بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخليل إبراهيم في السنة المطهرة
كما أن لسيدنا إبراهيم - عليه السلام - حضورا متميزا في القرآن الكريم، ففي السنة النبوية أيضا يتمثل فيها سيدنا إبراهيم - عليه السلام - نموذجاً حاضراً متميزاً في جوانب شتى، أهمها ما يلي:
أولا: سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أشبه شيء بجده سيدنا إبراهيم - عليه السلام -:
وذلك لما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رَأَيْتُ مُوسَى فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ ضَربٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيماسٍ، وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ - عليه السلام – بِهِ))[1].
ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أشبه به خَلقا وخُلقا، ولما لا، وهو من نسله المبارك، وعلى ملته ونهجه القويم، يؤكد هذا ما رواه مسلم بسنده عن واثلة بن الأسقع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشاً مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ))[2].
ولما أورده الألباني من حديث عبادة بن الصامت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أنا دعوة أبي إبراهيم، و كان آخر من بشر بي عيسى بن مريم))[3].
ويزيد هذا تأكيدا أن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - يشبه أباه خليل الله إبراهيم - عليه السلام - أن الله - تعالى - اتخذه أيضا خليلاً؛ لما رواه مسلم بسنده عن جندب بن جنادة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى الله أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنَّ الله - تعالى -قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلاً، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً مِنْ أُمَّتِي خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً))[4].
ثانيا: سيدنا إبراهيم - عليه السلام - وزوجته سارة والملك الظالم:
من الابتلاءات الحادة التي فصَّلتها السُنة وأجملها القرآن الكريم ما تعرض له سيدنا إبراهيم - عليه السلام - مع الملك الظالم في زمانه وتعامل معه تعاملا يَتسمُ بأمرين:
1- تمام الإيمان بالله - تعالى -.
2- كمال الحكمة في التعامل مع هذا الملك الظالم.
ويُبيِّن ذلك الحديث الذي رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ - عليه السلام - بِسَارَةَ فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنْ الْمُلُوكِ أَوْ جَبَّارٌ مِنْ الْجَبَابِرَةِ فَقِيلَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ مَنْ هَذِهِ الَّتِي مَعَكَ؟، قَالَ: أُخْتِي، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَ: لا تُكَذِّبِي حَدِيثِي فَإِنِّي أَخْبَرْتُهُمْ أَنَّكِ أُخْتِي وَاللَّهِ إِنْ عَلَى الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُكِ، فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ فَقَامَ إِلَيْهَا فَقَامَتْ تَتوَضَّأُ وَتُصَلِّي فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلا عَلَى زَوْجِي فَلا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ، فقالت: اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ فَيُقَالُ هِيَ قَتَلَتْهُ» فَأُرْسِلَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ مَا أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ إِلا شَيْطَانًا ارْجِعُوهَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَعْطُوهَا هاجَرَ فَرَجَعَتْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ - عليه السلام - فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ كَبَتَ الْكَافِرَ وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً))[5].
وفي هذه القصة ما يدل على أهمية الإيمان والحكمة في التعامل مع هذه الأحداث الخطيرة حيث يُبتلى سيدنا إبراهيم - عليه السلام - بأن حاشية الملك قد رفعوا إليه أن رجلا وافدا على البلد عنده امرأة من أجمل النساء، فأراد أن يأخذها منه ظلما وعدوانا، فاختار سيدنا إبراهيم - عليه السلام - هذه الحيلة الشرعية، وتعاملت سارة مع الموقف بحسن التوكل على الله - تعالى - ودعت ربها بإخبات وتضرع: ((اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلا عَلَى زَوْجِي فَلا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ)).
فاستجاب الله دعاءها في الأولى فأغشي عليه، فلما خشيت أن تقتل به دعت الله - عز وجل - أن يعافيه حتى لا تقتل به من حاشيته، لكنه لمَّا أفاق أراد أن يعاود محاولة الاعتداء عليها، فكررت الدعاء وتكرر الإغشاء حتى ظن أنها شيطان؛ فردها إلى زوجها إبراهيم - عليه السلام - مع أجرٍ وغنيمةٍ كانت أكبر الغنائم هي الوليدة والجارية هاجر أم سيدنا إسماعيل - عليه السلام -، وهكذا تحولت المحنة إلى منحة بالتعفف والتضرع والحكمة والصبر الجميل.
_________
[1] - صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله - تعالى -وهل أتاك حديث موسى، 7/87.
[2] - صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - وتسليم الحجر إليه...، 15/31.
[3] - صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1463، والحديث صحيح.
[4] - صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهي عن بناء المساجد على القبور...، 5/12.
