اقدم لكم سلسلة من 20 خطبة عن ام المؤمنين الطاهرة الصديقة ابنة الصديق
عائشة رضي الله عنها
وهي للشيخ إبراهيم الدويش
أم المؤمنين عائشة(8) السعادة والحياة الزوجية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وعلى صحابته الكرام الذين اهتدوا بهديه، واقتدوا بسنته، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: ففي خضم هذا الصخب الإعلامي والصراع الفكري حول قضايا المرأة في مجتمعنا نواصل الحديث عن سلسلة سيرة أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، والتي هي بحق أنموذج ومنهج تربوي وعملي للمرأة المسلمة اليوم، لمن كان صادقاً جاداً في نصرة المرأة وحقوقها، فعائشة رضي الله عنها شخصية اجتماعية نسائية فذة جمعت خصالاً كثيرة، حتى أصبحت حياتها مدرسة وأنموذجاً تطبيقياً فهي قدوة ومعلمة للرجال وللأجيال، وبعد سبع خطب مضت قلَّبنا فيها بعضًا من صفحات سيرتها العظرة، كان آخرها تجربتها في السنة الأولى لزواجها المبارك، ونواصل اليوم الحديث عن تجربتها في الحياة الزوجية في بيت النبوة، بيت العلم والحكمة، بيت الإيمان والاستقامة، فقد اكتسبت علماً وتجربة فريدة، من حق كل مسلم ومسلمة أن يسأل عنها وعن ماهية الأسس في فلسفة السعادة الزوجية عند عائشة ضي الله عنها، على أي شيء قامت يا ترى؟ لعلي معاشر الإخوة والأخوات: أُلخص ذلك فيما يلي: أولاً: القناعة والزهد، وكان هذا مدار الخطبة الماضية، فكل عاقل وعاقلة يُدرك تماماً أن القناعة والزهد عنوان الرضا، وأن الرضا هو عنوان السعادة والراحة، وهل خرَّب البيوت اليوم وأزَّمَ النفوس إلا الجشع والتكثر. ثانياً من أسس فلسفة عائشة في السعادة الزوجية: الحب الصادق والمتبادل بين الزوجين، فقد كان كل منهما مظهراً للآخر كل جوانب الرقة والحنان، والمحبة والمودة، وتشهد لذلك مواقف كثيرة حصلت بينهما، كل يحاول فيها إيصال رسالة التقدير والوفاء، وتقديم عربون المودة والمحبة، ومن ذلك ما ورد في الصحيحين عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَالَ: ((إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِى أَبَوَيْكِ)) قَالَتْ: قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ:{يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}قَالَتْ: فَقُلْتُ: فِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟!! فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلممِثْلَ مَا فَعَلْتُ)). تأملوا معاشر الأزواج هذا الموقف فقد كان صلى الله عليه وسلمهو البادئ بإظهار التقدير والحب والمودة لعائشة قائلاً: ((إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ)) فما كان من عائشة الوفية الذكية إلا أن سارعت قائلة: ((وفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟!!)) وفي رواية: "فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، ولا أؤامر أبوي أبا بكر وأم رومان، فضحك صلى الله عليه وسلم" وفي رواية "ففرح صلى الله عليه وسلم"، ثم اسمعوا العقل والحنكة عندما زادت قائلة: "يا رسول الله وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلتُ، لكن الرد جاء سريعاً منه صلى الله عليه وسلم ليقول:((لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني متعنتًا وإنما بعثني معلمًا ميسرًا)). يا له من حوار أسري مفعم بالصراحة والمحبة، وما أروعه من موقف معبر عن الود والاحترام المتبادل، والذي يتمناه الكثير من الأزواج اليوم! وتتلهف له النفوس والبيوت الشقية! بل هي مواقف زوجية حميمية كثيرة تلك التي جرت في بيت عائشة وتحكيها للأمة كلها، فتقول رضي الله عنها: كان صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن. وكان صلى الله عليه وسلم ليؤتى بالإناء فأشرب منه وأنا حائض، ثم يأخذه فيضع فاه على موضع فيّ، وإن كنت لآخذ العرق فآكل منه ثم يأخذه فيضع فاه على موضع فيَ. وتقول: كنت معه صلى الله عليه وسلم في سفر وأنا جارية فقال لأصحابه: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي: تعالي أسابقك. وتقول: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين لحرمه حين أحرم، ولحله قبل أن يطوف. وتقول: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد. وكان صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم. ومواقف شتى تحكي فلسفة السعادة الزوجية في بيت عائشة الزوجة الذكية.
