الأربعاء، 8 يوليو 2020

شركات التأمين

شركات التأمين

التأمين أو نِظَامُ التأمين أو الضَّمَان هو وسيلةٌ لِمُواجهة المخاطر التي يتعرَّض لها الإنسان في كيانه أو أمواله أثناء فترة حياته في سبيل التخفيف من وطأتها. جوهرُ هذه الوسيلة هو التعاون الذي يتحقق باشتراك الأشخاص المُعرَّضين لِذات الخطر في مُواجهة الآثار التي تنجم عن تحقيقه بالنسبة لِبعضهم، وذلك بدفع كل منهم لاشتراك أو لقسطٍ، وتُجمَّع المبالغ المُتحصِّلة ثُمَّ تُوزَّع على من تحلُّ بهم الكارثة. وبهذا تُحقق آثار الكارثة على المُشتركين في تحقيق هذا التعاون. فالتأمين هو واقعٌ عمليّ، وهو من أفضل الوسائل التي تُمكِّنُ الإنسان من التخفيف من آثار الكوارث، سواء وقعت هذه الكوارث بفعل الشخص نفسه، بتقصيرٍ منهُ أو بإهماله، أو بِفعل الغير. وهو وسيلةُ الأمان التي تتفق وروح العصر الحديث الذي كثُرت فيه مُتطلبات الحياة وازداد فيه خطر الآلة وأصبحت مخاطر التطوّر فيه واضحة.

كانت فعاليَّة التأمين، باعتباره الوسيلة الحديثة لِمُواجهة المخاطر وما تُرتبهُ من آثار، هي السبب الأبرز الذي أدَّى إلى ازدهاره، وتنوُّع مجالاته، وتطوُّره، وامتداده إلى المجالات المُختلفة، ليُؤمن الأفراد من كُلِّ خطرٍ يتعرَّضون له سواء في أموالهم أو أشخاصهم. وفعاليَّة التأمين أيضًا أدَّت إلى قيام بعض الدُول بِفرض بعض أنواعه ضمانًا لِحُصول بعضُ فئات الشعب على تعويضٍ عن وُقوع حادثٍ مُعيَّن.

