- اسمه ونسبه:
ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري الخزرجي، وكنيته: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد المدني، خطيب الأنصار، وخطيب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأمه هند الطائية، وقيل: غير ذلك.
وأولاده: محمد، ويحيى، وعبد الله، قتلوا يوم الحرة.
وإخوته لأمه: عبد الله بن رواحة، وعمرة بنت رواحة.
وكان زوج جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول، فولدت له محمداً.
وكان جهير الصوت، خطيباً، بليغاً.
قيل: أن وفد تميم قدموا، وافتخر خطيبهم بأمور، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -، لثابت بن قيس: (( قم فأجب خطيبهم ))، فقام فحمد الله وأبلغ، وسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون بمقامه.
2- مشاهده:
شهد أحداً وما بعدها من المشاهد وقتل يوم اليمامة شهيداً - رحمه الله - في خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.
3- إحسانه:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ، أَتَى الزّبَيْرَ بْنَ بَاطَا الْقُرَظِيّ، وَكَانَ الزّبَيْرُ قَدْ مَنّ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فإنّهُ كَانَ مَنّ عَلَيْهِ يَوْمَ بُعَاثٍ، أَخَذَهُ فَجَزّ نَاصِيَتَهُ ثُمّ خَلّى سَبِيلَهُ - فَجَاءَهُ ثَابِتٌ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ في معركة بني قريظة وأراد أن يرد له دينه وإحسانه، حيث أنقذه من الموت، فأراد ثابت أن ينقذه من الموت؛ لأنه كان من الأسرى، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ هَلْ تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: وَهَلْ يَجْهَلُ مِثْلِي مِثْلَك؟، قَالَ: إنّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أَجْزِيَك بِيَدِك عِنْدِي، قَالَ: إنّ الْكَرِيمَ يَجْزِي الْكَرِيمَ، ثُمّ أَتَى ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ: إنّهُ قَدْ كَانَتْ لِلزّبَيْرِ عَلَيّ مِنّةٌ، وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ أَجْزِيَهُ بِهَا، فَهَبْ لِي دَمَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: هُوَ لَك، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ وَهَبَ لِي دَمَك، فَهُوَ لَك، قَالَ: شَيْخُ كَبِيرٌ لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا يَصْنَعُ بِالْحَيَاةِ؟ قَالَ فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي يَا رَسُولَ اللّهِ: هَبْ لِي امْرَأَتَهُ وَوَلَدَهُ؟ قَالَ: هُمْ لَك، فَأَتَاهُ فَقَالَ: قَدْ وَهَبَ لِي رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَك وَوَلَدَك، فَهُمْ لَك، قَالَ: أَهْلُ بَيْتٍ بِالْحِجَازِ لَا مَالَ لَهُمْ، فَمَا بَقَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَالَهُ، قَالَ: هُوَ لَك، فَأَتَاهُ ثَابِتٌ فَقَالَ: قَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَالَك، فَهُوَ لَك، قَالَ: أَيْ ثَابِتٌ: مَا فَعَلَ الّذِي كَأَنّ وَجْهَهُ مِرْآةٌ صِينِيّةٌ يَتَرَاءَى فِيهَا عَذَارَى الْحَيّ، كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ فَمَا فَعَلَ سَيّدُ الْحَاضِرِ وَالْبَادِي: حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ فَمَا فَعَلَ مُقَدّمَتُنَا إذَا شَدَدْنَا، وَحَامِيَتُنَا إذَا فَرَرْنَا: عَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلَ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ الْمُجْلِسَانِ؟ يَعْنِي بَنِي كَعْبِ بْنِ قُرَيْظَةَ، وَبَنِيّ عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ، قَالَ: قُتِلُوا؟ قَالَ: فَأَنّي أَسْأَلُك يَا ثَابِتُ بِيَدِي عِنْدَك، إلّا أَلْحَقْتنِي بِالْقَوْمِ، فَوَاَللّهِ مَا فِي الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ خَيْرٍ، فَمَا أَنَا بِصَابِرِ لِلّهِ فَتْلَةَ دَلْوٍ نَاضِحٍ بقدر إفْرَاغَ الدَلْوٍ حَتّى أَلْقَى الْأَحِبّةَ، فَقَدّمَهُ ثَابِتٌ إلى الزبير بن العوام فَضَرِبَ عُنُقُهُ، فَلَمّا بَلَغَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ قَوْلَهُ أَلْقَى الْأَحِبّةَ، قَالَ: يَلْقَاهُمْ وَاَللّهِ فِي نَارِ جَهَنّمَ خَالِدًا فِيهَا مُخَلّدًا.
4- كرامته ووصيته:
كل إنسان يموت لا يمكن أن يوصي، إلا ثابت بن قيس، فقد أوصى بعدما مات، وهذه كرامة من الله له، ولنستمع الآن كيف حدث ذلك:
لما كان يوم اليمامة خرج ثابت مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة، فلما التقوا، انكشفوا فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم حفر كل واحد منهما له حفرة، فثبتا وقاتلا حتى قتلا، وكان على ثابت يومئذ درع له نفيسة، فمر به رجل من المسلمين فأخذها، فبينا رجل من المسلمين نائم، إذ أتاه ثابت في منامه فقال له: إني أوصيك بوصية، فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه، إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين، فأخذ درعي، ومنزله في أقصى الناس، وعند خبائه فرس يستن في طوله يتحرك في طول الحبل المربوط به، وقد كفا على الدرع بُرمة قدر وفوق البرمة رحل، فأت خالداً فمره أن يبعث إلي درعي فيأخذها، وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - فقل له: إن عليّ من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيق عتيق، فأتى الرجل خالداً، فأخبره، فبعث إلى الدرع فأتى به، وحدث أبا بكر - رضي الله عنه – برؤياه، فأجاز وصيته بعد موته، قالوا: ولا نعلم أحداً أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس - رضي الله عنه -، كرامة من الله له.
5- البشارة بالجنة:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)، جَلَسَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فِي بَيْتِهِ، وَقَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَاحْتَبَسَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ: ((يَا أَبَا عَمْرٍو مَا شَأْنُ ثَابِتٍ، أَشْتَكَى؟، قَالَ سَعْدٌ: إِنَّهُ لَجَارِي وَمَا عَلِمْتُ لَهُ بِشَكْوَى، قَالَ: فَأَتَاهُ سَعْدٌ فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ ثَابِتٌ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْفَعِكُمْ صَوْتاً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)) [رواه البخاري ومسلم واللفظ له].
5- وفاته:
عن ثابت بن قيس بن شماس - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((يا ثابت: أما ترضى أن تعيش حميداً، وتقتل شهيداً، وتدخل الجنة))، فقلت: بلى رضيت، فقتل ثابت بن قيس يوم اليمامة شهيداً، سنة اثنتي عشرة في أيام أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.
قال أنس بن مالك لما انكشف الناس تراجعوا يوم اليمامة، قلت لثابت بن قيس ابن شماس: ألا ترى يا عم، ووجدته قد حسر عن فخذيه وهو يتحنط الحنوط: (طيب يوضع مع الأكفان) فقال: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بئس ما عودتم أقرانكم، وبئس ما عودتم أنفسكم، اللهم إني أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء، ثم قاتل حتى قتل - رضي الله عنه -.
ثابت بن قيس من خيرة الرجال، ومن المقاتلين الأبطال، شهد له بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ)) [رواه الترمذي وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ].
يحيى بن موسى الزهراني
ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري الخزرجي، وكنيته: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد المدني، خطيب الأنصار، وخطيب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأمه هند الطائية، وقيل: غير ذلك.
وأولاده: محمد، ويحيى، وعبد الله، قتلوا يوم الحرة.
وإخوته لأمه: عبد الله بن رواحة، وعمرة بنت رواحة.
وكان زوج جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول، فولدت له محمداً.
وكان جهير الصوت، خطيباً، بليغاً.
قيل: أن وفد تميم قدموا، وافتخر خطيبهم بأمور، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -، لثابت بن قيس: (( قم فأجب خطيبهم ))، فقام فحمد الله وأبلغ، وسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون بمقامه.
2- مشاهده:
شهد أحداً وما بعدها من المشاهد وقتل يوم اليمامة شهيداً - رحمه الله - في خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.
3- إحسانه:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ، أَتَى الزّبَيْرَ بْنَ بَاطَا الْقُرَظِيّ، وَكَانَ الزّبَيْرُ قَدْ مَنّ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فإنّهُ كَانَ مَنّ عَلَيْهِ يَوْمَ بُعَاثٍ، أَخَذَهُ فَجَزّ نَاصِيَتَهُ ثُمّ خَلّى سَبِيلَهُ - فَجَاءَهُ ثَابِتٌ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ في معركة بني قريظة وأراد أن يرد له دينه وإحسانه، حيث أنقذه من الموت، فأراد ثابت أن ينقذه من الموت؛ لأنه كان من الأسرى، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ هَلْ تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: وَهَلْ يَجْهَلُ مِثْلِي مِثْلَك؟، قَالَ: إنّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أَجْزِيَك بِيَدِك عِنْدِي، قَالَ: إنّ الْكَرِيمَ يَجْزِي الْكَرِيمَ، ثُمّ أَتَى ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ: إنّهُ قَدْ كَانَتْ لِلزّبَيْرِ عَلَيّ مِنّةٌ، وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ أَجْزِيَهُ بِهَا، فَهَبْ لِي دَمَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: هُوَ لَك، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ وَهَبَ لِي دَمَك، فَهُوَ لَك، قَالَ: شَيْخُ كَبِيرٌ لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا وَلَدٌ، فَمَا يَصْنَعُ بِالْحَيَاةِ؟ قَالَ فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي يَا رَسُولَ اللّهِ: هَبْ لِي امْرَأَتَهُ وَوَلَدَهُ؟ قَالَ: هُمْ لَك، فَأَتَاهُ فَقَالَ: قَدْ وَهَبَ لِي رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَهْلَك وَوَلَدَك، فَهُمْ لَك، قَالَ: أَهْلُ بَيْتٍ بِالْحِجَازِ لَا مَالَ لَهُمْ، فَمَا بَقَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَالَهُ، قَالَ: هُوَ لَك، فَأَتَاهُ ثَابِتٌ فَقَالَ: قَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَالَك، فَهُوَ لَك، قَالَ: أَيْ ثَابِتٌ: مَا فَعَلَ الّذِي كَأَنّ وَجْهَهُ مِرْآةٌ صِينِيّةٌ يَتَرَاءَى فِيهَا عَذَارَى الْحَيّ، كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ فَمَا فَعَلَ سَيّدُ الْحَاضِرِ وَالْبَادِي: حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ فَمَا فَعَلَ مُقَدّمَتُنَا إذَا شَدَدْنَا، وَحَامِيَتُنَا إذَا فَرَرْنَا: عَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلَ؟ قَالَ: قُتِلَ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ الْمُجْلِسَانِ؟ يَعْنِي بَنِي كَعْبِ بْنِ قُرَيْظَةَ، وَبَنِيّ عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ، قَالَ: قُتِلُوا؟ قَالَ: فَأَنّي أَسْأَلُك يَا ثَابِتُ بِيَدِي عِنْدَك، إلّا أَلْحَقْتنِي بِالْقَوْمِ، فَوَاَللّهِ مَا فِي الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ خَيْرٍ، فَمَا أَنَا بِصَابِرِ لِلّهِ فَتْلَةَ دَلْوٍ نَاضِحٍ بقدر إفْرَاغَ الدَلْوٍ حَتّى أَلْقَى الْأَحِبّةَ، فَقَدّمَهُ ثَابِتٌ إلى الزبير بن العوام فَضَرِبَ عُنُقُهُ، فَلَمّا بَلَغَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ قَوْلَهُ أَلْقَى الْأَحِبّةَ، قَالَ: يَلْقَاهُمْ وَاَللّهِ فِي نَارِ جَهَنّمَ خَالِدًا فِيهَا مُخَلّدًا.
4- كرامته ووصيته:
كل إنسان يموت لا يمكن أن يوصي، إلا ثابت بن قيس، فقد أوصى بعدما مات، وهذه كرامة من الله له، ولنستمع الآن كيف حدث ذلك:
لما كان يوم اليمامة خرج ثابت مع خالد بن الوليد إلى مسيلمة، فلما التقوا، انكشفوا فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم حفر كل واحد منهما له حفرة، فثبتا وقاتلا حتى قتلا، وكان على ثابت يومئذ درع له نفيسة، فمر به رجل من المسلمين فأخذها، فبينا رجل من المسلمين نائم، إذ أتاه ثابت في منامه فقال له: إني أوصيك بوصية، فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه، إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين، فأخذ درعي، ومنزله في أقصى الناس، وعند خبائه فرس يستن في طوله يتحرك في طول الحبل المربوط به، وقد كفا على الدرع بُرمة قدر وفوق البرمة رحل، فأت خالداً فمره أن يبعث إلي درعي فيأخذها، وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - فقل له: إن عليّ من الدين كذا وكذا، وفلان من رقيق عتيق، فأتى الرجل خالداً، فأخبره، فبعث إلى الدرع فأتى به، وحدث أبا بكر - رضي الله عنه – برؤياه، فأجاز وصيته بعد موته، قالوا: ولا نعلم أحداً أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس - رضي الله عنه -، كرامة من الله له.
5- البشارة بالجنة:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)، جَلَسَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فِي بَيْتِهِ، وَقَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَاحْتَبَسَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَسَأَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ: ((يَا أَبَا عَمْرٍو مَا شَأْنُ ثَابِتٍ، أَشْتَكَى؟، قَالَ سَعْدٌ: إِنَّهُ لَجَارِي وَمَا عَلِمْتُ لَهُ بِشَكْوَى، قَالَ: فَأَتَاهُ سَعْدٌ فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ ثَابِتٌ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْفَعِكُمْ صَوْتاً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)) [رواه البخاري ومسلم واللفظ له].
5- وفاته:
عن ثابت بن قيس بن شماس - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((يا ثابت: أما ترضى أن تعيش حميداً، وتقتل شهيداً، وتدخل الجنة))، فقلت: بلى رضيت، فقتل ثابت بن قيس يوم اليمامة شهيداً، سنة اثنتي عشرة في أيام أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.
قال أنس بن مالك لما انكشف الناس تراجعوا يوم اليمامة، قلت لثابت بن قيس ابن شماس: ألا ترى يا عم، ووجدته قد حسر عن فخذيه وهو يتحنط الحنوط: (طيب يوضع مع الأكفان) فقال: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بئس ما عودتم أقرانكم، وبئس ما عودتم أنفسكم، اللهم إني أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء، ثم قاتل حتى قتل - رضي الله عنه -.
ثابت بن قيس من خيرة الرجال، ومن المقاتلين الأبطال، شهد له بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ، نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ)) [رواه الترمذي وقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ].
يحيى بن موسى الزهراني