عجبت لهذا الحب يسري كأنما هو السحرُ في الأعماق أو أنه أقوى
ويجعل حلوَ العيش مراً إذا نأى حبيبٌ، ومرّ العيش في قربه حُلْوا
هو الحبّ يسمو بالنفوس ويرتقي إذا لم يكن في عرفِ أصحابه لهوا
وفي حديث أم زرع الطويل في الصحيحين وعائشة تحكي قصة إحدى عشرة امرأة في قصة طويلة، كان النبي صلى الله عليه وسلم مصغيًا إليها، ومستمعًا لكلامها دون مقاطعة أو ملل، وفيها أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة مظهرًا حبه لها: "كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ". يعني في الألفة والوفاء، فقد كان أبو زرع مع أم زرع بهذه الصورة، فبادرته عائشة بذكاء وحب فقالت له: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله! بل أنت خير إليَّ من أبي زرع" فأين هذا من ذلك الموقف الذي وإن كان طرفة تحكى إلا أنه يُمثل حال بعض نساء اليوم؛ وهو قول تلك المسكينة التي قال لها زوجها مازحًا متوددًّا إليها: كلما نظرتُ في المرأة وجدتُ نفسي مثل القمر..فهل تُسمين هذا غروراً؟ فأجابته: لا..أسميه عمًى؟! والموقف لا يحتاج لتعليق {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. ثالثاً من أسس فلسفة عائشة في السعادة الزوجية: الاحترام المتبادل، والتوافق النفسي، والتراضي بينهما، فمن لطائف ما ورد في ذلك ما أخرجه الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى"إذاً فليس مستغربًا من أن تغضب المرأة أحيانًا على زوجها أو تعاتبه أو العكس، لما قد يقع من أسباب الاختلاف المعتادة في حياتهما، فقالت عائشة: "وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَالَ:((أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ)) يا ترى كيف كان رد عائشة؟ اسمعوا وانظروا إلى أدبها وروعتها في إيصال رسالة عتاب، وكيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ملك إلا يتلقاها بكل فرح وسرور،فأجابته بقولها: "أَجَلْ -وَاللَّهِ- يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ" هذا الموقف يؤكد أن الخلاف في وجهات النظر بين الزوجين أمر معتاد، بل هو طبع في البشر، لكن الأهم هو فن إدارة الخلاف، واحتواء المشاكل، بل واستثمارها لتوطيد دعائم العلاقة الزوجية، والزيادة في المحبة، فليس من الحكمة أن يخرج الخلاف عن الحد فتتجرأ المرأة على زوجها شتماً أو تنقصاً أو استهزاءً، فتوغر صدره، وتنفخ فيه نار الغضب لتغدو الحبة قبة، فتكون مشكلة كبيرة وصراعاً عنيفاً يصعب رأبه، أما عائشة رضي الله عنها فحد غضيها هو قولها:" لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ" فأحسنت في الأدب والتعبير حتى في الغضب، فنفست عن نفسها وأخرجت مكنون دواخلها، حتى ما ملك الحبيب إلا أن يُبيّن لها أنه قد بلغته رسالتها، وعرف مقصدها. آهٍ إخوة الإيمان يا له من رقي في المعاملة، ودقة بالغة في مراعاة المشاعر والنفسيات، إنها رسالة عظيمة لحال بعض الأزواج والزوجات وكيفية إدارة الخلاف بينهما، بدل المسارعة لمغادرة البيت والخروج منه عند كل خلاف، فإن الخروج من البيت هدم للحياة الزوجية، ويزيد الطين بلة، والأمر علة، وفوق كل هذا هو مخالفة صريحة لأمر القرآن، ولأجل خطورته نهى الله عزّ وجل أن تَخرج أو تُخرج المطلقة من بيت زوجها فقال: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ}فيا لَله ما أشد مخالفة الناس اليوم لهذا النهي الصريح، هذا في المطلقة، فكيف بمن لا تزال زوجة، ولكنها تَخرج أو تُخرج بسبب مشكلة يسيرة؟! أما عائشة رضي الله عنها فقد كانت مبدعة في فن احتواء المشاكل البيتية والزوجية وحسن التعامل معها بواقعية وبشرية، بحسن خلق وأدب في الألفاظ حتى عند الخصومة، وعند الغضب والعتاب؛ فقد كانت رضي الله عنها تملك فناً عجيباً وتميزاً في إيصال رسائل عتاب رقيقة وغير مباشرة بكل ذكاء وفطنة وأدب مع النبي الكريم. رابعاً من أسس فلسفة عائشة في السعادة الزوجية: المبادرة بفتح صفحة جديدة بعد أي مشكلة، وبكل عفوية وانسيابية، وقبولها الاسترضاء، ونسيان ما كان، ويشهد لهذا مواقف كثيرة، منها ما رواه النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ : ((جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعَ عَائِشَةَ وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ:يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ! وَتَنَاوَلَهَا،أَتَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟! قَالَ: فَحَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَهَا يَتَرَضَّاهَا:((أَلَا تَرَيْنَ أَنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ؟)) قَالَ: ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ:يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا)). فرجعَت العلاقةُ مرَّةً أخرى بحسن الملاطفةِ، وحسنِ المداراة بين الزوجِين، رغم رفع صوتها عليه صلى الله عليه وسلم، فما أرق رسول الله صلى الله عليه وسلم! وما أحسن تأتِّي عائشة ولينها وانكسارها لرسول الله صلى الله عليه وسلم! ورضاها بهذه السرعة، وعدم تعقيدها للموقف! بل مسارعتها لفتح صفحة جديدة كأنه لم يحصل شيء! ثم في موقف أبي بكر درس عظيم لأهالي الزوجات، فالكثير منهم مع الأسف تدخلهم سلبي في حياة الزوجين، فبدل أن يساعدوا في حل المشاكل يزيدون الطين بلة، وجل مداخلات أهالي الأزواج سلبية إلا من رحم الله، ولا تساعد في إعادة جو الألفة والمحبة بين الزوجين، وإزالة ما حدث من شحناء وغضب، فليت الأهالي من الطرفين يقتدون بأبي بكر، ويتعلمون منه كيف يكون دورهم إيجابيًّا، فقد أرسل أبو بكر رسالته قوية لابنته عائشة عندما وجدها أنها المخطئة: فقال معاتبًا: " يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ! وَتَنَاوَلَهَا، أَتَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟!"فنسبها إلى أمها زجرًا وتأديبًا، وأنها ليست ابنته في هذه الحالة. خامساً من أسس فلسفة عائشة في السعادة الزوجية: تنمية الحب وزيادته باستخدامها كل ما وهبها الله كأي امرأة من رقة وأنوثة وجمال وإغراء، وهو أقوى سلاح تملكه المرأة، وهذا من أبرز ملامح أسس وفلسفة السعادة في الحياة الزوجية لدى عائشة رضي الله عنها، فقد جاء في طبقات ابن سعد أن بكرة بنت عقبة دخلت على عائشة وهي جالسة في معصفرة -أي لباس مزين أو فيه صفرة- فسألتها عن الحناء؟ فقالت: شجرة طيبة وماء طهور، وسألتها عن الحفاء فقالت لها: إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعي مقلتيك فتضعيها له أحسن مما هما فافعلي". ولا شك أن هذا من عظيم فقه عائشة، وأغلى هدية منها لنساء الأمة، فما أروعه من منطق وعقل: "إن كان لك زوج فإن استطعت أن تنزعي مقلتيك- أي عينيك- فتضعيها له أحسن مما هما عليه فافعلي!" أي: لكي تكوني أقرب وأحب إلى زوجك. وفي موقف آخر جاء في بعض الروايات أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وَجَدَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ فِي شَيْءٍ –أي غضب عليها- فَقَالَتْ صَفِيَّةُ يَا عَائِشَةُ هَلْ لَكِ أَنْ تُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمعَنِّي وَلَكِ يَوْمِي؟ قَالَتْ:نَعَمْ، فَأَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ فَرَشَّتْهُ بِالْمَاءِ لِيَفُوحَ رِيحُهُ، ثُمَّ قَعَدَتْ إِلَى جَنْبِ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلمفَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((يَا عَائِشَةُ! إِلَيْكِ عَنِّي، إِنَّهُ لَيْسَ يَوْمَكِ)) فَقَالَتْ: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، فَأَخْبَرَتْهُ بِالْأَمْرِ،فَرَضِيَ عَنْهَا))، هكذا تصرفت عائشة، وأرضت رسول الأمة، وشفعت لخطأ صفية بحسن تبعلها ورقة تعاملها، فهل من مدكر، وهل من معتبر! فالحياة الزوجية لا تخلو من مشاكل ومكدرات، لكن أيضاً هناك في المقابل مهدئات ومسكنات، هكذا تألقت عائشة بتوظيفها وتفعيلها في أعظم وأسعد بيت عرفته البشرية. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
عائشة رضي الله عنها
وهي للشيخ إبراهيم الدويش
