ارمينيا
أرمينيا (بالأرمنية: Հայաստան)، والاسم الرسمي لها هو جمهورية أرمينيا (بالأرمنية: Հայաստանի Հանրապետություն) هاياستاني هانرابيتوتيون)، هي بلد جبلي غير ساحلي يقع في القوقاز في أوراسيا، حيث تتوضع عند ملتقى غرب آسيا وشرق أوروبا. تحدها تركيا من الغرب وجورجيا من الشمال وجمهورية الأمر الواقع ناغورني كاراباخ وآذربيجان في الشرق، أما من الجنوب فتحدها إيران ومكتنف ناخيتشيفان الأذربيجاني.
أرمينيا جمهورية سابقة من الاتحاد السوفيتي، وحاليًا تحكمها الديمقراطية والتعددية الحزبية وهي دولة قومية ذات تراث ثقافي ضارب في التاريخ. كانت مملكة أرمينيا أول دولة تعتمد المسيحية دينًا لها في السنوات الأولى من القرن الرابع (التاريخ التقليدي 301م). تعترف جمهورية أرمينيا الحديثة بالكنيسة الأرمنية الرسولية كنيسة وطنية لأرمينيا، على الرغم من أن نظام الحكم في الجمهورية يفصل بين الكنيسة والدولة.
أرمينيا عضو في أكثر من 40 منظمة دولية بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس أوروبا وبنك التنمية الآسيوي واتحاد الدول المستقلة ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة الجمارك العالمية ومنظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود والفرانكوفونية. كما أنها عضو في التحالف العسكري لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي وتشارك أيضًا في برنامج شراكة الناتو من أجل السلام. انضمت قواتها عام 2004 للقوة الدولية بقيادة الناتو في كوسوفو. وهي أيضًا عضو مراقب في الجماعة الاقتصادية الأوروبية الآسيوية وحركة عدم الانحياز. تعد البلاد من الديمقراطيات الناشئة.
أصل التسمية
الاسم الأرمني الأصلي للبلاد هو "هايك". جرى تمديد الاسم في العصور الوسطى ليصبح "هاياستان" بإضافة اللاحقة -ستان الإيرانية والتي تعني (الأرض). تقليدياً، الاسم مشتق من "هايك" (Հայկ) (حاج)، البطريرك الأسطوري للأرمن وهو حفيد لنوح، والذي وفقاً لموسى الكوريني هزم الملك البابلي بيل عام 2492 قبل الميلاد، وأنشأ أمته في منطقة أرارات. أما الأصل الأسبق للاسم فهو غير مؤكد. يذكر الاسم أرمينيا بشكل أرمنيا في نقش نقش بيستون الفارسي القديم (515 ق.م). (Old Persian a.png Old Persian ra.png Old Persian mi.png Old Persian i.png Old Persian na.png) أما هيكاتيوس ميليتوس فذكر "الأرمن" باليونانية القديمة (476 ق.م). وفقاً لقصص موسى الكوريني ومايكل كاميش فإن اسم أرمينيا مستمد من اسم آرام وهو سليل مباشر من هايك.
التاريخ
تقع أرمينيا في المرتفعات المحيطة بجبال أرارات. في العصر البرونزي، ازدهرت عدة دول في منطقة أرمينيا الكبرى، بما في ذلك الإمبراطورية الحثية (في أوج قوتها)، والميتانيين (جنوب غرب أرمينيا التاريخية)، وهاياسا - قزي (1500-1200 قبل الميلاد). تلى ذلك شعب نايري (بين القرنين 12-9 قبل الميلاد) وأورارتو (1000-600 قبل الميلاد) التي فرضت سيادتها على المرتفعات الأرمنية. شاركت كل من الأمم السالفة الذكر في التركيب العرقي للشعب الأرمني. أنشئت مدينة يريفان عاصمة أرمينيا الحديثة في عام 782 قبل الميلاد على يد الملك أرجيشتي الأول. حوالي 600 قبل الميلاد، تأسست مملكة أرمينيا في إطار الأسرة الأرونتية. بلغت المملكة ذروتها بين 95 و66 قبل الميلاد تحت حكم تيجرانيس الكبير، لتصبح واحدة من أقوى الممالك يحنها في تلك المنطقة. تمتعت مملكة أرمينيا طوال تاريخها بفترات متقطعة من الاستقلال مع فترات من الحكم الذاتي خاضعة للامبراطوريات المعاصرة. جذب موقع أرمينيا الاستراتيجي بين القارتين غزوات شعوب كثيرة، بما في ذلك الآشوريين واليونانيين والرومان والبيزنطيين والعرب والمغول والفرس والأتراك العثمانيين والروس. اعتنقت أرمينيا الزرادشتية المازدية (في مقابل الساسانيين الزروانتيين)، حيث ركزت بصفة خاصة على عبادة ميهر (أفيستان ميثرا). انتشرت المسيحية في البلاد بحدود 40 ميلادية. جعل الملك تيريداتس الثالث من من المسيحية دين الدولة عام 301م. أصبحت أرمينيا بذلك أولى الممالك تحولاً للمسيحية، وذلك بعشر أعوام قبل أن يعلن غاليريوس التسامح تجاه المسيحية و36 عاماً قبل تعميد قسطنطين الكبير. بعد سقوط مملكة أرمينيا في 428 م، ضمت معظم أرمينيا بوضعية مرزبانة إلى الإمبراطورية الساسانية. في أعقاب التمرد الأرمني في 451 ميلادي، حافظ الأرمن المسيحيون على حريتهم الدينية كما نالت أرمينيا الحكم الذاتي.
العصور الوسطى
كاتدرائية إجميادسين - أقدم كنيسة بنيت من طرف الدولة في التاريخ.
تلا مرحلة المرزبانة (428-636) ظهور إمارة أرمينيا وهي إمارة ذاتية الحكم ضمن الخلافة الإسلامية. جري فيها توحيد الأراضي الأرمنية بما في ذلك الأراضي التي استولت عليها الإمبراطورية البيزنطية. حكم الإمارة أمير أرمينيا والمعترف به من قبل الخليفة والإمبراطور البيزنطي. كانت جزءاً من التقسيم الإداري أو إمارة أرمينيّة التي أنشأها العرب والتي شملت أيضاً أجزاء من ألبانيا القوقازية وجورجيا وكان مركزها مدينة دفين الأرمنية. استمرت إمارة أرمينيا حتى 884م عندما استقلت عن الخلافة الضعيفة حينها. حكم المملكة الناشئة سلالة باغراتوني التي استمرت حتى 1045. مع مرور الوقت انفصلت العديد من مناطق أرمينيا كممالك وإمارات مستقلة مثل مملكة فاسبوراكان التي حكمها آل ارتسروني والتي حافظت على اعترافها بسيادة الملوك الباغراتونيين.
مملكة قيليقية الأرمنية (1199-1375).
في عام 1045، غزت الإمبراطورية البيزنطية أرمينيا. وبعدها بفترة قصيرة تلتها الدويلات الأخرى تحت السيطرة البيزنطية. لم يدم الحكم البيزنطي طويلاً، حيث انتصر السلاجقة في 1071 على البيزنطيين وسيطروا على أرمينيا في معركة ملاذكرد وأقاموا الإمبراطورية السلجوقية. هرباً من الموت أو العبودية على يد أولئك الذين اغتالوا غاجيك الثاني ملك آني، فر أحد أقاربه وهو أرمني يدعى روبن مع بعض أهل القرى إلى المضائق الجبلية في جبال طوروس ومن ثم إلى طرسوس في قيليقية. وفر لهم الحاكم البيزنطي مأوى في قصره حيث تأسست في نهاية المطاف مملكة قيليقية الأرمنية. كانت قيليقية حليفاً قوياً للصليبيين الأوروبيين واعتبرت نفسها حصناً للمسيحية في الشرق. يشهد أيضاً لأهمية قيليقية في التاريخ والدولة الأرمنية نقل مقر الكاثوليكوس للكنيسة الأرمنية الرسولية وهو الزعيم الروحي للشعب الأرمني إلى المنطقة. سرعان ما بدأت الإمبراطورية السلجوقية في الانهيار. وفي أوائل القرن الثاني عشر أنشأ الأمراء الأرمن من الأسرة الزكرية إمارة أرمنية شبه مستقلة في أرمينيا الشمالية والشرقية عرفت باسم أرمينيا الزكرية واستمرت تحت رعاية من السلاجقة والمملكة الجورجية والأتابكة من أذربيجان والإمبراطورية الخوارزمية. تقاسمت عائلة الأوربليين النبيلة الحكم مع الزكريين في أجزاء مختلفة من البلاد ولا سيما في سيونيك وفايوتس دزور.
«صورة أرمينية» - خارطة عربية من القرن العاشر الميلادي
الفترة الحديثة المبكرة
خلال ثلاثينيات القرن الثالث عشر، غزت إمبراطورية المغول إمارة زاكاريان فضلاً عن بقية أرمينيا. شكل الجنود الأرمن جزءاً هاماً من جيش إلخانات. سرعان ما تلا الغزوات المغولية قبائل أخرى من آسيا الوسطى (قراقويونلو والتيموريين وآق قويونلو)، الأمر الذي استمر من القرن الثالث عشر حتى الخامس عشر. ضعفت أرمينيا حينها بسبب الغزوات المتواصلة التي جلبت الدمار إلى البلاد. خلال القرن السادس عشر اقتسمت الدولة العثمانية والدولة الصفوية أرمينيا فيما بينهما. بينما ضمت الإمبراطورية الروسية لاحقاً أرمينيا الشرقية (التي تتألف من خانات يريفان وقره باغ في فارس الصفوية) في عامي 1813 و1828. تحت الحكم العثماني، منح الأرمن حكماً ذاتياً واسعاً في مناطقهم وعاشوا في انسجام نسبي مع المجموعات الأخرى في الإمبراطورية (بما في ذلك الأتراك الحاكمين). رغم ذلك عانى الأرمن من التمييز لكونهم مسيحيين في ظل نظام اجتماعي إسلامي. عندما ضغطوا بالتمرد من أجل المزيد من الحقوق في إطار الإمبراطورية العثمانية، واجهتهم السلطات العثمانية بالمجازر الحميدية بين 1894 و1896 تحت حكم السلطان عبد الحميد الثاني. وتعد المجازر الحميدية سلسلة من المجازر التي نفذها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بحق المسيحيين القاطنين شرق الأناضول من الأرمن والاشوريين[؟] بين عامي 1894-1896، وراح ضحيتها ما بين 80,000-300,000. كما خلفت المجازر مع يقرب من 50,000 يتيم.
مع توجه الدولة العثمانية نحو الانهيار، نجحت ثورة تركيا الفتاة (1908) في الإطاحة بحكومة السلطان عبد الحميد. أمل الأرمن الذين يعيشون في الإمبراطورية بأن تقوم لجنة الاتحاد والترقي بتغيير وضعهم كمواطنين من الدرجة الثانية. قدمت مجموعة الإصلاحات الأرمينية (1914) كحل من خلال تعيين مفتش عام حول القضايا الأرمنية.
الحرب العالمية الأولى
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى والمواجهة بين الإمبراطوريتين العثمانية والروسية في القوقاز بدأت الحكومة في الأستانة بالنظر إلى الأرمن بعين الشك وعدم الثقة. يعزى ذلك إلى حقيقة أن الجيش الإمبراطوري الروسي ضم فرقة من المتطوعين الأرمن.
في 24 أبريل 1915، ألقي القبض على المفكرين والمثقفين الأرمن من قبل السلطات العثمانية، ومع صدور قانون التهجير في 29 مايو 1915، في نهاية المطاف لقيت نسبة كبيرة من الأرمن والعثمانيين الذين يعيشون في الأناضول حتفها بعدما بدأ بعض الأرمن تمرد مسلح ضد الحكومة العثمانية مما تسبب بعدد قتلى كبير من المواطنيين والأرمن العثمانيين، كانت هناك مقاومة أرمنية في المنطقة للأنشطة العثمانية. وبعد ذلك، طرد الجيش العثماني الأرمن من ديارهم، وأجبرهم على المسير لمئات الأميال إلى الصحراء وحدود سوريا الحالية، وتم حرمانهم من الغذاء والماء، كانت المجازر عشوائية وتم مقتل العديد بغض النظر عن العمر أو الجنس، وتم اغتصاب والإعتداء الجنسي على العديد من النساء. تعتبر أحداث 1915 حتى 1917 من قبل الأرمن والغالبية الساحقة من المؤرخين والأكاديميين الغربيين أعتبرت أنها مذابح رعتها الدولة، ومن المعترف به على نطاق واسع ان مذابح الارمن تعتبر من جرائم الإبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث، ويشير الباحثون بذلك إلى الطريقة المنهجية المنظمة التي نفذت من عمليات قتل هدفها القضاء على الأرمن، وتعتبر مذبحة الأرمن ثاني أكبر قضية عن المذابح بعد الهولوكست، وكلمة الإبادة الجماعية قد صيغت من أجل وصف هذه الأحداث. فيما تنفي تركيا ذلك وتطالب بإعتراف الأرمن أنهم من شرع في القتل الممنهج. وأيضا السلطات التركية ترى أن الوفيات كانت نتيجة لحرب أهلية مقرونة بالمرض و المجاعة حيث كانت الخسائر قد وقعت في كلا الجانبين. وفقاً لأبحاث أجراها أرنولد توينبي يقدر عدد قتلى الأرمن بنحو 600,000 شخص بين عامي 1915-1916. ووفقاً للرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية تجاوز عدد القتلى الأرمن 1.5 مليون شخص. يُذكر أنَّ الغالبية العظمى من المؤرخين وكذلك المؤسسات الأكاديمية التي تقوم بدراسة الهولوكوست والإبادة الجماعية تعترف بأن ما حصل للأرمن كان إبادة جماعية. تسعى أرمينيا من أجل الاعتراف الرسمي بالأحداث بأنها إبادة جماعية لأكثر من 30 عاما، بالرغم من أن تركيا تؤكد أنها كانت حرب أهلية هدفها استقلال الأرمن، تستذكر هذه الأحداث عادة سنوياً في 24 أبريل، يوم الشهيد الأرمني، أو يوم الإبادة الجماعية للأرمن.
جمهورية أرمينيا الديمقراطية
نجحت روسيا في السيطرة على أغلب أرمينيا العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، إلا أنها فقدتها نتيجة للثورة البلشفية عام 1917. إتفقت حينها جورجيا وأذربيجان وأرمينيا الشرقية على تشكيل جمهورية القوقاز الإتحادية الديمقراطية. استمر هذا الاتحاد بين فبراير-مايو من عام 1918، عندما قررت الأطراف الثلاثة حله. نتيجة لذلك، أصبحت أرمينيا الشرقية دولة مستقلة تحت اسم جمهورية أرمينيا الديمقراطية يوم 28 مايو عام 1919.
هدد وجود الجمهورية الحديثة الحرب والنزاعات الإقليمية والتدفق الجماعي للاجئين من أرمينيا العثمانية وانتشار الأمراض والمجاعة. مع ذلك سعت دول الوفاق لمساعدتها من خلال صناديق الإغاثة وغيرها من أشكال الدعم. في نهاية الحرب، سعت دول الوفاق المنتصرة لتقسيم الدولة العثمانية. وقعت قوى الحلفاء والدولة العثمانية اتفاقية في سيفر في 10 أغسطس 1920، حيث وعدت الدولة العثمانية فيها بالحفاظ على استقلال جمهورية أرمينيا الديمقراطية وإرفاق الأراضي الأرمنية ضمن الدولة العثمانية بها. وبما أن حدود أرمينيا الجديدة رسمها رئيس الولايات المتحدة وودرو ويلسون، فإنه يشار إلى أرمينيا العثمانية أيضاً باسم "أرمينيا الويلسونية". برز أيضاً اقتراح بوضع أرمينيا تحت حماية الولايات المتحدة. رفضت المعاهدة من قبل الحركة الوطنية التركية ولم تدخل حيز التنفيذ أبداً. أستخدمت الحركة الوطنية التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك إتفاقية سيفر لتعلن نفسها الحكومة الشرعية لتركيا ولتستبدل النظام الملكي في إسطنبول بجمهورية مقرها في أنقرة.
في عام 1920، غزت القوات التركية القومية الجمهورية الوليدة في أرمينية من الشرق واندلعت الحرب التركية الأرمينية. إستولت القوات التركية تحت قيادة كاظم قره بكر على الأراضي الأرمنية التي ضمتها روسيا في أعقاب الحرب الروسية العثمانية (1877-1878) واحتلت مدينة ألكسندروبول القديمة (غيومري في الوقت الحاضر). إنتهى الصراع العنيف أخيراً بمعاهدة ألكسندروبول (2 ديسمبر 1920). أجبرت المعاهدة أرمينيا على النزع القسري لسلاح معظم قواتها العسكرية، والتنازل عن أكثر من 50 ٪ من أراضيها ما قبل الحرب، والتخلي عن كامل "أرمينيا العثمانية" التي منحت لها في معاهدة سيفر. في ذات الوقت اجتاح الجيش السوفياتي الحادي عشر، تحت قيادة غريغوري أوردجونيكيدزه، أرمينيا في كرفان سراي (ايجيفان في الوقت الحاضر) في 29 نوفمبر. في 4 ديسمبر، دخلت قوات أوردجونيكيدزه يريفان وبذلك انهارت الجمهورية الأرمينية.
أرمينيا السوفياتية
ضمت أرمينيا من قبل جمهورية روسيا السوفيتية جنباً إلى جنب مع جورجيا وأذربيجان، حيث جرى دمجها جميعاً في الاتحاد السوفياتي كجزء من جمهورية ما وراء القوقاز السوفيتية الاشتراكية في 4 مارس 1922. بهذا الضم، استبدلت معاهدة ألكسندروبول بالمعاهدة التركية السوفياتية كارس. سمحت تركيا بموجب هذا الاتفاق للاتحاد السوفياتي بتولي السيطرة على أجاريا مع ميناء باتومي في مقابل السيادة على مدن كارس وأرداهان واغدير والتي كانت جزءاً من أرمينيا الروسية.
استمرت جمهورية ما وراء القوقاز بين 1922-1936، حيث انقسمت حينها إلى ثلاثة كيانات منفصلة (جمهورية أرمينيا السوفيتية الاشتراكية وجمهورية أذربيجان السوفيتية الاشتراكية وجمهورية جورجيا السوفياتية الاشتراكية). تمتع الأرمن بفترة من الاستقرار النسبي في ظل الحكم السوفياتي. تلقت البلاد الدواء والغذاء ومساعدات أخرى من موسكو، وبدى أن الحكم الشيوعي بلسم مهدئ على عكس السنوات الأخيرة المضطربة تحت الامبراطورية العثمانية. كان الوضع صعباً بالنسبة للكنيسة التي عانت تحت الحكم السوفياتي. بعد وفاة فلاديمير لينين، تولى جوزيف ستالين مقاليد السلطة، وبدأت حقبة من الخوف والإرهاب المتجدد للأرمن. كما هو الحال مع مختلف المجموعات العرقية الأخرى التي عاشت في الاتحاد السوفياتي خلال فترة التطهير الأعظم من حكم ستالين، جرى إعدام وترحيل عشرات الآلاف من الأرمن. كانت أرمينيا بمنأى عن الخراب والدمار الذي عانت منه معظم دول الاتحاد السوفياتي الغربية أثناء الحرب العالمية الثانية. لم يصل النازيون أبداً جنوب القوقاز، رغم أنه كان ضمن خططهم من أجل الاستيلاء على حقول النفط في أذربيجان. مع ذلك لعبت أرمينيا دوراً قيماً في مساعدة الحلفاء على حد سواء من خلال الصناعة والزراعة. تمت تعبئة ما يقدر بنحو نصف مليون من الأرمن، من أصل عدد السكان البالغ 1.4 مليون. توفي 175,000 من هؤلاء الرجال في الحرب. تراجعت المخاوف مع وفاة ستالين في عام 1953 وتولي نيكيتا خروتشوف زعامة الاتحاد السوفياتي. بدأت الحياة في أرمينيا السوفياتية بالتحسن السريع. كما تم احياء الكنيسة التي عانت كثيراً في ظل ستالين عندما تولى الكاثوليكوس فازغن مهام منصبه في 1955. في 1967، تم بناء نصب تذكاري لضحايا الإبادة الجماعية للأرمن في تلة تسيتسرناكابيرد فوق تلعة هرازدان في يريفان. حدث هذا بعد المظاهرات الحاشدة التي جرت في الذكرى الخمسين لتلك الأحداث في عام 1965.
في عهد غورباتشوف في الثمانينيات بظهور إصلاحات البيريسترويكا والغلاسنوست، بدأ الأرمن بالمطالبة بتحسين الرعاية البيئية لبلدهم، معارضين التلوث الذي جلبته المصانع السوفيتية. برزت أيضاً توترات بين أذربيجان السوفياتية وإقليم الحكم الذاتي في ناغورني كاراباخ، وهي منطقة ذات أغلبية أرمنية فصلها ستالين عن أرمينيا في 1923. طالب الأرمن في ناغورني بالوحدة مع أرمينيا السوفياتية. قوبلت الاحتجاجات السلمية في يريفان بدعم الأرمن في كاراباخ بأعمال عدائية ضد الأرمن في مدينة سومغايت الأذربيجانية. مما زاد من تعقيد المشاكل في أرمينيا الزلزال المدمر في عام 1988 والذي بلغت قوته 7.2. عجز غورباتشوف عن حل المشاكل في أرمينيا (و خاصة قرة باغ) مما أطلق خيبة أمل بين الأرمن ودفع بالرغبة بالاستقلال. في مايو 1990، تأسس جيش أرمينيا الجديد بوصفه قوة دفاع منفصلة عن الجيش الأحمر السوفياتي. اندلعت الاشتباكات في وقت قريب من بين الجيش الجديد وقوى الأمن الداخلي السوفياتية المتمركزة في يريفان عندما قرر الأرمن الاحتفال بذكرى تأسيس جمهورية أرمينيا الديمقراطية عام 1918. أسفر العنف عن مقتل خمسة من الأرمن في تبادل لإطلاق النار مع قوى الأمن الداخلي السوفياتية في محطة للقطار. ادعى شهود عيان بأن قوى الأمن الداخلي استخدمت القوة المفرطة وأنهم حرضوا على القتال. وقعت معارك بين الميليشيات الأرمنية والقوات السوفياتية في سوفيتاشن بالقرب من العاصمة وأسفرت عن مقتل أكثر من 26 شخصاً معظمهم من الأرمن. أما أعمال العنف ضد الأرمن في باكو في يناير 1990 اضطرت معظم الأرمن البالغ عددهم 200,000 في العاصمة الأذربيجانية باكو على الفرار إلى أرمينيا. في 17 مارس 1991، قاطعت أرمينيا ودول البلطيق وجورجيا ومولدوفا استفتاء على مستوى الاتحاد صوت فيه 78 ٪ من مجموع الناخبين للإبقاء على الاتحاد السوفياتي مع إصلاحه.
استعادة الاستقلال
في عام 1991، انهار الاتحاد السوفياتي واستعادت أرمينيا استقلالها. أعلن الاستقلال في 23 أغسطس وكانت أول جمهورية خارج البلطيق تعلن الانفصال. ومع ذلك، شهدت السنوات الأولى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي صعوبات اقتصادية فضلاً عن التطور التدريجي للمواجهات المسلحة واسعة النطاق بين الأرمن في قرة باغ وأذربيجان. كان للمشاكل الاقتصادية جذورها في بدايات نزاع ناغورني عندما تمكنت الجبهة الشعبية الأذربيجانية من الضغط على جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفياتية للتحريض على حصار جوي وعبر السكك الحديدية ضد أرمينيا. أدى هذا التحرك إلى شل اقتصاد أرمينيا حيث أن 85 ٪ من البضائع والسلع كانت تصلها عبر حركة السكك الحديدية. في عام 1993، انضمت تركيا إلى الحصار المفروض على أرمينيا دعماً لأذربيجان. انتهت حرب قرة باغ بعد وساطة روسية لوقف إطلاق النار في عام 1994. كانت الحرب نجاحاً لقوات كاراباخ الأرمنية التي تمكنت من السيطرة على 14 ٪ من أراضي أذربيجان المعترف بها دولياً بما في ذلك ناغورني كاراباخ نفسها. ومنذ ذلك الحين، عقدت أرمينيا وأذربيجان محادثات سلام توسطت فيها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. ولم يتحدد وضع قرة باغ بعد. تأذى اقتصادا البلدين لعدم وجود حل كامل وتبقى حدود أرمينيا مغلقة مع تركيا وأذربيجان. مع الاتفاق على وقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا عام 1994، كان قد قتل ما يقدر بنحو 30,000 شخص وشرد أكثر من مليون. مع دخول أرمينيا القرن الحادي والعشرين فإنها تواجه العديد من المصاعب. مع ذلك فقد تمكنت من إجراء بعض التحسينات. نجحت البلاد في إكمال التحول إلى اقتصاد السوق وفي عام 2009 كانت الدولة رقم 31 الأكثر حرية اقتصادية في العالم. سمحت علاقات أرمينيا مع أوروبا والشرق الأوسط ورابطة الدول المستقلة بزيادة التجارة. يصل الغاز والنفط وغيرها من اللوازم عن طريقين حيويين هما إيران وجورجيا. وتحافظ أرمينيا على علاقات ودية مع كلا البلدين.
الجغرافيا
أرمينيا بلد غير ساحلي في جنوب القوقاز. تقع بين البحر الأسود وبحر قزوين ويحدها من الشمال والشرق جورجيا وأذربيجان ومن الجنوب والغرب إيران وتركيا.
التضاريس
تبلغ مساحة جمهورية أرمينيا 29,743 كيلومتر مربع (11,484 ميل مربع)، وتقع في الشمال الشرقي من الهضبة الأرمينية (400,000 كيلومتر مربع أو 154,441 ميل مربع) والتي تعرف باسم أرمينيا التاريخية وتعتبر الوطن الأصلي للأرمن. تغلب عليها التضاريس الجبلية، بوجود أنهار سريعة الجريان وقلة الغابات. المناخ هو مناخ المرتفعات القاري، وهو ما يعني أنها تتعرض لصيف حار وشتاء بارد. ترتفع الأرض نحو 4,090 متر (13,419 قدم) فوق مستوى سطح البحر عند جبل أراغات، ولا توجد منطقة تنخفض دون 390 متر (1,280 قدم) فوق مستوى سطح البحر. يعد جبل أرارات أعلى جبل في المنطقة وهو جزء من أرمينيا التاريخية. يقع الجبل الآن في الأراضي التركية، ولكن يمكن رؤيته بوضوح من أرمينيا، ويعتبره الأرمن رمزاً لأرضهم. ولذلك يوجد الجبل على الشعار الوطني الأرمني اليوم.
البيئة
أنشأت أرمينيا وزارة لحماية الطبيعة وفرضت ضرائب لتلوث الهواء والمياه والتخلص من النفايات الصلبة، والتي تستخدم عائداتها لأنشطة حماية البيئة. إدارة النفايات في أرمينيا متخلفة حيث لا يجري فرز النفايات أو إعادة تدويرها في مدافن النفايات الستون في البلاد. على الرغم من غزارة مصادر الطاقة المتجددة في أرمينيا (وخاصة لتوليد الطاقة الكهرمائية وطاقة الرياح) فإن الحكومة الأرمنية تعمل على بناء محطة كهرباء نووية جديدة في ميدزامور بالقرب من يريفان.
المناخ
مناخ أرمينيا قاري بشكل ملحوظ. الصيف جاف ومشمس ويدوم من يونيو وحتى منتصف سبتمبر. تتراوح درجات الحرارة بين 22-36 درجة مئوية (72-97 درجة فهرنهايت). ومع ذلك، فإن مستوى الرطوبة المنخفض يخفف من تأثير درجات الحرارة العالية. توفر النسمات المسائية قادمة من الجبال تأثيراً منعشاً مرحباً به. الينابيع قصيرة بينما الشلالات مرتفعة. بينما يشتهر الخريف بأوراق الشجر الحيوية والملونة. الشتاء بارد جداً وتكثر فيه الثلوج حيث تتراوح درجات الحرارة بين -10 و-5 درجة مئوية (14 و23 درجة فهرنهايت). يستمتع هواة الرياضات الشتوية بالتزلج أسفل تلال تشاخكادزور والتي تبعد نحو ثلاثين دقيقة خارج يريفان. بحيرة سيفان، والتي تقع في المرتفعات الأرمنية، هي ثاني أكبر بحيرة في العالم بالنسبة لارتفاعها، حيث تقع عند 1900 متر (6234 قدم) فوق مستوى سطح البحر.
الحكومة والسياسة
تدور السياسة في أرمينيا في فلك نظام رئاسي جمهوري عبر ديمقراطية تمثيلية. وفقاً للدستور الأرميني الرئيس هو رئيس الحكومة والنظام متعدد الأحزاب. تمارس السلطة التنفيذية من قبل الحكومة. بينما تناط السلطة التشريعية في كل من الحكومة والبرلمان. يسيطر على البرلمان وحيد الغرفة (المعروف أيضاً باسم الجمعية الوطنية) ائتلاف من أربعة أحزاب سياسية: الحزب الجمهوري المحافظ وحزب أرمينيا المزدهرة وحزب سيادة القانون والاتحاد الثوري الأرمني. حزب المعارضة الرئيسي هو حزب تراث رافي هوفانيسيان الذي يؤيد عضوية الأرمن في نهاية المطاف في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. هدف الحكومة الأرمنية المعلن هو بناء ديمقراطية برلمانية على النمط الغربي كأساس لتشكيل حكومة البلاد. حق الاقتراع العام لكل من تجاوز سن الثامنة عشرة. شكك المراقبون الدوليون من مجلس أوروبا ووزارة الخارجية الأميركية في نزاهة الاستفتاءات الدستورية والانتخابات البرلمانية والرئاسية في أرمينيا منذ عام 1995، مبلغين عن أوجه قصور في الاقتراع وعدم التعاون من اللجنة الانتخابية وسوء صيانة القوائم الانتخابية ومراكز الاقتراع. صنف بيت الحرية أرمينيا في تقريره لعام 2008 بأنها "نظام استبدادي شبه موحد" (إلى جانب مولدوفا وكوسوفو وقيرغيزستان وروسيا) وصنف أرمينيا في المرتبة 20 من بين 29 من الدول التي تمر بمرحلة انتقالية، حيث حصدت 5.21 من أصل 7 من نقاط الديمقراطية (حيث 7 تمثل أدنى مستوى من التقدم الديمقراطي). منذ عام 1999 وتصنيف بيت الحرية للديمقراطية في أرمينيا في انخفاض مستمر (4.79 إلى 5.21). علاوة على ذلك صنف بيت الحرية أرمينيا على أنها "حرة جزئياً" في تقرير عام 2007، على الرغم من أنه لم يصنفها بوصفها "ديمقراطية انتخابية" مشيراً إلى عدم وجود انتخابات حرة وتنافسية نسبياً. مع ذلك، يبدو أن تقدماً ملموساً قد برز منذ عام 2008 حيث أشيد بالانتخابات الرئاسية الأرمنية بكونها ديمقراطية إلى حد كبير من قبل مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والمراقبين الغربيين.
العلاقات الخارجية
تحتفظ أرمينيا حالياً بعلاقات جيدة مع كل بلدان العالم تقريباً يستثنى من ذلك جارتاها المباشرتان تركيا وأذربيجان. تصاعد التوتر بين الأرمن والأذربيجانيين خلال السنوات الأخيرة من عمر الاتحاد السوفيتي. بينما هيمن الصراع في ناغورني كاراباخ على السياسة في المنطقة على مدى تسعينات القرن الماضي. لا تزال الحدود مغلقة بين البلدين المتنافسين حتى يومنا هذا ولم يتم التوصل إلى حل دائم للصراع على الرغم من الوساطات التي تقدمها منظمات مثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. تمتلك تركيا أيضاً تاريخاً طويلاً من سوء العلاقات مع أرمينيا بسبب رفضها الاعتراف بالإبادة الأرمنية. كانت تركيا واحدة من أوائل الدول التي اعترفت بجمهورية أرمينيا بعد استقلالها عن الاتحاد السوفياتي في 1991. على الرغم من هذا، فإن العلاقات على مدى القرن العشرين وبدايات القرن الحالي متوترة ولا توجد علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين بسبب رفض تركيا لأسباب عديدة. أغلقت تركيا حدودها البرية مع أرمينيا خلال نزاع قرة باغ في عام 1993. لم ترفع تركيا حصارها على الرغم من ضغوط لوبي الأعمال التركي القوي المهتم بالأسواق الأرمينية. مع ذلك ومنذ عام 2005، تقوم شركة الطيران الأرمينية ارمافيا برحلات منتظمة بين مطار زفارتنوتس الدولي في يريفان ومطار أتاتورك الدولي في إسطنبول. في 10 أكتوبر 2009، وقعت أرمينيا وتركيا بروتوكولات بشأن تطبيع العلاقات والتي تحدد جدولاً زمنياً لاستعادة العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح حدودهما المشتركة. يجب تصديق تلك الاتفاقات في البرلمانات الوطنية. نجحت حكومة أرمينيا في تمريرها عبر المحكمة الدستورية وأرسلتها إلى البرلمان للتصديق النهائي. أعلن الرئيس علنا عدة مرات خارج البلاد وداخلها كونه زعيم الأغلبية السياسية في أرمينيا سيضمن التصديق على البروتوكولات إذا وافقت عليها تركيا. رغم ذلك، توقفت هذه العملية بسبب مطالب تركيا بإضافة شروط مسبقة لتصديقها. نظراً لموقعها بين جارتين غير وديتين، تمتلك أرمينيا علاقات أمنية وثيقة مع روسيا. بناء على طلب من الحكومة الأرمينية، تحتفظ روسيا بقاعدة عسكرية في مدينة غيومري في الشمال الغربي كرادع ضد تركيا. على الرغم من هذا، بدأت أرمينيا في التطلع إلى الهياكل الأوروبية الأطلسية في السنوات الأخيرة. تقيم البلاد علاقات جيدة مع الولايات المتحدة ولا سيما عبر الجالية الأرمنية. وفقا لمكتب الإحصاء الأميركي، هناك 427,822 أرمني يعيشون في البلاد. كما لا تزال تحافظ البلاد على علاقات متينة مع جارتها الجنوبية إيران ولا سيما في القطاع الاقتصادي. من المشاريع الاقتصادية خط أنابيب الغاز من إيران إلى أرمينيا قيد التتطوير حالياً. أرمينيا أيضاً عضو في مجلس أوروبا، وتحافظ على علاقات ودية مع الاتحاد الأوروبي ولا سيما مع الدول الأعضاء مثل فرنسا واليونان. أفاد مسح 2005 أن 64 ٪ من سكان أرمينيا سيصوتون لصالح الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. كما أعرب العديد من المسؤولين الأرمن عن رغبة بلادهم في أن تصبح في نهاية المطاف دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي.
القوات المسلحة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق