلة مع كبار رجال الدعوة الإسلامية.

عمل الشيخ -رحمه الله- منذ عام 1954م مدرساً لمادة التربية الإسلامية في ثانويات حلب إذ لم تكن في مدينته كلية للعلوم الشرعية، فكان خير مربٍ للأجيال، غرس في طلابه حب الإسلام والعمل على نصرة شريعة الله في الأرض، كان لمادة التربية الإسلامية في سورية حصة واحدة في الأسبوع، وكان طلبة الشهادات لا يختبرون فيها، فسعى مع إخوانٍ له على جعل حصتين في الأسبوع لمادة التربية الإسلامية، وإدخال تلك المادة في امتحانات الشهادات في سورية.

وفي تلك الفترة انتشرت بين صفوف الطلبة الأفكار القومية والمبادئ الإلحادية، فتصدى فقيدنا بقوة لمروجي الأفكار الهدامة التي تشوه معالم الدين، وكانت له مواقف مشهورة عرفها طلابه في تلك الأيام.

فكان -رحمه الله- مربياً ومعلماً وواعظاً في المدرسة، وكان يقوم بدور كبير في بيوت الله، كان لا يعرف الراحة، ولا يشكو الكلل، بل كان يجهد نفسه بالعمل مع شعورٍ بالرضا والسعادة، حيث كانت مساجد حلب تزخر بالشباب المسلم المتعطش لسماع كلمة صادقة عن هذا الدين، وكانت المناسبات الدينية أفراحًا لقلوب المسلمين فيهرعون إلى المساجد لسماع ما يخص أمور الدنيا والآخرة، وكان شيخنا لا يتخلف ولا يعتذر عن أي دعوة توجه له لإلقاء كلمة في مناسبة إسلامية أو حفلة خاصة.

وفي عام 1400هـ، توجه الشيخ للإقامة في السعودية بعد مواجهة شدة وبلاء في حلب، ليتابع عمله الدعوي بمشاركته في العديد من المحاضرات والمخيمات الطلابية، وكذلك مقالاته العديدة في المجلات الإسلامية ودروسه التربوية في إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية، كذلك عمل أستاذًا في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، منذ 1401ه إلى أن لقي ربه عام 1408هـ.

كان الشيخ -رحمه الله- جريئًا في الحق، وكان في كل فترات حياته مدافعًا عن الإسلام موضحاً للأخطاء، داعيًا إلى التمسك بشرع الله، وكان لا يهاب التهديد أو الوعيد من أي أحد مهما بلغت منزلته وسطوته، كان يدرك أن الأمانة تقتضي أن تُنقل كلمة الحق إلى أكبر مسؤول في الدولة، كما كان يتضايق من تفرق الجماعة الإسلامية، ويسعى لوحدة الكلمة والرأي، وكان يحب الاعتدال في الأمور، ويرى أن الأمور يجب أن تناقش على ضوء الواقع.

وفي نهاية حياته صارع الشيخ المرض قرابة ثلاث سنوات، حيث أصيب بمرض عضال في الدم، إثر عودته من باكستان، وقد احتار الأطباء -العرب والأجانب- في طبيعة هذا المرض.

وكانت حالته غير مسبوقة، وأسباب ذلك المرض غير واضحة، فقد اجتمع رؤساء الأقسام في مستشفى جامعة الملك عبد العزيز بجدة بكافة تخصصاتهم لكي يقرروا أسباب المرض فلم يفلحوا، ونصحوه بالسفر إلى بريطانيا ليتم العلاج، ففعل، ولكن بدون جدوى.

وفي صباح يوم السبت الخامس من شهر محرم عام 1408هـ توفي الشيخ بمستشفى جامعة الملك عبد العزيز في جدة، ونقل من جدة إلى مكة، ودفن فيها حيث صُلي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة العصر الأحد، وقد شيعه عدد كبير من العلماء والدعاة والشباب والطلاب. رحم الله الشيخ عبد الله ناصح علوان، وأسكنه الفردوس الأعلى.

داوود الطائي

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

داوود الطائي


اسمه ونسبه وكنيته:

الإمام الفقيه، القدوة الزاهد أبو سليمان، داود بن نصير الطائي، الكوفي، أحد الأولياء.


ولادته:

ولد بعد المائة بسنوات.


طلبه للعلم وروايته له:

طلب العلم مبكرا في صباه

وروى عن: عبد الملك بن عمير، وحميد الطويل، وهشام بن عروة، وسليمان الأعمش، وجماعة.


تلاميذه:

حدث عنه: ابن علية، وزافر بن سليمان، ومصعب بن المقدام، وإسحاق بن منصور السلولي، وأبو نعيم، وآخرون.


منزلته العلمية:

كان من كبار أئمة الفقه والرأي، برع في العلم بأبي حنيفة، ثم أقبل على شأنه، ولزم الصمت، وآثر الخمول والزهد، وفر بدينه.

سأله رجل عن حديث، فقال: دعني أبادر خروج نفسي. وكان الثوري يعظمه، ويقول: أبصر داود أمره قال ابن المبارك: هل الأمر إلا ما كان عليه داود. وقيل: إنه غرق كتبه. وسأله زائدة عن تفسير آية فقال: يا فلان! انقطع الجواب.


فضائله وثناء العلماء عليه:

قال ابن عيينة: كان داود ممن علم وفقه ونفذ في الكلام، فحذف إنسانا، فقال أبو حنيفة: يا أبا سليمان! طال لسانك ويدك. فاختلف بعد ذلك سنة، لا يسأل ولا يجيب قلت: حرب نفسه ودربها، حتى قوي على العزلة. قال أبو أسامة: جئت أنا وابن عيينة إليه، فقال: قد جئتماني مرة، فلا تعودا. وقيل: كان إذا سلم من الفريضة، أسرع إلى منزله.

قال له رجل: أوصني. قال: اتق الله، وبر والديك، ويحك! صم الدنيا، واجعل فطرك الموت، واجتنب الناس غير تارك لجماعتهم. وعنه قال: كفى باليقين زهدا، وكفى بالعلم عبادة، وكفى بالعبادة شغلا قال أبو نعيم: رأيت داود الطائي، وكان من أفصح الناس، وأعلمهم بالعربية، يلبس قلنسوة طويلة سوداء.

وعن حفص الجعفي قال: ورث داود الطائي من أمه أربع مائة درهم، فمكث يتقوت بها ثلاثين عاما، فلما نفدت، جعل ينقض سقوف الدويرة، فيبيعها.

قال عطاء بن مسلم: عاش داود عشرين سنة بثلاث مائة درهم.

وقال إسحاق السلولي: حدثتني أم سعيد، قالت: كان بيننا وبين داود الطائي جدار قصير، فكنت أسمع حنينه عامة الليل، لا يهدأ، وربما ترنم في السحر بالقرآن، فأرى أن جميع النعيم قد جمع في ترنمه، وكان لا يسرج عليه. قال أبو داود الحفري: قال لي داود الطائي: كنت تأتينا إذ كنا، ثم ما أحب أن تأتيني. قال أبو داود الطيالسي: حضرت داود، فما رأيت أشد نزعا منه وقال حسن بن بشر: حضرت جنازة داود الطائي، فحمل على سريرين أو ثلاثة، تكسر من الزحام.

قيل: إن داود صحب حبيبا العجمي. وليس يصح، ولا علمنا داود سار إلى البصرة، ولا قدم حبيب الكوفة

ومناقب داود كثيرة، كان رأسا في العلم والعمل، ولم يسمع بمثل جنازته، حتى قيل: بات الناس ثلاث ليال مخافة أن يفوتهم شهوده.


وفاته:

مات سنة اثنتين وستين ومائة وقيل: سنة خمس وستين وقد سقت من حديثه وأخباره في: "تاريخ الإسلام" ولم يخلف بالكوفة أحدا مثله.


ــــــــــــــــــــ

للمزيد عن حياة هذا الإمام رجع المصادر التالية:

المحلى بالآثار

البحر الرائق شرح كنز الدقائق

الآداب الشرعية والمنح المرعية

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

الفروع

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

رد المحتار على الدر المختار

ابن ماجة

ابن ماجة


يا للعجب!! هاهي ذي أرض الفرس، التي كانت أرضًا للكفر تنجب الكثير من رجال الإسلام وأعمدة دفاعه، ويظهر منها عدد كبير من كبار المحدثين
والفقهاء، يحفظون سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وتحققت بذلك نبوءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كنَّا جلوسًا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزلت عليه سورة الجمعة، وفيها قول الله تعالى: {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} [الجمعة: 3] فقلت: من هم يا رسول الله؟
فلم يجبه الرسول صلى الله عليه وسلم حتى سأله أبو هريرة ثلاث مرات، فوضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- يده على سلمان الفارسي -رضي الله عنه- ثم قال: (لو كان الإيمانُ عند الثريا لناله رجال -أو رجل- من هؤلاء) [متفق عليه].
ففي بلدة (قزوين) التي تقع في أذربيجان، ولد (أبو عبدالله محمد بن يزيد القزويني) الشهير بابن ماجه، نسبة إلى لقب والده سنة (209هـ) وكانت ولادته في زمن الخليفة المأمون الذي كان عهده مليئًا بأئمة الفقه والحديث، وكانت (قزوين) قد فتحت في خلافة عثمان ابن عفان -رضي الله عنه- في سنة 24هـ، وأصبحت ذات شهرة كبيرة في رواية الحديث النبوي الشريف، فمن أرضها خرج كبار المحدثين الذين يحفظون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشرونها بين الناس.
وقد حفظ ابن ماجه القرآن الكريم، وتعلم الحديث الشريف على يد المشايخ والمحدثين الكبار أمثال: (إسماعيل بن توبة القزويني) وهو محدث وفقيه مشهور، و(هارون بن موسى بن حيان التميمي) و(على بن محمد أبو الحسن الطنافسي).. وغيرهم.
رحل ابن ماجه في طلب العلم، وأخذ ينتقل من بلد إلى آخر، ليتعلم ويسمع من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى خراسان، والعراق، والحجاز ومصر، والشام.. وغيرها من البلاد، ثم أنهى ابن ماجه رحلاته في طلب الحديث وعاد إلى بلده (قزوين) وأمضى بها بقية عمره في خدمة الحديث إلى أن توفي في عهد
الخليفة العباسي (المعتمد على الله) في يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء الموافق
الثاني والعشرين من رمضان سنة 273هـ عن عمر يقارب الرابعة والستين.
وكانت لابن ماجه مؤلفات في التفسير والتاريخ، إلا أن أشهر كتبه (السنن) الذي استحق به الإمامة في الحديث الشريف، فهو من كتب الحديث المعتمدة عند علماء الحديث، وأحد كتب الحديث الستة المعروفة، وهي صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن الترمذي وسنن أبي داود وسنن النسائي وسنن ابن ماجه، وقد احتوت سنن ابن ماجه على كثير من الأحاديث التي لم تروها كتب الحديث الأخرى، كما تضم سنن ابن ماجه أربعة آلاف من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

زياد علي

زياد علي محمد