السبت، 24 أغسطس 2019

سفير رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي كان يأتي حبريل في هيئته


دحية الكلبي سفير رسول الله عليه الصلاة والسلام

نسبة

هو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن أمرئ القيس بن الخزرج بن عامر بن بكر بن عامر الأكبربن عوف الكلبي

صفته

كان جميلا حتى ضرب به المثل في حسن الصورة
وكان جبريل عليه السلام ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم على

صورته

قال عوانة بن الحكم :
أجمل الناس من كان جبريل ينزل على صورته
موكب دحية بن خليفة
أصابت يثرب مجاعة قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وذات يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر فأقبلت عير من الشام قدم بها دحية بن خليفة الكلبي وكان الطبل والصياح يقدم العير فانفتل الناس إليها حتى لم يبق في المسجد إلا أثنا عشر رجلا – كانوا من المهاجرين _
فأنزل الله تعالى )) إذا رأو تجارة أو لهوا أنفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين))
والأية عتاب للأنصار الذين كانوا حديثي عهد بالأسلام

إسلامه

أسلم دحية بن خليفة قبل أحد أي في العام الثالث من الهجرة
أول مشاهده
قيل أول مشاهده أحد
وقيل أول مشاهده الخندق
فلما هزم الله الأحزاب رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابة إلى المدينة فجاءه جبريل عليه السلام وطلب منه أن ينهض إلى بنى قريضة
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم داره فقالت عائشة :
من ذلك الرجل الذي كنت تكلمه
فتساءل الرسول :
ورأيته ؟
قالت عائشة :
نعم
قال الرسول :
بمن تشبهينه ؟
قالت بنت أبي بكر :
بدحية الكلبي
قال الرسول :
ذاك جبريل عليه السلام أمرني أن أمضى إلى بني قريظة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كان جبريل يأتيني على صورة دحية الكلبي
وقال عليه الصلاة والسلام :
دحية الكلبي يشبه جبريل وعروة بن مسعود الثقفي يشبه عيسى أبن مريم وعبدالعزى يشبه الدجال
دحية رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر
بعث أبو القاسم صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة إلى قيصر رسولا عقب صلح الحديبية فآمن به قيصر وأبت بطارقته أن تؤمن فأخبر دحية بن خليفة المبعوث للناس كافة صلى الله عليه وسلم بذلك فقال :
ثبت الله ملكه
في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال دحية بن خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوما :
يارسول الله إلا أحمل لك حمارا على فرس فينتج لك بغلا فتركها ؟
قال الرسول :
أنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون
يقول دحية : وأقبل رجل فقال :
يارسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم ؟
قال الرسول :
كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة
الهدية بين دحية ورسول الله صلى الله عليه وسلم
أهدى دحية بن خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم خفين فلبسهما واتى نبي الوفاء بقباطى فأعطى دحية بن خليفة منها قبطية
وقيل : لما رجع دحية بن خليفة الكلبي من عند هرقل فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم قبطية فقال :
اجعل صديعا – الصديع : النصف – وأعط صاحبتك – زوجتك – صديعا تختمر به
ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم
مرها تجعل تحتها شيئا لئلا يوصف – لانه كان رقيقا شفاف –
يوم اليرموكخرج دحية بن خليفة الكلبي إلى الشام فشهد موقعة اليرموك وكان على كردوس
هذا والله اعلم 

الضحاك بن مزاحم

الضحاك بن مزاحم

الهلالي ، أبو محمد ، وقيل أبو القاسم ، صاحب التفسير كان من أوعية العلم ، وليس بالمجود لحديثه ، وهو صدوق في نفسه ، وكان له أخوان : محمد ومسلم ، وكان يكون ببلخ وبسمرقند .

حدث عن ابن عباس ، وأبي سعيد الخدري ، وابن عمر ، وأنس بن مالك ، وعن الأسود ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، وطاوس ، وطائفة .

وبعضهم يقول : لم يلق ابن عباس . فالله أعلم .

حدث عنه : عمارة بن أبي حفصة ، وأبو سعد البقال وجويبر بن سعيد ، ومقاتل ، وعلي بن الحكم ، وأبو روق عطية ، وأبو جناب الكلبي يحيى بن أبي حية ، ونهشل بن سعيد ، وعمر بن الرماح ، وعبد العزيز بن أبي رواد ، وقرة بن خالد ، وآخرون .

وثقه أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وغيرهما . وحديثه في السنن ، لا في الصحيحين .

وقد ضعفه يحيى بن سعيد . وقيل : كان يدلس . وقيل : كان فقيه مكتب كبير إلى الغاية ، فيه ثلاثة آلاف صبي ، فكان يركب حمارا ويدور على الصبيان . وله باع كبير في التفسير والقصص .

قال سفيان الثوري : كان الضحاك يعلم ولا يأخذ أجرا .

وروى شعبة عن مشاش ، قال : سألت الضحاك : هل لقيت ابن عباس ؟ فقال : لا .

وروى شعبة عن عبد الملك بن ميسرة ، قال : لم يلق الضحاك ابن عباس ; إنما لقي سعيد بن جبير بالري فأخذ عنه التفسير .

قال يحيى القطان : كان شعبة ينكر أن يكون الضحاك لقي ابن عباس قط . ثم قال القطان : والضحاك عندنا ضعيف   وأما أبو جناب الكلبي فروى عن الضحاك ، قال : جاورت ابن عباس سبع سنين .

قلت : أبو جناب ليس بقوي ، والأول أصح .

وروى قبيصة ، عن قيس بن مسلم ، قال : كان الضحاك إذا أمسى بكى فيقال [ له ، فيقول ] : لا أدري ما صعد اليوم من عملي .

سفيان الثوري ، عن أبي السوداء ، عن الضحاك قال : أدركتهم وما يتعلمون إلا الورع .

قال قرة : كان هجيرى الضحاك إذا سكت : لا حول ولا قوة إلا بالله .

وروى ميمون أبو عبد الله عن الضحاك ، قال : حق على كل من تعلم القرآن أن يكون فقيها . وتلا قول الله : كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب.

زهير بن معاوية ، عن بشير أبي إسماعيل ، عن الضحاك ، قال : كنت ابن ثمانين سنة جلدا غزاء .

نقل غير واحد وفاة الضحاك في سنة اثنتين ومائة .

وقال أبو نعيم الملائي : توفي سنة خمس ومائة .

وقال الحسين بن الوليد ، والنيسابوري : توفي سنة ست ومائة 

عبد الرحمن الأوزاعي .. العالم المرابط

بسم الله الرحمن الرحيم

قال محمد بن عجلان: "لم أرَ أحدًا أنصح للمسلمين من الأوزاعي، كان إذا وعظ الناس لم يبق أحد في مجلسه إلا بكى بعينه أو قلبه، ما رؤي ضاحكًا مقهقهًا ولا باكيًا في مجلسه قط، وكان إذا خلا بكى حتى يُرحَم..
أفتى وله من العمر خمس وعشرون سنة.. ولم يزل يفتي حتى مات رحمه الله، وقد أفتى في سبعين مسألة بحدثنا وأخبرنا..

حياة الإمام الأوزاعي ومولده
هو عبد الرحمن بن عمرو بن محمد، أبو عمرو الأوزاعي، نسبة إلى محلة "الأوزاع" قرية خارج باب الفراديس من قرى دمشق. ولد بمدينة بعلبك سنة ثمان وثمانين للهجرة، ونشأ بالبقاع يتيمًا في حجر أمه التي كانت تنتقل به من بلد إلى بلد. تأدّب بنفسه، فلم يكن من أبناء الملوك والخلفاء والوزراء والتجار وغيرهم أعقل منه، ولا أورع، ولا أعلم، ولا أفصح، ولا أحلم، ولا أكثر صمتًا منه. ما تكلم بكلمة إلا كان المتعين على من سمعها من جلسائه أن يكتبها عنه من حسنها، كما قال ابن كثير رحمه الله.
سكن بيروت مرابطًا إلى أن مات فيها سنة سبع وخمسين ومائة للهجرة، وعمره يومذاك سبع وستون سنة.سمع من جماعات من التابعين، كعطاء بن أبي رباح، وقتادة، ونافع مولى ابن عمر، ومحمد بن المنكدر، والزهري.

وحدّث عنه جماعات من سادات المسلمين، كمالك بن أنس، والثوري، والزهري، وهو من شيوخه، وأثنى عليه غير واحد من الأئمة. قال النووي رحمه الله: "وقد أجمع العلماء على إمامة الأوزاعي وجلالته وعلو قدره وكمال فضله..".
وقال أبو عمرو الشامي الدمشقي: "الأوزاعي إمام أهل الشام في عصره بلا مدافعة ولا مخالفة".

وقال الإمام مالك بن أنس رحمه الله:"كان الأوزاعي إمامًا يقتدى به".
أما سفيان بن عيينة فقال: "كان الأوزاعي إمام أهل زمانه".

كان الإمام الأوزاعي رحمه الله كثير العبادة، حسن الصلاة، حتى قال في حقه الوليد بن مسلم: "ما رأيت أحدًا أشد اجتهادًا من الأوزاعي في العبادة". وكان رحمه الله يقول: "من أطال القيام في صلاة الليل هوّن الله عليه طول القيام يوم القيامة" أخذ ذلك من قوله تعالى: {ومن الليل فاسجدْ له وسبحه ليلًا طويلًا. إنّ هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يومًا ثقيلًا}[الإنسان: 26-27].

كما كان -رحمه الله- إلى جانب زهده وورعه كريمًا سخيًّا، لم يمسك شيئًا، ولم يترك يوم مات سوى سبعة دنانير كانت جهازه، وكان ينفق كل ما يأتيه في سبيل الله، وفي الفقراء والمساكين عدا عن كونه شديد التمسك بالسنة، فهو القائل: "العلم ما جاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وما لم يجئ عنهم فليس بعلم.. عليك بآثار السلف وإن رفضك الناس، وإياك وأقوال الرجال وإن زخرفوه وحسنوه، فإن الأمر ينجلي وأنت منه على طريق مستقيم.. اصبر على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل ما قالوا، وكفّ عما كفوا، وليسعك ما وسعهم".

إلى جانب كونه قائمًا بالحق لا يخشى في الله لومة لائم، وقد روي عن والي بيروت عند وفاه الأوزاعي رحمه الله قوله:"رحمك الله يا أبا عمرو، فقد كنتُ أخافك أكثر ممّن ولاّني" أي: الخليفة.
وهو القائل: "لا يجتمع حب عثمان وعلي رضي الله عنهما إلا في قلب مؤمن.. وإذا أراد الله بقوم شرًا فتح عليهم باب الجدل وسدّ عنهم باب العلم والعمل".

من مواقف الإمام الأوزاعي
لما دخل عبد الله بن علي، عم السفاح العباسي، دمشق بعد القضاء على الدولة الأموية، طلب الأوزاعيَ الذي يحدثنا فيقول: دخلتُ عليه وهو على سرير وفي يده خيزرانة، والمسوّدة علي يمينه وشماله، معهم السيوف مسلطة، فسلمتُ عليه، فلم يردّ، ونكت بتلك الخيرزانة التي في يده، ثم قال: يا أوزاعي، ما ترى فيما صنعنا من إزالة أيدي أولئك الظلمة عن العباد والبلاد، أجهادًا ورباطًا هو؟ فقلتُ: أيها الأمير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه". فنكت بالخيزرانة أشد مما كان ينكت، ثم قال: يا أوزاعي، ما تقول في دماء بني أمية؟ فقلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة". فنكت بالخيزرانة أشد من ذلك وقال: ما تقول في أموالهم؟ فقلتُ: إن كانت في أيديهم حرامًا، فهي حرام عليك أيضًا، وإن كانت لهم حلالًا، فلا تحل لك إلا بطريق شرعي.. فنكتَ أشد مما كان ينكت من قبل، ثم قال: ألا نولّيك القضاء؟ فقلتُ: إن أسلافك لم يكونوا يشقون علي في ذلك، وإني أحب أن يتم ما ابتدأوني به من الإحسان. فقال: كأنك تحب الانصراف؟ قلت: إن ورائي حرمًا، وهم محتاجون إلى القيام عليهن وسترهن، وقلوبهن مشغولة بسببي... فأمرَني بالانصراف.

