الاثنين، 2 مارس 2020

الجوف

منطقة الجوف هي إحدى مناطق المملكة العربية السعودية وتقع في شمال غرب المملكة العربية السعودية على الحدود مع المملكة الأردنية الهاشمية. تعدّ المنطقة من أقدم مناطق الاستيطان في شبه الجزيرة العربية حيث عثر بها على مواقع استيطان تعود لفترة العصر الحجري القديم وللحضارة الأشولينية واستمر الاستيطان فيها عبر العصر النحاسي وتكونت بها مملكة عرفت باسم مملكة قيدار (مملكة دومة الجندل وأيضاً مملكة أدوماتو) والتي كانت في تمرد ونزاع مع الدولة الأشورية للاستقلال وهي الفترة التي ظهر فيها اسم العرب في النصوص التاريخية. لاحقاً نشأت مملكة مسيحية تحت حكم قبيلة بني كلب واستمرت حتى وصول الإسلام وضمها إلى الأراضي الإسلامية، ومن ثم سيطرت قبيلة طيء بفروعها على المنطقة وما حولها. مع بداية العصر الحديث ونشأة الدولة السعودية الثالثة كانت الجوف موقع صراع بين أسرة الرشيد وأسرة الشعلان ولكن المنطقة خضعت في النهاية لحكم الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ضمن خطته لتوحيد المناطق.

تعدّ منطقة الجوف من أخصب المناطق في المملكة العربية السعودية، ويعدّ مركز بسيطاء - أحد مراكز الجوف التابعة لمحافظة طبرجل - "سلة غذاء المملكة" بسبب تنوع المزروعات فيها، حيث أن الموقع الجغرافي للمنطقة وكونها ذات مناخٍ معتدلٍ صيفاً بالإضافة إلى خصوبة التربة ووفرة المياه الجوفية وعذوبتها ساعدها في حصولها على هذا اللقب. اشتهرت المنطقة بزراعة أشجار الزيتون حيث تقوم الجوف بإنتاج ما يقارب 67% من الإنتاج المحلي لزيت الزيتون في المملكة. تشتهر المنطقة أيضاً بزراعة أشجار النخيل، حيث تنتج المنطقة قرابة 150 ألف طنٍ من التمور سنوياً. تنتج المنطقة بالإضافة لما سبق الفواكه والخضروات والقمح والشعير
التسمية
الجوف من الأرض هو ما اتسع واطمأن فصار كالجوف، وهو أوسع من الشعب تسيل فيه التلاع والأودية، وقد استخدمت كلمة الجوف للدلالة على أكثر من موضع في شبه الجزيرة العربية منها محافظة الجوف اليمنية الواقعة بين محافظة مأرب ومحافظة حضرموت في اليمن من جهة ومنطقة نجران في السعودية من جهة أخرى، كما استخدمت الكلمة أيضاً للدلالة على مواضع في اليمامة وديار سعد، وتحمل العديد من المناطق اسم الجوف مثل جوف آل معمر في منطقة عسير، وجوف بني هاجر في المنطقة الشرقية.

كانت منطقة الجوف تعرف سابقاً باسم جوف آل عمرو وهم بطن من قبيلة طيء كان يسكن بها، كما عرفت أيضاً باسم جوف السرحان وهو وادٍ يمتد من الطرف الشمالي الغربي لصحراء النفود الكبير حتى يصل إلى شرق الأردن. تستخدم كلمة الجوف محلياً للإشارة إلى مدينة دومة الجندل.

التاريخ
العصور القديمة
دلَّت المكتشفات الأثرية في المنطقة على أنها كانت مسكونة منذ القدم، حيث اكتشفت إدارة الآثار والمتاحف موقعاً في سنة 1977 بالقرب من مركز الشويحطية (الموقع 201-49) والذي يعود للعصر الحجري القديم، وفي سنة 1985 قام الفريق الأثري بإشراف نورمان هويلن (Norman Whalen) بدراسة الموقع وتبين أن بقربه 16 موقعاً وأن أغلبها يعود إلى الفترة الآشولية الأولى. في سنة 1970 قام فريدريك وينيت (Frederick Winnett) ووليام ريد (William Reed) بنشر كتاب ضم نتائج زيارتهما لآثار أعمدة الرجاجيل في سنة 1966. الموقع ضم العديد من الأدوات الحجرية والكسر الفخارية التي استخدمت لتحديد تاريخ الموقع، حيث أن الموقع يعود لحضارة العصر النحاسي خلال الألف الرابع قبل الميلاد، كما عثر بالقرب منه على مجموعة من المدافن الركامية. عثر أيضاً على مجموعة من الدوائر الحجرية وعلى أدوات حجرية في موقع جبل ماقل ويعود بعضها إلى العصر النحاسي. عثر أيضاً على قريتين أثريتين تحمل الأولى اسم "موقع 201 - 54" والأخرى اسم "موقع 201 - 56" وهذان الموقعان يعودان لذات الفترة وهي العصر النحاسي. وقد عثر مؤخراً على العديد من المواقع على حافة صحراء النفود وأهمها: الموقع 201 - 60 والموقع 201 - 61 وهي تعود للعصر الحجري المتوسط.

النفوذ الآشوري
للمنطقة أهمية استراتيجية لسيطرتها على طريق البخور والذي يمر من الجنوب إلى الشمال ثم إلى بلاد الرافدين، ولذلك كانت مطمعاً للدولة الآشورية. اعتبر الآشوريون سكانها الذين شكلوا مملكة قيدار، تهديداً لها ولحدودها بسبب تحالف قادتها الدائم مع أعدائهم ومحاولتهم التمرد ودعم المتمردين؛ حيث ظهرت أول إشارة للعرب في عهد شلمنصر الثالث (858 قبل الميلاد ~ 824 قبل الميلاد) في نُصب وضع في سنة 853 قبل الميلاد للإشارة إلى معركة قرقور والتي هزم فيها الملك جندبو وقوات الهجانة وعددها 1000 مع بقية الملوك الأحد عشر الذين شكلوا تحالفاً ضد الدولة الآشورية. لاحقاً في عهد تغلث فلاسر الثالث (745 قبل الميلاد ~ 727 قبل الميلاد) كانت الملكة زبيبة ملكة العرب ضمن قائمة الملوك الذين دفعوا الإتاوة وسجلت أسماؤهم في السجلات. لاحقاً تمردت الملكة شمسي على تغلث فلاسر الثالث وخانت العهد الذي بينهما وتحالفت مع ملك دمشق، ولذلك أعلن تغلث فلاسر الثالث الحرب على الملكة واستطاع أن يهزمها ويقتل 9400 من المحاربين ويأسر أكثر من ألف من شعبها وينهب 30 ألف جمل و20 ألفاً من الأغنام و خمسة آلاف كيس من التوابل واضطرها للهرب إلى عمق الصحراء للنجاة بحياتها. أدركت الملكة شمسي ما حل بها وأحضرت معها الجمال والنوق وذهبت إلى الملك وأعلنت الطاعة له، فأعادها تغلث فلاسر الثالث إلى الحكم وعين عليها مسؤولاً ليراقبها ومعه 10 آلاف جندي.

في عهد سنحاريب (705 قبل الميلاد ~ 681 قبل الميلاد) قامت الملكة يثيعة بدعم مردوخ أبلا إيدينا الثاني للدفاع عن بابل من جيش الدولة الآشورية وأرسلت أخاها ليشارك في المعركة الواقعة في مدينة كيش في سنة 703 قبل الميلاد. لاحقاً جهز سنحاريب حملة أخرى قضت على الملكة تلهونة التي خلفت الملكة يثيعة، حيث قام في سنة 688 قبل الميلاد بمهاجمة جيشها ثم اللحاق بها بعد هروبها إلى دومة الجندل وأسرها مع الأميرة تبوعة ونهب معبوداتها وأخذهم أجمعين إلى نينوى. لاحقاً في عهد آسرحدون (681 قبل الميلاد ~ 669 قبل الميلاد) أشارت النصوص الآشورية أن حزائيل الذي هرب مع الملكة تلهونة أصبح حاكماً على العرب وأتى إلى نينوى مع العديد من الهدايا وقبل قدمي الملك وتوسل له أن يعيد آلهة دومة الجندل، حيث قبل آسرحدون بهذا الأمر وعين الأميرة تبوعة ملكة مع حزائيل. بعد وفاة حزائيل أصبح ابنه يثع ملكاً لكنه واجه ثورة طالبت بالاستقلال عن الدولة الآشورية خصوصاً مع زيادة الإتاوات المفروضة، ولكن الثورة أخمدت على يد الجيش الآشوري.