ونظامُ التأمين يفترض وُجود أداة قانونيَّة تُنظِّم علاقة المُؤمِّن بالمُؤمَّن لهم، هي عقدُ التأمين. غير أنَّ التأمين لا يقتصر على هذا الجانب، فالتأمين بالإضافة إلى ذلك عمليَّة فنيَّة تستعين فيها شركاتُ التأمين بوسائل فنيَّة حتَّى تتمكَّن من تحقيق أهدافها في تغطية ما يقع من مخاطر، فهي تستعمل العناصر الفنيَّة اللَّازمة لِإدارة عمليَّات التأمين، كالقواعد المُستمدَّة من علم الإحصاء ونِظام المُقاصَّة بين المخاطر وتطبيق قانون الكِثرة، إضافةً إلى قواعد الإدارة الماليَّة. وبذلك تتمكَّن من تحقيق هدف تغطية المخاطر التي تُحيق بالمُؤمَّن لهم، وفي ذات الوقت يتمكَّن المُؤمِّن -شركة التأمين- من إدارة مشروع التأمين بما يُحقق أغراضه الاستثماريَّة، لِيُجني بعض الربح ويُساهم في تحقيق أغراض الاقتصاد القومي.
تعدَّدت التعريفات الفقهيَّة للتأمين واختلفت فيما بينها. ويرجع ذلك بصفةٍ أساسيَّةٍ إلى أنَّ التأمين ينطوي على جانبين، الجانب الأوَّل قانوني، والآخر فني. فمن الفُقهاء من ركَّز على الجانب الأوَّل مُبرزًا أداة التأمين القانونيَّة، أي عقد التأمين، ومنهم من ركَّز على الجانب الفني للتأمين على حساب جانبه القانوني. فيما يذهب جمهور الفُقهاء إلى أنَّ التعريف الدقيق للتأمين يجب أن يتعرَّض لِجانبيه القانوني والفني، وإلَّا كان تعريفًا ناقصًا. والجانب القانوني للتأمين يتمثَّل في العلاقة بين المُؤمِّن والمُؤمَّن له، والتي تنشأ عن عقد التأمين الذي يربط بينهما. وهذه العلاقة تفترض أنَّ هُناك خطرًا، أو حادثًا، يُخشى وُقوعه للمُؤمَّن لهُ. فيسعى هذا الأخير لِتأمين نفسه من هذا الخطر، أو الحادث، وذلك عن طريق التعاقد مع المُؤمّن. وهو عادةً شركة التأمين. الذي يلتزم بتغطية هذا الخطر عند وقوعه، مقابل قسطٍ مُعيَّنٍ يلتزم بِدفعه المؤمَّن له. أمَّا الجانب الفني للتأمين، فيتجاوز تلك العلاقة الفرديَّة، ويتمثَّل في الأُسس الفنيَّة التي يستند إليها المُؤمّن في تغطية الخطر. ذلك أنَّ المُؤمِّن عند قيامه بتغطية الخطر المُؤمَّن منهُ لا يقبل ذلك على وجه المُضاربة، وإلَّا أصبح التأمين عمليَّة مُقامرة أو مُراهنة، وكان عقدًا غير مشروع، وإنَّما تقوم شركة التأمين بالتعاقد مع عددٍ كبيرٍ من المُؤمَّن لهم وتتقاضى من كُلٍّ منهم قسطًا مُعينًا بحيثُ أنَّهُ عند تحقق الخطر لِأحدهم، تقوم الشركة بِتعويضه بمجموعة الأقساط التي تتقاضاها من سائر المُؤمَّن لهم. وتقوم الشركة عند تحديد القسط الواجب على المُؤمَّن له دفعه بالاستعانة بِقوانين الإحصاء، بحيثُ يُمكنُ تحديده بدقَّة على نحوٍ لا يُعرِّضها للخِسارة أو لِخطرٍ جسيمٍ. ومُؤدّى ذلك أنَّ عمليَّة التأمين تقومُ على تعاون المُؤمَّن لهم لِمُواجهة الأخطار التي يتعرضون لها، ويكون دورُ المُؤمِّن إدارة هذا التعاون وتنظيمه، استنادًا إلى الأُسس الفنيَّة وقوانين الإحصاء. ومن هُنا يُمكنُ مُلاحظة ما يؤخذ على الكثير من التعريفات الفقهيَّة للتأمين.

عرَّف الفقيه الفرنسي مارسيل فرديناند پلانيول التأمين بأنَّهُ «عقدٌ يتعهَّد بِمُقتضاهُ شخصٌ يُسمّى المُؤمِّن أن يُعوِّض شخصًا آخر يُسمَّى المُؤمَّن لهُ عن خسارةٍ احتماليَّةٍ يتعرَّضُ لها هذا الأخير، مُقابل مبلغٍ من النُقود هو القسط الذي يقوم المُؤمّن له بدفعه إلى المُؤمِّن». وذهب جانبٌ من الفقه المصري في تعريف التأمين بأنَّهُ «عقدٌ يأخُذُ فيهِ المُؤمِّن على عاتقهِ طائفة مُعيَّنة من الأخطار، يخشى العاقدان وُقوعها، ويرغب المُستأمن ألَّا يتحمَّلها مُنفردًا، في مُقابل جعل يُسمّى قسط التأمين أو الاشتراك يدفعهُ المُستأمن». وقد أُخذ على هذين التعريفين وما شابههما، النظر إلى التأمين من ناحيته القانونيَّة فقط باعتباره عقدًا يتمُّ بين شخصين هُما المُؤمِّن والمُؤمَّن لهُ، وإغفاله الناحية الفنيَّة للتأمين والأُسس الفنيَّة التي تقوم عليها عمليَّة التأمين، وعدم إبرازه لفكرة التعاون بين المُؤمَّن لهم. كما أُخذ على هذا التعريف أيضًا أنَّهُ ليس تعريفًا جامعًا، فهو يُقيِّمُ التأمين على أساس أنَّهُ يؤدّي إلى تعويض المُؤمَّن لهُ عن خسارةٍ احتماليَّةٍ، فهذا الوصف لا يصدق إلَّا على التأمين من الأضرار، كالتأمين ضدَّ الحريق أو ضدَّ السرقة.

وأراد بعض الفقهاء وضع تعريفٍ للتأمين يجمع بين جانبيه الفني والقانوني، فعرَّفوه بأنَّهُ: «عمليَّة فنيَّة تُزاولها هيئاتٌ مُنظمةٌ مُهمتها جمع أكبر عددٍ مُمكن من المخاطر المُتشابهة، وتحمُّل تبعتها عن طريق المُقاصة وفقًا لِقوانين الإحصاء، ومن مُقتضى ذلك حُصول المُستأمن أو من يُعينه، حال تحقق الخطر المُؤمَّن منه، على عوضٍ ماليٍّ يدفعهُ المُؤمِّن في مُقابل وفاء الأوَّل الأقساط المُتفق عليها في وثيقة التأمين». وأُخذ على هذا التعريف أنَّهُ اهتمَّ بإبراز الجانب الفني لِفكرة التأمين أكثر من اهتمامه بالجانب القانوني لِهذه الفكرة، كما أُخذ عليه أيضًا النقصُ في بعض الإيجاز. وفي مُحاولةٍ لِإبراز جانبيّ التأمين، الفني والقانوني، على قدم المُساواة، اتَّجه بعضُ الفُقهاء الفرنسيين إلى وضع تعريفٍ قانونيٍّ للتأمين يليه التعريف الفني لِهذه العمليَّة. حيثُ يرى هؤلاء الفُقهاء أنَّ التعريف القانوني لِعقد التأمين يُصبح لا معنى لهُ ما لم يُكمَّل بتعريفٍ فنيٍّ لِعمليَّة التأمين. وعلى ضوء ذلك عرَّفت الفقيهة إيڤون لامبرت فاڤر التأمين على النحو التالي:

التعريف القانوني: التأمين عقدٌ بِمُقتضاهُ يحصلُ المُستأمن على تعهّد المُؤمِّن بِأداءٍ مُعيَّن في حالة تحقق الخطر، مُقابل مبلغٍ مُعيَّنٍ يُسمّى القسط أو الاشتراك.
التعريف الفني: التأمين هو عمليَّةٌ بِمُقتضاها يتولّى المُؤمّن تنظيم التعاون بين عددٍ من المُؤمَّن لهم يتعرَّضون لِمخاطر مُعيَّنة، ويقوم بتعويض من يتحقق الخطر بالنسبة له من بينهم بفضل الرصيد المُشترك للأقساط التي يجمعها منهم.
كان للتعريف الأخير الفضل في إبراز جانبيّ عمليَّة التأمين ووضعها على ذات المُستوى من الأهميَّة، دون تغليب لِأحدهما على الآخر. ورُغم ذلك فإنَّهُ يؤخذ عليه الفصل بين جانبيّ التأمين في تعريفين مُستقلين على نحوٍ قد يوحي بأنَّ الأمر يتعلَّق بشيئين مُنفصلين، مع أنَّ الحقيقة خِلاف ذلك، فالمقصود وضع تعريف للتأمين وهو عمليَّة واحدة وإن تعددت جوانبها. لذلك فضَّل جمهور الفُقهاء وضع تعريفٍ واحدٍ للتأمين يُحيطُ في ذات الوقت بجانبيه القانوني والفني. ولذلك فقد ساد في الفُقه الفرنسي تعريف الفقيه جوزف هيمار للتأمين، حيثُ عرَّفهُ بأنَّهُ: «عمليَّةٌ يحصلُ فيها أحد الطرفين، وهو المُؤمَّن له، نظير قسطٍ يدفعهُ على تعهّد الطرف الآخر وهو المُؤمّن، بأداءٍ مُعيَّنٍ عند تحقق الخطر المُتفق عليه من الطرف الآخر، وهو المُؤمِّن، تعهُّدٍ بِمُقتضاه يدفعُ هذا الأخير أداءً مُعينًا، وذلك بأن يأخذ المُؤمَّن على عاتقه مجموعةٌ من المخاطر، ويُجري بينها المُقاصَّة طبقًا لِقوانين الإحصاء». ويؤيِّد غالبيَّة الفُقهاء في الدُول ذات النظام القانوني اللاتيني (الفرنسي) هذا التعريف.
المراجع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زياد علي

زياد علي محمد