قوة الإمام الأوزاعي في الحق
ذكر صاحب كتاب "الأموال" أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله، وكذلك صاحب "فتوح البلدان" البلاذري وغيرهما من المؤرخين، ما أقدم عليه نفر من أهل الذمة –النصارى- في جبل لبنان أيام العباسيين من نكث للعهود وحمل للسلاح وإعلان للفتنة والتمرد، وكيف قضى على فتنتهم الوالي العباسي صالح بن علي بن عبد الله بن عباس، وكيف أقر من بقي منهم على دينهم وردّهم إلى قراهم، ثم كيف شرّد أهل القرى وأجلاهم عن قراهم رغم عدم اشتراكهم جميعًا في هذه الفتنة.
ويذكرون كيف أن إمام أهل الشام، الأوزاعي رحمه الله، لم يرضَ بما حلّ بهم، ولم يسكت عن هذا الظلم، فما كان منه إلا أن أرسل رسالة إلى الوالي يقول فيها: "... وقد كان من إجلاء أهل الذمة من أهل جبل لبنان، ممن لم يكن ممالئًا لمن خرج على خروجه، ممن قتلتَ بعضهم، ورددتَ باقيهم إلى قراهم ما قد علمتَ، فكيف تؤخذ عامة بذنوب خاصة حتى يُخرَجوا من ديارهم وأموالهم؟ وحكم الله تعالى:{ألا تزرَ وازرة وزرَ أخرى} [النجم:38]، وهو أحق ما وقف عنده واقتدى به.. وأحق الوصايا أن تحفظ وترعى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال:"من ظلم معاهدًا أو كلَّفه فوقَ طاقته فأنا حجيجه" (أي: خصمه). وأصرّ على الوالي أن يبادر برفع هذا الظلم، وإزالة الحيف عن كاهل هؤلاء المظلومين مبينًا له ضرورة التزام مبادئ الإسلام مهما كانت الظروف.. ولقد استجاب الوالي وفعل ما طلبه الأوزاعي.

هذا على الرغم من أن الذين قاموا بالفتنة من هؤلاء النصارى نكثوا العهد، وكانوا على صلة بالبيزنطيين، يعملون لحسابهم، إضافة إلى ارتكابهم عمليات النهب والقتل وقطع الطريق وترويع الآمنين. يقول فيليب حتي اللبناني المتأمرك في كتابه (تاريخ سورية 2/165): ".. لجأت جماعة من نصارى الجبل إلى السلاح تفاديًا لمصادرات جديدة تنزل بهم، منتهزين فرصة وجود الأسطول البيزنطي في مياه طرابلس، وانقضوا من قاعدتهم وانتهبوا عددًا من قرى البقاع، وكان يتزعمهم فتى قروي عظيم البنية، بلغ من جرأته وتهوره أن أقام نفسه ملكًا، لكن العصابة اللبنانية قيدت بعد حين إلى كمين قرب بعلبك، نصبته لهم فرقة فرسان عباسية وفتكت بهم..".

ولقد أوردتُ في هذا الجانب رواية فيليب حتي لأنه غير متهم بمعاداة هؤلاء بل بموالاتهم وحبهم والحدب عليهم.. ومع ذلك لم يقبل الأوزاعي، رحمه الله، ما لجأ إليه الوالي لكسر شوكتهم، احتياطًا وتحسبًا لأمر قد يحدث مستقبلًا، فشردهم من القرى في الجبل وأسكتهم غيرها... وأصر عليه بضرورة التزام حكم الله عز وجل وإنفاذ سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. "وقد بلغنا أن حكم الله عز وجل ألا يؤخذ العامة بعمل الخاصة، ولكن يؤخذ الخاصة بعمل العامة، ثم يبعثهم الله على أعمالهم، فأحق الوصايا أن تحفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم".

موعظة الإمام الأوزاعي للمنصور العباسي
اجتمع الأوزاعي بـ المنصور العباسي حين دخل الشام – وكان الاجتماع استجابة لطلب المنصور، وبعد محاولات من الأوزاعي للتهرب- وعظه وذكّره، وكان مما قاله: "يا أمير المؤمنين، إنك تحمل أمانة هذه الأمة، وقد عرضت على السموات والأرض والجبال فأبينَ أن يحملنها وأشفقن منها.. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من راع يبيت غاشًّا لرعيته إلا حرّم الله عليه رائحة الجنة". يا أمير المؤمنين، من كره الحق فقد كره الله، إن الله هو الحق المبين، فأعيذك يا أمير المؤمنين أن ترى قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفعك مع المخالفة لأمره، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "يا صفية عمة محمد، ويا فاطمة بنت محمد، استوهبا نفسيكما من الله، فإني لا أغني عنكما من الله شيئًا". إنك عند الناس لحقيق أن تقوم فيهم بالحق، وأن تكون بالقسط فيهم قائمًا، ولعوراتهم ساترًا، لِمَ تُغلِق دونهم الأبواب، ولِمَ تقم عليك دونهم الحجاب؟ يا أمير المؤمنين، إن أشد الشدة القيام لله بحقه، وإن أكرم الكرم عند الله التقوى.. إنه من طلب العز بطاعة الله رفعه الله، ومن طلبه بمعصية الله أذله الله ووضعه..
ولما استأذن الأوزاعي بالانصراف، أمر له المنصور بمال يستعين به على خروجه، فرفض الأوزاعي المال، وقال: أنا في غنى عنه، وما كنت لأبيع نصيحتي بعرض من الدنيا..

هذا غيض من فيض من مواقف وقفها الأوزاعي لله، فلا عجب أن يهابه الولاة، ولا عجب أنلم يمكنهم الله عز وجل أن يمدوا أيديهم بالأذى إليه.

رحمك الله أبا عمرو، وقيض للمسلمين في أيامهم هذه من العلماء العاملين أمثالك.

من سيرة العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله

من سيرة العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله
لفضيلة الدكتور عبد الرحمن العدوي / مستشار الجامعة الإسلامية