[5] - صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب شراء المملوك من الحربي، 5/159.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخليل إبراهيم في السنة المطهرة
كما أن لسيدنا إبراهيم - عليه السلام - حضورا متميزا في القرآن الكريم، ففي السنة النبوية أيضا يتمثل فيها سيدنا إبراهيم - عليه السلام - نموذجاً حاضراً متميزاً في جوانب شتى، أهمها ما يلي:
أولا: سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - أشبه شيء بجده سيدنا إبراهيم - عليه السلام -:
وذلك لما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رَأَيْتُ مُوسَى فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ ضَربٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيماسٍ، وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ - عليه السلام – بِهِ))[1].
ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أشبه به خَلقا وخُلقا، ولما لا، وهو من نسله المبارك، وعلى ملته ونهجه القويم، يؤكد هذا ما رواه مسلم بسنده عن واثلة بن الأسقع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشاً مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ))[2].
ولما أورده الألباني من حديث عبادة بن الصامت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أنا دعوة أبي إبراهيم، و كان آخر من بشر بي عيسى بن مريم))[3].
ويزيد هذا تأكيدا أن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - يشبه أباه خليل الله إبراهيم - عليه السلام - أن الله - تعالى - اتخذه أيضا خليلاً؛ لما رواه مسلم بسنده عن جندب بن جنادة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى الله أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنَّ الله - تعالى -قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلاً، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً مِنْ أُمَّتِي خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً))[4].
ثانيا: سيدنا إبراهيم - عليه السلام - وزوجته سارة والملك الظالم:
من الابتلاءات الحادة التي فصَّلتها السُنة وأجملها القرآن الكريم ما تعرض له سيدنا إبراهيم - عليه السلام - مع الملك الظالم في زمانه وتعامل معه تعاملا يَتسمُ بأمرين:
1- تمام الإيمان بالله - تعالى -.
2- كمال الحكمة في التعامل مع هذا الملك الظالم.
ويُبيِّن ذلك الحديث الذي رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ - عليه السلام - بِسَارَةَ فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنْ الْمُلُوكِ أَوْ جَبَّارٌ مِنْ الْجَبَابِرَةِ فَقِيلَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ مَنْ هَذِهِ الَّتِي مَعَكَ؟، قَالَ: أُخْتِي، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَ: لا تُكَذِّبِي حَدِيثِي فَإِنِّي أَخْبَرْتُهُمْ أَنَّكِ أُخْتِي وَاللَّهِ إِنْ عَلَى الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُكِ، فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ فَقَامَ إِلَيْهَا فَقَامَتْ تَتوَضَّأُ وَتُصَلِّي فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلا عَلَى زَوْجِي فَلا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ، فقالت: اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ فَيُقَالُ هِيَ قَتَلَتْهُ» فَأُرْسِلَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ مَا أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ إِلا شَيْطَانًا ارْجِعُوهَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَعْطُوهَا هاجَرَ فَرَجَعَتْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ - عليه السلام - فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ كَبَتَ الْكَافِرَ وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً))[5].
وفي هذه القصة ما يدل على أهمية الإيمان والحكمة في التعامل مع هذه الأحداث الخطيرة حيث يُبتلى سيدنا إبراهيم - عليه السلام - بأن حاشية الملك قد رفعوا إليه أن رجلا وافدا على البلد عنده امرأة من أجمل النساء، فأراد أن يأخذها منه ظلما وعدوانا، فاختار سيدنا إبراهيم - عليه السلام - هذه الحيلة الشرعية، وتعاملت سارة مع الموقف بحسن التوكل على الله - تعالى - ودعت ربها بإخبات وتضرع: ((اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلا عَلَى زَوْجِي فَلا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ)).
فاستجاب الله دعاءها في الأولى فأغشي عليه، فلما خشيت أن تقتل به دعت الله - عز وجل - أن يعافيه حتى لا تقتل به من حاشيته، لكنه لمَّا أفاق أراد أن يعاود محاولة الاعتداء عليها، فكررت الدعاء وتكرر الإغشاء حتى ظن أنها شيطان؛ فردها إلى زوجها إبراهيم - عليه السلام - مع أجرٍ وغنيمةٍ كانت أكبر الغنائم هي الوليدة والجارية هاجر أم سيدنا إسماعيل - عليه السلام -، وهكذا تحولت المحنة إلى منحة بالتعفف والتضرع والحكمة والصبر الجميل.
_________
[1] - صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله - تعالى -وهل أتاك حديث موسى، 7/87.
[2] - صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي - صلى الله عليه وسلم - وتسليم الحجر إليه...، 15/31.
[3] - صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1463، والحديث صحيح.
[4] - صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهي عن بناء المساجد على القبور...، 5/12.
[5] - صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب شراء المملوك من الحربي، 5/159.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق