الأحد، 29 مارس 2020

روسيا

روسيا

روسيا (بالروسية: Россия)، المعروفة رسمياً باسم الاتحاد الروسي أو روسيا الاتحادية (بالروسية: Российская Федерация) ‏ هي دولة تقع في شمال أوراسيا، ذات حكم جمهوري بنظام شبه رئاسي تضمُّ 85 كيانًا اتحاديًا اثنان منهن محدودا الاعتراف دوليا(جمهورية القرم ومدينة سيفاستوبول الفيدرالية). لروسيا حدود مشتركة مع كل من النرويج وفنلندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا (عن طريق كالينينغرادسكايا أوبلاست) وروسيا البيضاء وأوكرانيا وجورجيا وأذربيجان وكازاخستان وجمهورية الصين الشعبية ومنغوليا وكوريا الشمالية. كما أن لديها حدودًا بحريَّة مع اليابان في بحر أوخوتسك والولايات المتحدة عن طريق مضيق بيرينغ. روسيا هي أكبر بلد في العالم من حيث المساحة، حيث تغطي نسبة 8/1 من مساحة الأرض المأهولة بالسكان في العالم بمساحة تبلغ 17,075,400 كيلومتر مربع (6,592,800 ميل مربع)، كما أنها تاسع أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم بأكثر من 143 مليون نسمة. تمتدُّ روسيا عبر كامل شمال آسيا و40% من أوروبا، كما تُغطي تسع مناطق زمنية وتضم طائفة واسعة من البيئات والتضاريس وتمتلك أكبر احتياطي في العالم من الموارد المعدنية والطاقة ولديها أكبر احتياطيات العالم من الغابات والبحيرات، التي تحتوي ما يقرب من ربع المياه العذبة في العالم.

بدأ تاريخ البلاد منذ أن ظهر السلاف الشرقيين كمجموعة معترف بها في أوروبا بين القرنين الثالث والثامن الميلاديَّين. في القرن التاسع للميلاد تأسَّست إمارة كييف روس على يد المُحاربين الفارانجيين، واعتنقت المسيحية الأرثوذكسية دينًا لها في عام 988 بسبب تأثير الإمبراطورية البيزنطية، وكانت تلك هي بداية تَمازُج الثقافتين السلافية والبيزنطية اللتين شكلتا معًا ملامح الثقافة الروسية للألفيَّة التالية. تفتت كييف روس في آخر الأمر إلى عدد من الدويلات الصَّغيرة، وسقطت مُعظم الأراضي الروسية في أيدي الغزو المغولي عامَ 1223، وأصبحت تابعة للقبيلة الذهبية. لاحقًا بدأت دوقية موسكو تُوحِّد تدريجيًا الإمارات المجاورة لها ونجحت في الاستقلال عن حُكم القبيلة الذهبية، وتمكنت من وراثة إرث كييف روس السياسيّ والثقافيّ، وبحلول القرن الثامن عشر توسعت البلاد كثيرًا عبر شن الغزوات والحروب والاستكشاف لتُولد بذلك الإمبراطورية الروسية، التي استحالت ثالث أضخم إمبراطورية في التاريخ بنفوذها المُمتدِّ من بولندا في أوروبا إلى ألاسكا في أمريكا الشمالية.

في أعقاب الثورة البلشفية أصبحت روسيا أحد أكبر مؤسسي الاتحاد السوفيتي، وباتت أوَّل دولة دستورية اشتراكية وقوة عظمى معترف بها في العالم، كما لعبت دورًا حاسمًا في انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، حيث تكبَّدَ الاتحاد السوفيتي خسائر بشريَّة أكثر من أيِّ طرف آخر أثناء الحرب. شهدت الحقبة السوفيتية بعض أبرز النجاحات التكنولوجيَّة في القرن العشرين بأكمله، ومن ضمنها إطلاق أوَّل رائد فضاء بشري في تاريخ العالم. لكن هذه الحال لم تدم طويلاً، فقد تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991، وتأسست عدّة جمهوريات مستقلة بدلاً منه، كان من أبرزها الاتحاد الروسي.