شيخ جليل مهيب، أخلص للّه في تعليم المسلمين أمور دينهم، ونشر عقيدة الإسلام وأحكامه بينهم، وهو من أهالي بلدة عنيزة من أعمال القصيم في شمال نجد عاش فيها حياته وكان فيها مقره الأخير.
كنا في عام 1373هـ الموافق 1953م اثنين من علماء الأزهر الشريف مبعوثين للتدريس في المملكة العربية السعودية وكانت إدارة المعارف حينذاك في مكة في مواجهة المسجد الحرام وكان على رئاستها الشيخ محمد بن مانع رحمه اللّه، وقد رأى أن أسافر مع زميلي الشيخ محمد الجبة للتدريس في المدرسة الثانوية بعنيزة، وسافرنا وبدأنا عملنا في المدرسة التي كان بها فصلان في السنة الأولى فقط، ولم يمض شهر حتى صدر الأمر الملكي بنقلنا إلى المعاهد العلمية التابعة لآل الشيخ.
وكانت هذه هي الطريقة التي تستكمل بها المعاهد العلمية حاجتها من المدرسين، ولم يكن المعهد العلمي موجوداً بعد، فطلب منا أن نعلن عن افتتاحه ونستقبل طلبات الراغبين في الإلتحاق به ونحدد مستواهم العلمي ونوزعهم على السنوات الدراسية وقد تم كل ذلك في فترة وجيزة وبدأت الدراسـة في المعهد العلمي بعنيزة في شهر ربيع الثاني من عام 1373هـ، وفي الوقت بلغنا أن الشيخ عبد الرحمن السعدي قد عين مشرفاً على المعهد من الناحية العلمية وكان تعيينه براتب شهري قدره ألف ريال، ولكن الشيخ رحمه الله تعالى أرسل إلى رئاسة المعاهد العلمية أنه على استعداد للإشراف على المعهد حسبة لوجه الله تعالى وأنه لا يريد أن يكون له على ذلك أجر مادي وقبلت الرئاسة شاكرة له هذا الصنيع الذي لا يصدر إلا من عالم زاهد يبتغي وجه الله.
وبدأت صلتنا بالشيخ عبد الرحمن السعدي في المعهد أولاً ثم التقينا به كثيراً في المسجد الجامع فقد كان شيخاً له، وفي منزله المتواضع الذي رفع قدره وأعلى صرحه سلوك صاحبه وسيرته في الناس.
كان رحمه الله يأتي إلى المعهد بانتظام يوم الثلاثاء من كل أسبوع وكان يخلع نعليه عند دخول الفصل أثناء الدرس مع أن في نجد لا يخلعون نعالهم عند دخول المسجد ولا عند الصلاة ولكنه الأدب الراقي واحترام العلم ومجلسه، ثم يدخل آخر صف ويجلس فيه وكأنه أحد طلاب هذا الفصل، ويكرر هذا العمل في أكثر من فصل ويستمع إلى أكثر من مدرس ولم يكن في المعهد من المدرسين المصريين سواي وزميلي أما بقية المدرسين فكانوا من أبناء الشيخ علمهم في المسجد الجامع إلى درجة تسمح لهم بالقيام بتدريس المواد التي تعلموها على يديه.
وكان منهم حمد البسام، وسليمان البسام، وعبد الله البربكان، ومحمد بن عثيمين. ومضت فترة بعد وصولنا عنيزة أحسسنا فيها بالغربة والوحشة وكنا نتأثر بجفاء بعض الناس في التعامل واللقاء وعدم رد التحية لا بأحسن منها ولا بمثلها، وكان يحدث أحياناً ونحن وقوف للصلاة أن يأتي أحد البدو ولعله من غير أهل عنيزة فيقف بجوار أحدنا وينظر إليه نظرة استغراب ثم يخط بعصاه خطاً فاصلاً في الرمال يفصل بينه وبين من يجاوره منا ثم يقول بصوت مسموع ( أعوذ بالله ) وبعدها يكبر للصلاة وقال لي صاحبي: لماذا يتعوذ هؤلاء؟ فقلت لعلهم يعتقدون أننا لسنا من بلاد الإسلام، وما علينا إلا أن نزيل هذا الظن الخاطئ فتقسيم الأمور وتصح المعاملة، قال: ولكن كيف السبيل إلى ذلك ونحن مدرسون في المعهد لطلاب قد يتحدثون مع ذويهم عنا وقد لا يتحدثون؟ قلت: السبيل في رأيي أن نعطي الناس دروساً في التفسير والحديث والفقه بين المغرب والعشاء في المسجد الذي نصلي فيه، وبها نؤدي واجبنا ونزيل التباساً.
وعرضنا الفكرة على الشيخ عبد الرحمن السعدي فاستحسن ذلك أيما استحسان وشجعنا وأوصانا بألا تضيق صدورنا فإن من خلق العلماء الصبر والإحتمال والحرص على تبليغ رسالة الله في كل الظروف وبدأنا التدريس في مسجد ( السويطي ) بين المغرب والعشاء وزاد عدد الحاضرين يوماً بعد يوم حتى كاد المسجد على سعته أن تملئ بالمصلين، وبعد أسبوعين تقريباً حدث أمر شرح صدورنا وأحسسنا معه بالود والمحبة، فقد تقدم إلينا شيخ كبير وأشار بيده إلى سجادتين مفروشتين خلف الإمام وقال: هذا مكان صلاتكما فأنتم أهل العلم والفضل وعلينا أن نكرم العلماء، وكان لهذه اللفتة أثرها الطيب الحميد فقد أحسسنا صفاء قلوب القوم وزالت العوارض التي كانت تؤثر تأثيراً متعباً فما كانت إلا تصرفاً شخصياً من بعض الجهال لا يعبر عن السلوك العام، ثم زادت الصلة بيننا وبين الناس وتوثقت فدعينا إلى شرب القهوة بالعبارة النجدية الحلوة " نبغى نقاهويك يا أستاذ " وتكرر ذلك والموعد بعد صلاة العشاء الآخرة وكان معنا في المعهد سكرتير من أهل عنيزة اسمه (عبد الله) فكان يتولى تدوين المواعيد ويرشدنا إلى منازل، وفي كل ليلة نجد صاحب المنزل قد دعا أكثر من عشرين شخصاً مبالغة منه في الإحتفاء بنا ثم يدور الحديث حول مسائل من الدين والأخلاق وعادات الناس وتصير الجلسة ندوة علم وأدب وحديث نافع وتعبير عن المحبة والود والأخوة كما ارتضاها الله لعباده المؤمنين.
وكنا نزور الشيخ بين الحين والحين ويكاد يكون لقاؤنا معه يوم الجمعة بانتظام نذهب إلى بيته قبل الصلاة بساعات ونجلس معه ثم ننزل معاً عندما تقرب موعد الصلاة، وذات لقاء قلت له: يا فضيلة الشيخ، لماذا لا تستخدم مكبر الصوت ( الميكروفون ) في الخطبة فإن أكثر الناس لا يسمعون صوتك ولا يستفيدون مما تلقيه عليهم من المواعظ والأحكام، فابتسم الشيخ وكان له بسمة خفيفة جميلة تنم عن الرضا والسرور وقال: إن مكبر الصوت لم يدخل المساجد في بلاد نجد ولا أحب أن أكون أول من يستخدمه. قلت: ولماذا؟ ألست الشيخ العلم القدوة إذا لم تفعل أنت ما تراه نافعاً فمن يفعله؟ أليس في استعماله خير وهو نشر تعاليم الدين وآدابه وإسماع أكبر عدد ممكن بواسطته، والنساء في بيوتهن حول المسجد يستمعن الخطبة عن طريق مكبر الصوت فيكون الخير قد تجاوز حدود المسجد، ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. ذلك لأنه سيتعرض لجهل الجاهلين، ونقد الناقدين وسيصيبه من أقوال الناس وإيذائهم واستنكارهم لما لم يألفوه شيء كثير فيكون له من أجل ذلك الأجر الكثير، ثم إنك يا فضيلة الشيخ إذا لم تستخدم مكبر الصوت في خطبة الجمعة فلن يجرؤ أحد على استخدامه من بعدك، وسيقول الناس: لو كان فيه خير لاستقدمه الشيخ السعدي، فتكون قد منعت استخدامه مستقبلاً من حيث لا تدري ولا تريد. فاتسعت الإبتسامة على شفتي الشيخ وقد استمع لكلامي كله مصغياً ومتأملاً، وهز رأسه يميناً وشمالاً في هدوء رتيب وقال: ما شاء الله لقد حدثني في ذلك غيرك، وما شرح الله صدري لذلك مثل ما شرحه الآن، وأعدك أن يكون في المسجد ( مكبر صوت ) في الجمعة القادمة إن شاء الله وبر الشيخ بوعده وأمر بإحضار مكبر للصوت ذي ثلاث سماعات يعمل بواسطة البطارية فلم تكن عنيزة قد عرفت الكهرباء بعد وفرح الناس وتحدثوا عن استماعهم للخطبة في غير جهد، وحرصت على أن أسمع رأيهم فلم أجد معارضاً وما سمعت إلا كلمات الإستحسان والسرور، وذهبت إلى الشيخ في بيته لأنقل إليه استحسان الناس وسرورهم فإذا به ينقل إلى بشرى سارة مؤداها أن الشيخ عبد الله السليمان كان يصلي هذه الجمعة في مسجد عنيزة وقد أعجبه أن يكون في المسجد مكبر للصوت فقابل الشيخ بعد الصلاة وأبلغه أنه تبرع.. بماكينة كهرباء للمسجد تضئ خمسين لمبة ( مصباحاً كهربائياً ) ويشتغل عليها مكبر الصوت. فقلت: الحمد لله. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
لقد كان الشيخ عبد الرحمن السعدي من الناحية الدينية هو كل شيء في عنيزة فقد كان العالم والمعلم والإمام والخطيب والمفتي والواعظ والقاضي وصاحب مدرسة دينية له فيها تلاميذ منتظمون.
كان يصلي الفجر بالناس ثم يجلس لأداء الدرس حتى تطلع الشمس ويذهب بعد ذلك إلى بيته حتى الضحوة الكبرى فيعود إلى المسجد يعلم أبناه الفقه والتفسير والحديث والعقيدة والنحو والصرف في دروس منتظمة وكتب اختارها لطلابه ويستمر معهم حتى صلاة الظهر فيصلي بالناس ويعود إلى بيته يستريح فيه إلى صلاة العصر ثم يذهب إلى المسجد فيصلي العصر بالناس ويعطيهم عقب الصلاة وهم جلوس بعض الأحكام الفقهية في دقائق لا تؤخرهم عن الإنصراف سعياً وراء أرزاقهم وعندما تغرب الشمس يصلي بالناس المغرب ويجلس للدرس حتى يصلي العشاء. ويتكرر ذلك في كل يوم.
وطلاب الشيخ الذين علمهم في المسجد هم الذين تولوا التدريس في المدارس والمعاهد التي فتحتها الدولة في بلدتهم، فكان الشيخ يكتب بيده شهادة يقول فيها إن فلاناً درس علوم كذا وكذا في كتب كذا وكذا وهو يصلح لتدريس هذه المواد في المستوى الإبتدائي أو الإعدادي أو الثانوي، وتأخذ الدولة بشهادات الشيخ التي أثبتت التجربة فيما بعد أنها معبرة عن الحقيقة أصدق تعبير.
وكان من سيرته - عليه رحمة الله - أنه في موسم الحصاد تأتي إليه ثمار النخيل والبساتين التي وقفها أصحابها على المسجد الجامع ليؤدي رسالته الإسلامية العظيمة، فكان الشيخ يجمع كل هذه الثمار في المسجد ويوزعها على الفقراء والمساكين ولا يأخذ تمرة واحدة يدخلها فاه أو ينقلها إلى بيته. وسألت أحد الأبناء المقربين إليه: من أين ينفق الشيخ على حاجات معيشته؟ فأخبرني أن له ابنين يعملان بالتجارة في الرياض ويرسلان إليه ما يحتاج من النفقة ولا مورد له غير هذا ؟ فقلت: سبحان الله: إن خير ما يأكل المرء ما كان من كسب يده، وإن ولد الإنسان من كسبه، وهكذا تكون سيرة العلماء في الإكتفاء بالقليل والزهد فيما يزيد على ذلك مع الإجتهاد في أداء الواجب والإخلاص فيه.
ومرت الأيام.. وفي نهاية عام 1375هـ الموافق 1956م بدأ العدوان الثلاثي على مصر وهاجمت فرنسا وإنجلترا وإسرائيل أرض مصر ولكل دولة منهم دوافعها الخاصة فقد كانت فرنسا تريد أن تعاقب مصر على مساندة ثورة الجزائر ضدها. هذه المساندة التي وصلت إلى درجة تهريب الأسلحة والذخائر للثوار المسلمين في الجزائر وقد وقعت الباخرة ( عايدة ) المصرية في يد الفرنسيين وهي تحمل الأسلحة إلى ثوار الجزائر ضد الإستعمار الفرنسي فأضمرت لذلك شراً وكان هجومها على مصر، أما إنجلترا فكان هجومها من أجل أسهمها في قناة السويس التي أممتها مصر وأعادتها إلى الشعب المصري الذي حفر القناة بجهود أبنائه ودمائهم، وكانت مع ذلك تراودها الرغبة في إعادة سيطرتها مرة أخرى على مصر ولم يكن جلاء قواتها عن الأراضي المصرية قد جاوز العامين بعد، وانتهزت إسرائيل رغبة الدولتين الكبيرتين في الهجوم على مصر واتفقت معهما لخدمة أغراضها التوسعية العدوانية ولضرب القوة العربية الإسلامية على أرض مصر.
وعرف الشيخ السعدي هذه الأبعاد كلها وخطب الناس الجمعة في هذا الموضوع ورفع الناس معه أكف الضراعة إلى الله أن يحمي القوة الإسلامية وأن ينصر المسلمين ويرد كيد الكافرين، وقد استجاب الله دعاء، فخطب الشيخ في جمعة تالية مهنئاً ومبشراً ومذكراً بقول الله تعالى:{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً}.
وقد كان للشيخ اهتمامات ظاهرة بأحوال المسلمين في كل بلادهم وكانت مقالاته في الصحف والمجلات في داخل المملكة وخارجها تظهر هذه الإهتمامات وكان يسألنا كثيراً عن أخبار مصر وأحوال المسلمين فيها وجهود علمائها في إقامة السنة وإزالة البدعة مع دعاء حار وأمل كبير في أن يصلح الله أحوال المسلمين.
ومع هذه الجهود المضنية التي كان يبذلها الشيخ كان كثير الكتابة والتأليف فقد كتب تفسيراً للقرآن الكريم كله سماه ( منحة اللطيف المنان في تفسير القرآن ) وله كتاب في الخطب المنبرية ورسائل في العقيدة وسؤال وجواب وفي بعض الموضوعات والقضايا الإسلامية وقد تبرع بكتبه كلها وطبعها أهل الخير المحبون للشيخ وعلمه ووزعوها بالمجان على أهل العلم وطلبته.
وفي شهر ربيع الثاني من عام 1376هـ توفي الشيخ عبد الرحمن السعدي عليه رحمة الله ورضوانه وحملت مع الناس نعشه وكانوا يعرفون صلتي الوثيقة به فكانوا يفسحون لي كلما رغبت واقتربت قائلين إنه كان يحبك. وإني لا أجد ما أصف به فضل هذا الشيخ وجهاده ومنزلته بين العلماء أحسن مما سمعته من عجوز جالسة على طريق الجنازة فقد قالت ونحن نمر عليها نحمل نعشه قالت العجوز في صدق وحرارة: " نجم هوى ".
رحم الله الشيخ عبد الرحمن السعدي وجعل سيرته الطيبة وأعماله الصالحة في موازين حسناته وأكثر من أمثاله الذين يزهدون في الدنيا ويبتغون ما عند الله.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا "
رواه مسلم.
************************ 

نابغةُ الأَغواط: العلاَّمة الشّيخ أبو بكر الحاج عيسى

نابغةُ الأَغواط: العلاَّمة الشّيخ أبو بكر الحاج عيسى





بقلم الشيخ سمير سمراد الجزائري

[نُشِرَ في مجلّة «الإصلاح» الغرَّاء]




اسمُهُ ونَسَبُهُ ومَوْلِدُهُ:
هو: أبو بكر بن بلقاسم الحاج عيسى، ولد سنة : هـ1331=م1912)) ببلدة «كوينين» من بلدان «وادي سوف»، بحكم وجود والده الشيخ بلقاسم من أعوان محاكم القضاء الشرعي بوادي سوف.


هذا على رواية: الأستاذ الحسن فضلاء(رحمه الله)، والأستاذ المبروك زيد الخير، أمَّا الأستاذان: أحمد بن أبي زيد، وأحمد حماني(رحمهما الله): فَذَكَرَا أن مكان الميلاد هو «الأغواط»[1].
لم يلبث«الشيخ بلقاسم» أن عادَ إلى «الأغواط» بعد انتهاء مأموريته، وهكذا نشأ «أبو بكر» بهذه : الواحة الجميلة الواقعة بجنوب جبال«عمور»، وعلى «وادي مْزِي»، وسُكَّانُها من القبائل العربيَّة الصَّميمة.

