الأحد، 1 سبتمبر 2019

الدكتور شوقي أبو خليل

 عبدالكريم السمك



يعتبر الدكتور شوقي محمد أبو خليل واحدًا من رواد مدرسة التاريخ الإسلامي في تاريخنا المعاصر، وحق لأبناء هذه المدرسة في تاريخنا الذي نعيشه أن نحاجج فيه الرواد الأوائل من أبناء هذه المدرسة من واضعي لبنة هذا البناء الشامخ الذي نفاخر فيه جميع تواريخ الحضارات الإنسانية بما حفظته لنا ذاكرته من خيرية هذه الأمة العربية قاعدة الإسلام وأهله، فكانت وفاته رحمه الله في 14 رمضان 1431هـ - 24 آب "أغسطس" 2010م) في مدينة دمشق.



الدكتور أبو خليل المولد والموطن والنشأة:

الدكتور أبو خليل رحمه الله واحد من أبناء فلسطين الحبيبة، فقد أصابه ما أصاب أهلها من هجرة ونزوح بعد الاحتلال والاغتصاب اليهودي الغادر. ولد الدكتور شوقي أبو خليل في شهر مايو 1941م في بلدة بيسان، وبيسان هذا إنما هو سهل يمثل فضاء حاضنًا لتسعة وعشرين قرية فلسطينية، وقد افتتحت مدينة بيسان قاعدة هذا الإقليم سنة 13هـ على يد القائدين العظيمين شرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص، رضي الله عنهما، وضم هذا السهل العظيم رفاة آلاف من الصحابة وجنود المسلمين أيام طاعون عمواس سنة (18هـ)، وكان منهم الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح وفاتح مدينة بيسان شرحبيل بن حسنة رضي الله عنهما.



ولم يكن سهلًا على والد أبو خليل أن ينزح من أرضه الذي ولد وعاش عليها، فقد أرغم جنود الهاجانا -فرق القتل- أهالي بيسان على الرحيل في عربات ورموهم على الحدود السورية بعد شهر من قيام دولة إسرائيل وكان منهم الدكتور أبو خليل وأسرته رحمه الله تعالى. في دمشق كانت النشأة الثانية لأبو خليل، فالتحق في مدارسها، وبعد انتهائه من المرحلة الثانوية التحق بجامعة دمشق -كلية الآداب- قسم التاريخ، وجاءت دراسته للتاريخ من حبه له، على أنه وعاء الأمم حاضن سيرتها وأمجادها، وإن أي أمة لا تاريخ لها لا وجود لها بين الأمم، فمن هذا الباب جاء حبه للتاريخ، وخاصة منه الأموي بعد أن ذهب الكثير من الشعوبيين إلى النيل منه وتشويه صورته، وإيمانًا منه بهذه الرسالة العظيمة فقد تابع دراساته العليا وحصل على الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من أكاديمية العلوم في جامعة أذربيجان سنة 1990م.



الإدارات والجهات التي عمل بها:

التحق بعد تخرجه من الجامعة في وزارة التربية والتعليم السورية، فعمل مدرسًا في ثانوياتها، ثم رئيسًا لقسم الامتحانات في مديرية تربية دمشق، ثم موجهًا تعليميًا في مادة علم التاريخ في ثانويات دمشق، انتقل بعدها ليكون عضوًا في مديرية المناهج والكتب، وكان أستاذًا لمادة الحضارة الإسلامية والاستشراق بكلية الدعوة الليبية، وعمل محاضرًا في كلية الشريعة في جامعة دمشق، كما عمل أمينًا عامًا لجامعة العلوم الإسلامية والعربية، ومديرًا للنشر في دار الفكر بدمشق من سنة 1991م حتى وفاته في 14 رمضان 1431هـ- 24 أغسطس 2010م، كما تولى رئاسة قسم شعبة التاريخ والحضارة في معهد الفتح الإسلامي، وأستاذًا للتاريخ فيه.



الكتابة والتأليف في حياة أبو خليل:

أثرى الدكتور أبو خليل مكتبة التاريخ الإسلامي في عظيم عطاءاته، وخاصة ما هو معني في حروب المسلمين وانتصاراتهم، قصده في ذلك توجيه شباب هذه الأمة إلى الماضي الذي عاشه أسلافهم في فهم رسالة الإسلام وحمله إلى شعوب العالم من غير العرب، وقد بين فيما كتبه بأن الحملة هم من أبناء هذه البلاد المباركة الجزيرة العربية، فقبل أن يكونوا قادة فتح كانوا دعاة هداية ودعوة إلى دين الله، وكانت باكورة أعماله كما أشار لذلك الأستاذ محمد عدنان سالم أحد مؤسسي دار الفكر ومديرها قبل أبو خليل، بأن أبو خليل جاء سنة 1968م، ومعه كتاب "المعارك الكبرى في تاريخ الإسلام"، يلتمس نشره، فتوجس خيفة من رفضه لنشر الكتاب، لكن المدير سالم أفاده بأن الدار لها معايير في نشر أي كتاب بغض النظر عن المدرسة التي ينتسب لها الكاتب أو فكره، فشاء الله له أن يكون هذا الكتاب أولى بواكير عمله في الكتابة، وتوالى بعد ذلك عطاءه في التاريخ الإسلامي، حتى بلغ ما كتبه في حدود أربعين كتابًا، وكلها من مطبوعات دار الفكر، وغدى شوقي أبو خليل في ذاكرة قرائه، فهو لا يذكر إلا ويذكر معه دار الفكر ناشرة أعماله ومؤلفاته، كما كتب رحمه الله كتبًا صغيرة لعالم الطفل والأطفال بقصد ربطهم تربويًا وسلوكيًا بماضي أسلافهم من فضلاء هذه الأمة وقادتها وعظمائها وعلمائها. وأبو خليل ابن فلسطين وبيسان، وعلى واقع ما يعيشه الفلسطينيون اليوم من قتل وسجن على يد اليهود من تاريخ النكبة الأولى وإلى اليوم، فقد كتب كتابًا عظيمًا فقال فيه اليهود في التاريخ والحضارة الإنسانية لم يكونوا إلا قتلة مجرمين، وذلك في كتابه الذي عنونه بـ"الهولوكست الأولى في التاريخ -محرقة نجران"، فنجران حاضنتها هذه البلاد الكريمة، واستند فيه على توثيق نصه من المصادر الحبشية والقبطية واليمنية القديمة والبيزنطية، وتوج هذه المصادر بكتاب الله الذي تتلى فيه صورة حرق المؤمنين إلى قيام الساعة في سورة البروج.



وفي مجال عالم الفكر فقد كتب رحمه الله في العديد من الصور والفضاءات الفكرية والتي ترتكز على ثوابت الفكر الإسلامي في ظل ما عاشته الأمة من بعض من أبنائها، الذين سبحوا في تيارات فكرية حاربها الإسلام كالقومية والشيوعية والاشتراكية والوجودية وغيرها من الأفكار التي حاربها الإسلام في سمو رسالته وعظيم مكانتها.



ناهض جرجي زيدان فيما كتبه عن التاريخ الإسلامي قاصدًا تشويه صورته بعد تأثره بمدارس المستشرقين، كما ناهض المستشرقين في دراساتهم التاريخية، وهذا كله يدخل في ميزان النقد للنصوص التاريخية التي قصد فيها تشويه صورة التاريخ الإسلامي في رسالته ورجالاته.



وأرفف المكتبات التاريخية تشهد بفضله رحمه الله في خلال أطالسه الخمسة التي كتبها وخدمها بالصور والخرائط الإرشادية للطلبة والباحثين، فكان نموذجًا في الكتابة درج عليه رحمه الله وقلده فيه من جاء بعده ومنها أطلس القرآن. وأطلس الدول الإسلامية، وأطلس التاريخ الإسلامي، وأطلس السنة النبوية، وأطلس السيرة النبوية.



ومن الشخصيات العلمية التي تأثر بها رحمه الله، كان عباس محمود العقاد، وكتابه "التفكير فريضة إسلامية" والمرحوم محمود محمد شاكر، وكتابه "أباطيل وأسمار"، ومن ذكرياته أنه امتلك أول كتاب بليرة سورية وربع كتاب "فتوح الشام" للواقدي، واليوم خلف مكتبة خاصة فيه ضاق فيها البيت عليه، فيها من عظيم الكتب التاريخية المعنية في التاريخ الإسلامي، والتي اهتدى بهديها فيما كتبه ونشره.



ثناء العلماء عليه:

شهادة الحق من شهادة الخلق، فقد ذهب العديد من الكتاب والمؤرخين في العمل على تكريم شوقي أبو خليل في حياته رحمه الله، ففي سنة 2004م تم إقامة حفل تكريم له في دمشق، وفيه تبادل الحاضرون الكلمات وقصائد الشعر العربي في بيان قدره وفضله والثناء عليه، بما تركه من موروث علمي عظيم يشهد له بعظيم قدره وسمو منزلته العلمية، وكان منهم الشيخ عكرمة صبري مفتي القدس، وغيرهم من العلماء والمفكرين، وقد جمعت الكلمات في كتاب مرموق نشرته دار الفكر تحت عنوان "علماء مكرمون: شوقي أبو خليل، بحوث ومقالات مهداة إليه"، ومع وفاته رحمه الله فإن الذي ذهب منهم في تكريمه لم يجد بدًا من رثائه والثناء عليه فكتب عنه العديد من الكتابات والمقالات وقصائد الرثاء، ومنها قصيدة الدكتور وليد قصاب الذي آلمه فقد واحد من أحبابه وإخوانه الذي لمس فيه العلم والأدب والخلق والفضل، فجاءت قصيدته "الوداع" في باب الرثاء له رحمه الله فيقول:

ما مات أهلُ العلم والآثار
أسماؤهم تحيا مدى الأعصارِ
شوقي بحرف النور خلد اسمه
وأضافه بجلالةٍ ووقارِ
ما مر ثم مضى كأن لم يأتنا
أو كان في الدنيا من الأغمارِ 
حيث اتجهت ثماره وفروعه
ما غادر الدنيا بغير ثمارِ




فرحم الله الدكتور شوقي أبو خليل على ما قدمه لأمته في خدمة تاريخها سائلين الله له المغفرة آملين من الله أن يعوض الأمة بفقده، من يتابع مسيرته ورسالته وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



الكتب التي تم نشرها للمرحوم شوقي أبو خليل:

طيلة أربعة عقود من العطاء عند أبو خليل، وخاصة فيما هو معني بالتاريخ الإسلامي في قديمه وحديثه، فقد كانت ذات منهجية جديدة، ولم يسجل عليه أحد أن دلس أو سرق من أحد، ومما امتازت به كتاباته مناهضته للشعوبية وأصحاب الفرق، فهو في كل ما كتبه رحمه الله أموي النزعة، وقد ناهض في الكثير مما كتبه مسألة النيل من الإسلام وأهله في تشويه صورة تاريخ هذه الأمة، والكتابة عنده جاءت على المحاور التالية:


1- التاريخ الإسلامي: ومنها القادسية - اليرموك -   نهاوند - ذات الصواري - فتح الأندلس - الإسلام وحركات التحرير العربية - بلاد الشهداء - الزلاقة - فتح صقلية - بدر الكبرى - غزوة خيبر - غزوة أحد - غزوة الخندق - غزوة تبوك - صلح الحديبية - الأرك - غزوة مؤتة - فتح مكة - حنين والطائف - حروب الردة - عمورية - وادي المخازن - العقاب.



2- كتب في النقد التاريخي: فيليب حتى في الميزان - في الرد على مفتريات المستشرقين - آراء يهدمها الإسلام - تحرير المرأة ممن وفيم حريتها - كارل بروكلمان في الميزان.



3- الفكر الإسلامي: الإسلام في قفص الاتهام، غريزة أم تقدير إلهي، من صيغ القرآن، عوامل النصر والهزيمة، أحب أن أكون، الإنسان بين العلم والدين، أحب أن أعرف أمتي، الإسلام والتفاهم والتعايش بين الشعوب، الحضارة العربية الإسلامية.



4- كتب للأطفال: ومنها أراد رحمه الله ربط الأطفال بماضي سلفهم الكريم من خلال تقديمهم لأطفال الأمة في هذه الأيام فبلغت مؤلفاته من الكتب الصغيرة ما يزيد على المائة كتاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زياد علي

زياد علي محمد