الأحد، 1 سبتمبر 2019

الإمام عاصم - رحمه الله

بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ

الـسَّـلَامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبـَرَكَـاتُـهُ
الحَمْدُ للهِ الحَمِيدِ المَجِيدِ؛ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ، وَهُوَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَمُعَافَاتِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى حُكْمِهِ وَمُجَازَاتِهِ،

يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ سَيِّئَةً مِثْلَهَا، وَيُضَاعِفُ الحَسَنَةَ إِلَى عَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛

هَدَى قُلُوبَ أُنَاسٍ فَشَرَوُا الآخِرَةِ بِالدُّنْيَا، وَضَلَّ عَنِ هِدَايَتِهِ أَقْوَامٌ فَخَلَدُوا إِلَى الفَانِيَةِ وَضَيَّعُوا البَاقِيَةَ؛

[مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا] {الكهف:17}،

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ دَعَا إِلَى الهُدَى فَاتَّبَعَهُ ثُلَّةٌ مِنَ السَّابِقِينَ فَدَوْهُ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ،

وَانْخَلَعُوا مِنْ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَعَادَوا عَشَائِرَهُمْ وَقَبَائِلَهُمْ؛ فَسَخَّرَهُمُ اللهُ تَعَالَى نُصْرَةً لِنَبِيِّهِ، وَاخْتَارَهُمْ حَمَلَةً لِدِينِهِ،

صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَعَلَى الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَأَطِيعُوهُ، وَأَقِيمُوا دِينَكُمْ، وَتَعَاهَدُوا إِيمَانَكُمْ،

وَتَفَقَّدُوا قُلُوبَكُمْ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَجْسَامِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ،

[يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ] {الشعراء:88-89}.





ترجمة الإمام عاصم - رحمه الله -

قال الإمام الداني في الأرجوزة المنبهة:

وعاصمٌ إمام أهلِ الكوفة

أخباره رفيعة شريفة

مسطورةٌ في الكُتب عند الناسِ

مشهورةٌ من غير ما التباس

وعلمه بالنحو والقرآنِ

قد انتهى وسار في البلدانِ

هو الإمام ابن أبي النَّجودِ

يُعزَى إلى الشُّمِّ الكرامِ الصِّيدِ

قد بذَّ أهل المِصر في الفصاحة

والعلم بالحظر وبالإباحة



وقال الشاطبي في الحرز:

فأما أبو بكرٍ وعاصمٌ اسمه

فشعبةُ راويه المبرز أفضَلا

 وقال ابن الجزري - رحمه الله - في الطيِّبة:

ثلاثةٌ من كوفةٍ فعاصمُ

فعنه شعبةُ وحفصٌ قائمُ



• عاصم: هو أبو بكر، عاصم بن أبي النَّجود بن بهدلة الأسدي مولاهم الكوفي الحناط، شيخ الإقراء بالكوفة، وأحد القرَّاء السبعة.

• والنَّجود بفتح النون وضم الجيم، وقد غلط من ضم النون، ويقال: أبو النجود اسم أبيه، لا يُعرف له اسم غير ذلك، ويقال: بهدلة اسم أمه،

وهذا لا يصح، بل هو اسم أبيه؛ فقد قال الذهبي في السير عن كون بهدلة اسم أمه: "وليس بشيء، بل هو أبوه"، وقيل: اسم أبي النجود: عبدالله.

 مولده:

وُلِد الإمام عاصم - رحمه الله - في إمرة الصحابي الجليل/ معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه وأرضاه -

وأخذ القراءة عرضًا على زِرِّ بن حُبَيش، وأبي عبدالرحمن السُّلَمي، وأبي عمرو الشيباني، وقرأ هؤلاء الثلاثة على عبدالله بن مسعود،

وقرأ السُّلَمي وزِرٌّ على عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، وقرأ السلمي أيضًا على أُبَي بن كعب وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم جميعًا -

 وقرأ ابن مسعود، وعثمان وأُبَي، وزيد - رضي الله عنهم - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

 وانتهت إلى الإمام عاصم - رحمه الله - رئاسةُ الإقراء بالكوفة بعد أبي عبدالرحمن السُّلَمِي، وجلس موضعه، ورحل الناس إليه للقراءة، وجمع

 - رحمه الله - بين الفصاحة والإتقان والتحرير، وكان أحسن الناس صوتًا بالقرآن، وكان يراعي الابتداء، ويقف حيث تم الكلام.

 شهادات الأئمة فيه:

قال أبو بكر بن عياش: لما هَلَك أبو عبدالرحمن جلس عاصم يُقرِئ الناس، وكان عاصم أحسنَ الناس صوتًا بالقراءة.

 وقال سَلَمة بن عاصم: كان عاصم بن أبي النَّجُود ذا نُسُك، وأدب، وفصاحة، وحسن صوت.

 وقال أبو بكر بن عياش: لا أُحصِي ما سمعت أبا إسحاق السَّبِيعي يقول: ما رأيتُ أحدًا أقرأ من عاصم بن أبي النجود.







وقال يحيى بن آدم: حدثنا حسن بن صالح قال: ما رأيتُ أحدًا قط كان أفصح من عاصم، إذا تكلَّم كاد يدخله خيلاء.

 وقال شريك: كان عاصم صاحب همز ومد، وقراءة سديدة، وكان صاحب سنة، ورأسًا في القرآن، وكان - رحمه الله -

 ذا نسك وأدب، وكان نَحْويًّا، فصيحًا إذا تكلم.

 وقال عنه الإمام الذهبي: كان عاصمٌ ثبتًا في القراءة، صدوقًا في الحديث، وكان إذا كان في حاجة له ومر بمسجد يقول لصاحبه: مِلْ بنا؛

 فإن الحاجة لا تفوت، ويصلِّي، وقال عاصم عن نفسه: ما قدمت على أبي وائل من سفر إلا قبَّل كفِّي.

 صفته وخُلقه:

كان الإمام عاصم - رحمه الله - ذا خلق رفيع، دَمِثًا، لا يثور إذا استُثِير، أو تسبب أحد في إصابته.

 قال أبو بكر بن عياش: كان عاصم نَحْويًّا، فصيحًا إذا تكلم، مشهور الكلام، وكان الأعمش وعاصم وأبو حصين كلهم لا يبصرون،

جاء رجل يومًا يقود عاصمًا، فوقع وقعة شديدة، فما كَهَره - نَهَره - ولا قال له شيئًا! فرحمه الله ورضي عنه.

 فصاحته:

مرَّ معنا أنه - رحمه الله - كان فصيحًا حتى إنه إذا تكلَّم كاد يدخله خيلاء، وكان نَحْويًّا، بحرًا في أوجه النحو، وداعية إلى التبحُّر فيه.

 قال أبو بكر بن عيَّاش: قال لي عاصم: "مَن لم يُحسن العربية إلا وجهًا واحدًا لم يُحسن شيئًا"، وقال أيضًا: قال لي عاصم:

ما أقرأني أحدٌ حرفًا إلا أبو عبدالرحمن، فكنت أرجع من عنده، فأعرض على زِر،

وكان زِرٌّ قد قرأ على عبدالله - رضي الله عنه - فقلتُ لعاصم: لقد استوثقتَ.

 عقيدته:

كان - رحمه الله - صاحب سنة، متبعًا، متمسكًا بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -

 فقد قال أحمد بن عبدالله العجلي: عاصم بن بهدلة صاحب سنة وقراءة،

 كان رأسًا في القرآن، قَدِم البصرة فأقرأهم، قرأ عليه سلام أبو المنذر وكان عثمانيًّا.

 وقال الإمام عبدالله بن الإمام أحمد: سألتُ أبي عن عاصم بن بهدلة فقال: رجل صالح خيِّر ثقة،

 فسألته: أي القراءة أحبُّ إليك؟ فقال: قراءة أهل المدينة، فإن لم يكن، فقراءة عاصم.

 شدة إتقانه وقوة انفعاله بالقرآن:

بلغ من شدة إتقانه - رحمه الله - لحفظ القرآن، ما رواه أبو بكر بن عياش قال: قال لي عاصم: مرضتُ سنتين،

 فلما قمت قرأت القرآن، فما أخطأت حرفًا!

 وبلغ من قوة انفعاله بالقرآن أنه كان يعد آي القرآن بأصابع يده؛ فقد قال عماد الدين بن سلمة: رأيت حبيب بن الشهيد يعقد الآي في الصلاة،

 ورأيت عاصم بن بهدلة يعقد ويصنع مثل صنيع عبدالله بن حبيب.

 وقال حفص: كان عاصم إذا قُرِئ عليه أخرج يده فعدَّ.

 ورعه وتقواه:

قال أبو بكر بن عياش: كان عاصمٌ إذا صلَّى ينتصب كأنه عود، وكان عاصم يوم الجمعة في المسجد إلى العصر، وكان عابدًا خَيِّرًا، أبدًا يُصلي،

ربما أتى حاجة فإذا رأى مسجدًا قال: مِلْ بنا؛ فإن حاجتنا لا تفوت، فرحمه الله ورضي عنه.