تعلُّمُهُ ودراستُهُ الأوَّليَّة:
دخل «أبو بكر» في طفولتِه «الكتَّاب» على العادة الجارية، فتعلَّم القراءة والكتابة والقرآن على الشيخ «ابن عزوز»، كما حفظ بعض المتون العلميَّة وعيونًا من قصائد الشعر العربي، وتفتَّقت مواهبُهُ وشغف بالمطالعة وتحصيل المعارف وتوسيع المدارك، فكوَّن لنفسِهِ شيئًا فشيئًا حصيلةً مهمَّة، كانت بمثابة الأساس الذي انبنت عليه حياتُهُ العلميَّة فيما بعدُ، وكلَّل ذلك بأن ضرب بسهمٍ في اللغة الفرنسيَّة حيثُ أدخله أهله (المدرسة الفرنسيَّة).

في مدرسة الإصلاح وتحتَ رعايةِ المصلحين:
في سنة(1922م) حلَّ بالأغواط بطلبٍ من أهلها الأستاذُ المُصلِحُ الأديب الكبير «الشيخ السَّعيد الزاهريّ»، ومكث مدرِّسًا بمدرسةٍ عربيَّةٍ أسَّسها أعيانُ «الأغواط» والمتطلِّعون إلى نهضتها بنهضة أبنائها، نحوًا من سنتين(من أول سنة م1922 إلى آخر سنة 1923م)، ترك فيها أثرًا حسنًا في التلاميذ، وأَخَذَهُم بتربيةٍ حيَّةٍ مُثمِرَة، وهيَّأَ الجوَّ الحسن في المدرسة للشيخ العلاَّمة مبارك الميلي الذي خَلَفَهُ فيها، وأعدَّ له التلاميذ فوجدهم الشيخ مبارك كما يُريد[2].
وشرع العلاَّمة مبارك في وضع أسس النهضة العلميَّة الدّينيَّة بالأغواط، وتمتين أركانها، بما كان يُلقيه من الدروس والنصائح والخطب في (المدرسة العربيَّة الحرَّة)، وفي المساجد وفي اجتماعاته بالأهالي والأعيان، وكان «الشيخ أبو بكر» من الآمِّين لهذه الدروس، وهو في زهرة شبابه، وبَدْءِ نضجه وإدراكه، وقد أعرض عن متابعة الدراسة بالمدارس الفرنسية وتخصَّص للعربيَّة مع معرفته بالفرنسيَّة[3].

الدِّراسة الثانويَّة والطَّريقُ إلى العالِمِيَّة:
«لازم «أبو بكر» دروسَ أستاذه «الميلي» وأبدى رغبته الطموحة واستعداده العظيم إلى العلم والتَّلقِّي فاهتمَّ به الشيخ مبارك وقرَّبَهُ إليه وأحاطه بعناية خاصة»[4]، فكان «أبو بكر» من أصفيائه وأقرب مُرِيدِيهِ؛ أخذ عنه الفقه والنحو والبلاغة والتوحيد، «وكان لا يغيبُ عن درسٍ من دروسه الخاصة أو العامَّة، رغم كثافة البرنامج وتَكَدُّسِ المعارف؛ فهو يشرح «صحيح البخاري» و«قطر النَّدى» و«متن الآجرومية»، ويُعرِّج على «رسالة ابن أبي زيد القيرواني»، مع دروس في الأدب وأخرى في التفسير، فكوَّن جيلاً رياديًّا عالِمًا، وكان التَّكوين متينًا مؤسَّسًا تأسيسًا أكاديميًّا دقيقًا وأهمُّ ما رَسَّاهُ الشيخ مبارك في طلبته الذوق الرفيع، وتطعيم الثقافة الشرعيَّة واللغويَّة بالقطوف الأدبيَّة والطرائف الإبداعيَّة التي تمخَّضت عنها قرائح العباقرة من أدباء العصور الزاهرة»[5]، ولمَّا نما غرسُ الشيخ مبارك في الأغواط، ورأى أنَّ استعداد تلامذته الذين كوَّنهم وأعدَّهم، لا يُروِّيهِ إلاَّ الدراسة الجامعيَّة العالية، أشار على أنبغِ تلاميذِهِ: «الشيخ أبو بكر» وإخوانه بالسفر إلى تونس والانخراط في طلبة جامع الزيتونة المعمور آنذاك، وهكذا يمَّمُوا شطرهم إلى الجامعة الزيتونيَّة ليُشاركوا شيخهم وأستاذهم في الأخذ عن كبار المشْيَخَةِ هناك.
وضمَّت تلكم البعثة الأغواطيَّة، كلاًّ من الشيوخ : أحمد شطة، وأحمد بن أبي زيد قصيبة، ومحمد دهينة، ومحمد الطيب، ومحمد الحدبي[6].

في أروقةِ جامع الزيتونة ودُروسِ الكِبَار:
وصل «أبو بكر» إلى تونس سنة (1932م) برفقةِ إخوانه وزملائه، وتلقَّى العلوم في الجامعة الزيتونيَّة على جلَّةٍ منهم: الشيخ عبد العزيز جعيط، والشيخ بلحسن النَّجَّار، والشيخ عبد السلام التونسي، والشيخ الهادي العلائي، والشيخ محمد الزغواني، والشيخ البشير النيفر، والشيخ الطاهر بن عاشور، وغير هؤلاء.
لم يكتف«أبو بكر» بدروس الجامع، بل كان يحضر بـ«العطَّارين» محاضرات الأستاذ العربي الكبَّادي، وبـ«الخلدونيَّة» محاضرات الأستاذ عثمان الكعَّاك، وكان يُطالعُ لنفسه نفائس «المكتبة العبدليَّة»، مثل: كتاب «المحصول» للفخر الرَّازي، وقد قرأه قراءةَ درسٍ وتحصيلٍ.

الشيخ أبو بكر...همَّة عظيمة وحرصٌ بالغٌ:
قضى «الشيخ أبو بكر» في الزيتونة نحوًا من خمسِ سنين؛ إلى ربيع سنة (1937م) [7]، كانت كلُّها في الجدِّ والاجتهاد والحرص على التَّحصيل الذي أثمَرَ عليهِ، حيثُ بَزَّ أقرانَهُ، وبلغَ مرامَهُ، فنبغَ نبوغًا ألحقهُ بمصافِّ العلماء الكبار في القطر الجزائري(أعني: أستاذَهُ الميلي وأستاذَ أستاذه ابن باديس، والأستاذَ العربي التبسي)، وقد لمس هذه الحقيقة الأستاذ أحمد حماني الميلي، وكان شاهدًا على النبوغ الجزائري في شخص«الشيخ أبو بكر»؛ فإنه لما دخل الزيتونة (في البدايات)، كان«الشيخ أبو بكر» (في النهايات)، قال: «وقد تخرَّجَ منها بتحصيلٍ قلَّما حصل عليه أحدٌ من المدرِّسين»[8]، وقال: «أنهى دراسته...بتحصيلٍ وافرٍ وعلمٍ غزيرٍ»[9]، وقال: «كان عظيمَ الجدِّ والاجتهاد يدرسُ حتَّى الكتب غير المقرَّرة في البرنامج الزيتوني بإيحاءٍ من أستاذه مبارك الميلي. ومنهُ علمنا أهمية كتاب«المحصول» للإمام فخر الدين الرازي، فقد درسَهُ دراسةً خاصةً وأحيانًا كان يُلقِّنُنا بعض الدروس في سنة1936و1937م وكُنَّا في سنِّ الأهليَّة»اهـ[10].

العودةُ إلى الأغواط...والشُّروع في العمل:
«بمجرد وصوله إلى الأغواط شرع في تعليمِ الطَّلبةِ الذين تجمهروا عليه في جامع الشيخ عبد القادر الجلالي[الكائن بشارع عبد الحميد بن باديس حاليًّا]» [11]، وكان معه في التدريس بهذا المسجد رفيقُهُ الشيخ أحمد شطة.

في قسنطينة معاونًا لرائد النَّهضة ابن باديس:
بَلَغَ نُبُوغُ «الشيخ أبو بكر» ووصلَ نبأُ عالِمِيَّتِهِ إلى الإمام ابن باديس رائد النهضة العلميَّة والدِّينيَّة في الوطن الجزائري، فأرسَلَ إليه ودَعاهُ ليكون بجانبه في قسنطينة: «يُشاركُ في إلقاء دروسٍ للطلبة وليتلقَّى دروسًا عليه أجلُّها درس التفسير والحديث و«الأمالي» لأبي علي القالي ودروس في مقدمة ابن خلدون، ونُدِبَ لإلقاء دروسٍ بمدرسة التربية والتعليم[بقسنطينة] التي كانت في بَدْءِ نهضتها»[12].

الشيخ أبو بكر....أَدَبٌ جَمٌّ وتواضعٌ بالغٌ:
نترُكُ القرَّاء الكرام مع أول كلمةٍ لـ«الشيخ أبو بكر» بمدرسة التربية والتعليم بقسنطينة، وفيها أدبٌ رفيعٌ، وعبارة رائقة:
«بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على النبي الكريم، السلام عليكم أيها الإخوة، يجمُلُ بي، وقد حللتُ محلَّ أستاذنا باديس في محادثته التي اعتاد –حفظه الله- أن يُسمعكم إيَّاها كلَّ يوم أحد، أن أعتذر إليكم أن حَرَمْتُكُم التَّذَوُّق إلى نفاسة معانيه وغوالي حكمه ومواعظه. هذه الليلة التي تستبطئون حلولها، وتودُّون بكل قلوبكم أن تشد نجومها بكل مغار الفتل حتى لا تفلت منكم فيفوتكم كل خير في الاستماع إلى داعية الخير والحق المخلص، فتستضيء نفوسكم بفضل شعاع إيمانه المقتنع النافذ إلى الأعماق؛ وتتزوَّدون من إخلاصه ما يطرد عنكم وسواس الشيطان ووحي البيئة الوبيئة كل الأسبوع، ثم أعتذر إليكم أنكم لا تسمعون منِّي جديدًا إن لم تمجُّوا حديثي وتملُّوه!
وخوفًا من أن تنتظروا هذا الحديث فيغلبني العِيُّ فلا تسمعوه، آثرت أن يكون هذا الحديث مكتوبًا، إذْ لم أتعوَّد حديث الجماعات ولكل امرئٍ من دهره ما تعوَّدَا! على أن تبعة هذا الحرمان لا يَدَ لي فيها- وإنما أمرٌ من باعث الحركة ومغذِّيها ارتأى أن يحرمكم ويصلني، وما عسى أن يكون مقدار حرمان ليلةٍ في تكوين رجل! رأى تقاعسي في هذا المضمار وغلبة الحياء عليَّ في هذا الميدان فرماني بكم ورماكم بي كذلك فلا غبن ولا حيف. أراد أن يوجهني إلى هذه الناحية من نواحي الإصلاح الاجتماعي على منظرٍ منه ومسمعٍ حتى يسايرني في نزع هذا الوهم المتأصِّل منِّي. ولهذا التوجيه فوائده ونتائجه، ولا غَرْوَ فمثلُهُ مَنْ خَبَرَ أدواء الأمة وأدويتها، فلله هو من زعيمٍ ومن حكيم. وبعد فإنَّ كلمتي هذه إليكم ليست خطابًا ولا محاضرة، وإنما هي حديث مكتوب فحسبُ لإخوانٍ جمعتني وإياهم خدمة العربية ونشر الإسلام وتأييد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في عملها الاجتماعي. ولا يكون هذا الحديث في تفسير آية أو شرح حديث، فإني أخجل من نفسي أن تسمع الأذن التي سمعت باديس يُفسِّر ويشرح، تفسيري أنا لآية أو شرحي لحديث، ولا أكتمكم أني حضرت دروس التفسير والحديث لأكابر العلماء بجامع الزيتونة، فما وجدت من يضاهي باديس في فهم سر القرآن والسنة والشريعة الإسلامية. وإنما يكون هذا الحديث في إنشاد بيتٍ عربي...»الخ[13].