تُعد العاصمة الروسية موسكو أكبر مدن روسيا اليوم وإحدى كبريات مدن العالم من حيث السكان، وميناء روسيا الرئيسي هوَ سانت بطرسبرغ الواقعة على بحر البلطيق. تُعتَبرُ روسيا سابع أكبر اقتصاد في العالم حسب الناتج المحلي الإجمالي، والسادسة من حيث القدرة الشرائية، والثالثة من حيث الميزانية العسكريَّة. إن روسيا واحدة من الدول الخمس الوحيدة المعترف بامتلاكها أسلحة نووية في العالم، إضافة إلى أنها تملكُ أكبر مخزون من أسلحة الدمار الشامل في العالم. تُعد روسيا إحدى القوى العظمى العالمية، وهي عضوة دائمة في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، كما أنها عضوة في مجموعة الثماني ومجموعة العشرين ومجلس أوروبا ومنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي ومنظمة شانغهاي للتعاون ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

أصل التسمية
يشتق اسم روسيا من "روس"، دولة القرون الوسطى التي كان معظم سكانها من السلاف الشرقيين. لكن أصبح هذا الاسم أكثر بروزاً في التاريخ اللاحق، والبلاد التي كانت تسمى عادة سكانها "Русская Земля" (نقحرة: روسكايا زيمليا) والتي يمكن ترجمتها "الأرض الروسية" أو "أرض روس ". من أجل عدم الخلط بين هذه الدولة أو غيرها قام المؤرخون المعاصرون بجعل اسم دولة روس، "روس كييف". أما اسم روس الذي اشتق منه اسم روسيا فيشتق بدوره من شعب روس الجرماني النوردي، وهؤلاء جماعة من الإفرنج (ربما الفايكنغ)، الذين أسسوا دولة روس (بالروسية: Русь).

كانت الكلمة اللاتينية "روثينيا" المشتقة من الاسم اللاتيني لروسيا، هي الاسم المستعمل لوصف هذه البلاد في العصور الوسطى.أما الاسم الحالي، Россия (روسيا)، فيشتق من النسخة اليونانية من اسم دولة روس كييف، التي تُلفظ حاليًا Ρωσία [روسˈيا] بدلاً من لفظ Ρωσσία، الذي كان مألوفًا في العهد البيزنطي.
عثر في روسيا على إحدى مجموعات العظام البشرية الأولى تعود إلى 35000 سنة، في كوستينك على ضفاف نهر الدون. كانت السهوب الشاسعة في جنوب روسيا موطناً لقبائل الرعاة الرحل في عصور ما قبل التاريخ. كانت سهوب بونتيك تعرف في العصور الكلاسيكية القديمة باسم سيثيا، وفي تلك السهوب عثر على بقايا حضارات قديمة في أماكن مثل إيباتوفو، سينتاشتا، اكرايم، وبازيريك  في الجزء الأخير من القرن الثامن قبل الميلاد، جلب التجار اليونانيون الحضارة الكلاسيكية إلى مركز التجارة في تانايس وباناجوريا. وصف هيرودوت الجيلينوس بأنها أرض ضخمة "أكبر من أوروبا".