أم المؤمنين عائشة(8) السعادة والحياة الزوجية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وعلى صحابته الكرام الذين اهتدوا بهديه، واقتدوا بسنته، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: ففي خضم هذا الصخب الإعلامي والصراع الفكري حول قضايا المرأة في مجتمعنا نواصل الحديث عن سلسلة سيرة أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، والتي هي بحق أنموذج ومنهج تربوي وعملي للمرأة المسلمة اليوم، لمن كان صادقاً جاداً في نصرة المرأة وحقوقها، فعائشة رضي الله عنها شخصية اجتماعية نسائية فذة جمعت خصالاً كثيرة، حتى أصبحت حياتها مدرسة وأنموذجاً تطبيقياً فهي قدوة ومعلمة للرجال وللأجيال، وبعد سبع خطب مضت قلَّبنا فيها بعضًا من صفحات سيرتها العظرة، كان آخرها تجربتها في السنة الأولى لزواجها المبارك، ونواصل اليوم الحديث عن تجربتها في الحياة الزوجية في بيت النبوة، بيت العلم والحكمة، بيت الإيمان والاستقامة، فقد اكتسبت علماً وتجربة فريدة، من حق كل مسلم ومسلمة أن يسأل عنها وعن ماهية الأسس في فلسفة السعادة الزوجية عند عائشة ضي الله عنها، على أي شيء قامت يا ترى؟ لعلي معاشر الإخوة والأخوات: أُلخص ذلك فيما يلي: أولاً: القناعة والزهد، وكان هذا مدار الخطبة الماضية، فكل عاقل وعاقلة يُدرك تماماً أن القناعة والزهد عنوان الرضا، وأن الرضا هو عنوان السعادة والراحة، وهل خرَّب البيوت اليوم وأزَّمَ النفوس إلا الجشع والتكثر. ثانياً من أسس فلسفة عائشة في السعادة الزوجية: الحب الصادق والمتبادل بين الزوجين، فقد كان كل منهما مظهراً للآخر كل جوانب الرقة والحنان، والمحبة والمودة، وتشهد لذلك مواقف كثيرة حصلت بينهما، كل يحاول فيها إيصال رسالة التقدير والوفاء، وتقديم عربون المودة والمحبة، ومن ذلك ما ورد في الصحيحين عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَالَ: ((إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِى أَبَوَيْكِ)) قَالَتْ: قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ:{يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}قَالَتْ: فَقُلْتُ: فِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟!! فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلممِثْلَ مَا فَعَلْتُ)). تأملوا معاشر الأزواج هذا الموقف فقد كان صلى الله عليه وسلمهو البادئ بإظهار التقدير والحب والمودة لعائشة قائلاً: ((إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ)) فما كان من عائشة الوفية الذكية إلا أن سارعت قائلة: ((وفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟!!)) وفي رواية: "فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، ولا أؤامر أبوي أبا بكر وأم رومان، فضحك صلى الله عليه وسلم" وفي رواية "ففرح صلى الله عليه وسلم"، ثم اسمعوا العقل والحنكة عندما زادت قائلة: "يا رسول الله وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلتُ، لكن الرد جاء سريعاً منه صلى الله عليه وسلم ليقول:((لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني متعنتًا وإنما بعثني معلمًا ميسرًا)). يا له من حوار أسري مفعم بالصراحة والمحبة، وما أروعه من موقف معبر عن الود والاحترام المتبادل، والذي يتمناه الكثير من الأزواج اليوم! وتتلهف له النفوس والبيوت الشقية! بل هي مواقف زوجية حميمية كثيرة تلك التي جرت في بيت عائشة وتحكيها للأمة كلها، فتقول رضي الله عنها: كان صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن. وكان صلى الله عليه وسلم ليؤتى بالإناء فأشرب منه وأنا حائض، ثم يأخذه فيضع فاه على موضع فيّ، وإن كنت لآخذ العرق فآكل منه ثم يأخذه فيضع فاه على موضع فيَ. وتقول: كنت معه صلى الله عليه وسلم في سفر وأنا جارية فقال لأصحابه: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي: تعالي أسابقك. وتقول: طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين لحرمه حين أحرم، ولحله قبل أن يطوف. وتقول: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد. وكان صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم. ومواقف شتى تحكي فلسفة السعادة الزوجية في بيت عائشة الزوجة الذكية.
