الجمعة، 23 أغسطس 2019

عبد الله ناصح علوان الداعية والمربي

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عبد الله ناصح علوان الداعية والمربي

يعد الدكتور عبد الله ناصح علوان -رحمه الله- من أهم الدعاة الذين مارسوا التربية دعوة وتأليفا، وقد شغلت التربية مساحة كبيرة من اهتمامه، تمثلت في العديد من الكتب والمؤلفات التي تعد من فرائد المكتبة الإسلامية.

ولد -رحمه الله- في حي قاضي عسكر بمدينة حلب سنة 1928م في أسرة متدينة معروفة بالتقى والصلاح.

وتربى في ظل والده الشيخ سعيد علوان -رحمه الله-، وكان الناس في حلب وغيرها يقصدون الشيخ سعيدًا طلباً للتداوي؛ فقد كان طبيبًا وصيدليًا يداوي الناس بالأعشاب والمراهم، وكان لسانه لا يهدأ عن ذكر الله وقراءة القرآن، وكان يدعو ربه أن يجعل من أبنائه العالم الحكيم والطبيب المسلم، وقد أجاب الله دعاءه.

عندما انتهى عبد الله ناصح علوان من المرحلة الابتدائية وجهه والده عام 1943م إلى دراسة العلم الشرعي في الثانوية الشرعية، وكانت تعرف في ذلك الوقت بـ"الخسروية" نسبة إلى بانيها خسرو باشا، وكان يقوم بالتدريس في تلك المدرسة علماء قل نظيرهم في ذلك الزمن، منهم: راغب الطباخ، أحمد الشماع، عبد الرحمن زين العابدين، ناجي أبو صالح، نجيب خياطة، عبد الله حماد، سعيد الإدلبي، أحمد عز الدين البيانوني، عيسى البيانوني -رحمهم الله جميعاً-، وكان أساتذة المدرسة يعاملون طلابهم كأبناء وإخوة لهم.

وقد تأثر علوان بالشيخ راغب الطباخ، وكان علامة مؤرخاً كتب تاريخ مدينة حلب، وتأثر -أيضا- بالدكتور الشيخ مصطفى السباعي -رحمه الله- وكان يتخذه نموذجًا وقدوة.

ثم نال شهادة الثانوية الشرعية في سنة 1949، وبتوجيه من والده سافر إلى مصر لاستكمال تحصيله في علوم الشريعة الإسلامية، فحصل على شهادة كلية أصول الدين سنة 1952، ثم نال الماجستير سنة 1954، وفي مصر كان له نشاط إسلامي واسع وزيارات متبادلة مع كبار رجال الدعوة الإسلامية.

عمل الشيخ -رحمه الله- منذ عام 1954م مدرساً لمادة التربية الإسلامية في ثانويات حلب إذ لم تكن في مدينته كلية للعلوم الشرعية، فكان خير مربٍ للأجيال، غرس في طلابه حب الإسلام والعمل على نصرة شريعة الله في الأرض، كان لمادة التربية الإسلامية في سورية حصة واحدة في الأسبوع، وكان طلبة الشهادات لا يختبرون فيها، فسعى مع إخوانٍ له على جعل حصتين في الأسبوع لمادة التربية الإسلامية، وإدخال تلك المادة في امتحانات الشهادات في سورية.

وفي تلك الفترة انتشرت بين صفوف الطلبة الأفكار القومية والمبادئ الإلحادية، فتصدى فقيدنا بقوة لمروجي الأفكار الهدامة التي تشوه معالم الدين، وكانت له مواقف مشهورة عرفها طلابه في تلك الأيام.

فكان -رحمه الله- مربياً ومعلماً وواعظاً في المدرسة، وكان يقوم بدور كبير في بيوت الله، كان لا يعرف الراحة، ولا يشكو الكلل، بل كان يجهد نفسه بالعمل مع شعورٍ بالرضا والسعادة، حيث كانت مساجد حلب تزخر بالشباب المسلم المتعطش لسماع كلمة صادقة عن هذا الدين، وكانت المناسبات الدينية أفراحًا لقلوب المسلمين فيهرعون إلى المساجد لسماع ما يخص أمور الدنيا والآخرة، وكان شيخنا لا يتخلف ولا يعتذر عن أي دعوة توجه له لإلقاء كلمة في مناسبة إسلامية أو حفلة خاصة.

وفي عام 1400هـ، توجه الشيخ للإقامة في السعودية بعد مواجهة شدة وبلاء في حلب، ليتابع عمله الدعوي بمشاركته في العديد من المحاضرات والمخيمات الطلابية، وكذلك مقالاته العديدة في المجلات الإسلامية ودروسه التربوية في إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية، كذلك عمل أستاذًا في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، منذ 1401ه إلى أن لقي ربه عام 1408هـ.

كان الشيخ -رحمه الله- جريئًا في الحق، وكان في كل فترات حياته مدافعًا عن الإسلام موضحاً للأخطاء، داعيًا إلى التمسك بشرع الله، وكان لا يهاب التهديد أو الوعيد من أي أحد مهما بلغت منزلته وسطوته، كان يدرك أن الأمانة تقتضي أن تُنقل كلمة الحق إلى أكبر مسؤول في الدولة، كما كان يتضايق من تفرق الجماعة الإسلامية، ويسعى لوحدة الكلمة والرأي، وكان يحب الاعتدال في الأمور، ويرى أن الأمور يجب أن تناقش على ضوء الواقع.

وفي نهاية حياته صارع الشيخ المرض قرابة ثلاث سنوات، حيث أصيب بمرض عضال في الدم، إثر عودته من باكستان، وقد احتار الأطباء -العرب والأجانب- في طبيعة هذا المرض.

وكانت حالته غير مسبوقة، وأسباب ذلك المرض غير واضحة، فقد اجتمع رؤساء الأقسام في مستشفى جامعة الملك عبد العزيز بجدة بكافة تخصصاتهم لكي يقرروا أسباب المرض فلم يفلحوا، ونصحوه بالسفر إلى بريطانيا ليتم العلاج، ففعل، ولكن بدون جدوى.

وفي صباح يوم السبت الخامس من شهر محرم عام 1408هـ توفي الشيخ بمستشفى جامعة الملك عبد العزيز في جدة، ونقل من جدة إلى مكة، ودفن فيها حيث صُلي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة العصر الأحد، وقد شيعه عدد كبير من العلماء والدعاة والشباب والطلاب. رحم الله الشيخ عبد الله ناصح علوان، وأسكنه الفردوس الأعلى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زياد علي

زياد علي محمد