خريطة الهجرات الهندو أوروبية من العام 4000 إلى 1000 قبل الميلاد.
ما بين القرنين الثالث والسادس الميلاديين، تعرضت مملكة بوسبوران، وهي تنظيم سياسي هلنستي خلف المستعمرات اليونانية، إلى موجات متعاقبة من غزوات القبائل البدوية، التي غالبًا ما كانت تنتقل إلى أوروبا، كما هو الحال مع الهون وآفار أوراسيا. في الفترة التي سبقت سنة 1200ق.م كان يسكن شعب السيميريين، وهم من شعوب البلقان في شمال البحر الأسود وهي منطقة جنوب أوكرانيا الآن. وقد هزمهم في نحو سنة 700 ق.م السيثيون، وهم جماعات تنحدر من أصل إيراني يسكنون أواسط آسيا. وظل السيثيون يسيطرون على تلك المنطقة حتى نحو سنة 200 ق.م. وفي ذلك التاريخ تغلب عليهم السرماتيون، وهم جماعة إيرانية أخرى. وعاش كل من السيثيين والسرماتيين مع المستعمرات الإغريقية التي كانت تنتشر في ساحل البحر الأسود الشمالي في اتصال وثيق، حتى انتهى الأمر باستيلاء الرومان عليها. وقد أخذت هذه الجماعات كثيرًا من طرق الحياة الإغريقية والرومانية عن طريق التجارة والتزاوج وغيرها من الصلات. وفي نحو سنة 200م زحفت قبائل القوط الجرمانية من الغرب واستولوا على الإقليم، وظلوا يحكمون البلاد حتى عام 370م عندما هاجمهم الهون وتغلبوا عليهم. وكان الهون جماعة آسيوية حربية النزعة. ثم ما لبثت هذه الجماعة أن انهارت بعد موت ملكها أتيلا الهوني سنة 453م. وأعقبت هذه الجماعة قبيلة هونية، تعرف باسم الآفار حكمت تلك المنطقة في أواسط القرن السادس الميلادي، ووصلت جماعة الخزر وهي جماعة آسيوية سيطرت على جنوبي الفولغا وشمالي القوقاز. حكمت الشعوب التركية والخزر، سهوب حوض الفولغا المنخفضى بين بحر قزوين والبحر الأسود حتى القرن الثامن. ولوحظ أن ما دوّن في قوانينهم يشير إلى تسامحهم، ونظرتهم الكونية الواسعة. كان للخزر روابط تجارية رئيسية بين بحر البلطيق والدولة العباسية المتحورة في بغداد. وكانوا حلفاء مهمين للإمبراطورية البيزنطية، وشنوا سلسلة من الحروب الناجحة ضد الخلافة الإسلامية. في القرن الثامن، اعتنق الخزر اليهودية وأسسوا تجارة مزدهرة مع بقية الجماعات الأخرى.

السلافيين
ينحدر الروس من قبائل سلافية. استقرت قبائل من السلاف الشرقيين في وقت مبكر في غرب روسيا على دفعتين: واحدة تحركت من كييف نحو سوزدال وموروم، والأخرى من بولوتسك نحو نوفغورود وروستوف. بدءا من القرن السابع، شكل السلاف الشرقيون الجزء الأكبر من السكان في غرب روسيا، وببطء تم استيعابهم من قبل القبائل الفنلندية الأوغرية الأصلية.

دولة كييف روس
عُرف النورمان الإسكندنافيون باسم "الفايكنغ" في غرب أوروبا وباسم "الإفرنج" في الشرق، وقد جمع هؤلاء بين القرصنة والتجارة في أثناء تجوالهم في شمال أوروبا، وفي منتصف القرن التاسع، كانوا قد بدأوا بالاستقرار على امتداد الممرات المائية من شرق بحر البلطيق إلى البحر الأسود وبحر قزوين، في عام 862، قامت إمارة روس في كييف على نهر الدنيبر وحمل أميرها لقب الأمير الكبير، وبرزت إلى جانبها مدن أخرى يحكمها أمراء منها: نوفغورود، فلاديمير، وغيرهما. ويعتبر زعيم الفايكنغ روريك الذي إتخذ من نوفغورود حاضرة له عام 862م بطلب من أهلها؛ مؤسس السلالة التي حكمت روسيا نحو سبعة قرون، ونقل ابنه أوليغ العاصمة إلى كييف، وفي عهد حفيده فلاديمير الأول دخلت المسيحية بلاد روس وانتشرت وفق المذهب الأرثوذكسي، حيث أعتنق الأمير فلاديمير الأول المسيحية في عام 988م، وكان السلاف الشرقيون في ذلك الوقت يعبدون القوى الطبيعية. ولكن فلاديمير جعل المسيحية الدين الرسمي للدولة، ومن ثم اعتنقها الكثير من أهل دولته. وقد أصبح فلاديمير فيما بعد قديسًا للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وأصبحت الأخيرة والدولة مرتبطة دائما ارتباطاً وثيقاً. خلال القرنين العاشر والحادي عشر أصبحت كييف روس واحدة من أكبر الدول في أوروبا والأكثر ازدهارا. حيث كانت الإنجازات في مجالات الاقتصاد، العمارة، والأدب متفوقة على تلك التي كانت موجودة آنذاك في الجزء الغربي من القارة.