عجبت لهذا الحب يسري كأنما هو السحرُ في الأعماق أو أنه أقوى
ويجعل حلوَ العيش مراً إذا نأى حبيبٌ، ومرّ العيش في قربه حُلْوا
هو الحبّ يسمو بالنفوس ويرتقي إذا لم يكن في عرفِ أصحابه لهوا
وفي حديث أم زرع الطويل في الصحيحين وعائشة تحكي قصة إحدى عشرة امرأة في قصة طويلة، كان النبي صلى الله عليه وسلم مصغيًا إليها، ومستمعًا لكلامها دون مقاطعة أو ملل، وفيها أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة مظهرًا حبه لها: "كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ". يعني في الألفة والوفاء، فقد كان أبو زرع مع أم زرع بهذه الصورة، فبادرته عائشة بذكاء وحب فقالت له: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله! بل أنت خير إليَّ من أبي زرع" فأين هذا من ذلك الموقف الذي وإن كان طرفة تحكى إلا أنه يُمثل حال بعض نساء اليوم؛ وهو قول تلك المسكينة التي قال لها زوجها مازحًا متوددًّا إليها: كلما نظرتُ في المرأة وجدتُ نفسي مثل القمر..فهل تُسمين هذا غروراً؟ فأجابته: لا..أسميه عمًى؟! والموقف لا يحتاج لتعليق {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. ثالثاً من أسس فلسفة عائشة في السعادة الزوجية: الاحترام المتبادل، والتوافق النفسي، والتراضي بينهما، فمن لطائف ما ورد في ذلك ما أخرجه الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى"إذاً فليس مستغربًا من أن تغضب المرأة أحيانًا على زوجها أو تعاتبه أو العكس، لما قد يقع من أسباب الاختلاف المعتادة في حياتهما، فقالت عائشة: "وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ قَالَ:((أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ)) يا ترى كيف كان رد عائشة؟ اسمعوا وانظروا إلى أدبها وروعتها في إيصال رسالة عتاب، وكيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ملك إلا يتلقاها بكل فرح وسرور،فأجابته بقولها: "أَجَلْ -وَاللَّهِ- يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ" هذا الموقف يؤكد أن الخلاف في وجهات النظر بين الزوجين أمر معتاد، بل هو طبع في البشر، لكن الأهم هو فن إدارة الخلاف، واحتواء المشاكل، بل واستثمارها لتوطيد دعائم العلاقة الزوجية، والزيادة في المحبة، فليس من الحكمة أن يخرج الخلاف عن الحد فتتجرأ المرأة على زوجها شتماً أو تنقصاً أو استهزاءً، فتوغر صدره، وتنفخ فيه نار الغضب لتغدو الحبة قبة، فتكون مشكلة كبيرة وصراعاً عنيفاً يصعب رأبه، أما عائشة رضي الله عنها فحد غضيها هو قولها:" لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ" فأحسنت في الأدب والتعبير حتى في الغضب، فنفست عن نفسها وأخرجت مكنون دواخلها، حتى ما ملك الحبيب إلا أن يُبيّن لها أنه قد بلغته رسالتها، وعرف مقصدها. آهٍ إخوة الإيمان يا له من رقي في المعاملة، ودقة بالغة في مراعاة المشاعر والنفسيات، إنها رسالة عظيمة لحال بعض الأزواج والزوجات وكيفية إدارة الخلاف بينهما، بدل المسارعة لمغادرة البيت والخروج منه عند كل خلاف، فإن الخروج من البيت هدم للحياة الزوجية، ويزيد الطين بلة، والأمر علة، وفوق كل هذا هو مخالفة صريحة لأمر القرآن، ولأجل خطورته نهى الله عزّ وجل أن تَخرج أو تُخرج المطلقة من بيت زوجها فقال: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ}فيا لَله ما أشد مخالفة الناس اليوم لهذا النهي الصريح، هذا في المطلقة، فكيف بمن لا تزال زوجة، ولكنها تَخرج أو تُخرج بسبب مشكلة يسيرة؟! أما عائشة رضي الله عنها فقد كانت مبدعة في فن احتواء المشاكل البيتية والزوجية وحسن التعامل معها بواقعية وبشرية، بحسن خلق وأدب في الألفاظ حتى عند الخصومة، وعند الغضب والعتاب؛ فقد كانت رضي الله عنها تملك فناً عجيباً وتميزاً في إيصال رسائل عتاب رقيقة وغير مباشرة بكل ذكاء وفطنة وأدب مع النبي الكريم. رابعاً من أسس فلسفة عائشة في السعادة الزوجية: المبادرة بفتح صفحة جديدة بعد أي مشكلة، وبكل عفوية وانسيابية، وقبولها الاسترضاء، ونسيان ما كان، ويشهد