مهمَّة إداريَّة للجمعية في عاصمة الجزائر:
بعد سنةٍ دراسيَّةٍ قضاها «الشيخ أبو بكر» في قسنطينة وبمدرسة التربية والتعليم، عَيَّنَهُ المجلس الإداري لجمعية العلماء(رئيسًا) لـ(المكتب العمالي) بالعاصمة لتنظيم وتأسيس شُعَب الجمعية في عمالة الجزائر[14].

مشاركتُهُ في احتفال ختم الإمام ابن باديس لتفسيره:
أُقيمَ بقسنطينةَ حفلٌ كبيرٌ لمناسبة ختمِ ابن باديس لتفسير كتاب الله تعالى بعد خمسٍ وعشرين سنة من الدَّرس، وكان الإبراهيميُّ قد كتب كلماتٍ في التعريف بالمشاركين في الحفل؛ من شعراء وخُطباء، وكان «المترجَمُ» قد خطبَ متكلِّمًا باسم (تلاميذِ تلاميذِ) الإمام ابن باديس.
قال الإبراهيميُّ في التعريف بِهِ: «الأستاذ أبو بكر الأغواطي: شابٌّ أخذ عن الأستاذ الميلي ثمَّ نزَحَ بإشارتِهِ إلى تونس في بعثةٍ إلى جامع الزيتونة. وهو الآن[أي: سنة(1938م)] يشغلُ مركزًا عمليًّا من مراكز جمعية العلماء لا يقومُ به إلاَّ المحنَّكُون»اهـ[15].

اضطهادُ الدعوة الإصلاحيَّة بالأغواط:
وكغيرها من المدارس العربيَّة الحرَّة التي أسَّسها رجالُ جمعية العلماء وأنصارُها في قرى ومدن الوطن الجزائري تعرَّضت مدرسة الأغواط للإغلاق ولقي معلِّمُوها الاضطهاد والتَّشريد، ومُنع دعاةُ الإصلاح والمنتمون إلى الجمعية من مزاولة أيِّ نشاط وشُدَّ عليهم الخِناق، وهو ما عرف بقانون08مارس[1938] المشؤوم، كَتَبَ أغواطيٌّ(سنة1938م) يذكُرُ تعسُّفات الحكم العسكريّ، قال: «فأوعزوا إلى مَنْ أوقفَ سَيْرَ المدرسة وهدَّدُوا من يحضر الاجتماع العام لجمعية العلماء وأهملوا طلبات رُخَص التعليم الديني الإسلاميّ»[16]، كما سَنَّتْ الإدارةُ الفرنسيَّة قوانين تعسُّفيَّة للتَّضييق على نوادي الإصلاح، فكتب «الشيخ أبو بكر»: «من المكتب المركزي للجمعية: آخرُ سهمٍ مُسَدَّد للقضاء على النهضة الجزائريَّة...» [17]، نبَّه فيه على خطر هذا القانون ودعا إلى الاحتجاج عليه وإلى الاجتماع لاستنكارِهِ.

الشيخ أبو بكر....وأوهامُ الطُّرُقيَّة:
صادَفَ وجودُ «الشيخ أبو بكر» بالعاصمة في مركز الجمعيَّة رئيسًا لمكتبها العمالي، انعقاد «مؤتمر الطرقيَّة» [يوم 15 أفريل1938م، والأيام التي تَلِيهِ]، وقد كان بإيعازٍ من الإدارة الاستعماريَّة الماكرة، وفي الوقت الذي أظهر فيه المصلحون المعارضة السياسيَّة للإدارة في معاملتها للأمة الجزائرية واضطهادها في حرِّيَّتها الدينيَّة وتعليم العربيَّة في مدارسها الحرَّة التي أسَّستها الأمةُ بمالها وبجهد أبنائها، في الوقت الذي عُرْقِلَ فيه التعليم العربي الإسلامي بِسَنِّ قوانين جائرة، حرَّكت الإدارةُ (الآلةَ) الطرقيَّة لمجابهة العلماء المشوِّشين المتدخِّلين في السياسة بزعمها!...حضر الشيخ أبو بكر «مؤتمر الطرقية» بل «زردتهم الكبرى»، واستمع إلى مطالبهم في نهاية«الزردة»، وما كتبت عنها الجرائد الفرنسيَّة بحُكْمِ معرفةِ «الشيخ أبو بكر» باللِّسان الفرنسي، نَقَلَ كُلَّ ذلك في جريدة الجمعية: «البصائر» عن مشاهدةٍ وعِيان، ولم تخرج خطابات المؤتمر عن نقطتين:
1 ـ تحريمُ الكلام في السياسة ونهي الأتباع والأمة عن التدخل في سياسة فرنسا:
يقول «أبو بكر»: «وخطب السيد محمد بن الموهوب القسنطيني ...وختم خطابَهُ بالتنفير عن السياسة، فسألتُهُ من الغد عمَّا يقصدُ بالسياسة وهل مطالبتُنا فرنسا بحقوقنا تحشرُ في هذه اللفظة، فقال: لا، وإنما قصدتُ إلى سياسة الانتخاب المُفرِّقة»اهـ، يُريدُ «الشيخ أبو بكر» من هذا أنَّ مِنَ المشاركين في المؤتمر مَنْ لا يدرون ما يقولون، وفي مصلحةِ من يتكلَّمون، وأنَّهُم حُرِّكُوا فتحرَّكُوا.
ويقول «الشيخ أبو بكر»: «ثم أنشد نَجْلُ عبد الحي الكتاني قصيدة السيد سُكيرج قاضي مراكش، من أبياتها:.....دعوا السياسة إن رمتم نجاحكم!.. »الخ.
وسُكيرج هذا، هو(أحدُ الهائمين في التجانيَّة!)، وهو الذي صار يُغيثُ الطرقيِّين في حَرْبِهِم مع المصلِحين، وهو الذي قال في إحدى زياراته للجزائر: إن المعاكسة لحكومة فرنسا وعدم الإذعان لها ليس سبيلاً للإصلاح! [18].

2 ـ الإشادة بالطرق وتمجيدُ الطرقيَّة وحَشْر ما يُحسَبُ دليلاً على صلتها الوثيقة بالدِّين! والسَّلف الصَّالحين!:
قال «الشيخ أبو بكر»: «وحدَّثَ الناسَ سي عثماني عبد المجيد من زاوية طولقة في معنى الطريقة وتاريخها وغالطَ في هذا ما شاء أن يُغالط»اهـ، هذا حُكْمُ الشيخ «أبو بكر» وموقفُهُ من استدلالات القوم، ومع ذلك ففي كلام هؤلاء شيءٌ من الحقِّ لو كان يَقِفُون عندَهُ، وهو الذي يقولُ به المصلِحون لكنَّ القومَ لا يسمعون، ويقولون ما لا يفعلون، قال «الشيخ أبو بكر»: «وممَّا قيَّدتُهُ من كلامه المستحسن: «لا نعتبرُ شيخ الطريقة إلاَّ إذا أقام الشريعة وعلم الدِّين والعربيَّة»، «نحترم فرنسا إذا احترمت ديننا»، «واجبات أصحاب الزَّوايا تعميرُها بالدِّين والعربيَّة» »اهـ.
ثم يواصلُ قائلاً: «ثم جاء دور شيخ الطريقة الكتانيَّة سي عبد الحي الكتاني فألقى خطبةً مكتوبةً....تعرَّض لتاريخ التَّصوُّف ومعناه، ومِمَّ اشتقت هذه اللفظة، فلم يأتِ بجديد ولم ينهض بدليل، ودعا إلى المحظور، فانظر إلى بعضٍ من خطابه: «السُّنَّة ترك العمل، اقتداءً بأهل الصُّفَّة»، أفهل هذا روحُ الدِّين، والنَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم) يقول: «لأَنْ يحتطب أحدكم الخ الحديث»اهـ.
وَدِدْنَا أنَّ «الشيخ أبو بكر» أفاض في نقض استدلال «عبد الحي»، لكن يبدُو أنَّ الطَّوْرَ الذي كانت تَمُرُّ به الجزائر، والخطر الذي كان يُحْدِقُ بالجزائريِّين في دينهم ولُغتهم حالَ دون ذلك ولم يُسعفهم للإفاضة في الكتابات الدِّينيَّة العلميَّة، إِذَنْ لأَلْقَمُوا الطرقيِّينَ أحجارًا، ولتركوهم مَبْهُوتِينَ حيارى!
ثم يواصل حاكيًا كلام «عبد الحي»: «يقول ابن قيِّم الجوزية وهُوَ مَنْ هُوَ!: أعجبتني من كلام أهل التَّصوُّف كلمتان: 1 ـ الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.2 ـ إن لم تستعمل نفسك في الحق استعملتها في الباطل»، ويستنتجُ من هذا مدح ابن القيِّم لأهل التَّصوُّف، فهل هذا مدحٌ أَمْ ذمٌّ؟ وإلاَّ فكيف لا يَسْتَحْسِنُ من مئات مؤلَّفاتهم إلاَّ كلمتين! »اهـ. رحمَ اللهُ «الشيخ أبو بكر» لقد نقض استدلالَهُ بأوجزِ عبارة، فماذا لوْ تفرَّغَ للرَّدِّ عليهم، إذنْ لأتى بالجوابِ المُفحِم والحُجَّة الظاهرة.
ثم يقول: «ومن الغد ألقى درسًا في قصة الخضر من البخاري فذكر الأقوال المتناقضة ووفَّق بينها أمَّا أن يأخذَ العبرة أو ينفذ إلى ما يقصد...وأما أن يسقي دَرْسَهُ من ماء الحياة الذي زعموا أن الخضر عليه السلام شرب منها فبقي حيًّا...فَلاَ فَلاَ»اهـ.
ثمَّ أشارَ في خاتمة الجزء الأول من هذه المقالة إلى خطاب الشيخ عبد العزيز بن الهاشمي شيخ الطريقة القادرية، وقد نَشَرَت«البصائرُ» نصَّهُ[19]، وافتتح الجزء الثاني بقوله: «لقد تركنا الشيخ محمد صالح يُسمع الطرقيين كلمةَ الحقِّ التي كشفت عن أغراضهم فأثارتهم وبيَّنت الذي بيَّتُوا فأخْنقَتْهُم، وَوَدُّوا أن يُسكِتُوهُ.. »اهـ[20].

العودةُ ثانيةً إلى الأغواط:
أذن باعثُ النهضة: الإمام ابن باديس لـ «الشيخ أبو بكر» بـ«أن يرجع إلى بلاده «الأغواط»؛ لأنَّ وجوده بها أصبح ضربةَ لازبٍ، فهو من أبناء البلد ولا يسهل إخراجه منها كما سهل إخراج أستاذه[مبارك الميلي] فبادر بالامتثال وانتصب لمهمته فيها، وشرع في إحياء عهد أستاذه[مبارك] فسدَّ الفراغ العظيم الذي تركه»اهـ[21].
وقد مرَّ هذا الظرفُ عصيبًا على دعوة الإصلاح وبلاءً انصبَّ على المصلحين، فلم تَهُنْ لهم عزيمة ولم تضعُف لهم قوَّة.