 وكان - رحمه الله - من التابعين: فقد روى عن أبي رِمْثَةَ رفاعة بن يثربي التميمي، والحارث بن حسان البكري، وكانت لهما صحبة.

 قال ابن الجزري في غاية النهاية (1/347): "أما حديثه عن أبي رِمْثَةَ فهو في مسند أحمد بن حنبل، وأما حديثه عن أبي الحارث،

 فهو في كتاب أبي القاسم بن سلام".



توثيق أهل الحديث له:

قال ابن حجر في التقريب (2/165): "صدوق له أوهام، حجة في القراءة، وحديثه في الصحيحين مقرون".

 قال المعلقون على كلام ابن حجر: "بل ثقة يهم؛ فهو حسن الحديث، وقوله: (صدوق له أوهام) ليس بجيد؛ فقد وثَّقه يحيى بن معين،

 وأحمد بن حنبل، وأبو زرعة الرازي، ويعقوب بن سفيان، وابن حبان، وجعله ابن مَعِين من نظراء الأعمش -

وإن فضَّل هو وأحمد الأعمش عليه -

 وكل هؤلاء وثَّقوه مع معرفتهم ببعض أوهامه اليسيرة؛ وانظر لذلك: تحرير تقريب التهذيب (2/165).

 وقال أبو حاتم: محله الصدق، وحديثه مخرَّج في الكتب الستة، وممن وثقه أيضًا: شعبة، والحمدان، والسفيانان، وأبو زرعة، وجماعة.

 وأذكر من أحاديثه - رحمه الله - ما رواه الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -

 قال لقريش: ((يا معشر قريش، لا خير في أحدٍ يُعبَد من دون الله))، فقالوا: ألست تزعم أن عيسى كان نبيًّا وكان عبدًا صالحًا،

 إن كنت صادقًا إنه لكآلهتِهم، فأنزل الله - تعالى -: ﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ﴾ يضجون

﴿ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ﴾ [الزخرف: 57 - 61]، خروج عيسى قبل يوم القيامة - والحديث صحيح، وهو جزء من حديث رواه أحمد في المسند بلفظ:

 "فإن آلهتهم لكما تقولون"، وكذا رواه ابن أبي حاتم، وذكره ابن كثير في تفسيره عند تفسير هذه الآية.

 وروى عبدالرزاق في مصنَّفه عن مَعْمَر قال: سمعتُ أيوب يسأل عاصم بن أبي النَّجُود: ما سمعتَ في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم؟

قال: أخبرني أبو وائل أنه سمع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يفتتح: "الحمد لله رب العالمين".

 ومن أحاديثه أيضًا حديث في صحيح ابن خزيمة بسنده عن صفوان بن عسال قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

يقول: ((ما من خارج يخرجُ من بيته ليطلبَ العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضاءً بما يصنع))،

 وهو جزء من حديث رواه أحمد في المسند،

 والبيهقي في السنن الكبرى، والدارقطني في سننه، وصحَّحه الشيخ الألباني.



 مَن أخذ القراءة عنه:

تلقَّى القراءة عن الإمام عاصم - رحمه الله - خلقٌ كثير، وقد أشار ابن الجزري والشاطبي إلى أشهر رواته، وهما شعبة وحفص،

 وستأتي ترجمتهما بعد قليل - إن شاء الله - كما روى القراءة غير هذين الشهيرين عددٌ كثي، منهم:

1- أبان بن تغلب الربعي، أبو سعيد - ويقال: أبو أميمة - الكوفي النحوي، مقرئ جليل، قرأ على عاصم، وأبي عمرو الشيباني،

 وطلحة بن مصرف، والأعمش، وهو أحد الذين ختموا عليه، أخذ القراءة عنه عرضًا: محمد بن صالح بن زيد الكوفي..

 وأخذ الحروف عن محمد: القاسم بن بشار الأنباري، وتوفِّي أبان سنة إحدى وأربعين ومائة (141هـ).

 2- هارون بن موسى الأعور، أبو عبدالله العتكي البصري الأزدي، مولاهم، علاَّمة صدوق نبيل، له قراءة معروفة،

 روى القراءة عن عاصم الجحدري، وعاصم بن أبي النجود، وعبدالله بن كثير وغيرهم، وروى القراءة عنه علي بن نصر،

 ويونس بن محمد المؤدب، وشهاب بن شرنقة، ووهيب بن عمرو، وحجاج بن محمد، وغيرهم، وقال أبو حاتم: كان أول مَن سمع بالبصرة

 وجوهَ القراءات، وألفها، وتتبع الشاذَّ منها، توفِّي سنة (146هـ).

 3- سليمان بن مهران الأعمش، أبو محمد الأسدي الكاهلي، مولاهم الكوفي، الإمام الجليل، ولد سنة (60 هـ)،

 أخذ القراءة عرضًا عن إبراهيم النخعي، وزر بن حبيش، وزيد بن وهب، وعاصم بن أبي النجود، وغيرهم،

 وروى القراءة عنه عرضًا وسماعًا: حمزة الزيَّات، ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، وجرير بن عبدالحميد، وزائدة بن قدامة،

وغيرهم، وقال هشام: ما رأيت بالكوفة أحدًا أقرأ لكتاب الله - عز وجل - من الأعمش، وقال - رحمه الله -: إن الله زيَّن بالقرآن أقوامًا،

 وإني ممَّن زيَّنه الله بالقرآن، ولولا ذلك لكان على عنقي دَين أطوف به في سكك الكوفة، توفِّي - رحمه الله - سنة ثمان وأربعين ومائة (148 هـ).

 وغير هؤلاء كثير، منهم: أبان بن يزيد العطار - إسماعيل بن مجالد - الحسن بن صالح - حماد بن زيد - حماد بن أبي زياد -

 نعيم بن ميسرة - سهل بن شعيب - حماد بن عمرو - الضحاك بن ميمون.

 وروى عنه حروفًا من القرآن: أبو عمرو بن العلاء - الخليل بن أحمد - الحارث بن نبهان - حمزة الزيات - المغيرة الضَبِّي -

محمد بن عبدالله العزرمي - وغيرهم خلق كثير، فرَضِي الله عنه، ورحمه رحمة واسعة.



 وفاته:

 قال أبو بكر بن عياش: دخلتُ على عاصم وقد احتُضِر، فجعلتُ أَسمعُه

 يردِّد هذه الآية يحقِّقها حتى كأنه يصلِّي: ﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى الله مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ﴾ [الأنعام: 62].

 وتُوُفِّي الإمام عاصم - رحمه الله - آخر سنة سبع وعشرين ومائة (127هـ)،

وقيل: سنة ثمان وعشرين ومائة (128هـ)، ولا اعتبار بقول مَن قال غير ذلك.

 وتُوُفِّي - رحمه الله - بالكوفة على الصحيح، وانظر: غاية النهاية (1/147)، والنشر (1/155)، فرحمه الله ورضي عنه، وأسكنه فسيح جناته.

فتشبَّهوا إن لم تكونوا مثلَهم إن التشبُّه بالكرامِ فلاحُ

الإمام محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله

عبدالرحمن بن محمد بن علي الهرفي
الداعية بمركز الدعوة بالمنطقة الشرقية


لا توجد آية في كتاب الله إلا درستها على حده
محمد الأمين الشنقيطي

ملئ علما من رأسه إلى أخمص قدميه
آية في العلم والقرآن واللغة وأشعار العرب
 الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

جزى الله عنا الشيخ محمد الأمين خيرا على بيانه هذا فالجاهل عرف العقيدة والعالم عرف الطريقة والأسلوب
الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ

من خيرة العلماء علما وورعا وزهدا
وكان علْم الشيخ الشنقيطي غزير جدا خاصة في الأصول والمنطق والتفسير والتأريخ واللغة والأدب وكان منقطع النظير في هذه ويجمع لها غيرها .
الشيخ العلامة حمود العقلا

يذكرني بشدة حفظه واستحضاره للنصوص بشيخ الإسلام ابن تيمية
الشيخ محمد ناصر الدين الألباني

لو كان في هذا الزمان أحد يستحق أن يسمى شيخ الإسلام لكان الشيخ محمد الأمين
معالي الشيخ بكر أبو بكر

ترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي [1]

اسمه ونسبه :
الإمام العلامة المفسر محمد الأمين بن محمد المختار بن عبدالقادر بن محمد بن أحمد نوح بن محمد ابن سيدي أحمد بن المختار الشنقيطي واسمه الصحيح آب ، وهو من قبيلة حمير العربية .
ولقبه : آبا ، بمد الهمزة وتشديد الباء من الإباء

ولادته ونشأته :
ولد رحمه الله ـ عام 1325هـ ونشأ يتيما فقد توفي والده وهو صغير وترك له ثروة من الحيوان والمال .

طلبه للعلم :
حفظ القران وهو دون العاشره من عمره ، درس خلال حفظه للقران بعض المختصرات في فقه الامام مالك كرجز الشيخ ابن عاشر ودرس خلالها الأدب والنحو ، والسيره على زوجة خاله قال الشيخ ـ رحمه الله ـ : أخذت عنها مبادئ النحو ودروس واسعة في أنساب العرب وأيامهم ونظم الغزوات لأحمد البدوي الشنقيطي وغيرها .
ثم درس بقية العلوم على جمع من العلماء منهم الشيخ محمد بن صالح المشهور والشيخ محمد الأفرم والشيخ أحمد عمر والشيخ محمد زيدان والشيخ محمد النعمه
والشيخ أحمد بن مود وغيرهم فقد أخذ عنهم النحو الصرف والاصول والبلاغه والتفسير والحديث أما المنطق وآداب البحث والمناظره فيقول أنه حصله بالمطالعه
قال الشيخ رحمه الله ـ : لما حفظت القرآن وأخذت الرسم العثماني وتفوقت فيه على الأقران عنيت بي واالدتي وأخوالي أشد عناية وعزموا على توجيهي للدراسة في بقية الفنون فجهزتني والدتي بجملين أحدهما عليه مركبي وكتبي والآخر عليه نفقتي وزادي وصحبني خادم ومعه بقرات وقد هيئت لي مركبي كأحسن ما يكزن المركب وملابس كأحسن ما تكون فرحا بي وترغيبا لي في طلب العلم . [2]

همته في طلب العلم :
وطلب العلم حتى بز فيه الأقران ، ولما طلب منه بعض أقرناءه الزواج قال ـ رحمه الله ـ في جوابهم :

دعاني الناصحون إلى النكاح *** غداة تزوَّجتْ بيض الملاحِ
فقالوا لي تزوج ذات دلٍّ *** خلوب اللحظ جائلة الوشاحِ
تبسم عن نوشرة رقاق *** يمج الراح بالماء القراح
كأن لحظها رشقات نبل *** تذيق القلب آلام الجراح
ولا عجب إذا كانت لحاظ *** لبيضاء المحاجر كالرماح
فكم قتلت كميًّ إذا دلاصٍ*** ضعيفاتُ الجفونِ بلا سلاحِ
فقلت لهم دعوني إن قلبي *** من العي الصراح اليوم صاحي
ولي شغل بأبكار العذارى *** كأن وجوهها ضوء الصباح
أراها في المهارق لابسات *** براقع من معانيها الصحاح
أبيت مفكرا فيها فتضحي *** لفهم القدم خافضة الجناح
أبحت حريمها جبرا عليها *** وما كان الحريم بمستباح

قال الشيخ عطية حدثني الشيخ ـ رحمه الله ـ فقال : جئت للشيخ في قراءتي عليه فشرح لي كما كان يشرح ولكنه لم يشف ما في نفسي على ما تعودت ولم يرولي ظمئي [3] ، وقمت من عنده وأنا أجدني في حاجة إلى إزالة بعض اللبس وإيضاح بعض المشاكل وكان الوقت ظهرا فأخذت الكتب والمراجع فطالعت حتى العصر فلم أفرغ حتى المغرب فأوقد لي خادمي النار وكنت أشرب الشاهي الأخضر كلما كسلت حتى انبثق الفجر وأنا في مجلسي لم أقم إلا لصلاة أو تناول طعام حتى فرغت من درسي وزال اللبس عني .

وبرز في الشعر ومما قاله ـ رحمه الله ـ :

أنقذت من داء الهوى بعلاج *** شيب يزين مفارقي كالتاج
قد صدني حلم الأكابر عن لمى [4] *** شفة الفتاة الطفلة المغناج
ماء الشبيبة زارع في صدرها *** رمانتي روض كحق العاج
وكأنها قد أدرجت في برقع *** يا ويلتاه بها شعاع سراج
وكأنما شمس الأصيل مذابة *** تنساب فوق جبينها الوهاج
يعلي لموقع جبينها في خدرها *** فوق الحشية ناعم الديباج
لم يبك عيني بين حي جيرة *** شدوا المطي بأنسع الأحداج
نادت بأنغام اللحون حداتهم *** فتزيلوا والليل أليل داج
لا تصطبيني عاتق في دلِّها *** رقت فراقت في رقاق زجاج
غضوبة منها بنان مديرها *** إذ لم تكن مقتولة بمزاج
طابت نفوس الشرب حيث أدارها *** َشأٌ رمى بلحاظ طرف ساج
أو ذات عود أنطقت أوتارها *** بلحزون قول للقلوب شواجي
فتخال رنات المثاني أحرفا *** قد رددت في الحلق من مهتاج

قال الشيخ عطية ـ رحمه الله ـ سألت الشيخ عن تركه الشعر مع قدرته عليه وإجادته فقال ـ رحمه الله ـ : لم أره من صفات الأفاضل وخشيت أن أشتهر به ،... والشعر أكذبه أعذبه فلم أكثر من .
وكان الشيخ ـ رحمه الله ـ يتورع عن الفتوى إلا في شيء فيه نص من كتاب أو سنة ، قال ابنه الشيخ عبدالله : جاءه وفد من الكويت في أواخر حياته فسألوه في مسائل فقال أجيبكم بكتاب الله ، ثم جلس مستوفزا وقال : الله أعلم ، "ولا تقف ما ليس لك به علم " لا أعلم فيها عن الله ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا ، وكلام الناس لا أضعه في ذمتي فلما ألحوا عليه قال : فلان قال كذا وفلان قال كذا ، وأنا لا أقول شيئا .
قال الشيخ عطية وسألته عن تركه للفتوى فقال : يجب التحفظ فيما ليس فيه نص قاطع من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويتمثل بقول الشاعر :

إذا ما قتلت الشيء علمافقل به *** ولا تقل الشيء الذي أنت جاهله
فمن كان يهوى أن يرى متصدرا *** ويكره لا أدري أصيبت مقاتله

أعماله في بلاده :
من بين أعماله التي تولاها في بلاده التدريس والفتيا ولكنه اشتهر بالقضاء وبالفراسة فيه ورغم وجود الحاكم الفرنسي إلا أن المواطنين كانوا عظيمي الثقة فيه فيأتونه للقضاء بينهم من أماكن بعيده . وكان يقضي في كل شيء إلا الدماء والحدود وكان لها قاض خاص .

خروجه من بلاده :
خرج من بلاده لأداء فريضة الحج برا بنية العودة فقد كان في بلاده يسمع عن الوهابية وكان من فضل الله ومنته علينا وعليه أن قدم الحج ونزل بدون علمه بجوار خيمة الأمير خالد السديري دون أن يعرف أحدهما الآخر وكان الأمير خالد يبحث مع جلسائه بيتا في الأدب ـ وهو ذواقة أديب ـ إلى أن سألوا الشيخ فوجدوا بحرا لا ساحل له ، فكانت تلك الجلسة بداية منطلق لفكرة جديدة فأوصاه الأمير إن قدم المدينة أن يلتقي بالشيخ عبدالله بن زاحم وعبدالعزيز بن صالح ، وفي المدينة التقى بهما وتباحث معهما ما سمع عن الوهابية وكان صريحا فيما عرض عليهما مما سمع عن البلاد فدارت بينهم جلسات ، وكان أكثرهما مباحثة معه فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن صالح ، حتى اقتنع الشيخ بأن منهج المجدد الإمام محمد بن عبدالوهاب منهج ذو سلف وأنه منهج سليم العقيدة يعتمد الكتاب والسنة وعليه سلف الأمة ثم رغب في البقاء في المسجد النبوي لتدريس التفسير . ودرس عليه الشيخ عبدالعزيز بن صالح الصرف .
اختير للتدريس في المعهد العلمي بالرياض عند افتتاحه فكان يدرس في الرياض ويقضي إجازته في التدريس بالمسجد النبوي ، ثم كان له دور في تأسيس الجامعة الإسلامية في المدينة ، ثم عين كأحد أعضاء هيئة كبار العلماء عند بداية تشكيلها وكان عضوا في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي .

تلاميذه :
لا يحصيهم إلا الله جل وعلا حيث طال تدريسه في المعهد العلمي ومن ثم في كلية الشريعة ثم في المسجد النبوي ولكن نذكر أكابر من درس عنده فمنهم :
1. سماحة الإمام عبدالعزيز ابن باز ـ رحمه الله ـ: درس على الشيخ ، شرح سلم الأخضري في المنطق ، وكان يحضر حلقة الشيخ في الحرم النبوي .
2. الشيخ حماد الأنصاري ـ رحمه الله ـ: سأله في مسائل في التفسير والمنطق ، ولازم دروسه في التفسير في الحرم النبوي .
3. معالي الشيخ صالح اللحيدان : درس عليه في كلية الشريعة .
4. الشيخ حمود العقلا الشعيبي ـ رحمه الله ـ : درس عليه في الكلية وفي البيت ، كما سيأتي .
5. الشيخ عبدالله الغديان : درس عليه في كلية الشريعة .
6. الشيخ العلامة محمد الصالح العثيمين ـ رحمه الله ـ : درس عليه في كلية الشريعة .
7. معالي الشيخ عبدالمحسن العباد : درس عليه في كلية الشريعة .
8. معالي الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد : لازمه عشر سنين ، وأخذ عنه المنطق والأنساب والتفسير .
9. معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان : حدثني بذلك ـ وفقه الله لكل خير ـ درس عليه في كلية الشريعة [5] .
10. الشيخ العلامة عبدالعزيز القارئ : لازمه حوالي ثمان سنين ، و درس عليه في الجامعة الإسلامية .
11. الدكتور عبدالله قادري : درس عليه في كلية الشريعة .
12. ابنه الأستاذ الدكتور عبدالله .
13. ابنه الأستاذ الدكتور المختار .
14. عدد كبير من الشناقطة منهم الشيخ أحمد بن أحمد الشنقيطي والدكتور محمد ولد سيدي الحبيب والدكتور محمد الخضر بن الناجي بن ضيف الله .
وغيرهم كثير .

تراث الشيخ ـ رحمه الله ـ :
* مؤلفاته :
نسب بني عدنان نظم يقول في مطلعه :
سميته بخالص الجمان *** في ذكر أنساب بني عدنان
1. كأن ألفه في شبابه ثم دفنه لأنه يقول : إنما ألفته للتفوق به على الأقران فدفنته لأن تلك كانت نيتي ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصححت النية ولم أدفنه [6] .
2. رجز في البيوع على مذهب الإمام مالك ومطلعها :
الحمد لله الذي قد ندبا *** لأن تميز البيع عن لبس الربا
ومن بالمؤلفين كتباً *** تترك أطواد الجهالة هبا
تكشف عن عين الجواد الحجبا *** إذا حجاب دون علم ضربا
3. ألفيته في المنطق ومطلعها :
حمدا لمن أظهر للعقول *** حقائق المنقول والمعقول
وكشف الرين عن الأذهان *** بواضح الدليل والبرهان
4. نظم في الفرائض ، مطلعها :
تركة الميت بعد الخامس *** من خمسة محصورة عن سادس
وحصرها في الخمسة استقراء *** وانبذ لحصر العقل بالعراء
5. منع جواز المجاز على المنزل للتعبد والإعجاز .
6. دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب .
7. مذكرة في الأصول على روضة الناظر .
8. أدب البحث والمناظرة .
9. أضواء البيان .
10. الرحلة إلى أفريقيا ـ بعناية الدكتور خالد السبت ـ وفقه الله لكل خير

* ما فرغ من الأشرطة وجمع من غيرها [7]:
1. العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير ـ تحقيق الدكتور خالد السبت[8] .
2. آيات الصفات .
3. حكمة التشريع .
4. المثل العليا .
5. المصالح المرسلة .
6. حول شبهة الرقيق .
7. اليوم أكملت لكم دينكم .

قال لي شيخنا الشيخ حمود ـ رحمه الله ـ : درست على الشيخ في الكليّة وفي البيت وأما في البيت فكانت لي دراسة يومية معه في الأصول والمنطق وكانت في المنطق سلّم الأخضري وشرحه وفي الأصول روضة الناظر ، وأتممتها على الشيخ ـ رحمه الله ـ وكانت دراستي لها دراسة جيدة ، وكانت الدراسة لوحدي بعد المغرب ، وأذكر أنني لما تخرجت من الكلية عينت قاضيا في وادي الدواسر فذهب الشيخ الشنقيطي للشيخ محمد بن إبراهيم وقال له : هذا لا يمكن أن يعين في القضاء بل في التدريس لما يظهر منه من أهلية لهذا وبروز في التدريس ، والشيخ محمد بن إبراهيم إذا عين أحد في القضاء لا يمكن أن يتراجع أبدا مهما حصل ، ولكنه كان يجل الشيخ الشنقيطي ويحترمه جدا . وكان علْم الشيخ الشنقيطي غزيرا جدا خاصة في الأصول والمنطق والتفسير والتأريخ واللغة والأدب وكان منقطع النظير في هذه ويجمع لها غيرها .

فسالته ـ رحمه الله ـ ولماذا هذه العناية بالدراسة على الشيخ الشنقيطي بالذات ؟
فقال لي : الشيخ محمد هو شيخي وإمامي في كل شيئ ، وكان من خيرة العلماء علما وورعا وزهدا ـ رحمه الله وغفر له ـ وكان يعاملني مثل أولادة ويعتبرني ولدا له .

وسألت الشيخ حمود عن كلام بعض الناس أن الشيخ محمد الأمين ـ رحمه الله ـ عندما جاء للحج لم يكن على عقيدة أهل السنة فهل هذا صحيح ؟
فقال الشيخ ـ رحمه الله ـ كلا لم يكن الشيخ الأمين على خلاف مذهب أهل السنة بل كان من المتحمسين لمذهب السلف وعقيدة أهل السنة .

وفاته ـ رحمه الله ـ :
توفي في ضحي يوم الخميس 17/12/1393هـ . وصلى عليه سماحة الإمام عبدالعزيز ابن باز ـ رحمه الله ـ في الحرم المكي .
قال الشيخ أحمد بن أحمد الشنقيطي ـ وهو غاسل الشيخ ـ : ( من الغريب أن أحد أقاربه حاجا معه في سيارته فرأى ليلة جَمَعْ أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ توفي وأنه جاءه فوجده مسجى عليه ثوب ، فرفع الثوب ، فوجد أن الميت نبي ولكنه ليس محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقبله في جبينه فلما حكى الرؤيا على الشيخ ، سأله : وما يدريك أنه ليس بمحمد ؟ قال : لم تتوفر فيه الصفات الثابتة بالسنة التي نعرفها ، فتكدر وجه الشيخ . فقال الرجل : أظنه أضغاث أحلام . فقال الشيخ : لا ، بل هي رؤيا ، ولكن يقضي الله خيرا )

مراثيه :
قيل في الشيخ مراث كثيرة منها ما رثاه به الشيخ محمد بن مدين الشنقيطي وفيها قال :

الله أكبر مات العلم والورع *** يا ليت ما قد مضى من ذاك يرتجع
يبكي الكتاب كتاب الله غيبته *** كذا المدارس والآداب والجمع
مفسرُ الذكر الحكيم وما *** من الحديث إلى المختار يرتفع
أخلاقه الشهد ممزوجا بماء صفا *** وما يغير طبعا زانه طبع
فهو الإمام الذي من غيره تبع *** له وهل يستوي المتبوع والتبع

إلى أن قال :

حدث بما شئت من حلم ومن كرم *** وانشر مآثره فالباب متَّسع

--------------------------------
[1] كتب ترجمة للشيخ :  ترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي د.عبدالرحمن السديس  ، أضواء البيان الشيخ عطية سالم 10 / 28 ، علماء ومفكرون عرفتهم محمد المجذوب  1/171 ، علماؤنا 20 .
[2] أضواء البيان ـ ترجمة الشيخ :  10/28
[3] قال الشيخ عبدالرحمن السديس المسألة هي : قول خليل في باب النكاح : ( في عشرة ندبه ولو بيع سلطان لفلس ) .
[4] معنى اللمي سمرة الشفتين واللثات يستحسن ، ومما قيل في معنى اللمى : يضحكن عن مثلوجةِ الأثلاج ** فيها لمى من لعسة الأدعاج       وهو اسم ابنتي الكبرى ـ حفظها الله وزينها بالإيمان والعمل الصالح ـ .
[5] راجع كتاب مسائل في الإيمان لمعالي الشيخ صالح الفوزان بعنايتي .
[6] طبقات النسابين ـ بكر أبو زيد ـ مؤسسة الرسالة ـ 298 ـ برقم : 656 .قال الشيخ بكر : كان الشيخ يقول لي : إن هذا العلم لم يتلقه عني في جزيرة العرب إلا أنت .
[7] ويجمع معالي الشيخ بكر أبو زيد مجموعة من آثار الشيخ منها فتوي في السعي في الدور الثاني ، والصلاة في الطائرة ، ومنظومة في الفقه .
[8] جمعه الدكتور خالد ـ وفقه الله ـ من أشرطة سجلت للشيخ في المسجد النبوي ، وسيخرج قريبا بإذن الله تعالى .

الدكتور شوقي أبو خليل

 عبدالكريم السمك



يعتبر الدكتور شوقي محمد أبو خليل واحدًا من رواد مدرسة التاريخ الإسلامي في تاريخنا المعاصر، وحق لأبناء هذه المدرسة في تاريخنا الذي نعيشه أن نحاجج فيه الرواد الأوائل من أبناء هذه المدرسة من واضعي لبنة هذا البناء الشامخ الذي نفاخر فيه جميع تواريخ الحضارات الإنسانية بما حفظته لنا ذاكرته من خيرية هذه الأمة العربية قاعدة الإسلام وأهله، فكانت وفاته رحمه الله في 14 رمضان 1431هـ - 24 آب "أغسطس" 2010م) في مدينة دمشق.



