الأحد، 1 سبتمبر 2019

وحشي بن حرب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وحشي بن حرب



هو وحشي بن حرب الحنشى مولى بنى نوفل قيل كان مولى طعيمة بن عدى يكنى أبا سلمة وقيل أبا حرب.
حال وحشي بن حرب في الجاهلية:

كان وحشي عبدًا حبشيًا من الموالي عند العرب، يقول وحشي عن نفسه: كنت غلامًا لجبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قد قُتل يوم بدر فلما سارت قريش إلى أحد قال لي جبير: إنْ قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق.
فيقول: فخرجت مع الناس حين خرجوا إلى أحد فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره حتى رأيته مثل الجمل الأورق في عرض الناس يهز الناس بسيفه هذا ما يقوم له شيء فوالله إني لأريده واستترت منه بشجرة - أو: بحجر - ليدنو مني وتقدمني إليه سباع بن عبد العزى فلما رآه حمزة قال: إلي يا ابن مقطعة البظور. وكانت أمه ختانة بمكة فوالله لكأن ما أخطأ رأسه فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه. وخليت بينه وبينها حتى مات ثم أتيته فأخذت حربتي ثم رجعت إلى العسكر ولم يكن لي بغيره حاجة. فلما قدمت مكة عتقتى.
قصة إسلام وحشى بن حرب الحنشى:

يروى وحشى قصة إسلامه فيقول: فلما افتتح رسول الله مكة هربت إلى الطائف فلما خرج وفد الطائف ليسلموا ضاقت على الأرض بما رحبت وقلت بالشام أو اليمن أو بعض البلاد فولله إني لفي ذلك من همي إذ قال رجل: والله إن يقتل -أي لا يقتل- محمدًا أحدًا يدخل في دينه، فخرجت حتى قدمت المدينة على رسول الله فدخلت عليه في خفة وحذر، ومضيت نحوه حتى صرت فوق رأسه، وقلت أشهد أن لا إله إلا الله، فلما سمع الشهادتين رفع رأسه إلي، فلما عرفني ردَّ بصره عنى، وقال: "أوحشي أنت" قلت: نعم يا رسول الله فقال: "اقعد وحدثني كيف قتلت حمزة؟" فقعدت فحدثته خبره، فلما فرغت من حديثى أشاح بوجهه وقال: "ويحك يا وحشي، غيِّب عنى وجهك، فلا أرينك بعد اليوم".


فما أجمل الإسلام وأعظمه، لا يغلق باب التوبة أمام الإنسان مهما فعل وصدر منه طالما أن ما صدر منه كان قبل أن يدخل الإسلام قلبه.
وقد روي وحشي عن النبي أن أصحابه قالوا: يا رسول إنا نأكل ولا نشبع، قال: "فلعلكم تفترقون" قالوا: نعم قال: "فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه، يبارك لكم فيه".
من كلمات وحشى بن حرب الحنشى:

كان يقول: قتلت بحربتي هذه خيرَ الناس -يقصد حمزة- وشر الناس -يقصد مسيلمة الكذاب-
وكان يقول أكرم الله حمزة بن عبد المطلب والطفيل بن النعمان بيدي ولم يهني بأيديهما يعني لم يُقتل كافرًا.
وفاة وحشي بن حرب الحنشي

شهد وحشي اليرموك ثم سكن حمص ومات بها، وكان وحشي قد عاش إلى خلافة عثمان.

ياسر بن راشد بن حسـين الودعاني الدوسري

الوظيفة :
• عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود .
• عضو الجمعية ( الفقهية ) العلمية السعودية .
• عضو الجمعية العلمية ( القضائية ) السعودية .
• عضو الجمعية العلمية السعودية للقرآن وعلومه( تبيان ) .
• عضو الجمعية السعودية ( للدراسات الدعوية ) .
• إمام وخطيب جامع الدخيل بالرياض والمشرف العام على مناشطه .
• نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة آيات للإعلام القرآني.
• المشرف العام على دار الهمم النسائية لتحفيظ القرآن الكريم .


المؤهل العلمي :
• ( بكالوريوس ) من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 23 - 1424 هـ .

• ( ماجستير ) فقه مقارن من المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .

• حاليا في مرحلة تحضير ( الدكتوراة ) بقسم الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .


الحالة الاجتماعية :
متزوج ولديه أربعة من الذرية ابنان وابنتان .


مشايخ الإقراء الذين قرأ عليهم :
• فضيلة الشيخ / بكري الطرابيشي ( صاحب أعلى إسناد في العالم ) .
• فضيلة الشيخ / إبراهيم الأخضر ( شيخ قراء المدينة ) لازال في طور القراءة عليه .
• فضيلة الشيخ / محمد تميم الزعبي ( عضو لجنة مراجعة المصحف الشريف بمجمع الملك فهد ) لازال في طور القراءة عليه .
• فضيلة الشيخ /محمود بن عمر سكر . ( مقرئ القراءات العشر )
• فضيلة الشيخ / أحمد خليل شاهين . ( مقرئ القراءات العشر )
• فضيلة الشيخ / سعد سنبل . ( مقرئ القراءات العشر )
• فضيلة الشيخ الدكتور / عبدالله الجار الله . ( المجاز في القراءات العشر من المشايخ : السمنودي , الزيات , الأخضر , عبدالرافع رضوان , الزعبي , كريم راجح , الحذيفي , الطرابيشي , ابو الحسن الكردي , عبدالحكيم خاطر )



أبرز المشايخ الذين تتلمذ عليهم :ـ
• فضيلة الشيخ العلامة الدكتور / عبدالله بن جبرين ( رحمه الله ) .
. سماحة الشيخ العلامة / عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ ( مفتى عام المملكة العربية السعودية ) .
• معالي الشيخ العلامة الدكتور / صالح بن فوزان الفوزان ( عضو اللجنة الدائمة )
• معالي الشيخ الدكتور / صالح بن حميد ( رئيس المجلس الأعلى للقضاء )
• معالي الشيخ الدكتور / سعد بن ناصر الشثري (عضو هيئة كبار العلماء) .
• معالي الشيخ / صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ ( وزير الشؤون الإسلامية )
• معالي الشيخ / محمد بن حسن آل الشيخ (عضو هيئة كبار العلماء ).
. معالي الشيخ الدكتور / يعقوب الباحسين ( عضو هيئة كبار العلماء ).
• فضيلة الشيخ / عبدالعزيز بن إبراهيم القاسم . القاضي بالمحكمة العامة بالرياض سابقا .
• فضيلة الشيخ / عبدالعزيز الراجحي . أكبر طلبة الشيخ عبدالعزيز بن باز
. فضيلة الشيخ الدكتور / عبدالرحمن الدرويش ( عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء والمشرف على رسالة الماجستير ).
. معالي الشيخ الدكتور / سليمان أبا الخيل ( مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ) .



المساجد التي تولى الإمامة فيها منذ 1416هـ :
• مسجد عبدالله الخليفي بحي العريجاء .
• مسجد الكوثر بحي العريجاء.
• جامع الإمام عبدالله بن سعود بحي السويدي .
• جامع الشيخ عبدالعزيز بن باز بحي الغدير .
• جامع الدخيل بحي الشهداء حالياً .




الإصدارات الصوتية :
1. مصحف مرتل من صلاة التراويح والقيام .
2. 51 إصدار قرآني صوتي .
3. ستة إصدارات منوعة .



البحوث والدراسات .
1. الضوابط الفقهية في السبق والجعالة ( رسالة الماجستير بالمعهد العالي للقضاء)
2. بحث بعنوان زكاة الأسهم .
3. بحث بعنوان نظرة حول مقاصد الشريعة .
4. بحث بعنوان عقد المرابحة للأمر بالشراء .
5. بحث بعنوان التقسيط .
6. بحث بعنوان عقد المقاولات .
7. بحث بعنوان عقد التوريد .
8. بحث بعنوان عقد المناقصة .
9. بحث بعنوان الحقوق الملكية الفكرية
10. بحث بعنوان ضمانات العدالة في الإسلام .
11. بحث بعنوان رهن السيارة المبيعة .
12. بحث بعنوان أحكام الشهيد ، يدرس في بعض دورات الدفاع الجوي .
13. المشاركة في إعداد مناهج الثقافة الإسلامية بوزارة الدفاع .
14. بحث بعنوان التعزير المعنوي .
15. بحث بعنوان النظم القرآني في القرآن الكريم .
16. بحث بعنوان الرؤية الشرعية حول أحداث غزة .
17. بحث بعنون التوازن في ضوء الكتاب و السنة .


المشاركات والنشاطات وخدمة المجتمع :


1. إلقاء عدد من المحاضرات العامة والكلمات التوجيهية في بعض الجهات الحكومية مثل :
- القوات الجوية
- القوات البحرية
- القوات البرية
- القوات المسلحة
- حرس الحدود
- قوات الأمن الخاصة
- شركة الإتصالات
- وزارة التربية والتعليم
- الخطوط العربية السعودية
- الحرس الوطني

2. إلقاء محاضرات وخطب وكلمات توجيهية في عدد من مناطق داخل المملكة :
- الغربية
- الشرقية
- الجنوبية
- المدينة المنورة
- تبوك
- القصيم
- عسير
- جازان

وخارج المملكة :
- الإمارات
- قطر
- الكويت
- البحرين
- بريطانيا
- سويسرا
- تشيك
- تركيا
- ماليزيا
- سوريا
- مصر
- لبنان
- الأردن

3- رئاسة لجنة تحكيم مسابقة ( الوحيين القرآن والسنة ) المقامة في مدينة ليفربول بالمملكة المتحدة بريطانيا .

4. المشاركة في الإشراف على دورة الأمن الفكري المقامة بوزارة الدفاع .

5. المشاركة في مؤتمر ( الشباب وبناء المستقبل ) بجمهورية مصر العربية 1428هـ.

6. المشاركة في مؤتمر ( نحو خطاب إسلامي معاصر ) التابع للندوة العالمية للشباب الإسلامي ، والمقام في تركيا 1429هـ.


7. المشاركة في مؤتمر ( الفن والأدب في خدمة الدعوة ) المقام في مدينة الرياض 1429هـ

8. المشاركة في مؤتمر ( نحو مسجد فاعل ) المقام في الرياض 1429هـ .

9. المشاركة السنوية في تحكيم مسابقة القرآن الكريم المحلية بوزارة الدفاع وتحكيم تصفيات مسابقة الأمير سلطان لحفظ القرآن الكريم الدولية للعسكريين .

10. المشاركة في مؤتمر ( الأزمة المالية وانعكاساتها على العالم ) والذي أقيم في فندق انتركنتننتال في مدينة الرياض .

11. المشاركة بإلقاء محاضرات توجيهية في دورات المبتعثين من وزارة الدفاع .


12. المشاركة في عدة لقاءات في بعض الصحف المحلية :
- الرياض
- الجزيرة
- عكاظ
- الشرق الأوسط
- الحياة
- المدينة
- الوطن
- اليوم
- شمس
- الندوة
- سبق الالكترونية

الصحف الدولية :
- البيان الإماراتية
- الخليج الإماراتية
- القبس الكويتية
- الوسط الكويتية
- الوطن البحرينية
- اخبار الخليج
- البلاد البحرينية
- النبأ البحرينية

المجلات الدورية :
- اليمامة
- التوعية
- الدعوة
- نون
- آيات
- شباب
- روائع
- إنسان
- العراب الشعرية
- حروف

13. المشاركة في بعض القنوات الفضائية :
- القناة الأولى السعودية
- الإخبارية
- الرياضية
- المجد العامة
- المجد للقرآن
- آيات
- دليل
- الرسالة
- العفاسي
- البحرين
- الساحة
- بداية
- الدانة
- الراية
- نور دبي



المشاركات الإذاعية :
- إذاعة القرآن الكريم
- إذاعة الرياض
- إذاعة دبي
- إذاعة القرآن الكريم التونسية
- إذاعة يو إف إم
- إذاعة البحرين
- إذاعة قطر
- إذاعة حياة الأردن 

أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وقصة التحكيم

أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وقصة التحكيم



إخوة الإيمان: وما أجمل العيش في سِيَرِ القادة العظماء، ويطيب أكثر إذا كان في مواقف وأخبار السادة النجباء، أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، هم أبرُّ الأمة قلوباً، وأنقاها سريرة، وأصلحها سيرة، ويتحتم أكثر فأكثر حين يكون ذوداً عن المتهمين زوراً وكذباً، وإيضاحاً للحقيقة صدقاً وعدلاً.


أجل! لقد جاء الثناء على أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- في القرآن، ونوَّه الله بذكرهم في التوراة والإنجيل، فقال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) [محمد:29].


وفي هذه الخطبة استجلاء لشخصية أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- الذي ربما غابت بعض مواقفه البطولية عن بعض الناس، وربما ترسّخ في أذهان آخرين ما تنسبه إليه بعض الروايات التاريخية الساقطة من التغفيل والجهل بأبسط قواعد السياسة والحكم في قصة التحكيم، وهو العالم والفقيه، والقاضي والوالي، والقارئ والكيس الفَطِن.


ويكفيه فخراً أن القرآن نزل في الثناء عليه وعلى قومه، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة:54] أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن عياض الأشعري قال: لما نزلت: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هم قومك يا أبا موسى!"، وأومأ إليه.


وأثنى النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعا لأبي موسى وعمه أبي عامر الأشعري في قصة تكشف عن شجاعة وصدق أبي موسى وعمه، وطلب عمه من النبي -صلى الله عليه وسلم- الاستغفار له وهو في سياقة الموت، وشمول الدعوة لأبي موسى.


فقد روى البخاري ومسلم عن أبي موسى قال: لما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حنين بعث أبا عامر الأشعري على جيش أوطاس، فلقى دريرد بن الصمة، فَقُتِل دريد وهزمَ الله أصحابه، فَرَمَى رجل أبا عامر في ركبته بسهم فأثبته، فقلت: يا عم، مَن رماك؟ فأشار إليه، فقصدت له فلحقته، فلما رآني ولَّى ذاهباً، فجعلت أقول له: ألا تستحي؟ ألست عربياً؟ ألا تثبت؟ قال: فَكَفَّ، فالتقيت أنا وهو فاختلفنا ضربتين فقتلته.


ثم رجعت إلى أبي عامر فقلت: قد قتل الله صاحبك، قال: فانزع هذا السهم، فنزعته، فنزل منه الماء، فقال: يابن أخي: انطلق إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأقرئه مني السلام وقل له يستغفر لي، واستخلفني أبو عامر على الناس، فمكث يسيراً ثم مات.


فلما قدمنا وأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ثم رفع يديه ثم قال: "اللهم اغفر لعبدك أبي عامر"، حتى رأيت بياض إبطيه، ثم قال: "اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك" فقلت: ولي يا رسول الله؟ فقال: "اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريماً".


إخوة الإسلام: وأبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- في عداد العلماء الفقهاء أيام الرسول -صلى الله عليه وسلم-، حتى قال صفوان ابن سليم -أحد فقهاء التابعين الثقات-: لم يكن يُفْتِى في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير هؤلاء: عمر وعلى ومعاذ وأبي موسى.


وقال مسروق: كان القضاء في الصحابة إلى ستة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي، وزيد، وأبي موسى.


ولكفاءة أبي موسى وغزارة علمه، وحسن رَأْيَه، استعمله النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعاذاً في اليمن، وولِّي أبو موسى أمرَ الكوفة لعمر -رضي الله عنه-، وكذلك البصرة، وكان حسَن السيرة في أهلها حتى قال الحسن البصري: ما قدمها راكب خير لأهلها من أبي موسى.


ومع هذه السيرة الحسنة والعدل في الرعية، فلم تكن الولاية في ذهن أبي موسى وغيره من صلحاء الأمة شهوةً جامحةً، أو سبيلاً للاستعلاء والسيطرة، وهذا عمر -رضي الله عنه- يطلب أبا موسى في رهط من المسلمين بالشام وبقوله له: إني أرسلك إلى قوم عسكر الشياطين بين أظهرهم، قال أبو موسى: فلا ترسلني، قال عمر: إنها بها جهاداً ورباطاً. فأرسله إلى البصرة.


وكذلك تكون رغبة الجهاد والمرابطة في سبيل الله ضماناً لموافقة أبي موسى وقبوله بالولاية.


أيها المسلمون: ويظهر الفهم الدقيق في شخصية أبي موسى -رضي الله عنه- لأمور الولاية في الإسلام، فهو الأمير والقاضي، وهو المقرئُ ومعلِّمُ الناس القرآن، وهو الكيِّسُ الفطن، وهو القائد الفاتح. قال أبو شوذب: كان أبو موسى إذا صلَّى الصبح استقبل الصفوف رجلاً رجلاً يقرئهم.


وعن أنس قال: بعثني الأشعري إلى عمر، فقال لي: كيف تركت الأشعري؟ قلت: تركته يعلِّم الناس القرآن، فقال عمر: أما إنه كيس! ولا تسمعها إياه.


وفي مجال الفتوح، فقد أُفْتُتِحَ في أثناء ولايته: البصرة، والأهواز، والرها، وسميساط، وما والاها، وفتح أصبهان؛ ولذا كتب عمر في وصيته: ألاَّ يقرّ لي عامل أكثر من سنة، وأقروا الأشعري أربع سنين.


هذا نموذج لولاية أبي موسى وحسن سياسته، وهو كما ترى مزيج بين الدين والدنيا، أما هذا الانشطار الغريب في الولاية بين أمور الدين والدنيا فلم يكن يعرفه أبو موسى ومن على شاكلته من ولاة المسلمين فيما مضى.


وإن تعجب -يا أخا الإسلام- من حسن سياسته وفهمه لمسؤولية الولاية والإمارة، فالعجب أشد حين تعلم شيئاً من نزاهته وترفعه عن متاع الدنيا وحطامها الفاني، فما ملك القصور والضياع، ولا جمع المال والمتاع، ولم تغيره الإمارة، ولا اغترَّ بالدنيا، كما قال الإمام الذهبي: كان أبو موسى صَوَّاماً قوَّاماً ربَّانياً زاهداً عابداً، ممن جمع العلم والعمل، والجهاد وسلامة الصدر، لم تغيره الإمارة ولا اغتر بالدنيا.


وقال ابنه أبو بردة: حدَّثَتنِي أمي قالت: خرج أبوك حين نزع عن البصرة وما معه إلا ستمائة درهم عطاء عياله.
أولئك آبائي فجئْني بمثلِهِم *** إذا جَمَعَتْنَا ياجريرُ المجامعُ


يا أخا الإسلام: وكما أن الأشعري من فرسان النهار، ومن صلحاء أهل الولاية في الإسلام، فكذلك الأشعري كان من رهبان الليل، ومن أهل الذكر والدعاء والصلاة وتلاوة القرآن، فقد روى الإمام أحمد وغيره بإسناد صحيح عن بريدة -رضي الله عنه- قال: دخلت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمسجد ويدي في يده، فإذا رجل يصلي يقول: اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب".


فلما كانت الليلة الثانية دخلت مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- المسجد، قال: فإذا ذلك الرجل يقرأ، قال: فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتراه مُرَائِياً؟" -ثلاث مرات- قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بل هو مؤمن منيب، عبد الله بن قيس أو أبو موسى أوتي مزماراً من مزامير آل داود"، قال: قلت: يا نبي الله ألا أبشره؟ قال: بلى، فبشرته، فكان لي أخاً.


"بل هو مؤمن منيب"، تلك والله هي الشهادة العظمى! وأكْرِمْ بتزكية مَن لا ينطق عن الهوى، وعجَبُك لا ينقضي من هذا الصحابي المجاهد حتى لحظات حياته الأخيرة، وقد ورد أن أبا موسى، -رضي الله عنه- اجتهد من قبل موته اجتهاداً شديداً فَقِيْلَ له: لو أمسكتَ ورفقت بنفسك؟ قال: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من عمر أقل من ذلك.


توفي أبو موسى -رضي الله عنه- سنة أربع وأربعين للهجرة على الصحيح كما قال الذهبي، رضي الله عنه وأرضاه، وألْحِقَنَا بِهِ واحْشرْنَا في زمرته.


أقول ما تسمعون وأستغفر الله.





الخطبة الثانية:


الحمد لله رب العالمين، وفَّق من شاء لطاعته وهداه، وأضل من شاء بعلمه وحكمته، فلا إله إلا هو ولا رب سواه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له يمتحن الناس في هذه الحياة الدنيا، فيغتبط الصالحون، ويندم المفرطون المفسدون.


وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رَبَّى صحابته على الإيمان والتقى فكانوا منارات يستضاء بها في الأرض، كَحَالِ النجوم في السماء، اللهم صلِّ على محمد وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


وبعد: فأي عقل لبيب، وأي منطق سليم يرضى ويقنع بروايات أهل البدع والأهواء في هذا الجيل الفريد؟ وقاتَل الله الرافضة! فكم شوَّهوا في تاريخنا وكم حرَّفوا في مرويَّاتنا، ولقد نال أبا موسى الأشعري -رضي الله عنه- من هذا التشويه والتحريف ما أصبح مادةً لمن في قلوبهم مرض، فَرَامُوا تشويه تاريخ الصحابة بهدف تشويه الدين أساساً.


وتأمل مقولة الإمام مالك رحمه الله في هدف الذين يقدحون في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يمكنهم ذلك، فقدحوا في أصحابه، حتى يقال رجل سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين.


ومما ذاع وشاع في التاريخ قديماً وحديثاً موقف الحكمين: أبي موسى الأشعري، وعمرو بن العاص -رضي الله عنه-، في قصة التحكيم بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما-، حين وقعت الفتنة، وأن موقف أبي موسى -رضي الله عنه- يمثل موقف المغفل المخدوع، بينما يمثل موقف عمرو بن العاص موقف الماكر الخادع.


فقد اتفقا -كما تقول الرواية الساقطة- على أن يخلع كل منهما صاحبه أمام المسلمين، وتُوَلِّي الأمة من أحبَّت، فابتدأ أبو موسى وخلع صاحبه علياً، فلما جاء دور عمرو بن العاص وافق على خلع عليٍّ وأثبت صاحبه معاوية! فهل تليق هذه المراوغة بالصالحين من أبناء المسلمين؛ فضلاً عن نسبتها للمؤمنين الصادقين من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-؟.


إن المقام لا يتسع للحديث عن شخصية عمرو بن العاص الإيمانية ومواقفه الجهادية، وعسى أن تتاح الفرصة لذلك قريباً؛ ولكن القضية مرفوضة أولاً بميزان العقل والمنطق، فكيف يُتَّهَم أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- بالتغفيل وهو رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى زبيد وعدن، واستعمله عمر -رضي الله عنه- على البصرة حتى قتل، ثم استعمله عثمان على البصرة، ثم على الكوفة، وبقي والياً عليها إلى أن قتل عثمان فأقرَّه علي -رضي الله عنه-، فهل يتصور أن يثق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم خلفاؤه من بعده برجل يمكن أن تجوز عليه مثل الخدعة التي ترويها قصة التحكيم؟ سبحانه هذا بهتان عظيم!.


قال الحافظ ابن حجر رحمه الله معلِّقاً على حديث البخاري في بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى اليمن، قال: واستدل به على أن أبا موسى كان عالماً فطناً حاذِقاً، ولولا ذلك لم يوله النبي -صلى الله عليه وسلم- الإمارة، ولو كان فَوَّضَ الحكم لغيره لم يحتج إلى توصيته بما وصاه به، ولذلك اعتمد عليه عمر ثم عثمان ثم علي، وأما الخوارج والروافض فطعنوا فيه، ونسبوه إلى الغفلة وعدم الفطنة، لما صدر منه في التحكيم بصفين.


وكيف يسوغ أن يُتَّهم الفقيه القاضي، والعالم المتبحر بمثل هذا؟ بل ويقطع الفاروق عمر -رضي الله عنه- بكياسة أبي موسى، ومن هو الفاروق في تقويم الرجال؟ "ألا إنه كيس، ولا تسمعها إياه".


والقضية مرفوضة ثانياً بميزان العلم والنقد، وليس نقد السند بأقل نقد المتن، فرواتها الذين صدروها ابتداء متهمون وهم من أهل الأهواء والبدع ويكفي أن فيها أبا مخنف، لوط بن يحيي، وهو شيعي محترق كما قال أهل العلم، ومشهور بالكذب والافتراء والدس والتشويه في التاريخ، عموماً وأحداث الفتنة بين الصحابة خصوصاً.


قال الحافظ الذهبي رحمه الله: ولا ريب أن غلاة الشيعة يبغضون أبا موسى -رضي الله عنه- لكونه ما قاتل مع علي، ثم لما حكمه علي على نفسه عزله، وعزل معاويةن وأشار بابن عمر، فما انتظم من ذلك حال.


إخوة الإسلام: وإذا رفضنا هذه المرويات الكاذبة لسقوطها سنداً ومتناً فما هي الرواية الصحيحة في التحكيم والتي تليق بمقام الصحابة رضوان الله عليهم؟ هناك رواية أخرجها البخاري في تاريخه مختصراً بسند رجالٍ ثقات، وأخرجها ابن عساكر مطولاً عن الحضين بن المنذر أن معاوية أرسله إلى عمرو ابن العاص فقال له: إنه بلغني عن عمرو بعض ما أكره -يعني في مسألة التحكيم بينه وبين أبي موسى الأشعري- فأته فاسأله عن الأمر الذي اجتمع عمرو وأبو موسى فيه، كيف صنعتما فيه؟.