في الحرب العالمية الثانيَّة...وَفَاءٌ وتَحَدٍّ:
خيَّم جوُّ الحرب العالمية الثانيَّة على الوطن الجزائري بظُلمِه ِ وظلامِه، وسيق العلماء الأحرار إلى السجون والمعتقلات، ونُفي الإبراهيمي إلى صحراء «آفلو»، وفُرضت الإقامة الجبريةُ على ابن باديس إلى أن وافاه أجلُهُ، وانقطعت الصِّلاتُ بين رجال الجمعية، وشُلَّ نشاطُها إلاَّ في نطاق محدودٍ، وظلَّ الإبراهيمي في منفاهُ وحيدًا غريبًا في أيَّام عدَّها نحْسًا عليه لولا أنَّ رجالَ «الأغواط» وشباب النهضة الإصلاحيَّة وشِيبَها كذلك، قطعوا تلك الوِحدة وبَدَّدُوا ذلك الجوَّ المُظلِم، فكان «الشيخ أبو بكر» والشيخ «أحمد قصيبة» وغيرَهما من أهل العلم والفضل والشجاعة والشهامة يزورونه ويأتونه في «آفلو» على مسافةٍ بعيدةٍ من «الأغواط»، فابتهج بهم وسُرَّ لمؤانستِهم، إلى أن قرَّرت السلطات العسكرية منعَهم عن زيارتهِ، وسُجن «الشيخ أبو بكر» من أجل ذلكَ مع أخيه «الشيخ محمد بن بلقاسم» وسُجن الشيخ أحمد قصيبة[22].

مهامٌّ إدارية لجمعية العلماء في عاصمة الجزائر:
كان رئيس جمعية العلماء الشيخ الإبراهيمي قد وعد الأستاذ: أحمد قصيبة، و«الشيخ أبو بكر»، أن لا يتركهما بالأغواط، وأن ينقُلَهما معهُ إلى الجزائر لحاجةِ «جمعيةِ الأُمَّة» إليهما هناك[23]، ولما أُطلِق سراح الرئيس واستأنفت الجمعية نشاطها وعادت إلى اجتماعاتها أسَّسَ الإبراهيمي مركزَ الجمعية بقَصَبَةِ الجزائر، وانتُخِبَ «الشيخ أبو بكر» عضوًا في الهيأة العليا لجمعية العلماء وانتخبته هذه الهيأة(سنة:1946م) (أمينًا عامًّا) لها خليفةً للشيخ العربي التبسي الذي انتخب نائبًا للرئيس[الإبراهيمي]، وعُيِّن مديرًا لمدرسة«الإرشاد» بالبليدة (سنة: 1950م)، فقام بالمهمَّتين لمدةٍ قصيرةٍ إلى أن خَلَفَهُ في الأمانة العامَّة الأستاذ توفيق المدني (سنة:1951م) [24]، وعاد إلى «الأغواط» والتحق بإخوانه المصلحين «الذين نهضوا نهضةً مباركةً، وكوَّنوا مدرسةً عصريَّةً عُدَّت من أحسن مدارس القطر، وأمدَّت معهد عبد الحميد بن باديس[بقسنطينة] بأنبغ الطَّلبة»[25]، وتمَّ تدشينُها في (سنة: 1948م) تحت إدارة الشيخ أحمد شطَّة، الذي اغتاله العدوان الفرنسي أثناء ثورة التحرير(رحمه الله)، كان خلالها «الشيخ أبو بكر» أستاذًا بهذه المدرسة ومسؤولاً عامًّا عن سير الحركة الإصلاحيَّة بالأغواط[26].

شهادةٌ من الشيخ الأكبر الإبراهيمي:
كتب الشيخ الإبراهيمي لـ«الشيخ أبو بكر» (تزكيةً)، مُعرِّفًا بمنزلتِه العلميَّة وكفاءتِه العمليَّة، وهذا نصُّها:
«يشهدُ الممضي أسفلَهُ محمد البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أنَّ ولدنا الشيخ أبو بكر بن بلقاسم الحاج عيسى كان قد تعلَّم على المرحوم الشيخ مبارك الميلي بالأغواط، والشيخ عبد الحميد بن باديس بقسنطينة ثم انتقل إلى تونس فواصلَ تعلُّمَهُ بالزيتونة خمس سنوات إلى أن تخرَّجَ بقوّة العالميّة، ثمّ التحق بحركة جمعية العلماء وعمل بحَقْلَيْ التعليم المدرسي والوعظ والإرشاد، وكان ناجحًا موفَّقًا مُنْتِجًا ممَّا أهَّلَهُ إلى إدارة المدارس، ثمَّ عضويَّة لجنة التعليم والتفتيش الجهوي، وكان من أحسنِ النَّاسِ سلُوكًا واستقامةً. وقد كتبتُ لهُ هذه الشهادة ليستظهِرَ بها عند الحاجة. رئيس جمعية العلماء الجزائريين»اهـ[27].

أثناء ثورة التَّحرير المُظَفَّرَة:
أُلقي القبض على «الشيخ أبو بكر» وعلى الشيخين: أحمد شطة، والحسين زاهية (يوم 15 أوت سنة: 1958م)، ولقوا أنواعًا من التعذيب والإهانة، ومنهم من أُعْدِمَ كالشيخ أحمد شطة(رحمه الله)، وأُبعِدَ «الشيخ أبو بكر» إلى «معتقل بني مسوس» بالعاصمة، وما أُطلِق سراحُهُ إلاَّ في أوائل (سنة: 1960م)، ليدخل في عزلةٍ اضطراريَّة ويقبعَ في إقامةٍ جبريَّة في منزلِهِ، إلى أن أَذِنَ اللهُ تعالى لهذه الأمَّة أن ترى النُّور، وتتحرَّرَ من ذلِّ العبوديَّة، ويخرُجَ (الاستعمارُ)! ذليلاً مقهورًا خائبًا محسورًا.

أعمالُهُ بعد الاستقلال:
عُيِّن مفتِّشًا للغة العربيَّة بالمناطق الصحراوية«الأغواط، غرداية، متليلي، المنيعة»، ثم نُقل إلى «تقرت» في سنة: (1965م)، فما لبث أن عاد إلى منطقته الأولى مفتشًا للتعليم الابتدائي والمتوسط بدائرة «الأغواط» فقام بمهمته خير قيام، وكوَّن المعلِّمين وأرشدهم ووجَّههم، إلى أن أحيل على التقاعد في سنة (1982م).

حُبُّهُ للعمل في ميدان التربية والتَّعليم:
لقد كان بإمكانِ «الشيخ أبو بكر» أن يَتَبَوَّأَ أعلى المناصب عن جدارةٍ واستحقاقٍ، لكنَّه(رحمه الله) لبُعْدِهِ عن الرَّسميَّات وكراهتهِ للاشتِهار آثرَ أن يعملَ في هُدُوءِ المخلِصين، ولم يشأ أن يقطعَ نضاله في حقل التربية والتعليم الذي ابتدأَهُ في عهد الظلم والاستعمار، وهاهو يمضي فيهِ في عهد الحرِّيَّةِ والنُّور؛ وقد ألَّفَ سنة(1966م) ثلاثة أجزاءٍ لتلاميذ المرحلة الابتدائيَّة بعنوان«القواعد الواضحة» في اللغة العربيَّة، في إعرابها وأساليب بيانها[28]، ليُضيف بذلك لَبِنَةً في بناءِ صَرْحِ المنظومة العلميَّة التربويَّة في الجزائر المستقلَّة[29].
قال أحمد قصيبة وأحمد حماني: «لم يتطاول «الشيخ أبو بكر» لينال ما يستحق من منصبٍ رفيعٍ في دولته، بل التزم التربيةَ والتعليم والوعظ والإرشاد، وقد (قنع)بمنصب مفتش التعليم الابتدائي والمتوسط ورضي أن يبقى في ميدان التَّربية الذي قضى فيه كلَّ حياته، ولو تطلَّع إلى أعظمَ منهُ منزلةً لنالَهُ لجَمْعِهِ بين الثَّقَافَتَيْنِ ولما يمتازُ بهِ من كفاءةٍ وذكاءٍ وأَلْمعِيَّة، وقد استمرَّ يقومُ بأعمال الوعظ والإرشاد في المساجِد»اهـ.

دروسُهُ المسجديَّة:
شرع «الشيخ أبو بكر» في شرح «الموطأ» للإمام مالك بأحد مساجد «الأغواط»: «بأسلوب رائع جذَّاب، وتدليل محقق مدقق، ولكنَّه لم يجاوز بابي الطهارة والصلاة حتى انقطع عن تلك الدروس بما لحقه من رهق، وما طرأ عليه من مرض، وسُرعان ما تلاحقت عليه العلل بعد خروجه إلى التقاعد، فلزمَ بيتَهُ ورَكَنَ إلى المطالعة والمذاكَرَة وأصبح منزلُهُ ناديًا للزائرين، وقبلةً للمستفتين، يتردَّدُ عليه الثُّلَّةُ من أحبابه وأقرانه يزورونه بالعشيِّ والإبكار، ورغم أنه كان يَكْتُمُ أَنَّتَهُ ويبتلع آلامه، فقد كان يستقبلُ العام والخاص ببشاشةٍ وطلاقة مُحَيَّا، ويُفيض من علمه وفهمه، ومن حكمته وأدبه ما يأنس به المجالس ويطمئنُّ له المؤانس»اهـ[30].

من فوائدِهِ ومآثِرِهِ العلميَّة:
يقول عنه أحمد حماني«زميله في العلم والعمل»: «الذين يعرفون «الشيخ بو بكر» يعرفون فيه الذكاء الحادَّ الذي يرفعه إلى الألمعيَّة...ويعرفون فيه متانةَ التحصيل، والعلم الغزير»[31]، ونترُك القرَّاء الكرام مع الأستاذ «د.التواتي بن التواتي» يُحدِّثُنَا عن الشيخ؛ يقولُ بعد أن وصَفَهُ بـ«سعة الاطِّلاع التي لا حدَّ لها»:
«اتفقنا على اللِّقاء العلميّ في السِّرِّ في مكتبه وطلب منِّي أن لا أُخبر أحدًا وسألني: كيف أقرأ؟ فأخبرته الخبر، فقال لي: إن نتيجة القراءة ثلاثة: -شيءٌ فهمته لا تحتاج من يشرحه لك. -شيءٌ فهمت ولم تفهمه أي فهمته نصف الفهم. -شيءٌ استغلق عليكَ واستعصى. أما الشيء الذي فهمته فطلب مني أن ألخصه، وأما الشيء الذي فهمت بعضه فطلب مني أن أقيد له ما لم أفهمه، أما ما استغلق واستعصى فهو محل الشرح والإيضاح، وكان أول كتابٍ قرَّرَهُ لي «بدائع الفوائد» لابن قيم الجوزية، بدأنا به المشوارَ ثم «مدارج السالكين»، فـ«الاعتصام»، فـ«الموافقات» للشاطبيّ...حتَّى قعد به المرض»، وقال: «ولما سمع أنِّي تصدرتُ التدريس بالمساجد زارني في البيت وأسدى إليَّ نصائح وألحَّ عليَّ فقال لي: لا بدَّ من تعليمِ الناسِ المطالبَةَ بالدَّليل»، وقال عن مؤلفاته: «له هوامش على تفسير«محاسن التأويل»للقاسمي، ذكر لي هذا عندما تضاربت الأقوالُ وشاع لدى النَّاس أنَّهُ كتب تفسيرًا للقرآن الكريم فسألتُهُ عن ذلك فقال لي: «كتبتُ هوامش على تفسير القاسمي الموسوم بـ«محاسن التَّأويل»..»اهـ[32].

مَرَضُهُ ووَفاتُه:
تعرَّضَ في آخر حياته لمرض عضال استعصى على الأطباء علاجُهُ فلازمَ الفراشَ مدَّة سنةٍ ثمَّ لقي ربَّهُ عن سنِّ (72) عامًا، في يوم الأحد 02 ذي القعدة 1407هـ/26جوان1987م، رحمه الله تعالى.