لاحقاً تمرد الملك يثع على آسرحدون بعد انشغال الأخير في محاولة فتح مصر وهزيمة الفرعون طهارقة. قام جيش سنحاريب بهزيمة يثع وأخذ آلهته مرة أخرى لكن يثع هرب. مات سنحاريب وتولى بعده آشوربانيبال (668 قبل الميلاد ~ 627 قبل الميلاد) فعاد يثع وتوسل إلى آشوربانيبال وأقسم بالولاء له. وما إن عادت الآلهة إلى يثع حتى رفض دفع الإتاوات وجمع العرب وتمرد على الدولة الأشورية مجدداً فأرسل إليه آشوربانيبال جيشاً هزمه وأتباعه واضطر يثع للهروب مجدداً. بعد ذلك تمردت عطية زوجة يثع ملكة العرب ومعها عمولادي الملك الجديد الذي هاجم الدولة الآشورية لكنه هزم وأسر على يد الملك كامش ملك مؤاب وأُخذ إلى نينوى مع الملكة عطية التي هزمها آشوربانيبال وعاقبهما.
قام آشوربانيبال بعد أن هزم العرب بتعيين أب يثع بن تعري ملكاً وفرض عليه إتاوة سنوية، لكن أب يثع انضم إلى تمرد شمش شوم أوكين شقيق آشوربانيبال الأكبر وملك بابل وحاول أب يثع أن يدخل بجيشه إلى بابل لكن قوات آشوربانيبال المرابطة قامت بهزيمته واضطر للهرب. عاد أب يثع إلى نينوى وطلب السماح من الملك فعينه مجدداً ملكاً على العرب ولكن أب يثع تمرد مجدداً بمعونة يثع بن حزائيل الملك السابق لقيدار، وهذه المرة شن آشوربانيبال حملة كبرى ضد مملكة قيدار استطاع خلالها أن يأسر أغلب الجيش ثم تتبع الهاربين فمنع منهم الماء فمات بعضهم عطشاً واستسلم البعض الآخر.

منذ القرن السادس قبل الميلاد
مع سقوط الدولة الآشورية ونشأة الإمبراطورية البابلية الحديثة، بدا أن علاقة العرب الذين سكنوا المنطقة مع الدولة الجديدة كانت علاقة سلمية لانعدام الغزوات والغارات مع أن نبوخذ نصر الثاني (605 قبل الميلاد ~ 562 قبل الميلاد) قام بعدة غارات على قبائل عربية في السنة السادسة من حكمه إلا أنه لا يوجد دليل على كون هذه القبائل قد سكنت في هذه المنطقة. لاحقاً تغيرت سياسة الدولة البابلية من السلم إلى الاحتلال حيث سيطر نبو نيد (556 قبل الميلاد ~ 539 قبل الميلاد) على أراضٍ تشمل تيماء، ودادان، وخيبر، ويثرب وتقع إلى الجنوب من دومة الجندل أهم مدن مملكة قيدار سابقاً. ذكر ستيفن سكميد (Stephan G. Schmid) ومايكل موتُن (Michel Mouton) أن من المحتمل أن مملكة قيدار تعاونت مع نبو نيد للقضاء على مملكة تيماء في الجنوب. لم تستمر الدولة البابلية طويلاً بعد نبو نيد فاستولى عليها كورش الكبير ملك الأخمينيين (550 قبل الميلاد ~ 529 قبل الميلاد) إلا أن المنطقة لم تخضع لسلطة الفرس أبداً حسبما قاله المؤرخ اليوناني هيرودوت.
حكمت مملكة قيدار منطقة واسعة بعد النصف الثاني من القرن الخامس قبل الميلاد، وهذه المناطق شملت جنوب فلسطين إلى تل الدوير، وشبه جزيرة سيناء، والمناطق الجنوبية من شرق الأردن، وجنوباً إلى الحجاز. لاحقاً يذكر الكتاب المقدس وهيرودوت أن جشم العربي كان ممن عادى النبي نحميا في إعادة بناء أسوار القدس في سنة 445 قبل الميلاد. اكتشفت في مدينة بيت أتوم في غرب سيناء أوانٍ فضية عليها اسم الملك قينو بن جشم ملك قيدار والذي قدم قرباناً إلى اللات، ويعتقد أنه ابن الملك جشم المذكور في العهد القديم. بعد احتلال الإسكندر لمدينة غزة في سنة 332 قبل الميلاد بدأ اسم مملكة قيدار بالاختفاء ليظهر بدلاً منها اسم مملكة الأنباط. وقد بدأوا بالسيطرة على طريق البخور. لاحقاً فقد الأنباط سيطرتهم على التجارة البحرية في البحر الأحمر واتجهوا إلى توسيع ملكهم في الأراضي الجنوبية فعادت دومة الجندل مجدداً إلى الواجهة لأنها ربطت بين الجرهاء والبتراء العاصمة ومدينة بصرى. عُثر في العديد من المواقع في المنطقة على نقوش أثرية تعود إلى عهد عدة ملوك مثل الحارث الرابع، والملك مالك الثاني، والملك رب أيل الثاني،

في سنة 106 بعد الميلاد توفي الملك رب أيل الثاني واستولى الإمبراطور تراجان على أرض الأنباط وضمها تحت اسم المقاطعة العربية، وتكون مدينة دومة الجندل جزءاً من الليمس العربي. اعتبر العديد من الكتاب أن ضم المملكة حدث بشكل سلمي إلا أن نقوشاً عديدة أشارت لاحقاً إلى أن مقاومة نبطية حدثت بالفعل. هذه المقاومة تجلت في قتل الملك مالك الثالث، وهو ملك خلف رب أيل الثاني، لثلاث مئة روماني. لاحقاً يبدو أن هذه المناطق تعرضت للهجوم خلال أزمة القرن الثالث من قبل مملكة تدمر حيث أن زنوبيا (الزباء) حاولت أن تستولي على قلعة مارد في دومة الجندل ولم تستطع، فقالت: تمرد مارد وعز الأبلق. استمرت دومة الجندل لاحقاً كمركز من مراكز العرب خلال عهد الدولة البيزنطية حيث كان بها سوق دومة الجندل أحد أسواق العرب في الجاهلية. قبل ظهور الإسلام في المنطقة كانت دومة الجندل تابعة لحكم قبيلة كلب، ثم إلى الملك الأكيدر بن عبد الملك النصراني ملك مملكة كندة من قبيلة السكون.

التاريخ الإسلامي
كان أول ذكر للجوف في شهر ربيع الأول من السنة الخامسة للهجرة عندما غزا الرسول محمد مدينة دومة الجندل لإفزاع قيصر لكون المدينة قريبة من الشام، ولأن الناس اجتمعوا فيها، وكانوا يظلمون من مر بهم، وأرادوا أن يتوجهوا للمدينة، فسار بألف من المسلمين حتى وصل إليها فهاجم ماشية بني تميم وتفرق سكان دومة الجندل فأقام الرسول فيها أياماً ثم عاد إلى المدينة. في السنة التالية أرسل الرسول سرية بقيادة عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل مجدداً ويبدو أن حاكمها في ذلك الوقت كان الأصبغ بن عمرو الكلبي فدعاه عبد الرحمن بن عوف إلى الإسلام فأسلموا وتزوج عبد الرحمن من تماضر ابنة الملك. لاحقاً أرسل الرسول خالداً بن الوليد لإحضار الأكيدر أثناء غزوة تبوك فكمن له خالد حتى نزل من الحصن وأحضره إلى الرسول فحقن دمه وصالحه على الجزية وخلى سبيله.

عندما تولى أبو بكر الصديق الخلافة واجه حروب الردة، وكان ممن ارتد سكان دومة الجندل والأعراب من حولها. وفي سنة 12 للهجرة سار خالد بن الوليد إليهم بعد معركة عين التمر فلما وصل خبره إلى الأكيدر بن عبد الملك والجودي بن ربيعة وكانا قائدين للناس فاختلفا. رأى الأكيدر قوة جيش المسلمين فخرج من دومة الجندل فأرسل إليه خالد بن الوليد من قتله. حاصر المسلمون المدينة من جهتين. كانت الأولى بقيادة خالد بن الوليد والثانية بقيادة عياض بن غنم. أما أهل دومة الجندل فكانوا بقيادة الجودي بن ربيعة وانقسم الأعراب لقسمين. هُزم جيش دومة الجندل والأعراب وأسر القادة وهرب الأعراب مع بقية الجيش إلى الحصن وأغلقوه. ظل خالد بن الوليد في دومة الجندل حتى غلب أهلها واقتلع باب الحصن ثم عاد إلى الحيرة. لاحقاً لا تذكر المنطقة إلا في إشارات مقتضبة منها أن امرؤ القيس بن الأصبغ الكلبي كان والياً للمنطقة في عهد عمر بن الخطاب حتى معركة القادسية ومن بعده عياض بن غنم، وفي عهد عثمان بن عفان أصبح مروان بن الحكم والياً عليها قبل أن يصبح كاتباً في المدينة، وفي عهد علي بن أبي طالب وقع التحكيم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان في دومة الجندل ثم انقطع ذكرها حتى القرن الرابع الهجري.

في القرن الرابع الهجري قويت شوكة قبيلة طيء في المنطقة وأصبحت الصحراء تعرف باسم رمل بحتر (تعرف باسم صحراء النفود الكبير في وقتنا الحالي)، وأصبحت المنطقة تعرف بشكل عام باسم جوف آل عمرو، وبحتر وآل عمرو هما من قبيلة طيء. بعد القرن السابع الهجري سيطر آل الفضل من قبيلة طيء على المنطقة وقوي نفوذهم فيها إلى القرن التاسع الهجري. انحسر نفوذ آل الفضل في المنطقة ونشأ حلف جديد من عشائر طيء وهو حلف بني لام وبني نبهان، وبدأ هؤلاء بمهاجمة طريق الحج الشامي وطريق الحج المصري، وتزايدت هجماتهم حتى أجبر شيخهم الدولةَ العثمانية في سنة 927 للهجرة (1521 للميلاد) على دفع مخصص لهم.
وصلت دعوة محمد بن عبد الوهاب ونفوذ الدولة السعودية الأولى إلى الجوف في عهد الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود وبالتحديد في سنة 1208 للهجرة (سنة 1793 للميلاد). حيث ذكر ابن بشر أن الإمام عبد العزيز أرسل إليها جيشاً من أهل الوشم والقصيم وجبل شمر، فاستولوا على ثلاثة بلدان وحاصروا الباقين وقتل العديد من سكان الجوف وحوصر البقية حتى بايعوا للدولة. في عهد الإمام سعود الكبير بن عبد العزيز ظلت الدولة مسيطرة على المنطقة والتي كانت تشكل مع جبل شمر إمارة واحدة بقيادة محمد بن عبد المحسن بن فايز بن علي. في سنة 1254 للهجرة (1838 للميلاد) قامت قوات عبد الله بن علي الرشيد بقيادة شقيقه عبيد بمهاجمة الجوف بقوة تبلغ 3000 رجل وأجبر الأهالي على دفع الزكاة ولكنه لم يترك حاكماً أو ممثلاً له هناك. في سنة 1269 للهجرة (1853 للميلاد) قام طلال بن عبد الله الرشيد بإرسال جيش بقيادة عمه عبيد وشقيقه متعب وفي غضون سنتين كانت المنطقة تابعة لأسرة الرشيد والتي تتبع بدورها اسمياً إلى الدولة السعودية الثانية.

في سنة 1286 للهجرة (1869 - 1870 للميلاد) حاول سطام بن حمد بن نايف الشعلان أن يزيل سلطة محمد بن عبد الله الرشيد من المنطقة فتراسل في دمشق مع الدولة العثمانية فاختير حسين بك الشركسي قائمقام للمنطقة وتوجه بجيش صغير وصل إلى دومة الجندل. هذا الأمر لم يعجب محمد الرشيد فأتى بجيشه للمدينة وطلب من العثمانيين أن يغادروا فوراً، وقد حاول أهل الجوف إبعاد حسين بك خصوصاً بعد المبالغ الباهضة التي فرضها عليهم فاضطر للمغادرة في نهاية المطاف. لاحقاً في سنة 1309 للهجرة (1891 للميلاد) فضل أهل الجوف أن يدخلوا تحت الحماية العثمانية على أن يظلوا تحت سلطة محمد الرشيد فتراسلوا مع السلطان عبد الحميد الثاني والذي أرسل فيلقاً بقيادة محمد سعيد باشا والذي التقى بجيش الرشيد ولكن لم تدر بينهم أي حرب فعلية، حيث طلب محمد سعيد باشا من أهل الجوف أن يقدموا مبالغ كبيرة مقابل حمايتهم لكنهم رفضوا فعاد.

في محرم 1326 للهجرة (يناير 1909 للميلاد) امتد نفوذ نوري بن هزاع الشعلان إلى المنطقة مجدداً وعين ابنه نواف بن نوري الشعلان حاكماً عليها. قرر أهل الجوف التخلص من حكم أسرة الشعلان فأرسل رجاء بن مويشير من سكاكا إلى أخيه حمد بن مويشير والي القريات فجمعوا الأسلحة وقتل عامر المشورب والي الجوف واستعاد سعود بن عبد العزيز الرشيد سيطرته على المنطقة لكن أهل الجوف اتصلوا بسلطان نجد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود فأرسل جيشاً بقيادة عساف الحسين في سنة 1341 للهجرة (1922 للميلاد) فوصل إليها واستلم الحكم من سلطان بن نواف الشعلان لتصبح جزءاً من الدولة السعودية الثالثة.

التاريخ الحديث
قام محسن الشعلان ابن عم النوري بالتنازل عن منطقة القريات (قريات الملح)، وهي آخر جزء متبق من منطقة الجوف، تنازل عنها لصالح الدولة السعودية فعُيِّن عليها ابن بطاح أحد أتباع عبد الله التميمي أمير الجوف، ولكن إمارة شرق الأردن رفضت هذا الأمر ورأت أنها أحق بحكم منطقة القريات فصعدت الأمر مع الدولة السعودية بمطالبتها بإقامة منطقة حياد بين الدولتين وانسحاب السعوديين من الحجاز وإعادة أسرة الرشيد في حائل وآل عائض في عسير إلى الحكم وهو ما رفضته السعودية وردت عليه بأن زحفت قواتها على القرى الأردنية حتى وصلت إلى اليادودة على بعد أميال من مدينة عمان، وحينئذ تدخلت بريطانيا بقصف القوات السعودية وإجبارها على الانسحاب والعودة للمحاورات، وهو ما تم حيث اتفقت الدولة السعودية مع بريطانيا التي تمثل شرق الأردن على إعطاء منطقة القريات للسعودية وحماية التجارة السعودية مع سوريا، وقد عرفت هذه الاتفاقية باسم اتفاقية حداء. كانت منطقة القريات تعرف بعد ضم الحجاز باسم "إمارة القريات ومفتشية سلاح الحدود الشمالية". في نهاية سنة 1349 للهجرة (1931 للميلاد) عين الملك عبد العزيز للمرة الثانية تركي بن أحمد السديري أميراً على الجوف فقام بنقل العاصمة من دومة الجندل إلى سكاكا. من أهم الأحداث التي مرت على الجوف في هذه الفترة هي احتماء سلطان الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى في منطقة الجوف من سنة 1927 للميلاد إلى 1932 للميلاد.

في سنة 1358 للهجرة انتقلت الإدارات الحكومية لمنطقة القريات من قرية كاف إلى قرية النبك (والتي أصبحت تعرف لاحقاً باسم مدينة القريات). في سنة 1376 للهجرة (1957 للميلاد) أُسُّست طبرجل بعد استقرار جزء من قبيلة الشرارات بالمنطقة، ثم وقعت المملكة العربية السعودية اتفاقية مع المملكة الأردنية والتي عرفت باسم اتفاقية عمان في سنة 1965 لتعيين الحدود في شمال الحجاز وتأكيد الاتفاقية السابقة. في 28 شعبان 1412 للهجرة (1991 للميلاد) صدر نظام المناطق في عهد الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود فدمجت منطقة القريات مع منطقة الجوف ومنطقة تبوك. كما نشأ عن النظام تشكيل مجلس المنطقة المكون من 33 عضواً عشرون منهم من أهالي المنطقة والبقية من موظفي الدولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زياد علي

زياد علي محمد