قال: قد قال الناس وقالوا، ولا والله ما كان ما قالوا، ولكن لما اجتمعت أنا وأبو موسى قلت له: ما ترى في هذا الأمر؟ قال أرى أنه في النفر الذين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راضٍ، قال -عمرو-: فقلت: أين تجعلني من هذا الأمر أنا ومعاوية؟ قال: إن يستعن بكما ففيكما معونة، وإن يُستغنى عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما. فأين الخداع، وأين الكذب، وأين التغفيل، والمراوغة، في مثل هذه المرويات الصحيحة؟.


إن تاريخ الأمة المسلمة محتاج إلى استجلاء وتصحيح ونظر وتدقيق، وإن تاريخ الصحابة بالذات محتاج إلى تمحيص وفقه لأخذ الدروس والعبر، ومعرفة الطريق الأبلج، والمنهج الإسلامي، وكم من كنوز هذا التاريخ تحتاج إلى استخراج، وكم من عبر تنتظر السالكين إلى الله.


ويأبى الله إلا أن يدافع عن الذين آمنوا ولو كذب المنافقون، ولو تزيد المزيدون، قال تعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) [الرعد:17].


أيها المسلمون: إن من أعظم الدروس التي نستفيدها من هذا الحدث، أن تدرك كيف تروج إشاعات، وكيف تساق جزافاً الاتهامات، وإذا كان هذا في جيل محمد -صلى الله عليه وسلم-، فغيرهم من باب أولى!.


فهل يتثبت المسلمون في أخبار الموتورين؟ وهل يتأكدون من الشائعات قبل ترويجها؟ وهل نحافظ جميعاً على سمعة الخيرين من المبطلين؟ وهل نزن الأمور بميزان الشرع والحق، لا بميزان الهوى والباطل؟ إن ذلك خليق بالمسلم الذي يقرأ قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء:36].

بلال بن رباح - رضي الله عنه

بلال بن رباح - رضي الله عنه -


بِلَآل بنِ رَبَاَحْ الحَبَشِي (أَبُو عَبدِ اَلله)، الشَدِيدِ السُمرَة النَحِيفْ النَاَحِلْ المُفرِطِ الطُولِ
الكَثِ الشَعْر، لَمْ يَكُن يَسّمَع كَلِمَاَتِ المَدح والثَنَاء تُوَجَّه اِلَيه، اِلَا وَيَحنِي رَأسَه وَيَغضّ طَرْفَه
وَيَقولّ وَعَبَرَاَتُه عَلَى وَجّنتَيه تَسِيل: "اِنَمَا أَنَا حَبَشِي كُنتُ بِالَأمسِ عَبدَاً"

كَاَنَ عَبّدَاً مِن عَبِيدِ قرَيش أَعلَنَ إِسْلَامَه فَعَذَّبَه سَيِدُه أُمِية بن خَلَفّ فَاَبتَاَعَه أَبو بَكرِ الصِدِيق وَأعتَقَه،
اُشتِهِرَ بِصَبرِهِ عَلَى التَعذِيب وَقَولَتُه أَحَدٌ أَحَدٌ،
كَاَن صَوتُه جَمِيلَا فَكَلَّفه الرَسول بِمَهَمَة الَأَذَان.
سيدنآ وآعتق بلآلآ سيدنآ


وُلِدَ بِلَآل فِي "السّرَاة" قَبلَ الهِجّرَة بِنَحوِ ثَلَآثٍ وَأربَعِينَ سَنَةٍ لِأَبٍ يُدعَى رَبَاَحَاً وَلِأمٍ تُدعَى حَمَامة
وَهِيَ أَمةٌ سَودَاء مِن إِمَاَءِ مَكَّة،

نَشَأَ رضِيَ الله عنّهُ حَبَشِيَاً فِي أُمِ القُرَى، عَبدَاً لِأنَاسٍّ مِن عَبدِ الدَاَر أوصَى بِهم أَبُوهُم إِلَى أُمَية اَبن خَلَفّ،
حَيثُ كَاَنَت أُمُه اِحدَى إِمَاَئِهِم وَجَوَارِيهِم.


سيدنآ وآعتق بلآلآ سيدنآ


بَدَأَت أَنّبَاَءُ مُحَمَد رَسُولُ الله تُنَاَدِي سَمعَهُ، حِينَ أَخَذَ النَاسُ فِي مَكَةَ يَتَنَاَقَلُوهَاَ،

وَيَومَ إِسلَاَمِهِ كَاَن رَسُولُ الله وَأَبُو بَكر مُعتَزِلَين فِي غَاَرّ،
إِذّ مَرَّ بِهِمَاَ بِلَالٌ وَهُوَ في غَنَمِ سَادَتِهِ يَرعَاَهُم، فَأَطَّلَعَ رَسُولُ الله رَأَّسَهُ مَنَ الغَارِ
وَقَاَل: يَاَ رَاَعِي هَل مِن لَبَن؟ فَقَاَلَ بِلَاَل: مَاَ لِي إِلَاَ شَاَةُ مِنّهَاَ قُوتِي، فَإِن شِئّتُمَاَ آثَرتُكُمَاَ بِلَبَنِهَاَ اليَومْ
فَقَاَلَ رَسُولُ الله: إيتِ بِهَاَ فَجَاَءَ بِلَال بِهَاَ، فَدَعَاَ رَسُولُ الله بِقُعبَه،
فَاَعتَقَلَهَاَ رَسُولُ الله فَحَلَبَ فِي القُعب حَتَى مَلَأه، فَشَرِبَ حَتَى رَوِي،
ابو بكر سيدنا.. واعتق بلالاً سيدنا
ثُمَ حَلَب حَتَى مَلَأَه فَسَقَى أَبَاَ بَكّر، ثُمَ احتَلَبَ حَتَى مَلَأَه فَسَقَى بِلَالاً حَتَى رَوِي،
ثُمَ أرسَلَهَاَ وِهِي أَحفَلُ مَاَ كَاَنتْ

ثُمَ قَاَل: يَاَ غُلَام هَلّ لَكَ فِي اَلإِسّلَاَم؟ فَإِنِي رَسُولُ الله، فَأَسَلَمَ بلال وَعُمرُهُ آنَذَاك 30عَاَمَاً،
فَقَاَلَ لَه النَبِي: اُكتُم إِسلَاَمَك فَفَعَل وَانصَرَف بِغَنَمِه، وَبَاَت بِهَا وَقَد أُضعِفَ لَبَنَهَا،
فَقَاَلَ لَهُ أَهلُه: لَقَد رَعَيتَ مَرَّعَىً طيباً فَعَلَيكَ بِه، فَعَاَد إِليهِ ثَلَاَثَة أَيَاَم يَسقِيهِمَاَ، وَيَتَعَلَّمُ الإِسلَام،

دَخَلَ بِلَآل يَومَاً الكَعّبَة وقُريشٌ فِي ظَهرِهَاَ لَاَ يَعّلَم،
فَاَلتَفتَ فَلَم يرَ أَحدَاً، أَتَى اَلأَصنَاَم وَجَعَلَ يبصُقُ عَليهَاَ وَيَقوُل: (خَاَبَ وخَسِرَ مَن عَبَدَكُنّ)
فَطَلبَتهُ قُرَيش فَهَرَبَ حَتَى دَخَلَ دَارَ سَيِدِهِ عبَدَ الله بِن جَدَعَاَن فَاَخَتَفَى فِيَهَاَ،

وَنَاَدَوْا عَبَد الله بِن جَدَعَاَن فَخَرَج فَقَاَلوَاَ: أَصَبوتَ؟! قَاَلَ: وَمِثلِي يُقَاَلُ لَهُ هَذَا؟!
قَالوَاَ: فَإِنَّ أَسْوَدَكَ صَنَع كَذَا وكَذَا.

فَدَعَا بِه فَاَلتَمَسُوهُ فَوَجَدُوهُ، فَأَتَوهُ فَقَالَ لِأَبِي جَهلٍ وَأُمَيَةَ بنُ خَلَف: شَأنُكُمَاَ بِه فَهُوَ لَكُمَاَ، اَصنَعَاَ بِه مَاَ أحبَبتُمَاَ.

سيدنآ وآعتق بلآلآ سيدنآ


وَبَدأَت رِحلَةُ العَذَابّ فَقَد كَانُوَا يَخرُجُونَ بِهِ فِي الظَهِيرَة التِي تَتَحَول الصَحْرَاَء فِيَهَا إِلَى جَهَنَمَ قَاتِلَة،
فَيَطرَحُونَهُ عَلَى حَصَاَهَاَ المُلتَهِب وَهُوَ عُريَاَن،
ثُمَ يَأتُونَ بِحَجرٍ مُتَسَّعِر كَالحَمِيم يَنقُلُه مِن مَكَانِهِ بِضعَةُ رِجَاَل وَيُلقُونَ بَهِ فَوقَه،
وَيَصِيحُ بِهِ جَلَادُوه: أُذكُرِ اللَاَتَ والعُزَّى فَيُجِيبُهُم: أَحَدٌ...أَحَدٌ.

وَاِذَا حَاَنَ الأَصِيل أَقَامُوهُ، وَجَعلَوَا فِي عُنِقِهِ حَبّلَاً،
ثُمَ أَمَرُوَاَ صِبيَاَنَهُم أَن يَطَوفوَاَ بِه جِبَالَ مَكَة وطُرُقُهَاَ، وَبِلَال لَا يَقُولُ سِوَى: أَحَدٌ...أَحَدْ.

سيدنآ وآعتق بلآلآ سيدنآ

أَخّرَجَ مُسّلِم أَن قَولَهُ تَعَاَلى "وَلَا تَطّرُدِ الذِينَ يَدّعُونَ ربَهمْ..." نَزَلَ فِي بِلَالِ وَآخَرِينَ مِن الضُعَفَاَءْ،
قَاَلَ المُشرِكُونَ لِلنَبِي: اُطرُدِ هَؤُلَاءِ عَنّكَ حِينَ نَجّلِس مَعَكَّ حَتَى لَآ يَتَجَرَأُونَ عَلينَاَ!!
وَلَكِنَ الله تَعَاَلَى أَنّزَل أَمْراً سَمَاوِياً لِلنَبِي بِألَا يَطرُد أُولئِكَ المُؤمِنين مِن أَجّلِ المُتَكبِرِين مِنَ المُشرِكِين
لِأنَه لَا فَضّلَ لِأحدٍ عَلَى أَحَد فِي الإِسّلَام إِلَا بِالتَقّوَى، وَلَا قِيمَة لِأموَالِ المُشرِكِينَ وَلَا أَحسَاَبِهم فِي مِيزَانِ الله رَبِ الجَمِيع.

سيدنآ وآعتق بلآلآ سيدنآ


ذَاتَ يَومٍ، كَاَنَ أُمَيَّةَ بنُ خَلَفّ يَضرِبُ بِلَاَلَاً بِالسُوطّ، فَمَرَّ عَلِيهِ أَبُو بَكّر، فَقَاَلَ لَه: أَتقتُلُونَ رَجُلَاً أَنْ يَقُولَ رَبِيَ الله؟
فَقَاَلَ أُمَيَة لِأَبِي بَكر: خُذّ أَكثَرَ مِن ثَمَنِهِ وَاترُكّهُ حُرَاً،
فَطَلَبَ أبُو بَكرٍ رَضِيَ الله عَنهُ شِرَاَءَهُ بِسَبعِ أَوَاق،

فَقَالَ أُمَيَة لِأَبِي بَكّرٍ الصِدِّيق: فَوَاللَآتِ وَالعُزَّى، لَو أَبيّتَ إِلَآ أَن تَشّتَرِيهِ بِأُوقِيَة وَاحِدَة لَبِعتُكَه بِهَاَ،
فَقَاَلَ أَبُو بَكّر: وَالله لَوّ أَبَيّتَ أَنتَ إِلَا مَاَئة أُوقِية لَدَفَعّتُهَاَ.

وَعَنّ ذَلِكَ كَاَنَ يَقُولُ عُمَر بنِ الخَطَاَب: "اَبُو بَكّر سَيِدُنَاَ وَاَعتَقَ سَيِدَنَاَ"

سيدنآ وآعتق بلآلآ سيدنآ
يَكفِي لِبَيَاَنِ مَاَ وَصَل إِلَيهِ بِلَال مِن مَكَاَنَة سَامِيَة بِالإسّلَام أَنَّ عُمَر بنِ الخَطَّابْ
الرَجُل الثَاَلِث فِي الإِسلَام قَالَ عَن أَبِي بَكّر وَهُوَ يَصِفّ مَنَاَقِبَه: "أَبُو بَكّر سَيِدُنَا أَعّتَقَ بِلَالاً سَيِّدَنَا".
أَرَأيَتَ كَيفَ وَصَفَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ الفَاَرُوق عُمَر بِلَالَاً بِأَنَّهُ "سَيِّدُنَا"،
وَهُوَ الذِي كَاَنَ عَبّداً مَغْمُوراً ضَاَئِعَاً فِي شِعَاَبِ مَكَّة قَبَلَ الِإسّلَام.
سيدنآ وآعتق بلآلآ سيدنآ

هَاجَرَ رَضِيَ الله عَنهُ إِلَى المَدِيِنَة، وَآخَى الرَسُولُ صَلَى اَلله عَلِيهِ وَسَلَم بَينَهُ وَبَينَ أَبِي عُبَيدَة بنِ الجَّرَّاح رَضِيَ الله عَنهُمَاَ

وَفِي مَعرَكَةِ بَدر وَبينَمَاَ المَعَّرَكَة تَقّتَرِبُ مِن نِهَاَيَتِهَاَ،
لَمَحَ بِلَآل أُمَيَة بَنُ خَلَف فَصَاَحَ قَائِلَاً: رَأسُ الكُفرّ، أُمَيَةَ بنُ خَلَفّ لَاَ نَجّوتُ إِنّ نَجَاَ، وَرَفَعَ سيّفَهُ لِيَقطَعَ رَأسَهُ،
وَألقَى بِلَآل عَلَى جُثّمَانِ أُمَيَةَ الذِي هَوَى تَحّتَ السِيُوفِ نَظّرَةً طَوِيلَة ثُمَ هَرّوَلَ عنّهُ مُسّرِعَاَ وَصَوتُهُ يَصِيح: (أَحَدٌ أَحَدّ)

وَعَاَشَ بِلَآل مَع الرَسُولِ صَلَى الله عَليهِ وَسَلَم يَشهَدُ مَعَه المَشَاَهِدَ كُلَهَاَ،
وَكَاَنَ يَزدَاَدُ قُرَبَاً مِنَ قَلبِ الرَسُولِ صَلَى الله عَليِهِ وَسَلَم
وَدَخَلَ الرَسُولُ الكَعبَّة لِلصَلَآة فِيهَاَ وَلَم يَدعُو مَعَهُ أَحَداً لِلدُخُولِ سِوَى بِلَآل
فَأمَرَهُ أَن يُؤَذِن، فَيَعتَلِي بِلَآل سَطّحَ الكَعّبَة وَيُؤذُنَ بِلَآل فَيَالَرَوعَةِ الزَمَاَنِ والمَكَانِ والمُنَاَسِبَة.

سيدنآ وآعتق بلآلآ سيدنآ
شُرِفَ رَضِيَ الله عَنّهُ بِأَنَهُ كَاَنَ اَوَلَ مَن رَفَعَ اَلأَذَاَن فِي الثَلَاثّ مَسَاَجِد
فَفِي المَسّجِدِ النَبَوِي وَبَعدَ الرُؤيَاَ المَعرُوفَة لِعبّدُ اَلله بنِ زَيِّد فِي اَلَأَذَانّ
أَنَه لَمَّا قَصَّهَاَ عَلَى النَبِيِ صَلَّى اَلله عَلَيهِ وَسَلَم قَاَلَ لَه: قُمّ مَعَ بِلَآل فَأَلقِهَاَ عَليِّه
فَإِنَهُ أَندَى مِنكَ صَوّتاً

اَمَّا فِي حَرَمِ مَكَه فَقد سَبَقَ ذِكّر القِصَّه

وَيُذّكَرُ فِي قِصَة رَفّعِهِ الأَذَان فِي المَسّجِدِ الأقّصَى أَنَّه
لَمَّاَ زَاَرَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عُمَرِ بنِ الخَطَّاَب رَضِيَ الله عَنّه الشَّاَم لِيَتَسلَّمَ مَفَاتِيحَ القُدسّ،
طَلَبَ مِن بِلَآل أَن يُؤذِّنَ لَهُم، وَلَم يَسّتَطِع بِلَآل أَن يَرفُضَ طَلَبَ الخَلِيفَة،
خَاَصَة عِندَمَاَ قَاَلَ لهُ أَمِيرُ المُؤمِنِين: "يَاَ بِلَآل إِنَ هَذَاَ يَومَاً يَسَرُ رَسُولُ اَلله"
فَعَلَآ ظَهّر المَسَّجِد وَأَذَّنَ بِصَوتٍ حَنُون جَعَلَ الخُشُوع وخَشّيَة الله يَسّكُنَاَنِ قُلُوبَ السَاَمِعِين

سيدنآ وآعتق بلآلآ سيدنآ
بَعّدَما اَنتَقَلَ النَبِّي صَلَىَ الله عَلَيهِ وَسَلَّم نَهَضَ بِأَمرِ المُسّلِمِين مِن بَعّدِهِ أَبُو بَكّرٍ الصِدِّيق،
وَذَهَبَ بِلَاَل إِلَى الخَلِيفَة يَقُولُ لَه: يَاَ خَلِيفَة رَسُولِ الله، إِنِي سَمِعّتُ رَسُولِ الله يَقُول: أفّضَلُ عَمَلِ المُؤمِن الجِهَاَد فِي سَبِيلِ الله
قَاَلَ لَهُ أَبُو بَكّر: فَمَاَ تَشَّاَء يَا بِلَالّ؟ قَاَلَ: أَرَدّتُ أَنّ أُرَاَبِط فِي سَبِيلِ الله حَتَى أَمُوت
قَاَلَ أَبُو بَكّر: وَمَن يُؤذِنُ لَنَاَ؟ قَالَ بِلَاَل وعَيّنَاَهُ تَفِيضَاَنِ مِن الدَمّع: اِنِي لَا أُؤذِن لِأحَد بَعَد رَسُولِ الله
قَاَلَ أَبُو بَكّر: بَلّ ابّقَ وَأَذِنّ لنا يا بلال، قال بِلَاَل: اِنّ كُنتَ قَدْ أَعّتَقّتَنِي لِأَكُونَ لَك فَلّيَكُن مَا تُرِيد، وَاِن كُنتَ أَعّتَقتَنِي لله فَدَعّنِي
قَاَلَ أَبُو بَكّر: بَلّ أَعّتَقْتُكَ لله يَاَ بِلَآل، فَسَافَر بِلَآل إِلَى الشَاَم حَيّث بَقِيَ مُرَابِطاً ومُجَاهِداً.


ولَهُ قِصَة مُؤثِرة فِي حَنِينِه إِلَى رَسُولِ اَلله اَتّركُهَا لِآذَانِكُم لِتَسّمَعَهَاَ

سيدنآ وآعتق بلآلآ سيدنآ
وَفِي قِصَة زَوَاجِه انه لَمَّاَ أَقَاَمَ بِالشَاَمّ ذَهَبَ يَومَاً -رَضِيَ الله عَنه- يَخّطِب لِنَفْسِه ولِصَاحِبِهِ أَبُو رُوَيحَة زَوجِتَين فَقَاَل لِأبيهِمِا:
"أِنَا بِلآلِ وَهَذَاَ أَخِي، عَبّدَاَنِ مِنَ الحَبَشَة، كُنَّاَ
ضَاَلَينِ فَهَدَاَنَاَ الله، وَكُنَاَ عَبدِين فَأَعتَقَنَا الله، اِن تُزَوِجُونَاَ فَالحَمدِ لله، واِن تَمنُعونَاَ فَاَلله أَكّبَر"
فَوَافَقَ القَوُمُ عَلَى الفَورّ مُرَحِبِينَ بِصَاَحِبَي الرَسُولِ وَزَوَّجُوهُمَاَ منَ اخّتَاَرَا.
رُغّمَ أَنَ تِلكَ القَبِيلَة "خَوّلَان" هِيَ وَاحِدَة مِنّ أَعّرَقّ القَبَائِل بِالشَاَم.
وَهَكَذَا يَتَسَاَوَى الجَمِيعُ فِي الإِسّلَآمّ، وَلَاَ تَفضِّيلَ لِحُرٍّ عَلَى عَبّدٍ إِلَّا بِمِعيَاَرِ الِإيِّمَاَنِ وَالعَمَلِ الصَاَلِح.

عمران بن حصين ـ رضي الله عنه ـ

إنه الصحابي الجليل أبو نُجيد عمران بن حصين -رضي الله عنه-، صاحب راية خزاعة يوم الفتح. أسلم عام خيبر، وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام والجهاد، وكان صادقًا مع الله ومع نفسه، ورعًا زاهدًا مجاب الدعوة، يتفانى في حب الله وطاعته، كثير البكاء والخوف من الله، لا يكف عن البكاء ويقول: يا ليتني كنت رمادًا تذروه الرياح. [ابن سعد].

بعثه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى البصرة، ليعلم أهلها أمور دينهم، وفي البصرة أقبل عليه أهلها يتعلمون منه، وكانوا يحبونه حبًّا شديدًا، لورعه وتقواه، وزهده، حتى قال الحسن البصري وابن سيرين -رضي الله
عنهما-: ما قدم البصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد يفضل عمران بن حصين.

ولاه أمير البصرة أمر القضاء مدة من الزمن، ثم طلب من الأمير أن يعفيه من القضاء، فأعفاه، فقد أراد ألا يشغله عن العبادة شاغل حتى ولو كان ذلك الشاغل هو القضاء. ولما وقعت الفتنة بين المسلمين وقف عمران بن حصين محايدًا لا يقاتل مع أحد ضد الآخر، وراح يدعو الناس أن يكفوا عن الاشتراك في تلك الحرب، ويقول: لأن أرعى غنمًا على رأس جبل حتى يدركني الموت، أحب إليَّ من أن أرمي في أحد الفريقين بسهم، أخطأ أم أصاب. وكان يوصي من يلقاه من المسلمين قائلاً: الزم مسجدك، فإن دُخل عليك فالزم بيتك، فإن دخل عليك بيتك من يريد نفسك ومالك فقاتله.

ويضرب عمران بن حصين أروع مثل في الصبر وقوة الإيمان، وذلك حين أصابه مرض شديد ظل يعاني منه ثلاثين عامًا، لم يقنط ولم ييأس من رحمة الله، وما ضجر من مرضه ساعة، ولا قال: أف قط، بل ظل صابرًا محافظًا على عبادة الله، قائمًا وقاعدًا وراقدًا وهو يقول: إن أحب الأشياء إلى نفسي أحبها إلى الله. وأوصى حين أدركه الموت قائلاً: من صرخت عليَّ، فلا وصية لها. وظل عمران بن حصين بالبصرة حتى توفي بها عام (52هـ) وقيل: ( 53هـ).
المشكاة

للإمام حفص - رحمه الله

بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ

الـسَّـلَامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبـَرَكَـاتُـهُ
الحَمْدُ للهِ الحَمِيدِ المَجِيدِ؛ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ، وَهُوَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَمُعَافَاتِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى حُكْمِهِ وَمُجَازَاتِهِ،

يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ سَيِّئَةً مِثْلَهَا، وَيُضَاعِفُ الحَسَنَةَ إِلَى عَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛

هَدَى قُلُوبَ أُنَاسٍ فَشَرَوُا الآخِرَةِ بِالدُّنْيَا، وَضَلَّ عَنِ هِدَايَتِهِ أَقْوَامٌ فَخَلَدُوا إِلَى الفَانِيَةِ وَضَيَّعُوا البَاقِيَةَ؛

[مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا] {الكهف:17}،

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ دَعَا إِلَى الهُدَى فَاتَّبَعَهُ ثُلَّةٌ مِنَ السَّابِقِينَ فَدَوْهُ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ،

وَانْخَلَعُوا مِنْ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَعَادَوا عَشَائِرَهُمْ وَقَبَائِلَهُمْ؛ فَسَخَّرَهُمُ اللهُ تَعَالَى نُصْرَةً لِنَبِيِّهِ، وَاخْتَارَهُمْ حَمَلَةً لِدِينِهِ،

صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَعَلَى الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَأَطِيعُوهُ، وَأَقِيمُوا دِينَكُمْ، وَتَعَاهَدُوا إِيمَانَكُمْ،

وَتَفَقَّدُوا قُلُوبَكُمْ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَجْسَامِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ،

[يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ] {الشعراء:88-89}.





ترجمة موجزة للإمام حفص - رحمه الله

• حفص: هو حفصُ بن سليمان بن المغيرة بن أبي داود الأسدي الغاضري - قبيلة من بني أسد - البزاز، نسبة إلى بيع البزِّ؛ أي: الثياب -

 المعروف بحُفَيْص، وكنيته: أبو عمر، مولاهم الكوفي.

 وُلِدَ - رحمه الله - سنة تسعين (90هـ)، وتُوُفِّي سنة ثمانين ومائة (180هـ)، وكان صاحب عاصم وربيبَه

 - ابن زوجته - وهو أعلم أصحابه بقراءته.



ضبطه وإتقانه:

أخذ حفصٌ القراءة عرضًا وتلقينًا عن عاصم، فأتقنها حتى شَهِد له العلماء بذلك، ولقد كان - رحمه الله - كثير الحفظ والإتقان،

 وقد أثنى عليه الإمام الشاطبي - رحمه الله - بقوله:

"وحفص وبالإتقان كان مفضلا"

وقد اشتهرت رواية حفص، وتلقاها الأئمة بالقبول، وليس ذلك بغريب عليه؛ فقد تربَّى في بيت عاصم ولازمه،

وأتقن قراءته حتى كان أعلم أصحابه بها، وقام بإقراء الناس بعد وفاة عاصم فترة طويلة من الزمان،

 وقال يحيى بن معين: الرواية الصحيحة التي رويت عن عاصم هي رواية أبي عمر حفص بن سليمان.



منزلته:

نزل بغداد فأقرأ بها، وجاور في مكة فأقرأ بها، قال أبو هشام الرفاعي: كان حفص أعلم أصحاب عاصم بقراءته،

 فكان مرجَّحًا على شعبة بضبط الحروف، وقال الذهبي: هو في القراءة ثقة ثبت ضابط، بخلاف حاله في الحديث،

وكان الأوَّلون يعدُّونه في الحفظ فوق شعبة، وقدَّم الآخِرون شعبة عليه، وقال ابن المنادي: قرأ على عاصم مرارًا،

وكان الأوَّلون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر شعبة بن عياش، ويصفونه بضبط الحروف التي قرأها على عاصم،

 وأقرأ الناس بها دهرًا طويلاً.









رواته:

أخذ القراءةَ عنه عرضًا وسماعًا أناسٌ كثيرون، منهم: حسين بن محمد المروزي - حمزة بن قاسم الأحول - سليمان بن داود الزهراني -

 حمدان بن أبي عثمان الدقاق - العباس بن فضل الصفاد - عبدالرحمن بن محمد بن واقد - عمرو بن الصباح

- عبيد بن الصباح - أبو شعيب القواس - الفضل بن يحيى الأنباري - وغيرهم، فرحمه الله ورضي عنه.

الإمام عاصم - رحمه الله

بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ

الـسَّـلَامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبـَرَكَـاتُـهُ
الحَمْدُ للهِ الحَمِيدِ المَجِيدِ؛ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ، وَهُوَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَمُعَافَاتِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى حُكْمِهِ وَمُجَازَاتِهِ،

يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ سَيِّئَةً مِثْلَهَا، وَيُضَاعِفُ الحَسَنَةَ إِلَى عَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛

هَدَى قُلُوبَ أُنَاسٍ فَشَرَوُا الآخِرَةِ بِالدُّنْيَا، وَضَلَّ عَنِ هِدَايَتِهِ أَقْوَامٌ فَخَلَدُوا إِلَى الفَانِيَةِ وَضَيَّعُوا البَاقِيَةَ؛

[مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا] {الكهف:17}،

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ دَعَا إِلَى الهُدَى فَاتَّبَعَهُ ثُلَّةٌ مِنَ السَّابِقِينَ فَدَوْهُ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ،

وَانْخَلَعُوا مِنْ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَعَادَوا عَشَائِرَهُمْ وَقَبَائِلَهُمْ؛ فَسَخَّرَهُمُ اللهُ تَعَالَى نُصْرَةً لِنَبِيِّهِ، وَاخْتَارَهُمْ حَمَلَةً لِدِينِهِ،

صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَعَلَى الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَأَطِيعُوهُ، وَأَقِيمُوا دِينَكُمْ، وَتَعَاهَدُوا إِيمَانَكُمْ،

وَتَفَقَّدُوا قُلُوبَكُمْ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَجْسَامِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ،

[يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ] {الشعراء:88-89}.





ترجمة الإمام عاصم - رحمه الله -

قال الإمام الداني في الأرجوزة المنبهة:

وعاصمٌ إمام أهلِ الكوفة

أخباره رفيعة شريفة

مسطورةٌ في الكُتب عند الناسِ

مشهورةٌ من غير ما التباس

وعلمه بالنحو والقرآنِ

قد انتهى وسار في البلدانِ

هو الإمام ابن أبي النَّجودِ

يُعزَى إلى الشُّمِّ الكرامِ الصِّيدِ

قد بذَّ أهل المِصر في الفصاحة

والعلم بالحظر وبالإباحة



وقال الشاطبي في الحرز:

فأما أبو بكرٍ وعاصمٌ اسمه

فشعبةُ راويه المبرز أفضَلا

 وقال ابن الجزري - رحمه الله - في الطيِّبة:

ثلاثةٌ من كوفةٍ فعاصمُ

فعنه شعبةُ وحفصٌ قائمُ



• عاصم: هو أبو بكر، عاصم بن أبي النَّجود بن بهدلة الأسدي مولاهم الكوفي الحناط، شيخ الإقراء بالكوفة، وأحد القرَّاء السبعة.

• والنَّجود بفتح النون وضم الجيم، وقد غلط من ضم النون، ويقال: أبو النجود اسم أبيه، لا يُعرف له اسم غير ذلك، ويقال: بهدلة اسم أمه،

وهذا لا يصح، بل هو اسم أبيه؛ فقد قال الذهبي في السير عن كون بهدلة اسم أمه: "وليس بشيء، بل هو أبوه"، وقيل: اسم أبي النجود: عبدالله.

 مولده:

وُلِد الإمام عاصم - رحمه الله - في إمرة الصحابي الجليل/ معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه وأرضاه -

وأخذ القراءة عرضًا على زِرِّ بن حُبَيش، وأبي عبدالرحمن السُّلَمي، وأبي عمرو الشيباني، وقرأ هؤلاء الثلاثة على عبدالله بن مسعود،

وقرأ السُّلَمي وزِرٌّ على عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، وقرأ السلمي أيضًا على أُبَي بن كعب وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم جميعًا -

 وقرأ ابن مسعود، وعثمان وأُبَي، وزيد - رضي الله عنهم - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

 وانتهت إلى الإمام عاصم - رحمه الله - رئاسةُ الإقراء بالكوفة بعد أبي عبدالرحمن السُّلَمِي، وجلس موضعه، ورحل الناس إليه للقراءة، وجمع

 - رحمه الله - بين الفصاحة والإتقان والتحرير، وكان أحسن الناس صوتًا بالقرآن، وكان يراعي الابتداء، ويقف حيث تم الكلام.

 شهادات الأئمة فيه:

قال أبو بكر بن عياش: لما هَلَك أبو عبدالرحمن جلس عاصم يُقرِئ الناس، وكان عاصم أحسنَ الناس صوتًا بالقراءة.

 وقال سَلَمة بن عاصم: كان عاصم بن أبي النَّجُود ذا نُسُك، وأدب، وفصاحة، وحسن صوت.

 وقال أبو بكر بن عياش: لا أُحصِي ما سمعت أبا إسحاق السَّبِيعي يقول: ما رأيتُ أحدًا أقرأ من عاصم بن أبي النجود.







وقال يحيى بن آدم: حدثنا حسن بن صالح قال: ما رأيتُ أحدًا قط كان أفصح من عاصم، إذا تكلَّم كاد يدخله خيلاء.

 وقال شريك: كان عاصم صاحب همز ومد، وقراءة سديدة، وكان صاحب سنة، ورأسًا في القرآن، وكان - رحمه الله -

 ذا نسك وأدب، وكان نَحْويًّا، فصيحًا إذا تكلم.

 وقال عنه الإمام الذهبي: كان عاصمٌ ثبتًا في القراءة، صدوقًا في الحديث، وكان إذا كان في حاجة له ومر بمسجد يقول لصاحبه: مِلْ بنا؛

 فإن الحاجة لا تفوت، ويصلِّي، وقال عاصم عن نفسه: ما قدمت على أبي وائل من سفر إلا قبَّل كفِّي.

 صفته وخُلقه:

كان الإمام عاصم - رحمه الله - ذا خلق رفيع، دَمِثًا، لا يثور إذا استُثِير، أو تسبب أحد في إصابته.

 قال أبو بكر بن عياش: كان عاصم نَحْويًّا، فصيحًا إذا تكلم، مشهور الكلام، وكان الأعمش وعاصم وأبو حصين كلهم لا يبصرون،

جاء رجل يومًا يقود عاصمًا، فوقع وقعة شديدة، فما كَهَره - نَهَره - ولا قال له شيئًا! فرحمه الله ورضي عنه.

 فصاحته:

مرَّ معنا أنه - رحمه الله - كان فصيحًا حتى إنه إذا تكلَّم كاد يدخله خيلاء، وكان نَحْويًّا، بحرًا في أوجه النحو، وداعية إلى التبحُّر فيه.

 قال أبو بكر بن عيَّاش: قال لي عاصم: "مَن لم يُحسن العربية إلا وجهًا واحدًا لم يُحسن شيئًا"، وقال أيضًا: قال لي عاصم:

ما أقرأني أحدٌ حرفًا إلا أبو عبدالرحمن، فكنت أرجع من عنده، فأعرض على زِر،

وكان زِرٌّ قد قرأ على عبدالله - رضي الله عنه - فقلتُ لعاصم: لقد استوثقتَ.

 عقيدته:

كان - رحمه الله - صاحب سنة، متبعًا، متمسكًا بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -

 فقد قال أحمد بن عبدالله العجلي: عاصم بن بهدلة صاحب سنة وقراءة،

 كان رأسًا في القرآن، قَدِم البصرة فأقرأهم، قرأ عليه سلام أبو المنذر وكان عثمانيًّا.

 وقال الإمام عبدالله بن الإمام أحمد: سألتُ أبي عن عاصم بن بهدلة فقال: رجل صالح خيِّر ثقة،

 فسألته: أي القراءة أحبُّ إليك؟ فقال: قراءة أهل المدينة، فإن لم يكن، فقراءة عاصم.

 شدة إتقانه وقوة انفعاله بالقرآن:

بلغ من شدة إتقانه - رحمه الله - لحفظ القرآن، ما رواه أبو بكر بن عياش قال: قال لي عاصم: مرضتُ سنتين،

 فلما قمت قرأت القرآن، فما أخطأت حرفًا!

 وبلغ من قوة انفعاله بالقرآن أنه كان يعد آي القرآن بأصابع يده؛ فقد قال عماد الدين بن سلمة: رأيت حبيب بن الشهيد يعقد الآي في الصلاة،

 ورأيت عاصم بن بهدلة يعقد ويصنع مثل صنيع عبدالله بن حبيب.

 وقال حفص: كان عاصم إذا قُرِئ عليه أخرج يده فعدَّ.

 ورعه وتقواه:

قال أبو بكر بن عياش: كان عاصمٌ إذا صلَّى ينتصب كأنه عود، وكان عاصم يوم الجمعة في المسجد إلى العصر، وكان عابدًا خَيِّرًا، أبدًا يُصلي،

ربما أتى حاجة فإذا رأى مسجدًا قال: مِلْ بنا؛ فإن حاجتنا لا تفوت، فرحمه الله ورضي عنه.

 وكان - رحمه الله - من التابعين: فقد روى عن أبي رِمْثَةَ رفاعة بن يثربي التميمي، والحارث بن حسان البكري، وكانت لهما صحبة.

 قال ابن الجزري في غاية النهاية (1/347): "أما حديثه عن أبي رِمْثَةَ فهو في مسند أحمد بن حنبل، وأما حديثه عن أبي الحارث،

 فهو في كتاب أبي القاسم بن سلام".



توثيق أهل الحديث له:

قال ابن حجر في التقريب (2/165): "صدوق له أوهام، حجة في القراءة، وحديثه في الصحيحين مقرون".

 قال المعلقون على كلام ابن حجر: "بل ثقة يهم؛ فهو حسن الحديث، وقوله: (صدوق له أوهام) ليس بجيد؛ فقد وثَّقه يحيى بن معين،

 وأحمد بن حنبل، وأبو زرعة الرازي، ويعقوب بن سفيان، وابن حبان، وجعله ابن مَعِين من نظراء الأعمش -

وإن فضَّل هو وأحمد الأعمش عليه -

 وكل هؤلاء وثَّقوه مع معرفتهم ببعض أوهامه اليسيرة؛ وانظر لذلك: تحرير تقريب التهذيب (2/165).

 وقال أبو حاتم: محله الصدق، وحديثه مخرَّج في الكتب الستة، وممن وثقه أيضًا: شعبة، والحمدان، والسفيانان، وأبو زرعة، وجماعة.

 وأذكر من أحاديثه - رحمه الله - ما رواه الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -

 قال لقريش: ((يا معشر قريش، لا خير في أحدٍ يُعبَد من دون الله))، فقالوا: ألست تزعم أن عيسى كان نبيًّا وكان عبدًا صالحًا،

 إن كنت صادقًا إنه لكآلهتِهم، فأنزل الله - تعالى -: ﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ﴾ يضجون

﴿ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ﴾ [الزخرف: 57 - 61]، خروج عيسى قبل يوم القيامة - والحديث صحيح، وهو جزء من حديث رواه أحمد في المسند بلفظ:

 "فإن آلهتهم لكما تقولون"، وكذا رواه ابن أبي حاتم، وذكره ابن كثير في تفسيره عند تفسير هذه الآية.

 وروى عبدالرزاق في مصنَّفه عن مَعْمَر قال: سمعتُ أيوب يسأل عاصم بن أبي النَّجُود: ما سمعتَ في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم؟

قال: أخبرني أبو وائل أنه سمع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يفتتح: "الحمد لله رب العالمين".

 ومن أحاديثه أيضًا حديث في صحيح ابن خزيمة بسنده عن صفوان بن عسال قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

يقول: ((ما من خارج يخرجُ من بيته ليطلبَ العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضاءً بما يصنع))،

 وهو جزء من حديث رواه أحمد في المسند،

 والبيهقي في السنن الكبرى، والدارقطني في سننه، وصحَّحه الشيخ الألباني.



 مَن أخذ القراءة عنه:

تلقَّى القراءة عن الإمام عاصم - رحمه الله - خلقٌ كثير، وقد أشار ابن الجزري والشاطبي إلى أشهر رواته، وهما شعبة وحفص،

 وستأتي ترجمتهما بعد قليل - إن شاء الله - كما روى القراءة غير هذين الشهيرين عددٌ كثي، منهم:

1- أبان بن تغلب الربعي، أبو سعيد - ويقال: أبو أميمة - الكوفي النحوي، مقرئ جليل، قرأ على عاصم، وأبي عمرو الشيباني،

 وطلحة بن مصرف، والأعمش، وهو أحد الذين ختموا عليه، أخذ القراءة عنه عرضًا: محمد بن صالح بن زيد الكوفي..

 وأخذ الحروف عن محمد: القاسم بن بشار الأنباري، وتوفِّي أبان سنة إحدى وأربعين ومائة (141هـ).

 2- هارون بن موسى الأعور، أبو عبدالله العتكي البصري الأزدي، مولاهم، علاَّمة صدوق نبيل، له قراءة معروفة،

 روى القراءة عن عاصم الجحدري، وعاصم بن أبي النجود، وعبدالله بن كثير وغيرهم، وروى القراءة عنه علي بن نصر،

 ويونس بن محمد المؤدب، وشهاب بن شرنقة، ووهيب بن عمرو، وحجاج بن محمد، وغيرهم، وقال أبو حاتم: كان أول مَن سمع بالبصرة

 وجوهَ القراءات، وألفها، وتتبع الشاذَّ منها، توفِّي سنة (146هـ).

 3- سليمان بن مهران الأعمش، أبو محمد الأسدي الكاهلي، مولاهم الكوفي، الإمام الجليل، ولد سنة (60 هـ)،

 أخذ القراءة عرضًا عن إبراهيم النخعي، وزر بن حبيش، وزيد بن وهب، وعاصم بن أبي النجود، وغيرهم،

 وروى القراءة عنه عرضًا وسماعًا: حمزة الزيَّات، ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، وجرير بن عبدالحميد، وزائدة بن قدامة،

وغيرهم، وقال هشام: ما رأيت بالكوفة أحدًا أقرأ لكتاب الله - عز وجل - من الأعمش، وقال - رحمه الله -: إن الله زيَّن بالقرآن أقوامًا،

 وإني ممَّن زيَّنه الله بالقرآن، ولولا ذلك لكان على عنقي دَين أطوف به في سكك الكوفة، توفِّي - رحمه الله - سنة ثمان وأربعين ومائة (148 هـ).

 وغير هؤلاء كثير، منهم: أبان بن يزيد العطار - إسماعيل بن مجالد - الحسن بن صالح - حماد بن زيد - حماد بن أبي زياد -

 نعيم بن ميسرة - سهل بن شعيب - حماد بن عمرو - الضحاك بن ميمون.

 وروى عنه حروفًا من القرآن: أبو عمرو بن العلاء - الخليل بن أحمد - الحارث بن نبهان - حمزة الزيات - المغيرة الضَبِّي -

محمد بن عبدالله العزرمي - وغيرهم خلق كثير، فرَضِي الله عنه، ورحمه رحمة واسعة.



 وفاته:

 قال أبو بكر بن عياش: دخلتُ على عاصم وقد احتُضِر، فجعلتُ أَسمعُه

 يردِّد هذه الآية يحقِّقها حتى كأنه يصلِّي: ﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى الله مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ﴾ [الأنعام: 62].

 وتُوُفِّي الإمام عاصم - رحمه الله - آخر سنة سبع وعشرين ومائة (127هـ)،

وقيل: سنة ثمان وعشرين ومائة (128هـ)، ولا اعتبار بقول مَن قال غير ذلك.

 وتُوُفِّي - رحمه الله - بالكوفة على الصحيح، وانظر: غاية النهاية (1/147)، والنشر (1/155)، فرحمه الله ورضي عنه، وأسكنه فسيح جناته.

فتشبَّهوا إن لم تكونوا مثلَهم إن التشبُّه بالكرامِ فلاحُ

زياد علي

زياد علي محمد