[1] - أحمد بن أبي زيد، وأحمد حماني: «أبو بكر الحاج عيسى الأغواطي»، جريدة«النصر»، 15ذو الحجة1407هـ/28 يونيو1987م، (ص:4).

[2] - محمد دبوز: «نهضة الجزائر الحديثة» (3/255-257و262-270).

[3] - أحمد بن أبي زيد قصيبة وأحمد حماني: مصدر سابق.

[4] - الحسن فضلاء: «من أعلام الإصلاح في الجزائر» (2/113-117).

[5] - مبروك زيد الخير: «الشيخ أبو بكر الحاج عيسى ومنهجه التربوي الرشيد» (الحلقة الثانية)/ «البصائر»، السلسلة الرابعة، العدد(77)، (ص:12).

[6] -أحمد بن أبي زيد قصيبة وأحمد حماني: مصدر سابق.

[7] -أحمد بن أبي زيد قصيبة وأحمد حماني: مصدر سابق.

[8] -أحمد بن أبي زيد قصيبة وأحمد حماني: مصدر سابق.

[9] -أحمد حماني: «المجاهد الشيخ أبو بكر الأغواطي في ذمَّة الله[إن شاء الله] »، جريدة «الشعب»، 24 ذو القعدة1407هـ/20 جويلية1987م، (ص:10).

[10] -المصدر السابق.

[11] -الحسن فضلاء: مصدر سابق.

[12] -أحمد بن أبي زيد قصيبة وأحمد حماني: مصدر سابق.

[13] -«دعائم العزّ: في جمعية التربية والتعليم بقسنطينة»، «البصائر»، السلسلة الأولى، العدد(90)، 6 شوال 1356هـ/10ديصامبر1937م، (ص:4).

[14] -الحسن فضلاء: مصدر سابق.

[15] -«الشهاب»، 4 م ،4 ج ، (ص:246)، وخطبة الشيخ «أبو بكر» في (ص:249-246).

[16] -«البصائر»، السلسلة الأولى، العدد(117)، (ص:3و6).

[17] -«البصائر»، السلسة الأولى، العدد(108)، 14 صفر1357هـ/15 أفريل1938م، (ص:3).

[18] -«البصائر»، السلسة الأولى، العدد(147)، (ص:5).

[19] -انظر العدد (21) من هذه المجلَّة المبارَكة.

[20] -«مؤتمر الطرقيَّة»، الجزء (1) في«البصائر»، السلسة الأولى، العدد(111)، (ص:6)، و الجزء (2) في العدد(114)، (ص:6-7).

[21] -أحمد بن أبي زيد قصيبة وأحمد حماني: مصدر سابق.

[22] -أحمد بن أبي زيد قصيبة وأحمد حماني: مصدر سابق، ومقال«الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في منفاه بمدينة آفلو» بقلم: أحمد قصيبة(ص: 285-283)، نُشر بمجلة«الثقافة»، العدد(87).

[23] -الحسن فضلاء: مصدر سابق.

[24] -أحمد بن أبي زيد قصيبة وأحمد حماني: مصدر سابق، والحسن فضلاء: مصدر سابق.

[25] -أحمد بن أبي زيد قصيبة وأحمد حماني: مصدر سابق.

[26] -أحمد بن أبي زيد قصيبة وأحمد حماني: مصدر سابق، والحسن فضلاء: مصدر سابق.

[27] -عن النُّسخة المصَوَّرة عن الأصل، أمدَّني بصورةٍ عنها أخونا الشيخ ياسين طيبي الأغواطي(حفظه الله)، وهو عن نسخةِ الأستاذ الفاضل: بن عمر قصيبة(حفظه الله)؛ أخي الأستاذ أحمد قصيبة(رحمه الله).

[28] -الحسن فضلاء: مصدر سابق.

[29] -مبروك زيد الخير: «الشيخ أبو بكر الحاج عيسى ومنهجه التربوي الرشيد» (الحلقة الثالثة)/ «البصائر»، السلسلة الرابعة، العدد(78)، (ص:12).

[30] -مبروك زيد الخير: «الشيخ أبو بكر الحاج عيسى ومنهجه التربوي الرشيد» (الحلقة الثالثة)/ «البصائر»، السلسلة الرابعة، العدد(78)، (ص:12).

[31] -أحمد حماني:مصدر سابق.

~ سلسلة عظماء اسلموا ~ الحلقة السابعة والعشرون {روجيه جارودي .. الفيلسوف الفرنسي }

ولد روجيه أو رجاء جارودي Roger Garaudy الفيلسوف الفرنسي في مارسيليا عام 1913م لأبوين ملحدين ليس بسبب ارتباطهما بالشيوعية أو أي مذهب آخر، وقيل: كانت أمه كاثوليكية وأبوه ملحدًا(1). لكنهما كان من الأجيال التقليدية -على حد قول جارودي- تلك الأجيال التي لا يمثل الدين أي اهتمام في حياتهما.

في عام 1927م اعتنق المسيحية في الرابعة عشرة من عمره على المذهب البروتستانتي، ويقول: "اعتنقت المسيحية آنذاك لأعطي لحياتي معنى"(2).

وفي عام 1933م انضم روجيه جارودي إلى الحزب الشيوعي الفرنسي، ولم يكن في ذلك الوقت ملحدًا فقد كان رئيسًا للشبان المسيحيين البروتستانت، وكان الانضمام إلى الحزب الشيوعي في ذلك الوقت عند كثير من المثقفين الفرنسيين طريقًا للخروج من الرأسمالية، والتصدي لهتلر والنازية.

وكان عام 1956م حافلاً في حياة جارودي حيث انتخب نائبًا في البرلمان الفرنسي، ونائبًا لرئيس البرلمان.

وفي عام 1972م أصدر كتاب البديل، وفي عام 1974م أصدر مجلة باسم (البدائل الاشتراكية)، وفي عام 1976م أسس في جنيف (المعهد الدولي للحوار بين الحضارات).

وفي عام 1977م أصدر كتابه (حوار الحضارات)، وفي عام 1979م أصدر كتابه (نداء إلى الأحياء)، وساهم في أعمال ملتقى الفكر الإسلامي في الجزائر. وفي سنة 1981م أصدر كتابه (مبشرات الإسلام).

روجيه جارودي قبل إسلامه
عاش روجيه جارودي جُلَّ المحطات المهمة التي شهدها القرن العشرون، فقد ولد سنة 1913م بمدينة مرسيليا جنوب فرنسا قُبيل سنة واحدة من اندلاع الحرب العالمية الأولى، وعايش انتهاء الحرب الأولى وتوقيع الهدنة سنة 1918م، وعرف صعود النازية في ألمانيا؛ ومن ثَمَّ إعلانها الحرب في أوروبا ومقاومتها التي شارك فيها (جارودي) وسُجن على إثر ذلك من قِبل المارشال بيرتان المتعاون الفرنسي مع النازية، كما واكب جارودي سقوط ألمانيا النازية وصعود الاتحاد السوفيتي عقب الحرب، حيث كان متبنيًا متحمسًا للشيوعية.

وكان أول مترجم فرنسي لمؤلفات لينين، حيث ناقش في موسكو أول دكتوراه لفرنسي في جامعة موسكو بعنوان (الحرية)، غير أن جارودي تمرَّد على الأفكار الشيوعية ليستقيل أو ليطرد من الحزب الشيوعي سنة 1970م، ويمضي في جولة في العالم يقابل فيها أبرز الشخصيات والزعامات العالمية آنذاك، مثل: الزعيم الكوبي فيديل كاسترو، والزعيم الليبي معمر القذافي، والرئيس الجزائري هواري بومدين، والعديد من الرؤساء العرب الآخرين.

ثم قُدِّم للمحاكمة بعد مقال في جريدة (لوموند) الفرنسية ينتقد فيها الجرائم الإسرائيلية في لبنان على إثر الغزو. وبطبيعة الحال فإن جارودي واكب فيما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وقيام ما يُسمَّى بالنظام العالمي الجديد، والحربين على العراق من قبل بوش الأب والابن(3).

قصة إسلام روجيه جارودي
إن أحد أسباب انجذاب جارودي نحو الإسلام هي حياة المسلمين العاديين، وإخلاصهم لقيمهم، واحترامهم للإنسان؛ حيث يروي جارودي نفسه القصة التالية حينما كان مسجونًا في أحد المعتقلات النازية في الصحراء الجزائرية سنة 1941م:

"الرابع من آذار مارس سنة 1941م كنا زُهَاء 500 مناضل من المعتقلين والمسجونين لمقاومتنا الهتلرية، وكنا هجرنا إلى جلفة في جنوب الجزائر، وكانت حراستنا بين الأسلاك الشائكة في معسكر الاعتقال مدعومة بتهديد رشاشين، وفي ذلك اليوم -بالرغم من أوامر القائد العسكري وهو فرنسي- نظمت مظاهرة على شرف رفاقنا من قدامى المتطوعين في الفرق الدولية الإسبانية، وقد أثار عصياننا حفيظة قائد المعسكر، فاستشاط غضبًا وأنذرنا ثلاثًا، ومضينا في عصياننا، فأمر حاملي الرشاشات -وكانوا من جنوب الجزائر- بإطلاق النار، فرفضوا، وعندئذٍ هددهم بسوطه المصنوع من طنب البقر، ولكنهم ظلُّوا لا يستجيبون، وما أجدني حيًّا إلى الآن إلا بفضل هؤلاء المحاربين المسلمين".

ويضيف جارودي: "كانت المفاجأة عندما رفض هؤلاء تنفيذ إطلاق النار، ولم أفهم السبب لأوَّل وهلة؛ لأنني لا أعرف اللغة العربية، وبعد ذلك علمت من مساعد جزائري بالجيش الفرنسي كان يعمل في المعسكر أن شرف المحارب المسلم يمنعه من أن يطلق النار على إنسان أعزل، وكانت هذه أول مرة أتعرف فيها على الإسلام من خلال هذا الحدث المهم في حياتي، وقد علَّمني أكثر من دراسة 10 سنوات في السربون"(4).

لقد وَعَى جارودي عند دراسته للثقافة غير العربية الإمكانات الخاصة للإسلام، فالرجل لم يسلم بمحض الصدفة بل جاء إسلامه بعد بحث طويل في حضارات وديانات العالم كله؛ يقول جارودي:

"أحب أن أقول: إن انتمائي للإسلام لم يأتِ بمحض الصدفة، بل جاء بعد رحلة عناء وبحث، ورحلة طويلة تخللتها منعطفات كثيرة، حتى وصلت إلى مرحلة اليقين الكامل، والخلود إلى العقيدة أو الديانة التي تمثل الاستقرار، والإسلام -في نظري- هو الاستقرار"(5).

وجد روجيه جارودي في الإسلام ما لم يجده في غيره من الأيديولوجيات والمعتقدات والأفكار والنظريات الفكرية التي تفرقت بين الكتب والمجلدات، وبكلمات أكثر بساطة وفي حوار آخر له في مجلة الأمة القطرية يلخِّص جارودي أسباب انجذابه للإسلام قائلاً: "إذا حكمت على الأمور في ضوء تجربتي الشخصية فإنني أقول: إن ما كان يشغلني هو البحث عن النقطة التي يلتقي فيها الوجدان بالعقل، أو الإبداع الفني والشعري بالعمل السياسي العقيدي، وقد مكنني الإسلام -والحمد لله- من بلوغ نقطة التوحيد بينهما؛ ففي حين أن الأحداث في عالمنا تبدو عمياء متطاحنة وقائمة على النمو الكمي والعنف، يروضنا القرآن الكريم على اعتبار الكون والبشرية وحدة واحدة يكتسب فيها الدور الذي يسهم به الإنسان معنى"(6).

لقد أشهر روجيه جارودي إسلامه يوم 11 من رمضان سنة 1402 هـ/ 2 من يوليو 1982م، وأدى العمرة، وكان لإسلام جارودي دويٌّ هائل في الأوساط الفكرية والثقافية، وكثرت التعليقات عليه في الإذاعة والصحافة العربية والعالمية.

إسهامات روجيه جارودي
لقد كرَّس هذا المفكر الكبير حياته منذ إسلامه عام 1982م في الدفاع عن الإسلام، وكان آخر أعماله كتابه (الأساطير التي قامت عليها السياسة الإسرائيلية) الذي حوكم من أجله.

وقد اتجه في سياسته ثلاثة اتجاهات:
أوَّلها: تقديم حقائق الإسلام الصحيحة للعالم الغربي، وتصحيح الصورة الذهنية المشوهة والباطلة عن الإسلام والمسلمين لدى الغرب.

ثانيها: بيان أن نهوض حضارة إنسانية على عقيدة الإسلام وشريعته وقيمه وأخلاقه، هي الأمل في إنقاذ البشرية من الضياع والدمار الذي تعاني منه في العصر الحاضر.

ثالثها: بيان الخطر الذي يمثله قيام دولة إسرائيل على العالم، وخطورة الدور الذي تمارسه الصهيونية العالمية(7).

نال جائزة الملك فيصل العالمية سنة 1985-1986م عن خدمة الإسلام وذلك عن كتابيه Promesses de l'Islam (وعود الإسلام) وL'Islam habite notre avenir (الإسلام يسكن مستقبلنا) ولدفاعه عن القضية الفلسطينية.

حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة قونية في تركيا سنة 1995م(8).

نال جائزة القذافي لحقوق الإنسان من الجماهيرية العربية الليبية عام 2002م.

دور الصهيونية ضد الإسلام
يتحدث جارودي عن الجهود التي بذلها من أجل إنشاء (المعهد الدولي للحوار بين الحضارات) في كل من باريس وجنيف، وأيضًا عن الدعاية الصهيونية بفاعليتها وتنظيمها في الغرب إلى حدٍّ مخيف باعتبارها تشكِّل أحد العوائق الخطيرة أمام فهم الغرب للعالم العربي، واستخدامهم الوسائل المتعددة لتحقيق هذا الغرض(9).

ومن جهوده -أيضًا- تأليفه كتاب (الإسلام وأزمة الغرب)، وهو لا يتحدث فيه عن الإسلام عمومًا بل عن الإمكانات الجديدة لانتشاره في العالم الغربي، والأسباب التي ترجع إلى جوهر العقيدة الإسلامية وتشكل هذه الإمكانيات.

ويقرر جارودي حقيقة تاريخية وإنسانية مستمرة وهي "أن الإسلام أنقذ العالم من الانحطاط والفوضى، وأن القرآن الكريم أعاد لملايين البشر الوعي بالبُعد الإسلامي، ومنحهم روحًا جديدة"(10).

ويقدِّم جارودي في هذا الكتاب مثالاً بالأرقام لما وصل إليه العالم من استبعاد الروح الإنسانية، وتحطيم القيم الإنسانية، واتباع نموذج جنوني للتنمية؛ فيقول موضحًا انحطاط الحضارة الغربية من هذا الجانب، وأثر ذلك في البشرية كلها:

"بعد خمسة قرون من هيمنة الغرب هيمنة لا يشاركه فيها أحد، يمكن أن ننظر إلى الأرقام الثلاثة الآتية:
عام 1982م تظهر لنا ملامح وقسمات الحضارة الغربية؛ فمع حوالي 600 مليار دولار من الإنفاق على التسليح، وصنع ما يعادل أربعة أطنان من المتفجرات فوق رأس كل إنسان من سكان كوكب الأرض، مات حوالي 50 مليون نسمة في العالم من الجوع وسوء التغذية في نفس العام الذي أنفق الغرب ملياراته على أسلحة التدمير، ومن ثَمَّ فمن الصعب أن نُطلق كلمة تقدُّم على هذه المرحلة التي قطعتها الحضارة الغربية في تاريخ البشرية. ويرى جارودي أن الإسلام يمكن أن يقدِّم للعالم المعاصر ما ينفعه وما يفتقده عالم اليوم، وهو معرفة غاية الإنسان ومعنى الحياة"(11).

ومن مؤلفات روجيه جارودي أيضًا كتاب (الإرهاب الغربي Le Terrorisme occidental ) عام 2004م.

وفاة روجيه جارودي
توفي روجيه أو رجاء جارودي في 13 من يونيو 2012م في بلدية شينفيير في سور مارن، جنوب شرق باريس عن عمر يناهز 99 عامًا(12).



(1) موقع تواصل أون لاين، روجيه غارودي.
(2) مفيد الغندور: الإسلام يصطفي من الغرب العظماء ص186.
(3) موقع إسلام أون لاين.
(4) المصدر السابق.
(5) روجيه جارودي: لماذا أسلمت (نصف قرن من البحث عن الحقيقة)، دراسة أعدها محمد عثمان الخشت ص70.
(6) موقع إسلام أون لاين.
(7) مفيد الغندور: الإسلام يصطفي من الغرب العظماء ص190، 191.
(8) موقع ويكيبيديا، روجيه غارودي.
(9) روجيه جارودي: لماذا أسلمت (نصف قرن من البحث عن الحقيقة)، دراسة أعدها محمد عثمان الخشت ص92.
(10) مفيد الغندور: الإسلام يصطفي من الغرب العظماء ص188.
(11) السابق نفسه، الصفحة نفسها.
(12) موقع ويكيبيديا، Roger Garaudy

~ سلسلة عظماء اسلموا ~ الحلقة السادسة والعشرون { خالد شلدريك العالمي عالم الأديان العالم الإن

حصل الأديب العالمي عالم الأديان العالم الإنجليزي الدكتور شلدريك Sheldrake على الدكتوراه في الآداب، وكان لحضوره لقاءات واجتماعات عبد الله بك كوبليام أكبر الأثر في اقتناعه تمامًا بشريعة الإسلام؛ فانشرح له صدره وأشهر إسلامه عام 1903م بعد دراسات مطوَّلة متأنِّية في مقارنة الأديان السماوية والمذاهب الأخرى جميعها، قبل أن يلتقي بأي مسلم في بلاده، وتسمَّى باسم خالد شلدريك Khalid Sheldrake.

قصة إسلام خالد شلدريك
أما كيف اعتنق خالد شلدريك الإسلام؛ فيذكر أنه كان وهو يدرس المسيحية في المدرسة يسأل كثيرًا عن الأديان الأخرى، ويتوق إلى دراستها، ثم حدث أن زار إحدى المكتبات التجارية، وطلب مشاهدة ما فيها من الكتب المؤلَّفة عن مختلف الأديان، فعُرِضَ عليه كتاب في الطعن على البوذية، وكتاب في الطعن على الهندوسية، وبضعة كتب في الطعن على الإسلام.

فلمَّا لاحظ خالد شلدريك أن الاهتمام بمحاربة الإسلام والطعن عليه وتشويه صورته أشدُّ كثيرًا من الاهتمام بمحاربة الديانات والمذاهب الأخرى، اشتاقت نفسه إلى دراسة هذا الدين؛ الذي يتعرَّض لهذا التشويه المتعمَّد؛ فأخذ يقرأ كتب الطعن فيه، ومن العجيب أنه آمن به من هذه الكتب التي تطعن فيه، فأرسل إلى السلطان العثماني (السلطان عبد الحميد) في تركيا يُخبره بإيمانه، ويطلب منه التوسُّع في دراسة الإسلام، وكان جواب شيخ الإسلام التركي أن أحال الدكتور شلدريك على الشيخ عبد الله كوبليام.

وقال الدكتور شلدريك عن الإسلام: "تساءلت في نفسي: إذا كان الإسلام لا أهمية له، فلماذا يبذل الغربيون كل هذه الجهود لمقاومته؟! ليس عندي ريب في أن الإسلام سيسود العالم أجمع، بشرط أن يكون المسلمون مثالاً حسنًا يعلن عن الإسلام، ويُعَرِّف الأمم به عمليًّا"(1). وقال الدكتور شلدريك أيضًا: "عقيدة التوحيد الخالص التي امتاز بها الإسلام هي أصح العقائد التي عرفها البشر، وهي كاملة في توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، وفي إعلان صفات الكمال لبارئ الكون.. إن الإسلام لا يُخفيه انتقادُ منتقديه... وإذا كان هناك دين انتشر بالسيف، فليس هو الإسلام بل غيره"(2).

إسهامات خالد شلدريك
وكما اتصل الدكتور خالد شلدريك بالشيخ كوبليام وأخذ عنه، فقد اتَّصل -أيضًا- بالدكتور سهروردي وعدد آخر من العلماء المسلمين الشرقيين والإنجليز، وأسَّسُوا جمعية إسلامية جديدة للدعوة إلى الإسلام والدفاع عنه ونشر مبادئه، وأُسندت سكرتارية تلك الجمعية إلى الدكتور خالد شلدريك، ثم أصبح وكيلاً لها، ثم آلت إليه رئاستها عام 1911م، وكانت الجمعية تُنَظِّم الاجتماعات العامة التي يحضرها المئات من كبار المثقَّفين والمفكِّرين الإنجليز لشرح قواعد الإسلام وبيان محاسنه؛ فأسلم كثيرون منهم على علمٍ بأصول الإسلام، وإيمانًا بمبادئه(3).

وعندما غزت إيطاليا الأراضي الليبية عام 1911م أسهمت الجمعية بنصيب وافر في معاونة المفكِّر والزعيم الهندي المسلم السيد أمير علي (1849- 1928م) في إنشاء (جمعية الهلال الأحمر البريطانية)، التي قامت بمدِّ المجاهدين المسلمين في ليبيا بالأموال والمتطوعين من الأطباء وأجهزة المستشفيات، كما قامت الجمعية بالدور نفسه عندما نشبت الحرب التي خاضها المسلمون الأتراك في البلقان، وانضمَّ إليهم كثير من متطوِّعي البلاد الإسلامية الأخرى؛ وكان منهم عدد كبير من المصريين.

وعندما قامت الحرب العالمية الأولى عام 1914م تفرَّق أعضاء الجمعية؛ حيث ذهب الدكتور خالد شلدريك إلى ميدان القتال، فأغلقت الجمعية أبوابها، وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى عاد إلى لندن، وتعاون مع بعض علماء الإسلام من الشرقيين والإنجليز على إنشاء جمعية جديدة باسم (الجمعية الغربية الإسلامية)، فتمَّ ذلك في عام 1920م، واختير رئيسًا لتلك الجمعية مدى الحياة، وكان من أهداف تلك الجمعية: الدعوة إلى نشر الإسلام، ومدُّ يد العون للمعوزين من المسلمين القادمين من البلدان الإسلامية والإفريقية، ومنهم كثير من البلدان العربية والصومال والهند؛ ممن كانوا يعملون في المواني البريطانية، وكان -أيضًا- من أهداف الجمعية إنشاء المساجد والمدارس لتعليم أبناء المسلمين، كما أُنشئت في عام 1927م جمعية فرعية لدفن المسلمين الغرباء بإنجلترا طبقًا للشريعة الإسلامية، وأُسندت رئاستها إلى نُخبة من كبار القوم منهم(4).

وقد قام خالد شلدريك (Khalid Sheldrake) في لندن عام (1914م) بترجمة معاني القرآن الكريم بلغة الإسبرانتو العالمية، وظهر بعضها في مجلة إسلاميك ريفيوا(5).

(1) أنور الجندي: آفاق جديدة للدعوة، ص154.
(2) أنور الجندي: موسوعة مقدمات العلوم والمناهج 8/172.
(3) مفيد الغندور: الإسلام يصطفي من الغرب العظماء ص142، 143.
(4) المصدر السابق ص143.
(5) مجلة البحوث الإسلامية، مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية، العدد (30)، ص263.

زياد علي

زياد علي محمد