لهذا مواقف كثيرة، منها ما رواه النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ : ((جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَسَمِعَ عَائِشَةَ وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ:يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ! وَتَنَاوَلَهَا،أَتَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟! قَالَ: فَحَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَهَا يَتَرَضَّاهَا:((أَلَا تَرَيْنَ أَنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ؟)) قَالَ: ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ:يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا)). فرجعَت العلاقةُ مرَّةً أخرى بحسن الملاطفةِ، وحسنِ المداراة بين الزوجِين، رغم رفع صوتها عليه صلى الله عليه وسلم، فما أرق رسول الله صلى الله عليه وسلم! وما أحسن تأتِّي عائشة ولينها وانكسارها لرسول الله صلى الله عليه وسلم! ورضاها بهذه السرعة، وعدم تعقيدها للموقف! بل مسارعتها لفتح صفحة جديدة كأنه لم يحصل شيء! ثم في موقف أبي بكر درس عظيم لأهالي الزوجات، فالكثير منهم مع الأسف تدخلهم سلبي في حياة الزوجين، فبدل أن يساعدوا في حل المشاكل يزيدون الطين بلة، وجل مداخلات أهالي الأزواج سلبية إلا من رحم الله، ولا تساعد في إعادة جو الألفة والمحبة بين الزوجين، وإزالة ما حدث من شحناء وغضب، فليت الأهالي من الطرفين يقتدون بأبي بكر، ويتعلمون منه كيف يكون دورهم إيجابيًّا، فقد أرسل أبو بكر رسالته قوية لابنته عائشة عندما وجدها أنها المخطئة: فقال معاتبًا: " يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ! وَتَنَاوَلَهَا، أَتَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟!"فنسبها إلى أمها زجرًا وتأديبًا، وأنها ليست ابنته في هذه الحالة. خامساً من أسس فلسفة عائشة في السعادة الزوجية: تنمية الحب وزيادته باستخدامها كل ما وهبها الله كأي امرأة من رقة وأنوثة وجمال وإغراء، وهو أقوى سلاح تملكه المرأة، وهذا من أبرز ملامح أسس وفلسفة السعادة في الحياة الزوجية لدى عائشة رضي الله عنها، فقد جاء في طبقات ابن سعد أن بكرة بنت عقبة دخلت على عائشة وهي جالسة في معصفرة -أي لباس مزين أو فيه صفرة- فسألتها عن الحناء؟ فقالت: شجرة طيبة وماء طهور، وسألتها عن الحفاء فقالت لها: إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعي مقلتيك فتضعيها له أحسن مما هما فافعلي". ولا شك أن هذا من عظيم فقه عائشة، وأغلى هدية منها لنساء الأمة، فما أروعه من منطق وعقل: "إن كان لك زوج فإن استطعت أن تنزعي مقلتيك- أي عينيك- فتضعيها له أحسن مما هما عليه فافعلي!" أي: لكي تكوني أقرب وأحب إلى زوجك. وفي موقف آخر جاء في بعض الروايات أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وَجَدَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ فِي شَيْءٍ –أي غضب عليها- فَقَالَتْ صَفِيَّةُ يَا عَائِشَةُ هَلْ لَكِ أَنْ تُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمعَنِّي وَلَكِ يَوْمِي؟ قَالَتْ:نَعَمْ، فَأَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ فَرَشَّتْهُ بِالْمَاءِ لِيَفُوحَ رِيحُهُ، ثُمَّ قَعَدَتْ إِلَى جَنْبِ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلمفَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((يَا عَائِشَةُ! إِلَيْكِ عَنِّي، إِنَّهُ لَيْسَ يَوْمَكِ)) فَقَالَتْ: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، فَأَخْبَرَتْهُ بِالْأَمْرِ،فَرَضِيَ عَنْهَا))، هكذا تصرفت عائشة، وأرضت رسول الأمة، وشفعت لخطأ صفية بحسن تبعلها ورقة تعاملها، فهل من مدكر، وهل من معتبر! فالحياة الزوجية لا تخلو من مشاكل ومكدرات، لكن أيضاً هناك في المقابل مهدئات ومسكنات، هكذا تألقت عائشة بتوظيفها وتفعيلها في أعظم وأسعد بيت عرفته البشرية. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق