الخميس، 19 مارس 2020

ايطاليا

ايطاليا

الجمهوريّة الإيطاليّة (بالإيطالية: Repubblica Italiana) هي دولة تقع جزئيًا في جنوب أوروبا في شبه الجزيرة الإيطالية وأيضًا على أكبر جزيرتين في البحر الأبيض المتوسط: صقلية وسردينيا. تشترك إيطاليا في الحدود الشمالية الألبية مع فرنسا وسويسرا والنمسا وسلوفينيا. بينما يوجد داخل الأراضي الإيطالية دولتان مستقلتان هما مكتنفا سان مارينو ومدينة الفاتيكان، كما يوجد مكتنف كامبيوني ديتاليا في سويسرا. تغطي الأراضي الإيطالية مساحة 301,338 كم2 وتتأثر بمناخ موسمي معتدل. يسكن البلاد 60,483,973 مليون نسمة  وهي سادس دولة من حيث عدد السكان في أوروبا، وتحل في المرتبة 23 بين الدول الأكثر سكانًا في العالم.

كانت الأراضي المعروفة اليوم باسم إيطاليا مهد الثقافات والشعوب الأوروبية مثل الإتروسكان والرومان. كما كانت العاصمة الإيطالية روما لقرون عديدة المركز السياسي للحضارة الغربية باعتبارها عاصمة للإمبراطورية الرومانية. بعد تراجع الإمبراطورية تعرضت إيطاليا لغزوات من قبل شعوب أجنبية من القبائل الجرمانية مثل القوط الشرقيين واللومبارديين وشعب النورمان في وقت لاحق والبيزنطيين وغيرها. وبعد عدة قرون أصبحت إيطاليا مهد النهضة  التي كانت حركة فكرية مثمرة جدًا أثبتت قدرتها على تشكيل مسار الفكر الأوروبي لاحقًا.

خلال أغلب تاريخ البلاد ما بعد الحقبة الرومانية، كانت إيطاليا مجزأة إلى العديد من الممالك ودول المدن (مثل مملكة سردينيا ومملكة الصقليتين ودوقية ميلانو)، ولكن البلاد توحدت في عام 1861  بعد فترة مضطربة في تاريخها تعرف باسم "إعادة الولادة". من أواخر القرن التاسع عشر وخلال الحرب العالمية الأولى حتى الحرب العالمية الثانية تحولت إيطاليا إلى إمبراطورية استعمارية حيث امتد حكمها إلى ليبيا وإريتريا وقسم من الصومال وإثيوبيا وألبانيا ورودوس ودوديكانيسيا، وحصلت على امتياز في تيانجين في الصين.

إيطاليا الحديثة جمهورية ديمقراطية. تصنف في المرتبة 18 عالميًا من بين الدول الأكثر تقدمًا،  كما صنفت حيث يحتل معدل جودة الحياة فيها إحدى المراكز العشرة الأولى في العالم. تتمتع إيطاليا بمستوى معيشة عال جدًا، وهي ذات ناتج محلي إجمالي اسمي عال للفرد. إيطاليا دولة عضو مؤسس في ما يعرف الآن بالاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي. كما أنها عضو في مجموعة الثمانية ومجموعة العشرين. الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للبلاد هو السابع عالميًا بينما يحل الناتج المحلي الإجمالي (تعادل القوة الشرائية) في المرتبة العاشرة. كما تمتلك خامس أكبر ميزانية حكومية في العالم. هي أيضًا دولة عضو في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ومنظمة التجارة العالمية ومجلس أوروبا واتحاد أوروبا الغربية. ميزانية الدفاع الإيطالية هي التاسعة عالميًا كما تساهم في خطة المشاركة النووية التابعة للناتو.

تلعب إيطاليا دورًا عسكريًا وثقافيًا ودبلوماسيًا بارزًا في أوروبا والعالم، كما تساهم في منظمات عالمية مثل منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي والصندوق الدولي للتنمية الزراعية ومنتدى غلوكال  وكلية دفاع الناتو التي تقع مقراتها في روما. نفوذ البلاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي على الساحة الأوروبية جعلها قوة إقليمية كبرى جنبًا إلى جانب المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا،  كما صنفت إيطاليا في دراسة حول قياس السلطة في المرتبة الحادية عشرة عالميًا. مستوى التعليم العام في البلاد مرتفع والقوة العاملة وفيرة  وهي أمة معولمة  كما تمتلك سادس أفضل شهرة عالمية عام 2009  وتحل في المرتبة التاسعة عشر من حيث متوسط الأعمار المتوقع. كان نظام الرعاية الصحية يحتل المرتبة الثانية في العالم، خلال عام 2000، وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية. كانت إيطاليا خامس دولة من حيث عدد الزوار في عام 2007، مع ما يزيد على 43.7 مليون زائر دولي. تزخر البلاد بتقاليد عريقة في مجال الفنون والعلوم والتكنولوجيا بما في ذلك أكبر عدد لمواقع التراث العالمي على قائمة اليونسكو (44).
أصل التسمية
التسمية "إيطاليا" أصلها لاتيني "إيتاليا" (تلفظ ‎[iˈta:lja]‏). أما مصدر التسمية اللاتينية فهو غير مؤكد. وفقًا لأحد التفسيرات الأكثر شيوعًا فإن التسمية مستعارة من الإغريقية من الاسم الأوسكاني "فيتيليو" - Víteliú والتي تعني "أرض الماشية اليافعة" (باللاتينية: vitulus)، أو "عجل"  (بالأومبرية: vitlo). كان الثور رمزًا لقبائل جنوب إيطاليا وكان يصور في كثير من الأحيان ناطحًا الذئب الروماني كرمز تحدي لحرية إيطاليا خلال الحروب السامنية.

أطلق الاسم إيطاليا في الأصل على جزء مما هو الآن جنوب إيطاليا، ووفقًا لأنطيوخس السيراكيوزي فهذا الجزء كان القسم الجنوبي من شبه جزيرة بروتيوم (كالابريا حاليًا). كانت تسمية اينوتريا مرادفة لإيطاليا آنذاك، كما انطبق الاسم على معظم لوكانيا. أطلق الإغريق اسم "إيطاليا" تدريجيًا على منطقة أوسع، ولكن التسمية لم تشمل كامل شبه الجزيرة حتى زمن الفتوحات الرومانية.

التاريخ
أظهرت الحفريات في جميع أنحاء إيطاليا أن الإنسان الحديث استوطن هذه المنطقة في فترة العصر الحجري القديم، أي منذ حوالي 200,000 سنة مضت. في القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد تأسست المستعمرات اليونانية على طول ساحل صقلية وعرف الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة الإيطالية باسم "ماغنا غراسيا" (باليونانية: Μεγάλη Ἑλλάς) أو اليونان الكبرى.