الدكتور أبو خليل المولد والموطن والنشأة:

الدكتور أبو خليل رحمه الله واحد من أبناء فلسطين الحبيبة، فقد أصابه ما أصاب أهلها من هجرة ونزوح بعد الاحتلال والاغتصاب اليهودي الغادر. ولد الدكتور شوقي أبو خليل في شهر مايو 1941م في بلدة بيسان، وبيسان هذا إنما هو سهل يمثل فضاء حاضنًا لتسعة وعشرين قرية فلسطينية، وقد افتتحت مدينة بيسان قاعدة هذا الإقليم سنة 13هـ على يد القائدين العظيمين شرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص، رضي الله عنهما، وضم هذا السهل العظيم رفاة آلاف من الصحابة وجنود المسلمين أيام طاعون عمواس سنة (18هـ)، وكان منهم الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح وفاتح مدينة بيسان شرحبيل بن حسنة رضي الله عنهما.



ولم يكن سهلًا على والد أبو خليل أن ينزح من أرضه الذي ولد وعاش عليها، فقد أرغم جنود الهاجانا -فرق القتل- أهالي بيسان على الرحيل في عربات ورموهم على الحدود السورية بعد شهر من قيام دولة إسرائيل وكان منهم الدكتور أبو خليل وأسرته رحمه الله تعالى. في دمشق كانت النشأة الثانية لأبو خليل، فالتحق في مدارسها، وبعد انتهائه من المرحلة الثانوية التحق بجامعة دمشق -كلية الآداب- قسم التاريخ، وجاءت دراسته للتاريخ من حبه له، على أنه وعاء الأمم حاضن سيرتها وأمجادها، وإن أي أمة لا تاريخ لها لا وجود لها بين الأمم، فمن هذا الباب جاء حبه للتاريخ، وخاصة منه الأموي بعد أن ذهب الكثير من الشعوبيين إلى النيل منه وتشويه صورته، وإيمانًا منه بهذه الرسالة العظيمة فقد تابع دراساته العليا وحصل على الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من أكاديمية العلوم في جامعة أذربيجان سنة 1990م.



الإدارات والجهات التي عمل بها:

التحق بعد تخرجه من الجامعة في وزارة التربية والتعليم السورية، فعمل مدرسًا في ثانوياتها، ثم رئيسًا لقسم الامتحانات في مديرية تربية دمشق، ثم موجهًا تعليميًا في مادة علم التاريخ في ثانويات دمشق، انتقل بعدها ليكون عضوًا في مديرية المناهج والكتب، وكان أستاذًا لمادة الحضارة الإسلامية والاستشراق بكلية الدعوة الليبية، وعمل محاضرًا في كلية الشريعة في جامعة دمشق، كما عمل أمينًا عامًا لجامعة العلوم الإسلامية والعربية، ومديرًا للنشر في دار الفكر بدمشق من سنة 1991م حتى وفاته في 14 رمضان 1431هـ- 24 أغسطس 2010م، كما تولى رئاسة قسم شعبة التاريخ والحضارة في معهد الفتح الإسلامي، وأستاذًا للتاريخ فيه.



الكتابة والتأليف في حياة أبو خليل:

أثرى الدكتور أبو خليل مكتبة التاريخ الإسلامي في عظيم عطاءاته، وخاصة ما هو معني في حروب المسلمين وانتصاراتهم، قصده في ذلك توجيه شباب هذه الأمة إلى الماضي الذي عاشه أسلافهم في فهم رسالة الإسلام وحمله إلى شعوب العالم من غير العرب، وقد بين فيما كتبه بأن الحملة هم من أبناء هذه البلاد المباركة الجزيرة العربية، فقبل أن يكونوا قادة فتح كانوا دعاة هداية ودعوة إلى دين الله، وكانت باكورة أعماله كما أشار لذلك الأستاذ محمد عدنان سالم أحد مؤسسي دار الفكر ومديرها قبل أبو خليل، بأن أبو خليل جاء سنة 1968م، ومعه كتاب "المعارك الكبرى في تاريخ الإسلام"، يلتمس نشره، فتوجس خيفة من رفضه لنشر الكتاب، لكن المدير سالم أفاده بأن الدار لها معايير في نشر أي كتاب بغض النظر عن المدرسة التي ينتسب لها الكاتب أو فكره، فشاء الله له أن يكون هذا الكتاب أولى بواكير عمله في الكتابة، وتوالى بعد ذلك عطاءه في التاريخ الإسلامي، حتى بلغ ما كتبه في حدود أربعين كتابًا، وكلها من مطبوعات دار الفكر، وغدى شوقي أبو خليل في ذاكرة قرائه، فهو لا يذكر إلا ويذكر معه دار الفكر ناشرة أعماله ومؤلفاته، كما كتب رحمه الله كتبًا صغيرة لعالم الطفل والأطفال بقصد ربطهم تربويًا وسلوكيًا بماضي أسلافهم من فضلاء هذه الأمة وقادتها وعظمائها وعلمائها. وأبو خليل ابن فلسطين وبيسان، وعلى واقع ما يعيشه الفلسطينيون اليوم من قتل وسجن على يد اليهود من تاريخ النكبة الأولى وإلى اليوم، فقد كتب كتابًا عظيمًا فقال فيه اليهود في التاريخ والحضارة الإنسانية لم يكونوا إلا قتلة مجرمين، وذلك في كتابه الذي عنونه بـ"الهولوكست الأولى في التاريخ -محرقة نجران"، فنجران حاضنتها هذه البلاد الكريمة، واستند فيه على توثيق نصه من المصادر الحبشية والقبطية واليمنية القديمة والبيزنطية، وتوج هذه المصادر بكتاب الله الذي تتلى فيه صورة حرق المؤمنين إلى قيام الساعة في سورة البروج.



وفي مجال عالم الفكر فقد كتب رحمه الله في العديد من الصور والفضاءات الفكرية والتي ترتكز على ثوابت الفكر الإسلامي في ظل ما عاشته الأمة من بعض من أبنائها، الذين سبحوا في تيارات فكرية حاربها الإسلام كالقومية والشيوعية والاشتراكية والوجودية وغيرها من الأفكار التي حاربها الإسلام في سمو رسالته وعظيم مكانتها.



ناهض جرجي زيدان فيما كتبه عن التاريخ الإسلامي قاصدًا تشويه صورته بعد تأثره بمدارس المستشرقين، كما ناهض المستشرقين في دراساتهم التاريخية، وهذا كله يدخل في ميزان النقد للنصوص التاريخية التي قصد فيها تشويه صورة التاريخ الإسلامي في رسالته ورجالاته.



وأرفف المكتبات التاريخية تشهد بفضله رحمه الله في خلال أطالسه الخمسة التي كتبها وخدمها بالصور والخرائط الإرشادية للطلبة والباحثين، فكان نموذجًا في الكتابة درج عليه رحمه الله وقلده فيه من جاء بعده ومنها أطلس القرآن. وأطلس الدول الإسلامية، وأطلس التاريخ الإسلامي، وأطلس السنة النبوية، وأطلس السيرة النبوية.



ومن الشخصيات العلمية التي تأثر بها رحمه الله، كان عباس محمود العقاد، وكتابه "التفكير فريضة إسلامية" والمرحوم محمود محمد شاكر، وكتابه "أباطيل وأسمار"، ومن ذكرياته أنه امتلك أول كتاب بليرة سورية وربع كتاب "فتوح الشام" للواقدي، واليوم خلف مكتبة خاصة فيه ضاق فيها البيت عليه، فيها من عظيم الكتب التاريخية المعنية في التاريخ الإسلامي، والتي اهتدى بهديها فيما كتبه ونشره.



ثناء العلماء عليه:

شهادة الحق من شهادة الخلق، فقد ذهب العديد من الكتاب والمؤرخين في العمل على تكريم شوقي أبو خليل في حياته رحمه الله، ففي سنة 2004م تم إقامة حفل تكريم له في دمشق، وفيه تبادل الحاضرون الكلمات وقصائد الشعر العربي في بيان قدره وفضله والثناء عليه، بما تركه من موروث علمي عظيم يشهد له بعظيم قدره وسمو منزلته العلمية، وكان منهم الشيخ عكرمة صبري مفتي القدس، وغيرهم من العلماء والمفكرين، وقد جمعت الكلمات في كتاب مرموق نشرته دار الفكر تحت عنوان "علماء مكرمون: شوقي أبو خليل، بحوث ومقالات مهداة إليه"، ومع وفاته رحمه الله فإن الذي ذهب منهم في تكريمه لم يجد بدًا من رثائه والثناء عليه فكتب عنه العديد من الكتابات والمقالات وقصائد الرثاء، ومنها قصيدة الدكتور وليد قصاب الذي آلمه فقد واحد من أحبابه وإخوانه الذي لمس فيه العلم والأدب والخلق والفضل، فجاءت قصيدته "الوداع" في باب الرثاء له رحمه الله فيقول:

ما مات أهلُ العلم والآثار
أسماؤهم تحيا مدى الأعصارِ
شوقي بحرف النور خلد اسمه
وأضافه بجلالةٍ ووقارِ
ما مر ثم مضى كأن لم يأتنا
أو كان في الدنيا من الأغمارِ 
حيث اتجهت ثماره وفروعه
ما غادر الدنيا بغير ثمارِ




فرحم الله الدكتور شوقي أبو خليل على ما قدمه لأمته في خدمة تاريخها سائلين الله له المغفرة آملين من الله أن يعوض الأمة بفقده، من يتابع مسيرته ورسالته وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



الكتب التي تم نشرها للمرحوم شوقي أبو خليل:

طيلة أربعة عقود من العطاء عند أبو خليل، وخاصة فيما هو معني بالتاريخ الإسلامي في قديمه وحديثه، فقد كانت ذات منهجية جديدة، ولم يسجل عليه أحد أن دلس أو سرق من أحد، ومما امتازت به كتاباته مناهضته للشعوبية وأصحاب الفرق، فهو في كل ما كتبه رحمه الله أموي النزعة، وقد ناهض في الكثير مما كتبه مسألة النيل من الإسلام وأهله في تشويه صورة تاريخ هذه الأمة، والكتابة عنده جاءت على المحاور التالية:


1- التاريخ الإسلامي: ومنها القادسية - اليرموك -   نهاوند - ذات الصواري - فتح الأندلس - الإسلام وحركات التحرير العربية - بلاد الشهداء - الزلاقة - فتح صقلية - بدر الكبرى - غزوة خيبر - غزوة أحد - غزوة الخندق - غزوة تبوك - صلح الحديبية - الأرك - غزوة مؤتة - فتح مكة - حنين والطائف - حروب الردة - عمورية - وادي المخازن - العقاب.



2- كتب في النقد التاريخي: فيليب حتى في الميزان - في الرد على مفتريات المستشرقين - آراء يهدمها الإسلام - تحرير المرأة ممن وفيم حريتها - كارل بروكلمان في الميزان.



3- الفكر الإسلامي: الإسلام في قفص الاتهام، غريزة أم تقدير إلهي، من صيغ القرآن، عوامل النصر والهزيمة، أحب أن أكون، الإنسان بين العلم والدين، أحب أن أعرف أمتي، الإسلام والتفاهم والتعايش بين الشعوب، الحضارة العربية الإسلامية.



4- كتب للأطفال: ومنها أراد رحمه الله ربط الأطفال بماضي سلفهم الكريم من خلال تقديمهم لأطفال الأمة في هذه الأيام فبلغت مؤلفاته من الكتب الصغيرة ما يزيد على المائة كتاب.

نبذة عن شيخنا الفاضل/ الخطيب بن كمال عبدالواحد

بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ

الـسَّـلَامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبـَرَكَـاتُـهُ
الحَمْدُ للهِ الحَمِيدِ المَجِيدِ؛ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ، وَهُوَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَمُعَافَاتِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى حُكْمِهِ وَمُجَازَاتِهِ،

يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ سَيِّئَةً مِثْلَهَا، وَيُضَاعِفُ الحَسَنَةَ إِلَى عَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛

هَدَى قُلُوبَ أُنَاسٍ فَشَرَوُا الآخِرَةِ بِالدُّنْيَا، وَضَلَّ عَنِ هِدَايَتِهِ أَقْوَامٌ فَخَلَدُوا إِلَى الفَانِيَةِ وَضَيَّعُوا البَاقِيَةَ؛

[مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا] {الكهف:17}،

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ دَعَا إِلَى الهُدَى فَاتَّبَعَهُ ثُلَّةٌ مِنَ السَّابِقِينَ فَدَوْهُ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ،

وَانْخَلَعُوا مِنْ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَعَادَوا عَشَائِرَهُمْ وَقَبَائِلَهُمْ؛ فَسَخَّرَهُمُ اللهُ تَعَالَى نُصْرَةً لِنَبِيِّهِ، وَاخْتَارَهُمْ حَمَلَةً لِدِينِهِ،

صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَعَلَى الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَأَطِيعُوهُ، وَأَقِيمُوا دِينَكُمْ، وَتَعَاهَدُوا إِيمَانَكُمْ،

وَتَفَقَّدُوا قُلُوبَكُمْ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَجْسَامِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ،

[يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ] {الشعراء:88-89}.





نبذة عن شيخنا الفاضل/ الخطيب بن كمال عبدالواحد الذي أجازني بقراءة عاصم:

اسمه ومولده:

الخطيب بن كمال بن محمود عبدالواحد، ولد الشيخ - حفظه الله -

 في الثاني عشر من شهر أكتوبر عام ألف وتسعمائة وخمسة وسبعين من الميلاد.



شيوخه:

قرأ شيخنا - حفظه الله - على الشيخ الفاضل والعلم الكبير، فضيلة الشيخ/ عبدالله الجوهري، وكيل معهد القراءات،

وعضو لجنة مراجعة المصاحف منذ عام 1996 إلى عام 2000، فلما لمس الشيخ الجوهري - رحمه الله - ف

ي شيخنا الإتقان أجازه بالقراءة والإقراء شفهيًّا، ولم يُمهِله الموت لأن يجيزَه كتابيًّا - فقدَّر الله وما شاء فعل -

 ورحم الله شيخنا الجوهري رحمة واسعة.




وبعد موت الشيخ الجوهري - رحمه الله - بدأ شيخُنا الخطيب - حفظه الله - يبحث عن عَلَم آخر من أعلام التجويد والقراءات،

 فقرأ فترة على الشيخ عبدالحكيم عبداللطيف - حفظه الله - في مقرأته، إلا أن الله - تعالى - لم يقدِّر له أن يقرأ ختمة إجازة

على الشيخ - حفظه الله - ثم هداه الله - تعالى - إلى شيخنا المقرئ الكبير، فضيلة الشيخ/ عبدالباسط هاشم - حفظه الله -

 أعلى قرَّاء مصر سندًا، الذي أحبه لخلقه الرفيع، وقدَّمه على كثير من طلابه، بل وصارت بينهما علاقات شخصية حميمة،

 فقرأ شيخنا على فضيلته ختمة كاملة لروايتي شعبة وحفص عن عاصم - رحمهم الله جميعًا - وأجازه الشيخ - حفظه الله -

بعد ذلك بالقراءة والإقراء إجازة صحيحة بشروطها المعتبرة عند أهل العلم، وكان ذلك عام 2005.

وبعد حصول شيخنا على إجازة القراءة والإقراء بقراءة عاصم - رحمه الله - بدأ يتجهَّز لبقية القراءات،

غير أن ظروف شيخنا الصحية حالت دون سرعة إتمام ذلك، فأسأل الله - تعالى - أن يتمَّ شفاء شيخنا الخطيب على خير،

وأن يمتِّعَه بالعافية في الدين والدنيا والآخرة، وأن يفتح له باب القراءات على مصراعيه؛ إنه على كل شيء قدير.



ظلَّ شيخنا - حفظه الله - فترة لا يُقرِئ أحدًا، حتى ألحَّ عليه بعض الأفاضل ليبدأَ في الإقراء بقراءة عاصم أو بأحد رَاوِيَيه،

 وبالفعل استجاب شيخنا - حفظه الله - وبدأ يقرئ ويعلم ويدرس التجويد وعلوم القرآن؛ لينال بذلك حظه الوافر

من الخيرية التي ذكرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عثمان - رضي الله عنه - في الصحيح:

((خيركم مَن تعلَّم القرآن وعلَّمه))، وكنتُ واحدًا ممَّن تشرَّف بالقراءة على فضيلته؛ حيث ختمتُ عليه - حفظه الله -

 ختمةً كاملة بقراءة عاصم - رحمه الله - براوييه شعبة وحفص، وأُشهِد الله - تعالى - أني رأيتُ من شيخنا

من التواضع وسمو الأخلاق، والحب لله ولرسوله، والرغبة الصادقة في نشر الحق والسنة، ما جعلني أشرفُ بالقراءة عليه،

 بل وأتمنَّى أن يمنَّ الله - تعالى - على إخواني من طلاب علوم القرآن بالتشرُّف بالقراءة على فضيلته - حفظه الله -

 فقد وضع الله - تعالى - له القَبُول في الأرض، وتلك علامة شرعية على محبة الله - تعالى - له، أحسبه كذلك ولا أزكيه

على الله؛ ففي الصحيح: (( إن الله - تعالى - إذا أحبَّ فلانًا نادى: يا جبريل، إني أحب فلانًا فأحبَّه، فيحبه جبريل،

ثم ينادِي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض))،

 فأسأل الله - تعالى - أن يجعل القبول الذي وضعه لشيخنا الخطيب في الأرض حبًّا وكرامة،

وأن يزيده رفعة وعزَّة في الدنيا والآخرة؛ جزاء ما يفعل مع الذين يقرؤون عليه.

 هذا، وقد ظل شيخُنا فترة طويلة يدرِّس التجويد وعلوم القرآن في معهدِ الصوالحة بشبرا الخيمة، إلا أنه اضطرَّ للتوقف

 أيضًا بسبب بعضِ المشاغل والظروف الصحية، فأسأل الله - تعالى - أن يقدِّر لشيخنا الخير حيثما كان، وأن يرضيه به.

الصحابي 'عبد الرحمن بن أبي بكر' رضي الله عنه وآرضاه

عبد الرحمن بن أبي بكر
رضي الله عنه

بينما كان أبو بكر أول المؤمنين والصدّيق الذي آمن بالله ورسولـه
وثاني اثنين إذ هما في الغار ، كان ابنه عبد الرحمن صامدا كالصخر
مع دين قومه وأصنامهم 


ما قبل الإسلام
يوم بدر خرج عبد الرحمن مقاتلا مع جيش المشركين ، وفي غزوة أحد كان مع الرماة الذين جنّدتهم قريش لمحاربة المسلمين ، وعند بدأ القتال بالمبارزة وقف عبد الرحمـن يدعو إليه من المسلميـن من يبارزه ، ونهـض أبوه أبو بكر الصديق ليبارزه لكن الرسـول الكـريم حال بينه وبين مبارزة ابنـه ، وحين أذن الله للهدى أن ينزل على عبد الرحمن ، رأى الحقيقة واضحة أمامه منيرة له دربه فسافر الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- مبايعاً معوضاً باذلاً أقصى جهد في سبيل الله


ما بعد الإسلام
منذ أن أسلم عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهما- لم يتخلف عن غزو أو جهاد أو طاعة ، ويوم اليمامة أبلى فيه بلاء لا مثيل له فهو الذي أجهز على حياة ( محكم بن الطفيل ) العقل المدبر لمسيلمة الكذاب ، وصمد مع المسلمين حتى قضوا على جيش الردة والكفر


قوة شخصيته
لقد كان جوهر شخصيته -رضي الله عنه- الولاء المطلق لما يقتنع به ، ورفضه للمداهنة في أي ظرف كان ، ففي يوم أن قرر معاوية أخذ البيعة لابنه يزيد بحد السيف ، كتب الى مروان عامله على المدينة كتاب البيعة وأمره أن يقرأه على المسلمين في المسجد ، وفعل مروان ولم يكد يفرغ من القراءة حتى نهض عبد الرحمن محتجا قائلا :( والله ما الخيار أردتم لأمة محمد ، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هَرَقِليَّة ، كلما مات هِرقْل قام هِرَقْل )

وأيده على الفور فريق من المسلمين من بينهم الحسين بن علي ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، ولكن الظروف القاهرة جعلتهم يصمتون على البيعة فيما بعد ، لكن عبد الرحمن بن أبي بكر بقي معارضا لها جاهرا برأيه ، فأراد معاوية أن يرضيه بمائة ألف درهم بعثها له مع أحد رجاله ، فألقاها عبد الرحمن بعيدا وقال لرسول معاوية :( ارجع إليه وقل له : إن عبد الرحمن لا يبيع دينه بدنياه ) ولما علم أن معاوية يشد الرحال قادما الى المدينة غادرها من فوره الى مكة


وفاته
وأراد الله أن يكفي عبد الرحمن فتنة هذا الموقف وسوء عقباه ، فلم يكد يبلغ مشارف مكة ويستقر بها قليلا حتى فاضت إلى الله روحه ، وحمله الرجال إلى أعالي مكة حيث دُفِن هناك 

السير الذآتية لالدكتور خالد بن حمد الشايع

السيرة الذاتية للفقير لعفو ربه القدير
الدكتور خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع
المملكة العربية السعودية ـ الرياض

غفر الله له ولوالديه والمسلمين وأصلح له أهله وذريته بمنه وكرمه



 درس على عدد من العلماء منهم :
1- سماحة الشيخ الوالد عبد العزيز بن باز –رحمه الله- منذ عام 1405هـ وحتى وفاته .
2- سماحة المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ حفظه الله .
3- فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – خلال دروسه بالمسجد الحرام بمكة المكرمة.
4- فضيلة الشيخ عبدالله بن حسن بن قعود عضو اللجنة الدائمة للإفتاء رحمه الله .
5- فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان عضو اللجنة الدائمة للإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء حفظه الله .
6- الشيخ د. عبد الله بن عبدالرحمن الجبرين عضو الإفتاء سابقاً حفظه الله .
7- الشيخ أ.د. صالح بن غانم السدلان الأستاذ بكلية الشريعة حفظه الله .
8- الشيخ د. صالح بن فوزان الفوزان عضو اللجنة الدائمة للإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء حفظه الله .
9- سماحة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى وعضو هيئة كبار العلماء حفظه الله .
10- الشيخ المحدِّث علي الهندي المدرس بالمسجد الحرام –رحمه لله –

 وفي كلية الشريعة درس على أساتذتها ، ومنهم :
1- الشيخ د. عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ وزير العدل حفظه الله .
2- الشيخ د. عبدالله الحديثي وكيل وزارة العدل حفظه الله .
3- الشيخ أ.د. محمد الأحمد الصالح أستاذ الفقه حفظه الله .
4- الشيخ أ. د. محمد بن عبدالله السمهري أستاذ العقيدة حفظه الله .
5- الشيخ أ. د. يعقوب الباحسين أستاذ أصول الفقه حفظه الله .
6- الشيخ د. عبدالرحمن الرسيني أستاذ الفقه حفظه الله .
7- الشيخ د. عبدالله الرسيني أستاذ أصول الفقه حفظه الله .
وغيرهم كثير ، نفع الله بالجميع .

ـ ومن مهامه وأعماله:
 مشرف تربوي بوزارة التربية.
 خطيب لجامع مستشفى الأمل بالرياض.
 محاضر متعاون بكلية الطب بمدينة الملك فهد الطبية بالرياض في مقررات الثقافة الإسلامية .
 الأمين المساعد للبرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم.
 له مشاركات تربوية وشرعية ، محلية ودولية ، في المملكة وخارجها ، عبر المحاضرات والندوات والملتقيات والمؤتمرات.
 شارك محاضراً ومدرساً في عدد من المراكز الإسلامية ، في أوروبا وأمريكا واستراليا في دورات علمية متنوعة نظمتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ووزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وغيرهما من المراكز والجمعيات في خارج المملكة العربية السعودية .
 شارك في وفود رسمية لافتتاح ندوات ومؤتمرات جوامع ومساجد ومراكز إسلامية أسسها خادم الحرمين في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوروبا وأستراليا وأمريكا الجنوبية .
 عضو في التوعية الإسلامية في الحج منذ عام 1415هـ .
 متعاون في معالجة الإدمان بمستشفى الأمل بالرياض منذ عام 1410هـ .
 عضو اللجنة العلمية بجمعية رعاية الأيتام بالرياض في دورتها الأولى .
 عضو في وحدة الإرشاد الاجتماعي بالمملكة التابعة لوزارة الشئون الاجتماعية في دورتها الأولى .
 عضو لجنة الصلاة بإدارة التربية والتعليم بمنطقة الرياض في بعض دوراتها .
 أشرف على دار المناجاة النسائية لتحفيظ القرآن الكريم .
 وعضو فريق تأليف مناهج العلوم الشرعية بوزارة التربية والتعليم بالرياض.
 عضو الجمعية الدولية لتاريخ الطب الإسلامي .
 مستشار شرعي غير متفرغ للشئون الدينية بمجمع الأمل الطبي بالرياض 1424ـ 1425هـ .

المشاركات العامة العلمية والإعلامية:
من خلال إلقاء المحاضرات والندوات في مناطق المملكة ومحافظاتها وفي المؤسسات الحكومية والسجون ودور الرعاية والإصلاح والمهرجانات الصيفية وغيرها ضمن برامج مكاتب الدعوة ولجان التنشيط السياحي ، بالإضافة إلى الإجابة عن الاستشارات الشرعية والاجتماعية والتربوية والإعلامية الواردة عبر الهاتف وغيره من داخل المملكة وخارجها.
• إضافة إلى إلقاء أوراق العمل والمحاضرات المتخصصة في عدد من المناسبات المحلية والدولية.
• والمشاركة عبر وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة.
• له عدد من المؤلفات والتحقيقات العلمية المتنوعة في أبواب العلم في العقيدة والفقه والسيرة والآداب والسلوك وغير ذلك، ومنها الرسائل المختصرة والبحوث المطولة، تزيد على ستين عنواناً.