عزل سوزدال بواسطة باتو خان في فبراير ن عام 1238، نموذج مصغر من وقائع القرن السادس عشر.
مع أن كييف كانت مركز الثقل السياسي للروس بسبب وقوعها على الطريق التجاري الرئيسي الذي يصل بين بحر البلطيق ووالبحر الأسود والإمبراطورية البيزنطية، فقد تمكنت كل من إمارات نوفغورود وروستوف، وتشيرنيغوف من الاستقلال عن سلطة الأمير الكبير. في منتصف القرن الحادي عشر كانت قوة كييف قد بدأت في التضاؤل، وإزدادت قوة بعض أمراء الإمارات الروسية الكييفية الأخرى، ودخلوا في حروب مدمرة كثيرة. أصاب روس كييف الضعف بسبب الحروب الأهلية وضعف السلطة المركزية، وصارت كييف نفسها مسرحاً لمعارك طاحنة في سبيل العرش، حتى أصابها دمار كبير على يد أمير روستوف وانتهى أمرها بوصفها عاصمة. برزت بعد سقوط كييف إمارة روستوف سوزدال التي بسط أميرها يوري دولغوروكي نفوذه على نوفغورود وكييف وحمل ابنه لقب الأمير الكبير، وإتخذ من مدينة فلاديمير حاضرة له. تفككت كييف روس في نهاية المطاف كدولة بسبب القتال بين أفراد الأسرة الأميرية التي حكمت جماعياً، حيث تضاءلت هيمنة كييف، لمصلحة فلاديمير-سوزدال في الشمال الشرقي، ونوفغورود في الشمال، وغاليسيا-فولهينيا في الجنوب الغربي. وكان غزو القبيلة الذهبية التابعة لإمبراطورية المغول في القرن الثالث عشر سبباً بخراب كييف وتدميرها في نهاية الأمر، حيث بدأت قبائل المغول بزعامة باتو خان أحد أحفاد جنكيز خان سنة 1237 بغزو روسيا بجيش مكون من نحو 150 ألف إلى 200 ألف مقاتل، فاكتسح معظم المدن الروسية وخربها باستثناء نوفغورود. ثم توسع المغول غرباً في أراضي أوروبا الشرقية. واستوطنوا السهوب الواقعة شمال بحر الخزر (قزوين)، وإتخذوا مدينة سراي باتو عاصمة لهم، ثم عرفت تلك القبائل باسم التتر أو التتار. أجبر باتو خان الأمراء الروس الأحياء على تقديم ولائهم له، وأجبرهم على دفع ضرائب باهظة. وكان المغول يخرجون من وقت لآخر من عاصمتهم لسحق الشعوب الأخرى في مختلف المناطق تأديبًا لهم على عصيانهم وعدم ولائهم. كذلك فقد عين المغول الأمير العظيم وأجبروا كثيرًا من الروس على الخدمة ضمن جيوشهم، ولكن تدخلهم في الحياة الروسية كان قليلاً، إذ كان جل اهتمامهم منصبًا على الحفاظ على السلطة وجمع الضرائب من الآخرين. وخلال فترة الحكم المغولي التي انتهت في أواخر القرن الخامس عشر كانت الآراء الحديثة وروح الإصلاح التي بعثها عصر النهضة قد أخذت في تغيير كثير من أوجه الحياة بشكل مثير في أوروبا الغربية. ولكن نظرًا لوقوع روسيا تحت السيطرة المغولية، فإنها عُزلت عن تلك المؤثرات الأوروبية الغربية المهمة. وواصل المغول سيطرتهم على الأراضي الروسية حتى حوالي العام 1480.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زياد علي

زياد علي محمد