كانت روما القديمة في البداية مجتمعًا زراعيًا صغيرًا حوالي القرن الثامن قبل الميلاد، لكنها نمت على مر القرون لتصبح إمبراطورية هائلة تسيطر على كامل حوض البحر الأبيض المتوسط وبالتالي دمجت الحضارتين الإغريقية والرومانية في حضارة واحدة. كانت هذه الحضارة بالغة التأثير بالحضارات اللاحقة، حيث لا تزال بعض قوانينها وتنظيماتها الإدارية وفلسفتها وفنونها واضحة المعالم في نظيرتها المعاصرة الغربية بشكل خاص، وبالتالي فهي تشكل الأرضية التي تقوم عليها الحضارة الغربية.

خلال وجودها الذي دام 12 قرنًا، تحولت روما من مملكة إلى جمهورية وأخيرًا إلى دولة استبدادية، قبل أن تدخل في تراجع مطرد منذ القرن الثاني الميلادي، ثم تنقسم إلى شطرين عام 285م: الإمبراطورية الرومانية الغربية والإمبراطورية البيزنطية في الشرق. انهار الجزء الغربي تحت ضغط غارات القوط في نهاية المطاف، وترك شبه الجزيرة الإيطالية مقسمًا إلى ممالك صغيرة مستقلة ودول مدن متناحرة خلال القرون الأربعة عشر القادمة، فكان من نتيجة ذلك أن أصبح الشطر الشرقي الوريث الوحيد للتركة الرومانية.

العصور الوسطى
في القرن السادس الميلادي استعاد الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول إيطاليا من القوط الشرقيين. لكن موجة الهجمات الجرمانية الجديدة التي شنها اللومبارديون حكمت على محاولاته لإعادة إحياء الإمبراطورية الرومانية الغربية بالفشل، لكن بالمقابل أدت تداعيات فشله، في القرون الثلاث عشر المقبلة، لظهور دول قومية جديدة في الأراضي شمال جبال الألب، حيث كان المشهد السياسي الإيطالي خليطًا من الدول المدن المتناحرة والغزو الأجنبي والاستبداد المحلي.

لقرون عدة خلفت جستنيان قادت إكسرخسية رافينا جيوش خلفائه في إيطاليا وشكلت قوة متماسكة في الشؤون الإيطالية - قوية بما فيه الكفاية لمنع قوى أخرى مثل العرب والإمبراطورية الرومانية المقدسة والبابوية من إقامة مملكة موحدة في إيطاليا ولكنها أضعف من أن توحد المنطقة.
سقطت الأراضي الإيطالية في النهاية تحت حكم الإمبراطوريات المجاورة بسبب تضارب المصالح والتنازع الداخلي ودامت كذلك حتى القرن التاسع عشر. شهدت المنطقة صعود السنيوريات والبلديات بسبب هذا الفراغ في السلطة، وفي ظل ظروف الفوضى التي سادت دول المدن الإيطالية في العصور الوسطى في كثير من الأحيان، تطلعت الشعوب إلى رجال تستعيد النظام وتنزع سلاح النخب المتصارعة. في أوقات الأزمات أو الفوضى، عرضت المدن سيادتها على أفراد نظر إليهم على أنهم أقوياء بما يكفي لإنقاذ الدولة وأبرزهم عائلة ديلا سكالا في فيرونا وفيسكونتي في ميلانو وميديشي في فلورنسا.

اشتهرت إيطاليا خلال هذه الفترة بالجمهوريات التجارية. حكمت هذه الدول المدن طبقة أوليغاركية من التجار ازدهرت في ظلها بوجود حرية نسبية النهضة الأكاديمية والفنية. كانت هناك أربع جمهوريات بحرية تقليدية في إيطاليا هي البندقية وجنوة وبيزا وأمالفي. كانت كل من البندقية وجنوة بوابتا أوروبا على التجارة مع الشرق حيث كانت الأولى تصدر الزجاج البندقي الشهير بينما كانت فلورنسا عاصمة تجارة الحرير والصوف والمجوهرات والأعمال المصرفية. ساهمت الجمهوريات البحرية بشكل كبير في الحملات الصليبية، مستفيدة من الفرص السياسية والتجارية الجديدة، والتي كان أبرزها حملة الاستيلاء على القسطنطينية وزارا التي مولتها جمهورية البندقية.

خلال أواخر العصور الوسطى قسمت إيطاليا إلى ولايات ودول مدن أصغر حيث سيطرت مملكة نابولي على الجنوب، وجمهورية فلورنسا والولايات البابوية على المركز، وجمهورية جنوة وميلانو في الشمال والغرب، وجمهورية البندقية في الشرق.

النهضة
سمحت البنية السياسية الفريدة من نوعها في إيطاليا في أواخر العصور الوسطى والمناخ الاجتماعي الحيوي والتجارة المزدهرة بنمو ثقافي فريد. لم تستعد إيطاليا أبدًا وحدة ترابها كما كانت أيام الإمبراطورية الرومانية وظلت مقسمة طوال العصور الوسطى إلى دويلات مدن صغيرة حيث سيطرت مملكة نابولي على الجنوب، وجمهورية فلورنسا والولايات البابوية على وسط إيطاليا، وكان لكل من جنوة وميلانو الشمال والغرب، بينما كان الشرق من نصيب البندقية.

كانت إيطاليا في القرن الخامس عشر إحدى أكثر المناطق تحضرًا في أوروبا. يتفق معظم المؤرخون على أن الأفكار التي اتسم بها عصر النهضة والمدافعون الأوائل عنها وأنصارها تعود أصولهم إلى أواخر القرن الثالث عشر في فلورنسا أو ما حولها فضلًا عن غيرها من دول المدن المتنافسة. ظهرت خلاصة النهضة في كتابات دانتي أليغييري (1265-1321) وفرانشيسكو بترارك (1304-1374) وبوكاتشيو فضلًا عن لوحات الرسامين الكبار وبداية مع جيوتو دي بوندوني (1267-1337). كان عصر النهضة فترة مهمة للغاية في التاريخ الإيطالي وفي التاريخ الأوروبي، حيث ظهرت خلاله العديد من الإصلاحات السياسية والفلسفية والأدبية والثقافية والاجتماعية والدينية.
سمي عصر النهضة بهذا الاسم لأنه كان "نهضة" من الأفكار التقليدية الكثيرة التي كانت قد دفنت منذ أمد بعيد في الفصول القديمة. يمكن للمرء أن يجادل بأن وقود هذه الولادة الجديدة كان إعادة اكتشاف النصوص القديمة التي كانت الحضارة الغربية قد "أضاعتها" تقريبًا، ولكن تم الحفاظ عليها في بعض المكتبات الرهبانية أو المكتبات الخاصة بالعائلات الحاكمة. بينما يجادل البعض الآخر بأن ترجمة النصوص اليونانية والعربية من العالم الإسلامي إلى اللاتينية في إيطاليا، هي ما ساهم في النهضة الإيطالية والأوروبية. أيًا كان السبب فإن معظم هذه المخطوطات كان إما في شبه الجزيرة الإيطالية أو في اليونان ونقلت إلى إيطاليا في القرون التي سبقت عصر النهضة من قبل الإيطاليين أنفسهم (من قبل التجار الذين سافروا بشكل منتظم إلى شرق البحر الأبيض المتوسط بما في ذلك اليونان) والروم البيزنطيين الذين فروا إلى إيطاليا هربًا من الزحف العثماني في القرن الخامس عشر وخاصة بعد سنة 1453 وسقوط القسطنطينية. هاجر هؤلاء البيزنطيون حاملين في بعض الأحيان مخطوطات ثمينة ومعارفهم (اليونانية واليونانية القديمة) وساهموا بشكل حاسم في النهضة الإيطالية أثناء تثبيت وجودهم في البلاد.

جاب باحثوا عصر النهضة مثل نيكولو دي نيكولي وبوجيو براشيوليني المكتبات بحثًا عن أعمال المؤلفين الكلاسيكيين مثل أفلاطون وشيشرون وفيتروفيوس، فانتشرت الأعمال القديمة اليونانية والهلنستية لكتاب مثل أفلاطون وأرسطو وإقليدس وبطليموس والعلماء المسلمين في العالم المسيحي ووفرت مواد فكرية جديدة للباحثين الأوروبيين.

خلف الموت الأسود في عام 1348 بصماته في إيطاليا حيث قضى على ثلث السكان. رغم ذلك فإن التعافي من تلك الكارثة أدى إلى تنشيط المدن والتجارة والاقتصاد مما حفز إلى حد كبير المرحلة التالية من الإنسانية والنهضة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر عندما عادت إيطاليا مرة أخرى لتكون مركز الحضارة الغربية التي أثرت بقوة على الدول الأوروبية الأخرى بوجود بلاط إستي الملكي في فيرارا ودي ميديشي في فلورنسا.

أصبحت فلورنسا مركز عصر النهضة الإيطالية الرئيسي، حيث عمل العديد من الفنانين مثل ميكيلانجيلو وليوناردو دا فينشي وساندرو بوتيتشيلي في المدينة،  كذلك ازدهر اقتصاد المدينة، ووفقًا للموسوعة البريطانية كانت فلورنسا بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر واحدة من أعظم مدن أوروبا ووصفت المتاحف والكنائس والقصور العديدة مثل قصري بيتي وأوفيزي بأنها أعمال فنية بحد ذاتها.

تأثرت روما أيضًا بشكل خاص بعصر النهضة. حيث غيرت هذه الفترة الإصلاحية من وجه المدينة بشكل كبير مع أعمال مثل بييتا لميكيلانجيلو وجدارية شقة بورجيا. وصلت روما ذروة روعتها تحت حكم البابا يوليوس الثاني (1503-1513) وخلفائه لاون العاشر وكليمنس السابع وكلاهما من عائلة ميديشي. خلال العشرين عامًا هذه، استحالت روما إحدى أكبر المراكز الفنية في العالم. أعيد بناء كاتدرائية القديس بطرس القديمة التي بناها الإمبراطور قسطنطين العظيم بشكل رئيسي من قبل ميكيلانجيلو، الذي أصبح أحد أكثر الرسامين شهرة في إيطاليا من خلال اللوحات الجدارية في الكنيسة النيكولينية وفيلا فارنيسينا وغرف رافائيل بالإضافة إلى العديد من اللوحات الشهيرة الأخرى. بدأ ميكيلانجيلو زخرفة سقف كنيسة سيستينا ونحت تمثال موسى الشهير لضريح يوليوس. خسرت روما في إطار هذه الحملة ولو جزئيًا طابعها الديني لتصبح على نحو متزايد مدينة النهضة الحقيقية بظهور عدد كبير من الأعياد الشعبية وسباقات الخيول والأحزاب والمكائد وحلقات الفجور. ازدهر اقتصادها بوجود العديد من المصرفيين التوسكان بما في ذلك أغوستينو شيجي الذي كان صديقًا لرافائيل وراعيًا للفنون. قبل وفاته المبكرة عزز رافائيل لأول مرة فكرة المحافظة على الآثار القديمة.

الهيمنة الخارجية وعصر التنوير
بعد قرن من الزمان نجحت فيه الدول والإمارات الإيطالية في الحفاظ على استقلال نسبي وعلى توازن القوى في شبه الجزيرة، افتتح الملك الفرنسي شارل الثامن في 1494 سلسلة غزوات دامت حتى منتصف القرن السادس عشر حيث تنافست فرنسا وإسبانيا لحيازة هذا البلد. في نهاية المطاف هيمنت إسبانيا (معاهدة كاتو - كامبراسيس في سنة 1559 اعترفت بسيطرة الإسبان على دوقية ميلانو ومملكة نابولي) لما يقرب من قرنين على إيطاليا.

أدى التحالف المقدس بين إسبانيا هابسبورغ والكرسي الرسولي إلى اضطهاد منهجي لأي حركة بروتستانتية وكانت النتيجة بقاء إيطاليا دولة كاثوليكية بوجود بروتستانتي هامشي. خلال حكمها الطويل لإيطاليا نهبت الإمبراطورية الإسبانية البلاد بشكل منتظم وفرضت الضرائب الثقيلة. كما تدخلت في أمور الفاتيكان وأحكمت قبضتها على شؤونه. علاوة على ذلك كانت الإدارة الإسبانية بطيئة وغير فعالة ودامت آثارها الاجتماعية حتى العصر الحالي في جنوب إيطاليا، حيث كان الحكم الإسباني فعالًا.
خلفت النمسا إسبانيا في الهيمنة على إيطاليا بعد معاهدة أوترخت (1713) بعد أن حصلت على دولة ميلان ومملكة نابولي. أدت الهيمنة النمساوية وذلك بفضل التنوير الذي تبناه أباطرة هابسبورغ إلى تحسين الوضع إلى حد ما، فحصل الجزء الشمالي من إيطاليا الواقع تحت السيطرة المباشرة لفيينا على نشاط اقتصادي وتحفيز فكري، وأصبحت المدن الإيطالية الرئيسية مثل ميلانو وروما وتورينو والبندقية وفلورنسا ونابولي أرضًا خصبة للنقاش الفكري، حيث نشط العديد من الفلاسفة الطليان والشخصيات الأدبية في ذلك الوقت مثل سيزاري ميلانو، ماركيز بكاريا - بونسانا المعروف باسم سيزاري بيكاريا وأنطونيو جينوفيزي. كذلك ألغى ليوبولد الأول دوق توسكانا الكبير، والمعروف أيضًا باسم ليوبولد الثاني من الإمبراطورية الرومانية المقدسة عقوبة الإعدام والتعذيب في دوقية توسكانا.

كانت إيطاليا في القرن الثامن عشر محطة مهمة في الجولة الكبرى الأوروبية وهي الفترة التي جال فيها الأرستقراطيون الأجانب ومعظمهم من البريطانيين فرنسا وإيطاليا واليونان لزيارة وتقدير الفنون والثقافات والآثار في تلك البلاد. مع اكتشاف آثار بومباي وهركولانيوم عام 1748 وترميم المعالم الأثرية القديمة في روما جالت شخصيات مثل غوته وشيلي وكيتس وبايرون البلاد، وتحولت بعض المدن مثل روما والبندقية إلى مناطق جذب رئيسية، كما كانت كل من نابولي وفلورنسا وتورينو وصقلية وميلانو إلى حد ما، تحظى بشعبية كبيرة. قال كيتس عنها: "إن إيطاليا هي جنة المنافي".

أثارت الثورة الفرنسية والحروب النابليونية (1796-1815) أفكار المساواة والديمقراطية والقانون والقومية واعتنقها ودعمها العديدون في إيطاليا لاعتقادهم ببناء الوحدة الوطنية في إيطاليا، لكن هذه الوحدة الوطنية أو إنشاء إيطاليا الحديثة لم يتحقق حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ضرب الطاعون البلاد مرارًا وتكرارًا بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر، واجتاح الوباء البلاد للمرة الأخيرة خلال سنة 1656 في نابولي. في شمال إيطاليا برز تقرير من عام 1767 بوجود مجاعة في 111 عامًا من أصل 316 سابقة وحصاد 16 موسم جيد. ارتفع تعداد سكان إيطاليا بين عاميّ 1700 و1800 بحوالي نسبة الثلث إلى 18 مليون نسمة.

توحيد إيطاليا والعهد الملكي
كان إنشاء مملكة إيطاليا نتيجة لجهود القوميين الإيطاليين والملكيين الموالين لعائلة سافوي لتأسيس مملكة متحدة تضم كامل شبه الجزيرة الإيطالية. اندلعت أولى الحروب ضد النمسا في سياق الثورات الليبرالية لسنة 1848، التي اجتاحت أوروبا لكنها انتهت بالفشل.

قاد جوزيبي غاريبالدي حملة التوحيد في جنوبي إيطاليا حيث كان يحظى بشعبية كبيرة في تلك المنطقة. بينما قادت حكومة النظام الملكي لمملكة سردينيا بيدمونت حركة التوحيد في الشمال الإيطالي بقيادة كاميلو بينزو، كونت كافور. نجحت المملكة في تحدي الإمبراطورية النمساوية في حرب الاستقلال الإيطالية الثانية بمساعدة من نابليون الثالث محررة في نهاية الحرب لومبارديا وفينيشيا. كانت تورينو عاصمة للدولة الحديثة ولكن في عام 1865 نقلت العاصمة إلى فلورنسا.
في عام 1866، صف فيكتور عمانوئيل الثاني مملكته في صف مملكة بروسيا خلال الحرب البروسية النمساوية وشن حرب الاستقلال الإيطالية الثالثة والتي انضمت في نهايتها البندقية إلى المملكة. بحلول عام 1870 ومع تدهور موقف فرنسا في الحرب الفرنسية البروسية تخلت فرنسا عن مواقعها في روما مما سمح للمملكة الإيطالية بملء الفراغ وانتزاع الدولة البابوية من السيادة الفرنسية. تحقق توحيد إيطاليا أخيرًا بضم روما وبعد ذلك بوقت قصير تم نقل العاصمة الإيطالية من فلورنسا إلى روما. احتفظ بالنظام الملكي وأصبح نظام الحكم برلمانيًا يديره الليبراليون.

تطور شمال إيطاليا وتحول للصناعة والحداثة بينما بقي الجنوب والمناطق الزراعية في الشمال متخلفة وراكدة، مما اضطر الملايين من الناس إلى الهجرة إلى المثلث الصناعي الناشئ أو إلى خارج البلاد. عمم الدستور السرديني ساتوتو ألبرتينو المكتوب عام 1848 ليشمل المملكة بأكملها في عام 1861. ينص الدستور على الحريات الأساسية، ولكن القانون الانتخابي استثنى الفئات غير المالكة وغير المتعلمين من التصويت. في عام 1913 اعتمد الاقتراع العام للذكور. ازدادت قوة الحزب الاشتراكي الإيطالي مما شكل تحديًا للمنظمات الليبرالية التقليدية والمحافظة. بلغت ذروة الهجرة من إيطاليا عام 1913 عندما غادر البلاد 872598 شخص.

تحولت إيطاليا إلى قوة استعمارية في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر حيث سيطرت على الصومال وإريتريا وليبيا ودوديكانيسيا. خلال الحرب العالمية الأولى التزمت إيطاليا في البداية الحياد ولكنها وقعت في عام 1915 اتفاقية لندن ودخلت كتلة الوفاق الثلاثي بناء على وعد بالحصول على ترينتو وترييستي واستريا ودالماسيا وأجزاء من الدولة العثمانية. فقدت إيطاليا خلال الحرب 600,000 من الإيطاليين وانهار الاقتصاد. بموجب معاهدة السلام في سان جيرمان حصلت إيطاليا فقط على مقاطعة بولسانو وترينتو وترييستي واستريا في انتصار وصفه العامة بأنه "مشوه".
أدت الاضطرابات التي أعقبت دمار الحرب العالمية الأولى إلى انتشار الفوضى مستوحاة من الثورة الروسية. أما القوى الليبرالية ولخوفها من ثورة اشتراكية في البلاد بدأت بتأييد الحزب الصغير حينها، وهو الحزب الوطني الفاشي بقيادة بينيتو موسوليني. في أكتوبر 1922 حاول الفاشيون تنفيذ انقلاب (مارسيا سو روما أو الزحف على روما) لكن الملك فيكتور عمانوئيل الثالث أمر الجيش بعدم التدخل وبدلًا من ذلك شكل تحالفًا مع موسوليني. على مدى السنوات القليلة المقبلة حظر موسوليني جميع الأحزاب السياسية قيد الحريات الشخصية وبالتالي تشكلت الدكتاتورية.

في عام 1935 غزا موسوليني إثيوبيا، فأدى ذلك إلى عزلة البلاد الدولية بالإضافة إلى عوامل أخرى مما أدى نهاية إلى انسحاب إيطاليا من عصبة الأمم. أبرم أول اتفاق مع ألمانيا النازية عام 1936 والثاني عام 1938. كما أيدت إيطاليا فرانكو بقوة في الحرب الأهلية الإسبانية. عارضت إيطاليا ضم أدولف هتلر للنمسا لكنها لم تحاول التدخل، لكنها أيدت ضم ألمانيا لإقليم سوديت.

في 7 أبريل سنة 1939 احتلت إيطاليا ألبانيا والتي كانت محمية إيطالية بحكم الأمر الواقع منذ عقود ودخلت الحرب العالمية الثانية في عام 1940 بعد أن شاركت في المراحل المتأخرة من معركة فرنسا. أراد موسوليني نصرًا سريعًا مثل بليتزكريغ الذي قام به هتلر في بولندا وفرنسا فقام بغزو اليونان في أكتوبر 1940 عن طريق ألبانيا لكنه اضطر للخضوع لهزيمة منكرة بعد بضعة أشهر. في الوقت نفسه وبعد أن نجحت إيطاليا في احتلال الصومال البريطاني في البداية فإنها شهدت هجومًا مضادًا من طرف التحالف فقدت به جميع ممتلكاتها في منطقة القرن الأفريقي. كما هزمت إيطاليا على يد القوات البريطانية في شمال أفريقيا ولم ينقذها شوى التدخل السريع من قبل فيلق أفريقيا الألماني بقيادة إرفين رومل.

اجتاحت جيوش الحلفاء إيطاليا في يونيو 1943 مما أدى إلى انهيار النظام الفاشي واعتقال موسوليني. استسلمت إيطاليا في سبتمبر من عام 1943، لكن البلاد بقيت ساحة معركة لبقية الحرب حيث تقدم الحلفاء من الجنوب بينما حافظ الموالون للنظام الفاشي والنازيون على قواعدهم في الشمال. أصبحت الصورة أكثر تعقيدًا مع نشاط حركة المقاومة الإيطالية. غادر النازيون البلاد يوم 25 أبريل 1945 وانحلت القوات الفاشية الإيطالية في نهاية المطاف. قتل ما يقرب من نصف مليون إيطالي (بما في ذلك المدنيين) بين يونيو 1940 ومايو 1945. شارك ما يقرب من 200,000 شخص في المقاومة بينما أعدم الألمان أو القوات الفاشية 70,000 إيطالي (من المقاومين والمدنيين) لعلاقتهم بالمقاومة. كما توفي ما لا يقل عن 54,000 من أسرى الحرب الإيطاليين في الأسر السوفياتي.
في عام 1946، أجبر أومبرتو الثاني بن فيكتور عمانوئيل الثالث على التنازل عن العرش. أصبحت إيطاليا جمهورية بعد الاستفتاء الذي أجري في 2 يونيو 1946، وهو يوم يحتفل به منذ ذلك الحين كيوم الجمهورية. كانت هذه المناسبة أيضًا هي المرة الأولى في إيطاليا التي منحت فيها المرأة حق التصويت. تمت الموافقة على الدستور الجمهوري ودخل حيز التنفيذ في 1 يناير 1948. بموجب معاهدات باريس للسلام لعام 1947 عادت المنطقة الحدودية الشرقية ليوغوسلافيا وفي وقت لاحق تم تقسيم الأراضي الخالية من ترييستي بين الدولتين.

برزت مخاوف الناخبين الطليان من استيلاء الشيوعيين على السلطة في نتائج الانتخابات الأولى بعد الحرب في 18 أبريل سنة 1948 حيث نجح الحزب الديمقراطي المسيحي بقيادة ألتشيدي دي غاسبيري في الانتخابات بنسبة 48% من الأصوات. أصبحت إيطاليا في خمسينيات القرن العشرين عضوًا في حلف شمال الأطلسي وتحالفت مع الولايات المتحدة. ساعدت خطة مارشال في إنعاش الاقتصاد الإيطالي الذي تمتع حتى الستينات بنمو اقتصادي مطرد فيما عرف باسم "المعجزة الاقتصادية". في عام 1957 كانت إيطاليا عضوًا مؤسسًا للمجموعة الاقتصادية الأوروبية والتي أصبحت الاتحاد الأوروبي في عام 1993.

منذ أواخر ستينات وحتى أواخر ثمانينات القرن العشرين، دخلت البلاد في أزمة اقتصادية صعبة وفي سنوات الرصاص، وهي فترة تميزت بانتشار الصراعات الاجتماعية والأعمال الإرهابية من قبل منظمات غير ممثلة في البرلمان. بلغت سنوات الرصاص ذروتها في اغتيال الزعيم الديمقراطي المسيحي ألدو مورو في عام 1978 لتصل "التسوية التاريخية" بين الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الشيوعي إلى نهايتها. في الثمانينات وللمرة الأولى منذ عام 1945 تشكلت حكومتان بقيادة رئيسين للوزراء لا ينتميان للحزب المسيحي الديمقراطي: هما الجمهوري جيوفاني سبادوليني والاشتراكي بتينو كراكسي بينما حافظ الحزب الديمقراطي المسيحي مع ذلك على كونه القوة الرئيسية الداعمة للحكومة. أصبح الحزب الاشتراكي بقيادة بتينو كراكسي أكثر انتقادًا للشيوعيين والاتحاد السوفيتي حيث نادى كراكسي نفسه لصالح نصب صواريخ بيرشينغ في إيطاليا من طرف إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان وهي خطوة عارضها الشيوعيون بشدة.
واجهت إيطاليا بين عامي 1992 و2009 تحديات كبيرة حيث نفر الناخبون من الشلل السياسي الماضي والديون الحكومية الهائلة والفساد واسع النطاق (التي تعرف مجتمعة باسم تانجيتوبولي "مدينة الرشا" والتي كشفتها ماني بوليتي "الأيدي النظيفة")، وطالبوا بإصلاحات سياسية واقتصادية وأخلاقية. شملت الفضائح جميع الأحزاب الكبرى ولا سيما تلك الموجودة في الائتلاف الحكومي: بين عامي 1992 و1994 وقع الحزب الديمقراطي المسيحي في أزمة شديدة وتم حله وانقسم إلى عدة مجموعات بينما حل الحزب الاشتراكي وغيره من الأحزاب الصغيرة الحاكمة.

جلبت الانتخابات في عام 1994 القطب الإعلامي سيلفيو برلسكوني إلى رئاسة الوزراء. مع ذلك أجبر على التنحي في ديسمبر من ذلك العام عندما سحب حزب رابطة الشمال دعمه. في أبريل 1996 أظهرت نتائج الانتخابات الوطنية فوز تحالف يسار الوسط بقيادة رومانو برودي. أصبحت حكومة برودي الأولى ثالث أطول حكومة تبقى في السلطة قبل أن تخسر الثقة بفارق ضئيل مقداره ثلاثة أصوات في أكتوبر 1998. تشكلت حكومة جديدة بزعامة ماسيمو داليما ولكنه استقال في أبريل من عام 2000.

في عام 2001 نتج عن الانتخابات الوطنية فوز تحالف يمين الوسط بقيادة سيلفيو برلسكوني الذي أصبح رئيسًا للوزراء للمرة الثانية. بقي برلسكوني رئيسًا للوزراء لولاية كاملة مدتها خمس سنوات ولكن بحكومتين مختلفتين. أولاهما كانت بين عامي (2001-2005) وأصبحت الحكومة الأطول عمرًا في إيطاليا بعد الحرب. في ظل هذه الحكومة انضمت إيطاليا إلى التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق. فاز يسار الوسط في الانتخابات التي جرت في عام 2006 مما سمح لبرودي بتشكيل حكومته الثانية، ولكنه استقال في أوائل عام 2008 بعد خسارته في اقتراع على الثقة في البرلمان. فاز برلسكوني في الانتخابات التي تلت ذلك في أبريل 2008 ليشكل الحكومة للمرة الثالثة، ليستقيل عقب سلسلة من الفضائح وانتقاد لأداء حكومته في ظل أزمة اقتصادية في البلاد في 12 نوفمبر 2011 وتخلفه حكومة تكنوقراط برئاسة ماريو مونتي في 16 نوفمبر 2011.

الجغرافيا
تقع إيطاليا في جنوب أوروبا وتضم شبه الجزيرة الإيطالية وعددًا من الجزر بما في ذلك أكبر اثنتين: صقلية وسردينيا. على الرغم من أن البلاد تشغل شبه الجزيرة الإيطالية وأغلب جنوب حوض جبال الألب فإن بعض الأراضي الإيطالية تتجاوز الحوض الأخير وبعض الجزر يقع خارج الجرف القاري الأوراسي، أما هذه الأراضي فهي بلديات: ليفينو وسيستو وتوبلاخ (جزئيًا) وإنيشن وتارفيزيو وشيوسافورتي وغراون إم فينشغاو (جزئيًا) وكلها جزء من حوض الدانوب. بينما يشكل وادي لاي جزءًا من حوض الراين كما تقع الجزيرة البلدية لامبيدوزا ولينوزا على الجرف القاري الأفريقي.

تبلغ مساحة البلاد الإجمالية 301,230 كم2 منها 294,020 كم2 من الأراضي و7,210 كم2 من المياه. يبلغ طول السواحل الإيطالية بما في ذلك الجزر 7,600 كم على البحر الأدرياتيكي والبحر الأيوني والبحر التيراني (740 كم) ويبلغ طول الحدود مع فرنسا 488 كم والنمسا 430 كم وسلوفينيا 232 كم وسويسرا، بينما يصل طول الحدود مع سان مارينو إلى 39 كم و3.2 كم مع مدينة الفاتيكان وكلاهما مكتنف.

تشكل جبال الأبينيني العمود الفقري لشبه الجزيرة وتشكل جبال الألب الحدود الشمالية. يتدفق نهر بو، أطول أنهار البلاد، من جبال الألب على الحدود الغربية مع فرنسا ويعبر سهل بادان في طريقه إلى البحر الأدرياتيكي. أكبر خمس بحيرات في البلاد حسب الحجم هي: بحيرة غاردا (367.94 كم2) وبحيرة ماغيوري (212.51 كم2) وبحيرة كومو (145.9 كم2) وبحيرة تراسيمينو (124.29 كم2) وبحيرة بولزينا (113.55 كم2).
تقع البلاد في نقطة التقاء الصفيحة الأوراسية بمثيلتها الأفريقية مما أدى إلى وجود نشاط زلزالي وبركاني واضح. يوجد 14 بركانًا في إيطاليا ثلاثة منها نشطة: إتنا وسترومبولي وفيزوف. يعدّ فيزوف البركان النشط الوحيد في البر الأوروبي الرئيسي ويشتهر بتدميره لمدينتي بومبي وهركولانيوم. تشكلت العديد من التلال والجزر جرّاء النشاط البركاني كما لا تزال هناك كالديرا كبيرة نشطة هي "كامبي فليغري" شمال غرب نابولي.

المناخ
مناخ إيطاليا متنوع للغاية ويمكن أن يكون شديد الاختلاف عن المناخ النمطي المتوسطي اعتمادًا على الموقع. معظم المناطق الداخلية الشمالية مثل بيدمونت ولومبارديا وإميليا رومانيا تمتلك مناخًا قاريًا يصنف غالبًا رطبًا شبه مداري (تصنيف كوبين المناخي). بينما ينطبق المناخ المتوسطي عمومًا على المناطق الساحلية في ليغوريا ومعظم شبه الجزيرة إلى الجنوب من مدينة فلورنسا (تصنيف كوبين المناخي). تختلف الظروف المناخية بين المناطق الساحلية لشبه الجزيرة والأراضي الداخلية المرتفعة والوديان، وخاصة خلال أشهر الشتاء، حيث يميل الطقس لأن يكون باردًا ورطبًا ومثلجًا. أما المناطق الساحلية فتمتلك شتاء معتدلًا وصيفًا حارًا وجافًا عمومًا على الرغم من أن الوديان المنخفضة قد تكون حارة جدًا في الصيف.

الطبيعة
إيطاليا هي إحدى أغنى البلدان في أوروبا وحوض المتوسط تنوعًا أحيائيًا. تشير التقديرات التقليدية إلى وجود حوالي 5500 نوع من النباتات الوعائية. رغم ذلك ابتداء من سنة 2004 سجل وجود 6759 نوع من النباتات الوعائية في البلاد. يصل تعداد الأنواع النباتية إلى 9000 إذا ما شملت الأنواع غير الوعائية مما يشكل نصف المجموع في أوروبا. تمتلك إيطاليا أحد أعلى مستويات التنوع الأحيائي الحيواني في أوروبا بوجود أكثر من 57,000 نوع مسجل (أكثر من ثلث مجموع التنوع الحيواني الأوروبي). يعود ما سبق بشكل رئيس إلى التوضع الجغرافي الجنوبي للبلاد وإحاطتها البحر الأبيض المتوسط، فشبه الجزيرة الإيطالية تقع في وسط البحر الأبيض المتوسط مشكلة بالتالي ممرًا بين وسط أوروبا وشمال أفريقيا، مما يجعل العديد من أنواع النباتات والحيوانات قاطنة هذه الأقاليم، بالإضافة إلى مناطق البلقان وأوراسيا والشرق الأوسط، تتلاقى وتستقر في هذه البقعة الجغرافية.

تشكل الحيوانات البرية في إيطاليا نسبة 86% من إجمالي الأنواع الحيوانية الباقية، أما الحيوانات المائية فتشكل نسبة 14% من التنوع الحيواني الإيطالي، وتمثل الحشرات حوالي ثلثي مجموع هذا التنوع.

الحكومة والسياسة
تدور سياسة إيطاليا في إطار نظام جمهوري برلماني ديمقراطي متعدد الأحزاب. تعتمد إيطاليا مبدأ الفصل بين السلطات، حيث يمارس مجلس الوزراء السلطة التنفيذية ويقوده رئيس الوزراء ويمارس مجلسا البرلمان السلطة التشريعية في المقام الأول، ومجلس الوزراء ثانويًا، أما السلطة القضائية فمستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، ويمارسها قضاة متخصصون. أصبحت إيطاليا جمهورية ديمقراطية في 2 يونيو 1946، عندما تم إلغاء النظام الملكي في استفتاء شعبي. صدر الدستور الإيطالي في 1 يناير 1948.

يشغل سيرجيو ماتاريلا منصب رئيس الجمهورية الإيطالية حاليًا، بينما يتولى باولو جينتيلوني رئاسة مجلس الوزراء.

ينتخب رئيس الجمهورية الإيطالية لمدة سبع سنوات من جانب البرلمان الحالي بالاشتراك مع عدد قليل من مندوبي الأقاليم. كونه قائد الدولة فهو يمثل وحدة الأمة ويمتلك الكثير من الواجبات التي كانت سابقًا من اختصاص ملك إيطاليا. يعد الرئيس بمثابة نقطة اتصال بين فروع السلطة الثلاثة: ينتخبه النواب ويعين السلطة التنفيذية وهو رئيس السلطة القضائية وهو أيضًا القائد العام للقوات المسلحة.

يعين الرئيس رئيس الوزراء الذي يسمي الوزراء الآخرين (كانت تسمية الوزراء سابقًا مهمة الرئيس). يجب على مجلس الوزراء الحصول على تصويت الثقة من مجلسي البرلمان. قد تنشأ مشاريع القوانين في أي من المجلسين ويجب تمريرها بأغلبية في كليهما.

تنتخب إيطاليا برلمانًا من مجلسين هما مجلس النواب الذي يضم 630 عضوًا ومجلس الشيوخ الذي يضم 315 عضوًا منتخبًا وعددًا قليلًا من أعضاء مجلس الشيوخ لمدى الحياة. قد يبرز تشريع ما في أي من المجلسين ولاعتماده يجب أن يصدر بصيغة متطابقة وبأغلبية كل منهما. يتم انتخاب مجلسي البرلمان شعبياً ومباشرة من خلال نظام انتخابي معقد (كان التعديل الأخير في عام 2005) الذي يجمع بين التمثيل النسبي مع جائزة لأكبر أغلبية ائتلافية. يمكن لجميع المواطنين الإيطاليين ابتداء من عمر 18 سنة التصويت في انتخابات مجلس النواب، لكن على الرغم من ذلك فإنه ينبغي على الناخب أن يكون قد بلغ 25 عامًا أو أكثر حتى يستطيع أن يصوت في انتخابات مجلس الشيوخ.
يستند النظام الانتخابي لمجلس الشيوخ على التمثيل الإقليمي. أصبح هناك سبعة أعضاء مجلس الشيوخ مدى الحياة (ثلاثة منهم رؤساء سابقون) اعتبارًا من 15 مايو 2006. يُنتخب كلا المجلسان لمدة أقصاها خمس سنوات ولكن يمكن للرئيس حلهما قبل انتهاء فترة ولايتهما العادية إذا كان البرلمان غير قادر على انتخاب حكومة مستقرة. حدث هذا الأمر في تاريخ ما بعد الحرب في أعوام 1972 و1976 و1979 و1983 و1994 و1996 و2008.

هناك خصوصية في البرلمان الإيطالي ألا وهي تمثيل المواطنين الإيطاليين الذين يعيشون بشكل دائم خارج البلاد (حوالي 2.7 مليون نسمة)، فمن بين ستمائة وخمسون نائب هناك 12 نائبًا يمثل هؤلاء، ومن بين ثلاثمائة وخمسة عشر عضو في مجلس الشيوخ هناك 6. ينتخب هؤلاء في أربعة دوائر انتخابية محددة خارج البلاد، وقد تم انتخابهم لعضوية البرلمان للمرة الأولى في أبريل 2006، وصلاحياتهم مماثلة للأعضاء المنتخبين في إيطاليا.

القانون
يقوم النظام القضائي الإيطالي على القانون الروماني معدلًا بقانون نابليون والقوانين اللاحقة. محكمة النقض العليا هي الملاذ الأخير بالنسبة لمعظم النزاعات، أما المحكمة الدستورية في إيطاليا فتحكم في مطابقة القوانين للدستور وأنشئت في البلاد ما بعد الحرب العالمية الثانية.

العلاقات الخارجية
كانت إيطاليا من الأعضاء المؤسسين للمجموعة الأوروبية والتي هي الآن الاتحاد الأوروبي. انضمت إيطاليا إلى الأمم المتحدة في عام 1955 وهي عضو ومؤيدة بقوة لكل من منظمة حلف شمال الأطلسي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة/ منظمة التجارة العالمية ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا ومبادرة أوروبا الوسطى. تشمل الرئاسات الدورية التي استلمتها إيطاليا منظمات دولية مثل مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، وهي الاسم السابق لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، في عام 1994، ومجموعة الثماني والاتحاد الأوروبي في عام 2001 و2003، خلال الفترة الممتدة من يوليو وديسمبر من ذلك العام.

تدعم إيطاليا الأمم المتحدة وأنشطتها في مجال الأمن الدولي. نشرت إيطاليا قوات لدعم بعثات حفظ السلام للأمم المتحدة في الصومال وموزامبيق وتيمور الشرقية وتقدم الدعم لعمليات حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة في البوسنة وكوسوفو وألبانيا. نشرت إيطاليا أكثر من 2,000 من القوات في أفغانستان لدعم عملية الحرية الدائمة في فبراير 2003. لا تزال إيطاليا مؤيدة للجهود الدولية الرامية إلى إعادة بناء واستقرار العراق لكنها سحبت قواتها العسكرية التي كان قوامها 3200 جندي اعتبارًا من نوفمبر 2006 وأبقت فقط على العاملين في المجال الإنساني وغيرهم من الموظفين المدنيين. أرسلت إيطاليا في أغسطس 2006 حوالي 2,450 جنديًا إيطاليًا إلى لبنان في إطار بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام (اليونيفيل). علاوة على ذلك قاد اللواء كلاوديو غراتسيانو قوة الأمم المتحدة في لبنان بين عامي 2007 و2010.

الجيش
يقود القوات المسلحة الإيطالية مجلس الدفاع الأعلى برئاسة رئيس الجمهورية الإيطالية. ضم الجيش 186,798 شخصًا في الخدمة الفعلية عام 2008 إلى جانب 114,778 في قوات الدرك الوطني. كونها جزء من خطة المشاركة النووية لمنظمة حلف شمال الأطلسي، فإن إيطاليا تستضيف 90 قنبلة نووية تملكها الولايات المتحدة، وتقع في القاعدتين الجويتين "غيدي توري" و"أفيانو". بلغ إجمالي الإنفاق العسكري في عام 2007 ما يقرب من 33.1 مليار دولار أي ما يعادل 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني.

جيش الإيطالي هو قوة الدفاع البرية للجمهورية الإيطالية. تحول الجيش في الآونة الأخيرة إلى قوة محترفة من المتطوعين ودائمي الخدمة، والذين بلغ تعدادهم 109,703 في عام 2008. أشهر المركبات القتالية الإيطالية هي "داردو" مركبة المشاة القتالية، والدبابة المدمرة "سينتاورو" ودبابة "أرييتي"، ومن بين قوتها الجوية مروحية "مانغوستا" الهجومية التي وظفت في الآونة الأخيرة في مهام الأمم المتحدة. تمتلك القوة البرية أيضًا تحت تصرفها عددًا كبيرًا من عربات ليوبارد 1 وإم 113 المدرعة.

القوة البحرية
بلغ قوام القوة البحرية الإيطالية (بالإيطالية: Marina Militare) في عام 2008 من الجنود 43882 نفرًا، وسفنًا من كل نوع مثل حاملات الطائرات والمدمرات والفرقاطات الحديثة والغواصات والسفن البرمائية وغيرها من السفن الصغيرة مثل سفن بحوث المحيطات. يتم تجهيز البحرية الإيطالية حاليًا بحاملة طائرات أكبر حجمًا (كافور) ومدمرات وفرقاطات متعددة الأغراض وغواصات حديثة. شاركت البحرية الإيطالية كونها عضوًا في حلف شمال الأطلسي في العديد من عمليات حفظ السلام في جميع أنحاء العالم.

القوة الجوية
بلغ تعداد القوات الجوية الإيطالية 43882 في عام 2008 يعمل فيها 585 طائرة بما في ذلك 219 طائرة مقاتلة و114 مروحية. بغية سد الفجوة وكبديل لتأجير الطائرات الاعتراضية تورنادو أي.دي.في، استأجرت القوات الجوية الإيطالية 30 طائرة فايتنغ فالكون إف-16أي بلوك 15 أي.دي.إف و4 طائرات إف-16 بي بلوك 10، ويُحتمل أن تقدم على استئجار المزيد.

تخطط إيطاليا أيضًا لإدخال طائرات 121 يوروفايتر تايفون إي.إف2000 لتحل محل الطائرات المستأجرة من طراز إف-16 فايتنغ فالكون في المستقبل. ومن المتوقع إجراء المزيد من التحديثات في أسطولي تورنادو آي.دي.إس/آي.دي.تي وأي.إم.إكس. يكفل أسطول من 22 سي-130 جيه وإيرإيتاليا جي.222 القدرة على نقل القوات. يجري حاليًا استبدال جي.222 بطائرة أحدث من نفس الطراز هي سي-27 جيه سبارتان.

قوات الدرك
الكارابينييري هي قوات الدرك والشرطة العسكرية الإيطالية وهي ذاتية السلطة في إطار الجيش. تقوم بمهام الشرطة بين العسكريين والمدنيين على حد سواء إلى جانب قوات الشرطة الإيطالية الأخرى، بينما تبلغ الفروع المختلفة للدرك تقاريرها إلى وزارات منفصلة حسب وظيفتها، فإنها تبلغ إلى وزارة الداخلية مثلًا عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على النظام العام والأمن. في مؤتمر مجموعة الثماني في سي آيلاند في عام 2004 منحت قوات الدرك ترخيصًا لإنشاء مركز التميز الخاص بشرطة مكافحة الشغب لتطوير التدريب والمعايير المهنية لوحدات الشرطة المدنية وذلك لتولي مهام حفظ السلام الدولية.
تجاوز تعداد سكان إيطاليا في نهاية عام 2008 ستين مليون نسمة. تعد إيطاليا رابع أكبر دول الاتحاد الأوروبي من حيث عدد السكان وتحل في المرتبة 23 عالمياً. الكثافة السكانية في إيطاليا هي الخامسة في الاتحاد الأوروبي بمقدار 199.2 نسمة لكل كم2. تسجل أعلى كثافة في شمال إيطاليا كما أن ثلث البلاد يحتوي على ما يقرب من نصف مجموع السكان. بعد الحرب العالمية الثانية تمتعت إيطاليا بفترة طويلة من الازدهار الاقتصادي الأمر الذي تسبب في نزوح كثيف من الريف إلى المدن وفي نفس الوقت تحولت البلاد من بلد هجرة واسعة إلى بلد مستقبل للمهاجرين. استمر ارتفاع معدل الخصوبة حتى سبعينات القرن العشرين عندما سقطت البلاد دون معدلات الاستبدال بحيث أصبح خمس الإيطاليين يتخطون سن 65 عاماً اعتباراً من عام 2008.

شهدت إيطاليا نمو معدل المواليد الخام في بداية القرن الحادي والعشرين (وخاصة في المناطق الشمالية) للمرة الأولى منذ سنوات عديدة على الرغم مما سبق بفضل الهجرة الجماعية أساساً خلال العقدين الماضيين. نما معدل الخصوبة الكلي بشكل ملحوظ خلال السنوات القليلة الماضية بفضل ارتفاع الولادات بين كل من النساء الإيطاليات والنساء المولودات في الخارج حيث قفز من 1.32 طفل لكل امرأة في سنة 2005 إلى 1.41 في عام 2008.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زياد علي

زياد علي محمد