مجاهد بن جبير




هو الإمام شيخ القراء والمفسرين مجاهد بن جبير أبو الحجاج المكي الأسود، مولى السائب بن أبي السائب المخزومي، ويقال: مولى عبد الله بن السائب القارئ، ويقال: مولى قيس بن الحارث المخزومي، عده ابن سعد في الطبقة الثانية من التابعين.
بلد المعيشة والرحلات:

كان مجاهد بن جبير كثير الأسفار والرحلات، فقد سافر إلى مصر وعاش فيها فترة من الزمن، ثم انتقل إلى الكوفة وعاش فيها فترة من الزمن، وسافر إلى اليمن للسياحة والتأمل.
الصحابة الذين تعلم على أيديهم

روى عن عبد الله بن عباس فأكثر وأطاب، وعنه أخذ القرآن والتفسير والفقه، وكان ملازمًا لابن عباس، ومن خاصة تلاميذه، وكان يقول: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أوقفه على كل آية أسأله فيم نزلت؟ وكيف كانت؟
وروى عن أبي هريرة وعائشة أم المؤمنين وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر ورافع بن خديج وأم كرز وجابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وأم هانئ بنت أبي طالب وأسيد بن ظهير، وعدة من أصحاب الرسول .
من تعلموا على يديه

تعلم على يديه وأخذ عنه عكرمة مولى ابن عباس وطاوس بن كيسان وعطاء بن أبي رباح وهم من أقرانه، وعمرو بن دينار وأبو الزبير والحكم بن عتيبة وابن أبي نجيح ومنصور بن المعتمر وسليمان الأعمش وأيوب السختياني وابن عون وعمر بن ذر ومعروف ابن مشكان، وقتادة بن دعامة والفضل بن ميمون وإبراهيم بن مهاجر وحميد الأعرج وبكير بن الأخنس والحسن الفقيمي وخصيف وسليمان الأحول وسيف بن سليمان وعبد الكريم الجزري وأبو حصين والعوام ابن حوشب وفطر بن خليفة والنضر بن عربي، وخلق كثير.
من أهم ملامح شخصيته

العلم

يعد مجاهد من أوعية العلم وقد أخذ ابن عمر  بركابه يومًا وقال له: وددت من ابني سالمًا وغلامي نافعًا يحفظان حفظك. وقد تفقه على يد عبد الله بن عباس حبر الأمة حتى صار أعلم أهل زمانه بالتفسير، ولم يرد بعلمه يومًا مالاً أو دنيا، حتى قيل: إنه لم يكن أحد يريد بالعلم وجه الله إلا مجاهد وطاوس. وجاء في كنز العمال: أنه قدم عمرو بن العاص على عمر بن الخطاب، فسأله عمر: من استخلفت على مصر؟ قال: مجاهد بن جبير. فقال له عمر: مولى ابنة غزوان. قال: نعم، إنه كاتب. فقال عمر: إن العلم ليرفع بصاحبه.
وكان عالمًا بالقرآن الكريم؛ فعن قتادة قال: أعلم من بقي بالحلال والحرام الزهري، وأعلم من بقي بالقرآن مجاهد.
وتمنى بعض العلماء لو تعلم على يد مجاهد، وأخذ عنه ولو شيئًا يسيرًا، يقول ابن جريج: لأنْ أكون سمعت من مجاهد فأقول سمعت مجاهدًا أحب إليَّ من أهلي ومالي.
السير في الأرض للتأمل والتدبر

وكان مجاهد بن جبير رجل قرأ القرآن وتشبع بمعانيه، وقرأ فيه {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ} [العنكبوت: 20] فخرج في الأرض للسير فيها متفكرًا متدبرًا في خلق الله ؛ فعن الأعمش قال: كان مجاهد لا يسمع بأعجوبة إلا ذهب فنظر إليها، فذهب إلى حضرموت إلى بئر برهوت. يقول الذهبي في سير أعلام النبلاء: بلغنا أنه ذهب إلى بابل وطلب من متوليها من يوقفه على هاروت وماروت، قال: فبعث معي يهوديًّا حتى أتينا تنورًا في الأرض فكشف لنا عنهما، فإذا بهما معلقان منكسان، فقلت: آمنت بالذي خلقكما. فاضطربا فغشي عليَّ وعلى اليهودي، ثم أفقنا بعد حين فلامني اليهودي وقال: كدت من تهلكنا.
منهجه في التفسير

صنف مجاهد تفسير القرآن، وكان مجاهد من أهل الاستنباط والاجتهاد، والحرية العقلية، فربما يصرف النصوص عن ظاهرها كتأويل المسخ قردةً بمسخ القلوب، وقد عرَّضه ذلك لاحقًا لشيء من الانتقاد، وما كان ذلك لينقص من قدره، فعليه اعتماد الشافعي في التفسير، وكذا البخاري في صحيحه.
من تفسيراته

عن مجاهد بن جبير من اليهود لما صلبوا ذلك الرجل الذي شبه لهم وهم يحسبونه المسيح وسلم لهم أكثر النصارى بجهلهم ذلك، تسلطوا على أصحابه بالقتل والضرب والحبس، فبلغ أمرهم إلى صاحب الروم وهو ملك دمشق في ذلك الزمان، فقيل له: إن اليهود قد تسلطوا على أصحاب رجل كان يذكر لهم أنه رسول الله، وكان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص، ويفعل العجائب، فعدوا عليه فقتلوه وأهانوا أصحابه وحبسوهم، فبعث فجيء بهم وفيهم يحيى بن زكريا وشمعون وجماعة، فسألهم عن أمر المسيح فأخبروه عنه، فبايعهم في دينهم وأعلى كلمتهم وظهر الحق على اليهود، وعلت كلمة النصارى عليهم، وبعث إلى المصلوب فوضع عن جذعه وجيء بالجذع الذي صلب عليه ذلك الرجل فعظمه.
ولمجاهد أقوال وغرائب في العلم والتفسير تُسْتنكر. فقد ذهب إلى بابل، وطلب من متوليها من يوقفه على هاروت وماروت، قال: فبعث معي يهودي، حتى أتينا تنورًا في الأرض، فكشف لنا عنهم، فإذا بهما معلَّقان منكَّسان، فقلت: آمنت بالذي خلقكم. فاضطربا فغُشِي عليَّ وعلى اليهودي، ثم أفقنا بعد حين، فلامني اليهودي، وقال: كِدْتَ من تهلكنا.
قال أبو بكر بن عياش: قلت للأعمش: ما لهم يتقون تفسير مجاهد؟ قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب.
آراء العلماء فيه

قال عنه ابن كثير: "أحد أئمة التابعين والمفسرين، كان من أخصاء أصحاب ابن عباس، وكان أعلم أهل زمانه بالتفسير، حتى قيل إنه لم يكن أحد يريد بالعلم وجه الله إلا مجاهد وطاوس. وقال مجاهد: أخذ ابن عمر بركابي وقال: وددت من ابني سالمًا وغلامي نافعًا يحفظان حفظك. وقيل إنه عرض القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة وقيل مرتين، أقفه عند كل آية وأسأله عنه".
قال عنه سفيان الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به. وقال عنه الذهبي: "أبو الحجاج المكي المقرئ المفسر أحد الأعلام".
قال الثوري: خذوا التفسير على أربعة: مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والضحاك. وقال خصيف: كان مجاهد أعلمهم بالتفسير.
وقال قتادة: أعلم من بقي بالتفسير مجاهد. وقال عنه الأعمش: "كان إذا نطق خرج من فمه اللؤلؤ". قال ابن جريج: "لأن أكون سمعت من فأقول: سمعت مجاهدًا أحب إليَّ من أهلي وما لي".
قال ابن معين وجماعة: مجاهد ثقة. وقيل: سكن الكوفة بأخرة.
قال سلمة من كهيل: "ما رأيت أحدًا يريد بهذا العلم وجه الله إلا هؤلاء الثلاثة: عطاء، ومجاهد، وطاوس".
وعن قتادة، قال: أعلم من بقي بالحلال والحرام الزهري، وأعلم من بقي بالقرآن مجاهد.
من كلماته

قال مجاهد: من أعز نفسه أذل دينه ومن أذل نفسه أعز دينه. وقال: إن الله  ليصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده.
وكان يقول: لا تحد النظر إلى أخيك، ولا تسأله من أين جئت وأين تذهب. وقال: ذهبت العلماء فما بقي إلا المتعلمون، وما المجتهد فيكم إلا كاللاعب فيمن كان قبلكم.
وعن مجاهد قال: لو لم يصب المسلم من أخيه إلا من حياء منه يمنعه من المعاصي، لكان في ذلك خير.
وقال: الفقيه من يخاف الله وإن قل علمه، والجاهل من عصى الله وإن كثر علمه، والعبد إذا أقبل على الله بقلبه أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه.
وفاته

قال الفضل بن دكين: مات مجاهد سنة اثنتين ومائة يوم السبت وهو ساجد. وقال يوسف بن سليمان: توفي مجاهد بمكة سنة ثلاث ومائة. وعن يحيى بن سعيد قال: مات مجاهد سنة أربع ومائة. وقال ابن جريج: بلغ مجاهد يوم مات ثلاثًا وثمانين سنة رحمه الله تعالى.

زياد علي

زياد علي محمد