التليف الكيسي (بالإنجليزية: Cystic Fibrosis) هو مرض وراثي صبغي جسمي متنحّ يحدث بسببه عجز مترقٍّ في عمل الغدد خارجية الإفراز، مما يُؤثر على وظائف متعددة في الجسم. فهو يُؤثر بصورة كبيرة على الرئتين، وبنسبة أقل على البنكرياس والكبد والأمعاء، حيث يُؤدي إلى تراكم طبقة سميكة ولزجة من المُخاط على تلك الأعضاء. فهو أحد أكثر الأمراض الرئوية المزمنة انتشارًا لدى الأطفال والشباب، فهو عبارة عن اضطراب جيني يُؤدي للوفاة. وفي الغالب، يرجع سبب الوفاة إلى الالتهاب الرئوي الذي تُسببه الزائفة والمكورات العنقودية.
يحدث التليف الكيسي بسبب وجود طفرة في الجين الذي يعمل على تشفر بروتين منظم الإيصالية عبر الغشاء في التليف الكيسي (CFTR)، حيث يُشارك هذا البروتين في مرور أيون الكلوريد من خلال أغشية الخلايا؛ ويُحدث وجود قُصور فيه إلى إحداث خلل في إنتاج العرق والعصارات الهضمية والمُخاط. ويتطور المرض في حالة تنحي كلا الأليلين. وقد تم اكتشاف ووصف أكثر من 1500 طفرة لهذا المرض؛ ومعظم تلك الطفرات عبارة عن عناصر صغيرة محذوفة أو طفرات دقيقة، حيث أنه أقل من 1% يرجع سببه إلى طفرات في إعادة ترتيب الكروموسومات.
يُؤثر التليف الكيسي على العديد من الأعضاء والأجهزة مسببًا بذلك إنتاج الغدد الإفرازية لمواد غير طبيعية وسميكة. فالأعراض الرئوية هي السبب الرئيسي للإصابة بالمرض والوفاة منه حيث تسببت في موت 95% من المصابين به. ويعود السبب إلى حدوث التهابات متكررة ناجمة عن انسداد الشعب الهوائية بسبب إفراز مُخاط سميك للغاية. ومن الأعضاء الأخرى المُتضررة البنكرياس والخصية عند الذكور.
وهو أيضًا أحد الأمراض الوراثية الأكثر انتشارًا بين القوقاز. ولذلك فإن تقريبًا واحد من كل 5000 من سكان تلك البلاد المُصاب بذلك المرض يُولد حيًا. ويُقدر ذلك بأن واحد من كل 25 فرد من أصل أوروبي يكون حامًلا لأليل متنحي.
ويُشير مصطلح التليف الكيسي إلى العمليات التي تتسم بوجود ندوب داخلية أو تليف مع تكوين كيسات داخل البنكرياس. وتم اكتشاف ذلك في عام 1930. كما يُطلق أيضًا عليه اسم لزوجة المُخاط.
يُطلب من المرضى الذين لديهم نسب عالية من الملح (كلوريد الصودريوم) في العرق بإجراء تشخيص من خلال اختبار فحص العرق. وأيضًا من خلال عمل فحوصات جينية قبل الولادة وبعدها عن طريق إجراء اختبار العرق جيبسون وكوك.
لا يوجد حتى الآن علاج شافٍ من ذلك المرض، على الرغم من وجود طرق علاجية تعمل على تحسين الأعراض وإطالة متوسط عمر المريض. وفي الحالات الخطيرة، قد يُؤدي تزايد المرض إلى ضرورة زرع رئة. ففي جميع أنحاء العالم، يصل متوسط عمر هؤلاء المرضى إلى 35 عامًا، في حين أن البلدان التي تتبع أنظمة صحية مُتطورة وصلت إلى نتائج أفضل؛ فعلى سبيل المثال في كندا، بلغ مُتوسط عمر الفرد 48 عامًا في 2010
الأعراض والعلامات
تتباين أعراض التليف الكيسي وفقًا لعمر الشخص ولمدى تأثيرها على الأعضاء والطرق العلاجية المُستخدمة وأنواع العدوى المُرتبطة به. ويُعيق هذا المرض الجسم بشكل تام، ويظهر أثره على النمو ووظيفة التنفس والهضم. ولأن مرحلة ما بعد الولادة تتسم بصِغر وزن المولود وبانسداد معوي ناجم عن سُمك البراز وغَلاظتِه، تظهر بعض الأعراض في مرحلة مُتقدمة؛ فمنها ما يظهر أثناء الطفولة ومنها ما يظهر في بداية عمر البلوغ. وجميع الأعراض تُؤدي إلى تأخر النمو وظهور الأمراض الرئوية وزيادة المشاكل التي يُسببها سوء امتصاص الفيتامينات والعناصر الغذائية في الجهاز الهضمي.
يتم تشخيص التليف الكيسي عند معظم الأطفال قبل السنة الأولى من العمر، وذلك عند ظهور نتائج تأثير لزوجة المُخاط على الرئتين والبنكرياس. ففي الجهاز التنفسي، تُصبح هذه الإفرازات بمثابة أرض خصبة للعديد من البكتيريا المسئولة عن العدوى المُزمنة فتُسبب تلف تدريجي ومُستمر للنسيج البارينشيمي بالخلايا الرئوية. وتزداد الحالة التنفسية سوءًا، حيث أن المصابين بذلك المرض يُعانون من ارتفاع ضغط الدم الرئوي. ومن ناحية أخرى، في البنكرياس، يُعيق المُخاط مرور الإنزيمات التي تفرزها الغُدة، وبالتالي يمنع وصولها إلى الأمعاء لهضم وامتصاص الطعام.
أمراض الرئة والجيوب الأنفية
تنتج أمراض الرئة من انسداد الشعب الهوائية الصغيرة بالمُخاط السميك مُسببة بذلك التليف الكيسي. ويُسبب الالتهاب والعدوي تلف بالرئتين، كما يُحدث تغَيُرات هيكلية تُؤدي فيما بعد إلى ظهور عدة أعراض مُتنوعة. ففي المراحل الأولى، عادًة ما يُعاني المريض من سُعال مُتواصل وإفراز كميات كبيرة من المُخاط وصعوبة القدرة على التنفس. وتحدث العديد من هذه الأعراض بشكل سريع عند نمو أنواع معينة من البكتيريا، (وبخاصة الزائفة الزنجارية) التي تعيش عادة في المُخاط السميك، مُسببة بذلك ذات الرئة. وفي مراحل مُتقدمة من التليف الكيسي، تحدث تغيرات في بنية الرئة تُؤدي، فيما بعد، إلى حدوث صُعوبات تنفسية مُزمنة.
هناك العديد من الأعراض الأخرى منها: نفث الدم أو بصق الدم وتوسع حاد ومزمن في الشعب الهوائية أو القصبيات (القصبات) وارتفاع ضغط دم الرئة وحدوث قصور القلب والشعور بعدم الحصول على كمية كافية من الأكسجين أو ضيق التنفس أو الفشل التنفسي أو انخماص الرئة الذي قد يتطلب اللجوء للتنفس الاصطناعي. وبالإضافة إلى تلك العدوي البكتيرية الأكثر شيوعًا، تتطور أنواع جديدة من أمراض الجهاز التنفسي لدى الأشخاص المصابين بالتليف الكيسي بسهولة كبيرة. ومن بين ذلك نجد داء الرشاشيات القصبي الرئوي التحسسي، وهو عبارة عن شدة تحسس الجهاز المناعي لنوع من الفطريات(عفن) ينتمى لجنس الرشاشيات (الرشاشية الدخناء)، مما يُؤدي إلى تزايد المشاكل التنفسية. وأيضًا نجد الإصابة بعدوى مركب المُتفطرات الطيرية، وهى عبارة عن مجموعة من البكتيريا الشعاوية التي تتصل بنوع المُتَفَطِّرة السُلِّية والتي يمكن أن تُلحق أضرار كبيرة بالرئة، وهى لا تستجيب عادةً للمضادات الحيوية التقليدية.
وتُؤدي أيضا لزوجة وسُمك المُخاط في الجيوب الأنفية، إلى انسداد الثقوب التي عادة ما يتم الصرف من خلالها، الأمر الذي يجعل من تراكم تلك الإفرازات أرض خصبة لمسببات الأمراض الآنف ذكرها.وفى هذة الحالات، قد يُؤدي ذلك إلى ظهور آلام بالوجه وحمى و رشح شديد وصداع. ويُلاحظ غالبًا على الأشخاص المصابين بالتليف الكيسي نمو مفرط في النسيج الأنفي (بوليب)، ويظهر ذلك نتاج للالتهاب الذي يحدث إثر الإصابة بعدوى الجيوب الأنفية المزمنة. ويمكن أن تزيد هذة البوليبات بسبب انسداد الشعب الهوائية العليا، وتُضاعف من صعوبات التنفس.
أمراض الجهاز الهضمي والكبد والبنكرياس
قبل انتشار فحوصات ما قبل الولادة وما بعدها للكشف عن مرض التليف الكيسي، كان يتم الكشف عنه عادًة في حالة عدم قدرة الطفل المولود على طرد أول براز له (العِقْيُ)، الذي يمكنه أن يسد الأمعاء ويُؤدي لحدوث اضطرابات خطيرة. وتُسمى هذه الحالة بالعلوص العِقْيُ وتٌصيب 10% من المواليد المصابين بالتليف الكيسي. وتم مؤخرًا تحديد المُتغيرات الوراثية في الجينات التي لها علاقة بنقل الأيونات في الأمعاء الدقيقة التي تؤدي إلى تطور العلوص العِقْيُ. ومن الشائع أيضًا، ارتباط وجود التليف الكيسي مع بروز الأغشية المُستقيمة الداخلية، تدلي المستقيم، ويرجع ذلك إلى زيادة حجم البراز وسوء التغذية وارتفاع الضغط داخل المعدة بسبب السُعال المُزمن.
يرتبط المُخاط اللزج المُتواجد على الرئة بالإفرازات السميكة الخاصة بالبنكرياس، العضو المسئول عن توفير العُصارات الهاضمة التي تساعد في التحلل الكيميائي للطعام. وتمنع هذه الإفرازات حركة الإنزيمات الهضمية إلى الأمعاء، وتنتج بذلك أضرار جَسيمة لا يُمكن إصلاحها في البنكرياس، وغالبًا ما يُصاحب ذلك التهاب شديد. ويُؤدي نقص الإنزيمات الهاضمة إلى إعاقة امتصاص العناصر الغذائية ومع إفراز تلك المواد لاحقًا في البراز يحدث ما هو معروف بسوء الامتصاص الذي يُؤدي إلى نقص التغذية وتأخر النمو، ويرجع كليهما إلى قلة الاستفادة الحيوية من السعرات الحرارية. لذلك، فإن الأشخاص المُصابين بالتليف الكيسي، على وجه الخصوص، يُعانون من مشاكل في امتصاص فيتامين ألف وفيتامين دي، وإي، وك. وإلى جانب إصابة البنكرياس، عادًة ما يُعاني هؤلاء المرضى من ارتجاع مريئي حاد وجفاف الحلق وانسداد الأمعاء بسبب الانغلاف المعوي والإمساك. وتَطَورت أعراض الانسداد المعوي عند المرضى كبار السن، وذلك بسبب لزوجة البراز.
يُمكن أن تؤدي هذه الإفرازات أيضًا إلى حدوث مُشكلات في الكبد. فالعُصارة الصفراوية التي تُفرزها الأحشاء لتسهيل الهضم، من المُمكن أن تُؤدي إلى انسداد القنوات الصفراوية وتُلحق الضرر بالأنسجة المُجاورة لها. ويُؤدي هذا في نهاية الأمر إلى حدوث تليف كبدي. وفي تلك الحالة، تتعرض كافة الأعضاء لخطر من الدرجة الأولى من قبيل: التدخل في إبطال مفعول الذيفان، وفي تركيب بعض البروتينات المُهمة، على سبيل المثال عوامل التخثر المسؤلة عن تجلط الدم.
أمراض الغدد الصماء والنمو
يحتوي البنكرياس على جزر لانغرهانس المسئولة عن إفراز الإنسولين، وهو هرمون يُساعد على تنظيم مستويات الجلوكوز في الدم. وقد يُؤدي حدوث أي تلف في البنكرياس إلى فقدان خلايا جزر لانغرهانس مما يُسبب داء السكري. ومن ناحية أخرى، يُساعد فيتامين دي في تنظيم نسبة الكالسيوم والفوسفور في الجسم. ويُؤدي نقص فيتامين دي، الذي يرجع لضعف التغذية، إلى هشاشة العظام مما يزيد من خطر الإصابة بكسور. علاوة على ذلك، فإن الأشخاص المُصابين بالتليف الكيسي عادًة ما يظهر في أيديهم وأرجلهم تشوهات تُعرف بتعجر الأصابع، التي تُعود أسبابها إلى ذلك المرض المُزمن وأيضًا إلى نقص التأكسج في عظام المريض.
من السمات المميزة أيضًا لهذا المرض تأخر النمو. فبشكل عام، يُلاحظ على الأطفال المُصابون بهذا المرض نقص حاد في الوزن مُقارنة بأقرانهم. وفي كثير من الأحيان، يتم التشخيص بشكل أكثر دقة بعد أن يتم التحقق من أسباب هذه الظاهرة. وأسباب تأخر النمو متعددة، فهي تشمل على عدوى الرئة المُزمنة وسوء امتصاص المواد الغذائية في الجهاز الهضمي وزيادة الأيض المُتعلق بتلك الحالة.
يُمكن تشخيص التليف الكيسي عن طريق فحص الأطفال حديثي الولادة وإجراء اختبار لقياس نسبة التعرق بالكهرباء أو الاختبارات الجينية. ففي عام 2006، في الولايات المتحدة الأمريكية، تم فحص 10% من المواليد بعد الولادة مُباشرة، وذلك في إطار برامج فحص المواليد الجدد، والتي من شأنها أن تُحدد مدى ارتفاع إنزيم التربسن. ومع ذلك، فإن معظم البلدان لا يجري فيها مثل هذه الفحوصات بشكل روتيني. ولهذا السبب، فإن الأشخاص المُصابين لا يتلقون التشخيص المُناسب إلا بعد ظهور أعراض المرض عليهم. فالفحص التشخيصي الأكثر شيوعًا واستخدامًا لهذا المرض هو اختبار العرق، كما وصفه دكتور لويس إي جيبسون ودكتور روبرت كوك عام 1959، عبر استخدام رحلان كهربائي كمي، إرحال أيوني، جنبًا إلى جنب مع عقار محفًز للتعرق، بيلوكاربين. وتتم هذه العملية عن طريق تطبيق هذه المادة، التي تحمل شُحنة مُوجبة على قطب كهربائي مُوجب (+) في اتصال مع الجلد. وبعد تمرير التيار الكهربائي، يُهاجر العقار من الغشاء عبر قطب آخر يحمل شُحنة سالبة (-)، بحيث يتم وضع مسافة مُحددة حتى مرورها عبر البشرة، وينتج عن ذلك تحفيز الغُدد العرقية مسببًة إفراز نسبة مُحددة من العرق. بعد ذلك، يتم تجميع عينات العرق على ورق ترشيح أو في أنبوب شعري ومن ثَم يتم تحليلها وتحديد مدى تركيز الصوديوم والكلوريد. فالأشخاص المُصابون بالتليف الكيسي لديهم نسب أعلى من هذه الأيونات في العرق. وبمجرد أن تُظهرالفحوصات نتائج إيجابية لاختبار العرق، يتم التشخيص بشكل أكثر تفصيًلا ودقة، وذلك من خلال تحديد الطفرات في الجين الذي يعمل على تشفر بروتين منظم الإيصالية عبر الغشاء في التليف الكيسي.(CFTR).
هناك العديد من الاختبارات لتحديد المُضاعفات المُحتملة ومُراقبة تطور المرض. فالصور التي حصلت عليها الأشعة السينية والمقطعية تُسهل الكشف عن علامات الإصابة أو عدوى الرئتين. ويتم زرع القشع باستخدام الميكروسكوب، فهو اختبار يُساعد في الكشف عن نوع البكتيريا التي تُصيب الرئة أو الشُعب الهوائية، كما يساعد في اختيار المضادات الحيوية الأكثر فعالية للمرض. فتقيس اختبارات قياس الوظائف التنفسية سعات الرئة وحجمها وسرعة الرئتين في تعبئة الهواء وتدفقه. ومن خلال هذة الاختبارات، يُمكن تحديد ما إذا كان العلاج بالمضادات الحيوية مُلائم أو عمل تقييم لاستجابة المريض لهذه المضادات. فاختبارات تحليل الدم تُساعد في التعرف على مشاكل في الكبد ونقص الفيتامينات وتكشف عن ظهور مرض السكري. يقوما الجهازان ديسكا أو ديسك بقياس امتصاص الأشعة السينية ثنائي البواعث لصحة العظام، والتي تُعتبر كدليل لوجود مرض هشاشة العظام. وفي النهاية، فإن تحديد نسبة الإيلاستاز في البراز، يُساعد في الكشف عن قصور الإنزيمات الهضمية.
الفسيولوجية المرضية
يرتبط البروتين المركب من الجين CFTR بالغشاء الخلوي في كُلا من الغُدد العرقية والرئة والبنكرياس إلى جانب أعضاء أخرى تتضرر بذلك أيضًا. يُغطي البروتين هذا الغشاء ويعمل كقناة أيونية لربط الجزء الداخلي من الخلية، السيتوبلازم، مع السائل خارج الخلية. هذة القناة هي المسؤلة بشكل رئيسي عن التحكم في مرور الكلوريد من وإلى الخلية. وفي حالة حدوث خلل في البروتين CFTR، يتم عرقلة هذة الحركة ومن ثم ترسب الكلوريد خارج الخلية. وبسبب حمل الكلوريد لشُحنة كهربائية سلبية، فإن الأيونات التي تحمل شُحنات مُوجبة لا يمكنها أيضًا أن تمر عبر الغشاء السيتوبلازمي، ويرجع ذلك إلى الشُحنة الكهربائية التي تبذلها أيونات الكلوريد. فالصوديوم هو من أكثر الأيونات الموجودة خارج الخلية شيوعًا، وبالجمع بين الكلوريد والصوديوم، ينتج كلوريد الصوديوم. وفي حالة الإصابة بالتليف الكيسي، يفقد المريض كميات كبيرة من كلوريد الصوديوم في العرق. ويُعتبر الملح المفقود هو السبب الرئيسي لشرح الفائدة التشخيصية لاختبار العرق.
فالتقنية التي من خلالها يُؤدي الخلل الخلوي لظهور الأعراض السريرية، الآنف ذكرها، ليست معروفة بدقة. وتُشير إحدى النظريات إلى أن فشل البروتين مُنظم الإيصالية عبر الغشاء في التليف الكيسي في نقل الكلوريد، وبالتحديد تراكم كمية كبيرة من المُخاط على الرئتين، أدى إلى خلق بيئة غنية بالمواد الغذائية مُلائمة للبكتيريا تستطيع من خلالها الهرب من الجهاز المناعي. ومن المفترض أيضًا أن هذا الخلل، الذي يحدث في البروتين، يُؤدي إلى زيادة مُتناقضة في اقتناص الكلوريد والصوديوم، مما يُحفز إعادة امتصاص المياه، والتي ينتج عنها نقص الماء بالمُخاط وترسبه بشكل جاف وسميك. وتركز نظريات أخرى على ظاهرة حركة الكلوريد خارج الخلية، التي من شأنها أن تُؤدي أيضًا إلى جفاف المُخاط والإفرازات البنكرياسية والصفراوية. وتتفق هذه النظريات، بشكل عام، في إرجاع سبب الإضرابات الكبيرة التي تُعرقل القنوات الناقلة الدقيقة إلى الإفرازات اللزجة السميكة التي تترسب على العديد من الأعضاء المُتضررة. كل ذلك يُؤدي إلى حدوث عدوى مُزمنة ويعزز إعادة هيكلة الرئة، بالإضافة إلى حدوث أضرار بنكرياسية، بسبب تكتل الإنزيمات الهضمية وانسداد الأمعاء بكميات كبيرة من البراز.
دور العدوى المزمنة في مرض الرئة
تستعمر البكتيريا في سن مبكر كلتا الرئتين عند الأشخاص المُصابين بالتليف الكيسي. فتنتشر هذه الكائنات الدقيقة لدى الأشخاص المُصابين وتتكاثر بشكل أكبر في المُخاط المُتراكم في الشعب الهوائية الضيقة. ويحفز المُخاط اللزج هذه الكائنات على التكاثر في الأغشية الحيوية، مما يُؤدي إلى صعوبة اختراقها بواسطة المضادات الحيوية وخلايا جهاز المناعة. وفي الوقت نفسه، تستجيب الرئتان للتلف المُستمر، الذي تُسببه الإفرازات السميكة والالتهابات المزمنة، التي تتكون تدريجيًا في الشعب الهوائية السفلية، حيث توسع القصبات، مما يُصعب القضاء على هذه العدوى.
مع مرور الوقت، تتغير نوع البكتيريا التي تصيب المرضى وتتغير أيضًا خصائصها. ففي المرحلة الأولي، تُستعمر الرئتان من قِبل أنواع مُحددة من البكتيريا مثل المكورات العنقودية الذهبية والمستديمة النزلية. وتنتشر فيما بعد الزائفة الزنجارية، وأحيانًا تتكون البيركهولدرية البصلية من عدة أنواع مُختلفة من البيركهولدرية. وعند انتشار هذه البكتيريا داخل الشعب الهوائية، سُرعان ما تتكيف مع البيئة وتطور مقاومتها للمضادات الحيوية. ويُمكن أن تُطور الزائفة بعض من خصائصها المُميزة مما يُؤدي إلى تكوين مُستعمرات كبيرة، وتُعرف هذه السلالات باسم الزائفة المُخاطية، وهي نادرًا ما تظهر عند الأشخاص الأصحاء.
تنتشر العدوى بشكل كبير بين الأشخاص المُصابين بالتليف الكيسي. فقد كان من الأمور المعتادة في السابق أن يتشارك الأشخاص المُخيمات الصيفية والأنشطة الترفيهية معًا. وكانت المستشفيات تحتجز المرضى المُصابين بالتليف الكيسي في غُرف مشتركة، بالإضافة إلى عدم تعقيم المُعدات الطبية، (على سبيل المثال: الرذاذات) عند استخدامها بشكل متكرر مما أدى إلى انتقال سلالات بيكتيرية خطيرة جدًا بين المرضى. ولكن في الوقت الحالي، تقوم منشآت الرعاية الصحية بعزل هؤلاء المرضى عن بعضهم البعض؛ علاوة على إنه يجب على الأشخاص المسئولة عن رعايتهم ارتداء معاطف وقفازات للحد من انتشار السلالات البكتيرية الخبيثة. وفي كثير من الأحيان، يتلقى الأشخاص المصابون بتلك البكتيريا الخطيرة الرعاية في أيام مُتباينة ومبانٍ مُختلفة عن غيرهم. وعلاوًة على العدوى البكتيرية، فإن مرضى التليف الكيسي هم عُرضة أكثر من غيرهم للاستعمارالفطري، وذلك بسبب قدرة بعض الفطريات على استعمار الجهاز التنفسي السفلي، ومن ناحية أخرى، تُطَور بعض أنواع البكتيريا من نظام مناعتها وتُخرج أجيالاً تُقاوم بعض أنواع المضادات الحيوية. وتنمو فطريات الرشاشية الدخناء والمبيضة البيضاء بشكل كبير، بحيث يُؤدي هذا الاستعمار الفطري إلى ارتفاع معدل الاستجابة الالتهابية أمام الفطريات. وفي الوقت الحاضر، ليس معروفًا بشكل واضح دور الفطريات في الإصابة بالتليف الكيسي، فهي لا تعتبر المُسببة للمرض إلا في حالات داء الرشاشيات الغازية وداء الرشاشيات القصبي الرئوي التحسسي.
وراثية المرض
التليف الكيسي هو عبارة عن مرض صبغي جسمي متنحي. فهو يحدث نتيجة طفرة في حمض أميني، وهي فقدان فينيل ألانين في الموضع 508، مُسببًا حدوث خلل في البروتين الحامل، وبالتالي تتوطن في الغشاء الخلوي للبروتين CFTR. وتم وصف هذا البروتين بأنه مكون من أكتر من 1800 طفرة، أغلبها عبارة عن حذوفات صغيرة، وعلى الرغم من ذلك، فهي تُحدت تأثيرات مختلفة، كتغيرات في إطار القراءة وتغيرات في الأحماض الأمينية وتغيرات في الربط الجيني.
يقع الجين CFTR على الذراع الطويل من الكروموسوم 7 في الموضع 7q31.2 مُحتلًا بذلك 1800 زوج من أسس القواعد النيتروجينية؛ وبشكل أكثر دقة، من الزوج القاعدي الصبغي 252 907 116 إلى 950 095 117. فهو جين كبير الحجم، حيث يمتلك 250 كيلو قاعدة تحتوي على 27 إكسون. وقد تم تحديد موقعه وتسلسله عن طريق رسم الخرائط الوراثية.
يعمل هذا الجين على تشفير تركيب القناة الأيونية، التي تحتوى على 1480 حمض أميني، فهو البروتين الذي يقوم بنقل أيونات الكلوريد عبر الخلايا الظهارية، ويتحكم أيضًا في تنظيم الناقلات الأخرى. ويختفي هذا الجين أو يظهر بنسب أقل بكثير من المعدل الطبيعي عند الأشخاص المُصابين بالتليف الكيسي. فيتغير اختراق المرض للأشخاص تبعًا للأليل الذي يعتمد بدوره على بيئة وجينوم الشخص المصاب.
البيولوجيا الجزئية
هي عبارة عن عدة آليات، من خلالها تُحدِث الطفرات مُشكلات في بروتين منظم الإيصالية عبر الغشاء في التليف الكيسي. وبشكل خاص، فإن الطفرة ΔF508 تُنشأ بروتين لا ينطوي بشكل طبيعي، بحيث تحلله الخلية في نهاية الأمر. وتحدث العديد من الطفرات المُشتركة بين يهود أشكناز نتيجة لتركيب البروتينات في وقت قصير للغاية. ويرجع ذلك بسبب الإنهاء المُبكر للتخليق الحيوي للبروتين. وهناك طفرات أخرى أقل انتشارًا تُنتج بروتينات لا تستخدم الطاقة بشكل صحيح، حيث أن تلك الطفرات لا تسمح بمرور الكلور عبر الغشاء على النحو المناسب، أو أنها تتحلل بمعدل أسرع من الطبيعي. فحدوث خلل في نقل الكلور يُؤدي إلى عدم طرد الخلايا للماء خارجًا، وبالتالي زيادة لزوجة المُخاط. لذلك فإن بعض الطفرات يُمكن أن تؤدي إلى انخفاض إنتاج نسخ من بروتين (CFTR).
من الناحية الهيكلية، فإن الجين CFTR ينتمي إلى ما يُعرف بفصيلة الناقلات ABC، بالإنجليزية ATP: أدينوسين ثلاثي الفوسفات، ويأتي بمعنى عُلَيْبات أو كاسيتات. ويتكون الهيكل الثالت من البروتين المُشفر بواسطة الجين من مجالين قادرين على تحليل الأدينوسين ثلاثي الفوسفات، الذي يسمح للبروتين باستخدام طاقة في شكل ATP. وعلى نحو مماثل، فإن زوج آخر من هذه المجالات، يتألف كل واحد منهم من ستة من لولب ألفا، الذي يسمح بمرور البروتين من خلال غشاء الخلية. ويتم تحديد التنشيط بفضل نتيجة عملية الفسفرة في موقع ربط منظم، وخاصة من خلال بروتين كيناز A، رقم التصنيف الإنزيمي 2.7.11.11 للـ PKA، المعروفة سابقًا بـ cAPK أو بروتين الكيناز المُعتمد على الأدينوسين أحادي الفسفات الحلقي. ويتحد حمض الكربوكسيلي النهائي (-C) للبروتين مع الهيكل الخلوي عن طريق التفاعل مع نطاقات بروتينية PDZ.
المضاعفات
يُعاني المصابون بالتليف الكيسي من سوء التغذية، لأن المادة المُخاطية تسد قناة البنكرياس مما يمنع الانسياب الطبيعي للخمائر، الإنزيمات، الهاضمة التي تعمل على تفتيت الطعام داخل الأمعاء. كما تسد منافذ الهواء في الرئتين وتُصبحان عُرضة للعدوى السريعة.
إن النمو الضعيف عند الأطفال يظهر كعدم قدرة على زيادة في الوزن أو الطول مُقارنةً بالأطفال الآخرين في نفس السن. كما تتعدد الأسباب العائدة إلى الفشل في النمو وتشمل: الالتهاب المزمن في الرئتين، سوء امتصاص الجهاز الهضمي للمواد الغذائية وزيادة الحاجة إلى الوحدات الحرارية بسبب المرض المزمن.
التشخيص
تشخيص تقليدي (أساليب غير جزيئية)
يُوجد سلسلة من الفحوصات يتم إجرائها بشكل شائع لتحديد الخلل في عمليات الأيض المرتبطة بالتليف الكيسي، خاصة الكلور. ووُجد من بينهم:
اختبار العرق: حيث يتم فحص البيلوكاربين عن طريق الإرحال الأيوني لتحفيز إنتاج العرق وتُقاس بنفس الطريقة نسبة تركيز الأملاح.
اختبار فرق الجهد الكهربائي الأنفي.
اختبار مولِّد التربسين المتفاعل مناعيًا: وهو اختبار يقيس مدي تركيز الإنزيمات البنكرياسية في الدم.
تشخيص جزيئي
التشخيص الجزيئي للمرض مُعقد للغاية، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2010، تم اكتشاف 1824 طفرة، مُعظمها عُبارة عن حذوفات صغيرة دقيقة. ويتم تصنيف هذه الطفرات وفقًا لتأثيرها على الجين والخصائص الظاهرية للمرض. وبسبب تنوع الطفرات واختلاف السكان عن بعضهم البعض تعين على الدراسات والاختبارات التشخيصية أن تُوجه النظر إلى هذا الجانب. علمًا بأن الطفرة الأكثر شيوعًا بين معظم السكان الحذف 508F. ويجب الوضع في الاعتبار أن الأليلات تختلف كثيرًا باختلاف الأشخاص، لذلك يجب ضبط وتكييف الفُحوصات للكشف عن المُتغيرات الأكثر شيوعًا بين السكان المُجرٍ عليهم الدراسة.
في الوقت الراهن، يُجرى فحص جيني لجميع المواليد عن طريق النظر في التسلسل الجيني لبروتين CFTR، لمعرفة ما إذا كان الطفل حامًلا للمرض وبالتالي يُمكن معالجته. فحينما يبدأ الكشف عن المرض وعلاجه مبكرًا، تزيد فرصة المريض في أن يعيش حياة صحية أطول.
التشخيص الجزيئي غير المُباشر: يتم إجراءه من خلال تحليل الارتباط الجيني، ويتم ذلك عن طريق:
تعدد أطوال جزء الحصرRFLP : طريقة قديمة تقوم على الحصر، ولكنها غير مُستخدمة حاليًا.
عوامل تحديد جيني ساتلي مصغّر SSR/ STR (الساتلايتس المُصغرة:Microsatélite): هي الطريقة المُتبعة حاليًا. ولكن يتم تطبيقها داخل حدود شجرة العائلة للوصول لنتائج جيدة، لإن مناطق الساتلايتس المُصغرة تختلف اختلافًا كبيرًا من شخص لآخر.
عوامل تعدد أشكال النوكليوتيدات المفردة SNP: سيتم استخدامها في المستقبل القريب، لأنها تتميز بأن نتائجها قابلة للتطبيق على أشخاص ليس بينهم أية صلة.
التشخيص الجزيئي المُباشر: من الممكن ترتيب التسلسل الجيني لبروتين CFTR، ولكن في الوقت الراهن الكشف عن الطفرات هو الغاية، ويتم تنفذ ذلك وفق استراتيجيتين:
تَتَبُع الطفرات: وذلك عن طريق تقنيات الكشف عن الطفرات ولكن بدون التعرف عليها. فمن الأشياء الأكثر استخدامًا في هذة العملية هي الفصل الكهربائي الهلامي التدريجي، كما هو الحال في بعض مُتغيرات تفاعل البوليميراز المتسلسل PCR. ومثال على هذا، اكتشاف الطفرة 508F. وتم تنفيذ هذا الاكتشاف بفضل إنزيم الحصر الذي يقطع الأليل الصحي، كما يسمح لأن تُصبح نتائج عملية التفاعل البوليميراز المتسلسل PCR بعد التضخيم أصغر من الأليل الصحي الذي تظهر به الطفرة، وهكذا يظهرالفرق.
التعرف على الطفرات وتحديدها: هي عبارة عن تقنيات قائمة على أساس تهجين مُحدد مع أليل متغير. على سبيل المثال: مجموعات ASO وOLA، فحص ربط النوكليوتيد، أو يتم استخدام الفحص التقليدي وصمة ساذرون.
أليل محدد النوكليوتيد ASO وصمة البقع dot blot: تُستخدم للكشف عن طفرات مُحددة سبق ذكرها. بحيث تحتفظ بتضخم الحمض النووي لدراسته. وفيما بعد، يتم تحديده في الغشاء، بدون العلاج أو الفصل الكهربائي الأنف ذكره. وبعد ذلك، يتم تهجينه مع نيوكليوتيدات مُحددة للأليل الذي يحمل 20 زوج من القواعد التي تم توضيحها للكشف عنه سابقًا. فهو عبارة عن آلية بسيطة ورخيصة وسريعة وأمنة في حالة ما إذا تمت دراسة جين واحد وعدد قليل من الطفرات، كما هو الحال في الكشف عن التليف الكيسي. وتكون مُكلفة إذا لزم إعادة عملية التهجين مرات عديدة. ولتلك الحالات، يتم استخدام أليل محدد النوكليوتيد وصمة البقع العكسية التي يتم فيها تحديد الغشاء للأليلات المُختلفة المُهجنة مع الناتج الجيني المُتضخم السابق ذكره.
OLA فحص ربط النوكليوتيد: هي الطريقة الأكثر استخدامًا في الوقت الراهن لدراسة التليف الكيسي، فهناك خطوتان هامتان ألا وهما: الخطوة الأولى تتكون من البقايا الجينية لتفاعل البوليميراز المتسلسل متعدد الإرسال PCR multiplex. والخطوة الثانية ربط إنزيم حراري مع أليلات ذات نيوكليوتيدات مُحددة. ويتم تنفيذ هذة الخطوات الأولى في نفس أنبوب التفاعل. وبعد ذلك، يتم إجراء دراسة للبقايا بواسطة الرحلان الكهربائي الشعري. فمزايا هذة العملية هي الأتمتة، بالرغم من أنها مُكلفة لحاجتها إلى التسلسل الآلي.
تشخيص ما قبل الولادة
يتم فحص الزوجين المقبلين على الحمل أو الراغبين فيه للبحث عن طفرات جين CFTR، لتحديد كافة احتمالات ولادة طفلهم بمرض التليف الكيسي. وعادًة ما يتم إجراء هذا الاختبار على واحد من الزوجين أو كليهما. وفي حالة الكشف عن زيادة خطر الإصابة بتليف كيسي، يتم إجراء هذا الاختبار على الجنين أيضًا. ويرجع ذلك إلى أن تشخيص ما قبل الولادة لا يُتيح نسب عالية أو بديلة من العلاج، والسبب الرئيسي لإجراء مثل هذا الفحص، من الناحية العملية، هو توفير إمكانية الإجهاض في حالة ما إذا كان الجنين حامًلا لهذا المرض. يُقدم اختبار الكشف عن التليف الكيسي على نطاق أوسع في بلاد كالولايات المتحدة. وتُوصي الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد بإجراء الاختبار على الزوجين الذين لديهم تاريخ مرضي مع التليف الكيسي بين عائلاتهم وأقاربهم، لأن نسبة كبيرة من خطر الإصابة بالمرض يرجع سببه إلى الوراثة.
ولأن تطور التليف الكيسي عند الجنين يتطلب من كلا الزوجين نقل نسخة من الجين الطافر CFTR، وبسبب التكلفة العالية لاختبار ما قبل الولادة، يتم إجرائه في البداية على أحد الأبوين دون الآخر. فإذا تبين أنه حامًلا لطفرة من جين CFTR، ففي هذة الحالة يتم فحص الآخر لتحديد خطر أن يُولد الطفل بهذا المرض. ويُمكن أن يحدث التليف الكيسي بسبب وجود أكثر من ألف طفرة مُختلفة. ففي عام 2006، لم يكن من المُمكن إجراء دراسات مختبرية سريرية لكل طفرة. ويتم إجراء هذا الاختبار لتحليل الدم بحثًا عن الطفرات الأكثر شيوعًا، مثل طفرة ΔF508، وقد كشفت معظم الأساليب المتوفرة ما لا يزيد عن 32 نوعًا مختلفًا. فإذا ما تم التعرف على التاريخ الذي حملت فيه عائلة ما نوع من الطفرات غير الشائع، فمن المُمكن حينئذ الكشف عن هذه الطفرة تحديدًا. ويُستنتج من ذلك أنه ليست كل الطفرات المعروفة تم الكشف عنها من خلال الاختبارات المُجْراه حديثًا، فالنتيجة السلبية للتحليل ليست ضامنًا بأن يُولد الطفل خاليًا من المرض. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الطفرات الأكثر شيوعًا التي تم اكتشافها هي بالضرورة الأكثر خطرًا، والاختبارات الوراثية الأقل خطرًا أقل نجاحًا، وبذلك فإن الطفرات الأكثر انتشارًا في هذه المجموعات هي أقل وجودًا في عامة السكان.
وفي كثير من الأحيان، يتم إجراء اختبارات إضافية أثناء الحمل أو قبله على الأزواج الأكثر عُرضة للخطر. ويُوفر التلقيح الصناعي في المختبر إلى جانب التشخيص الوراثي قبل عملية التلقيح إمكانية فحص الجنين قبل زراعته في الرحم. ويتم إجراء هذا الاختبار بعد مرور 3 أيام من عملية التخصيب، وهو يسعى إلى تحديد وجود جينات غير طبيعية من CFTR. فإذا تم تحديد اثنين من الجينات الطافرة من CTRF في الجنين، يتم استبعاده من عملية النقل، ويتم زراعة آخر يحمل على الأقل جين واحد طبيعي.
من المُمكن إجراء اختبارات خلال فترة الحمل على المشيمة، فحص الزغابات المشيمية، وعلى السائل الأمنيوسي الذي يحيط بالجنين، بزل السائل الأمنيوسي، وذلك باستخدام الموجات فوق الصوتية. ومع ذلك، فإن خزعة الزغابات المشيمية ترتبط بخطر موت الجنين بمعدل 1 في المائة، ومع بزل السلى بنسبة 1 في 200، لذلك، لابُد من تحديد الفوائد بشكل صحيح لتحقيق التوازن بين المُخاطر قبل الشروع في الاختبار. وبدلاً من ذلك، يختار بعض الأزواج الخضوع لتقنيات التلقيح بالمساعدة بواسطة بويضات مأخوذة، اللجوء إلى التخصيب في المختبر، أو عن طريق عينات السائل المنوي المأخوذة، التلقيح الاصطناعي.
العلاج
أحد الجوانب الرئيسية في علاج التليف الكيسي هو السيطرة على التلف الرئوي الناجم عن سُمك المُخاط والالتهابات وذلك من أجل تحسين جودة حياة المريض. ولعلاج الالتهابات المُزمنة الحادة يتم أخذ مضادات حيوية عن طريق الحقن الوريدي والاستنشاق والفم. وأيضًا يتم استخدام الأجهزة الآلية والأدوية للسيطرة على الإفرازات، وبالتالي تُخفف من تراكم السوائل وتعمل على إبعادها عن مجرى التنفس. وهناك جوانب علاجية أخرى تتصل بعلاج مرض السكري بواسطة الأنسولين وأمراض البنكرياس بواسطة التعويض الإنزيمي. وبالإضافة إلى ذلك، يتم افتراض فعالية عدة إجراءات مختلفة، مثل: زراعة الأعضاء والعلاج الجيني، لحل بعض الآثار المرتبطة بهذا المرض. كما أن اتباع نظام غذائي صحي ومُمارسة الرياضة وعلاج الاضطرابات العدوانية بواسطة تناول المضادات الحيوية، يُزيد من متوسط عمر المرضي.
يحدث التليف الكيسي بسبب وجود طفرة في الجين الذي يعمل على تشفر بروتين منظم الإيصالية عبر الغشاء في التليف الكيسي (CFTR)، حيث يُشارك هذا البروتين في مرور أيون الكلوريد من خلال أغشية الخلايا؛ ويُحدث وجود قُصور فيه إلى إحداث خلل في إنتاج العرق والعصارات الهضمية والمُخاط. ويتطور المرض في حالة تنحي كلا الأليلين. وقد تم اكتشاف ووصف أكثر من 1500 طفرة لهذا المرض؛ ومعظم تلك الطفرات عبارة عن عناصر صغيرة محذوفة أو طفرات دقيقة، حيث أنه أقل من 1% يرجع سببه إلى طفرات في إعادة ترتيب الكروموسومات.
يُؤثر التليف الكيسي على العديد من الأعضاء والأجهزة مسببًا بذلك إنتاج الغدد الإفرازية لمواد غير طبيعية وسميكة. فالأعراض الرئوية هي السبب الرئيسي للإصابة بالمرض والوفاة منه حيث تسببت في موت 95% من المصابين به. ويعود السبب إلى حدوث التهابات متكررة ناجمة عن انسداد الشعب الهوائية بسبب إفراز مُخاط سميك للغاية. ومن الأعضاء الأخرى المُتضررة البنكرياس والخصية عند الذكور.
وهو أيضًا أحد الأمراض الوراثية الأكثر انتشارًا بين القوقاز. ولذلك فإن تقريبًا واحد من كل 5000 من سكان تلك البلاد المُصاب بذلك المرض يُولد حيًا. ويُقدر ذلك بأن واحد من كل 25 فرد من أصل أوروبي يكون حامًلا لأليل متنحي.
ويُشير مصطلح التليف الكيسي إلى العمليات التي تتسم بوجود ندوب داخلية أو تليف مع تكوين كيسات داخل البنكرياس. وتم اكتشاف ذلك في عام 1930. كما يُطلق أيضًا عليه اسم لزوجة المُخاط.
يُطلب من المرضى الذين لديهم نسب عالية من الملح (كلوريد الصودريوم) في العرق بإجراء تشخيص من خلال اختبار فحص العرق. وأيضًا من خلال عمل فحوصات جينية قبل الولادة وبعدها عن طريق إجراء اختبار العرق جيبسون وكوك.
لا يوجد حتى الآن علاج شافٍ من ذلك المرض، على الرغم من وجود طرق علاجية تعمل على تحسين الأعراض وإطالة متوسط عمر المريض. وفي الحالات الخطيرة، قد يُؤدي تزايد المرض إلى ضرورة زرع رئة. ففي جميع أنحاء العالم، يصل متوسط عمر هؤلاء المرضى إلى 35 عامًا، في حين أن البلدان التي تتبع أنظمة صحية مُتطورة وصلت إلى نتائج أفضل؛ فعلى سبيل المثال في كندا، بلغ مُتوسط عمر الفرد 48 عامًا في 2010
الأعراض والعلامات
تتباين أعراض التليف الكيسي وفقًا لعمر الشخص ولمدى تأثيرها على الأعضاء والطرق العلاجية المُستخدمة وأنواع العدوى المُرتبطة به. ويُعيق هذا المرض الجسم بشكل تام، ويظهر أثره على النمو ووظيفة التنفس والهضم. ولأن مرحلة ما بعد الولادة تتسم بصِغر وزن المولود وبانسداد معوي ناجم عن سُمك البراز وغَلاظتِه، تظهر بعض الأعراض في مرحلة مُتقدمة؛ فمنها ما يظهر أثناء الطفولة ومنها ما يظهر في بداية عمر البلوغ. وجميع الأعراض تُؤدي إلى تأخر النمو وظهور الأمراض الرئوية وزيادة المشاكل التي يُسببها سوء امتصاص الفيتامينات والعناصر الغذائية في الجهاز الهضمي.
يتم تشخيص التليف الكيسي عند معظم الأطفال قبل السنة الأولى من العمر، وذلك عند ظهور نتائج تأثير لزوجة المُخاط على الرئتين والبنكرياس. ففي الجهاز التنفسي، تُصبح هذه الإفرازات بمثابة أرض خصبة للعديد من البكتيريا المسئولة عن العدوى المُزمنة فتُسبب تلف تدريجي ومُستمر للنسيج البارينشيمي بالخلايا الرئوية. وتزداد الحالة التنفسية سوءًا، حيث أن المصابين بذلك المرض يُعانون من ارتفاع ضغط الدم الرئوي. ومن ناحية أخرى، في البنكرياس، يُعيق المُخاط مرور الإنزيمات التي تفرزها الغُدة، وبالتالي يمنع وصولها إلى الأمعاء لهضم وامتصاص الطعام.
أمراض الرئة والجيوب الأنفية
تنتج أمراض الرئة من انسداد الشعب الهوائية الصغيرة بالمُخاط السميك مُسببة بذلك التليف الكيسي. ويُسبب الالتهاب والعدوي تلف بالرئتين، كما يُحدث تغَيُرات هيكلية تُؤدي فيما بعد إلى ظهور عدة أعراض مُتنوعة. ففي المراحل الأولى، عادًة ما يُعاني المريض من سُعال مُتواصل وإفراز كميات كبيرة من المُخاط وصعوبة القدرة على التنفس. وتحدث العديد من هذه الأعراض بشكل سريع عند نمو أنواع معينة من البكتيريا، (وبخاصة الزائفة الزنجارية) التي تعيش عادة في المُخاط السميك، مُسببة بذلك ذات الرئة. وفي مراحل مُتقدمة من التليف الكيسي، تحدث تغيرات في بنية الرئة تُؤدي، فيما بعد، إلى حدوث صُعوبات تنفسية مُزمنة.
هناك العديد من الأعراض الأخرى منها: نفث الدم أو بصق الدم وتوسع حاد ومزمن في الشعب الهوائية أو القصبيات (القصبات) وارتفاع ضغط دم الرئة وحدوث قصور القلب والشعور بعدم الحصول على كمية كافية من الأكسجين أو ضيق التنفس أو الفشل التنفسي أو انخماص الرئة الذي قد يتطلب اللجوء للتنفس الاصطناعي. وبالإضافة إلى تلك العدوي البكتيرية الأكثر شيوعًا، تتطور أنواع جديدة من أمراض الجهاز التنفسي لدى الأشخاص المصابين بالتليف الكيسي بسهولة كبيرة. ومن بين ذلك نجد داء الرشاشيات القصبي الرئوي التحسسي، وهو عبارة عن شدة تحسس الجهاز المناعي لنوع من الفطريات(عفن) ينتمى لجنس الرشاشيات (الرشاشية الدخناء)، مما يُؤدي إلى تزايد المشاكل التنفسية. وأيضًا نجد الإصابة بعدوى مركب المُتفطرات الطيرية، وهى عبارة عن مجموعة من البكتيريا الشعاوية التي تتصل بنوع المُتَفَطِّرة السُلِّية والتي يمكن أن تُلحق أضرار كبيرة بالرئة، وهى لا تستجيب عادةً للمضادات الحيوية التقليدية.
وتُؤدي أيضا لزوجة وسُمك المُخاط في الجيوب الأنفية، إلى انسداد الثقوب التي عادة ما يتم الصرف من خلالها، الأمر الذي يجعل من تراكم تلك الإفرازات أرض خصبة لمسببات الأمراض الآنف ذكرها.وفى هذة الحالات، قد يُؤدي ذلك إلى ظهور آلام بالوجه وحمى و رشح شديد وصداع. ويُلاحظ غالبًا على الأشخاص المصابين بالتليف الكيسي نمو مفرط في النسيج الأنفي (بوليب)، ويظهر ذلك نتاج للالتهاب الذي يحدث إثر الإصابة بعدوى الجيوب الأنفية المزمنة. ويمكن أن تزيد هذة البوليبات بسبب انسداد الشعب الهوائية العليا، وتُضاعف من صعوبات التنفس.
أمراض الجهاز الهضمي والكبد والبنكرياس
قبل انتشار فحوصات ما قبل الولادة وما بعدها للكشف عن مرض التليف الكيسي، كان يتم الكشف عنه عادًة في حالة عدم قدرة الطفل المولود على طرد أول براز له (العِقْيُ)، الذي يمكنه أن يسد الأمعاء ويُؤدي لحدوث اضطرابات خطيرة. وتُسمى هذه الحالة بالعلوص العِقْيُ وتٌصيب 10% من المواليد المصابين بالتليف الكيسي. وتم مؤخرًا تحديد المُتغيرات الوراثية في الجينات التي لها علاقة بنقل الأيونات في الأمعاء الدقيقة التي تؤدي إلى تطور العلوص العِقْيُ. ومن الشائع أيضًا، ارتباط وجود التليف الكيسي مع بروز الأغشية المُستقيمة الداخلية، تدلي المستقيم، ويرجع ذلك إلى زيادة حجم البراز وسوء التغذية وارتفاع الضغط داخل المعدة بسبب السُعال المُزمن.
يرتبط المُخاط اللزج المُتواجد على الرئة بالإفرازات السميكة الخاصة بالبنكرياس، العضو المسئول عن توفير العُصارات الهاضمة التي تساعد في التحلل الكيميائي للطعام. وتمنع هذه الإفرازات حركة الإنزيمات الهضمية إلى الأمعاء، وتنتج بذلك أضرار جَسيمة لا يُمكن إصلاحها في البنكرياس، وغالبًا ما يُصاحب ذلك التهاب شديد. ويُؤدي نقص الإنزيمات الهاضمة إلى إعاقة امتصاص العناصر الغذائية ومع إفراز تلك المواد لاحقًا في البراز يحدث ما هو معروف بسوء الامتصاص الذي يُؤدي إلى نقص التغذية وتأخر النمو، ويرجع كليهما إلى قلة الاستفادة الحيوية من السعرات الحرارية. لذلك، فإن الأشخاص المُصابين بالتليف الكيسي، على وجه الخصوص، يُعانون من مشاكل في امتصاص فيتامين ألف وفيتامين دي، وإي، وك. وإلى جانب إصابة البنكرياس، عادًة ما يُعاني هؤلاء المرضى من ارتجاع مريئي حاد وجفاف الحلق وانسداد الأمعاء بسبب الانغلاف المعوي والإمساك. وتَطَورت أعراض الانسداد المعوي عند المرضى كبار السن، وذلك بسبب لزوجة البراز.
يُمكن أن تؤدي هذه الإفرازات أيضًا إلى حدوث مُشكلات في الكبد. فالعُصارة الصفراوية التي تُفرزها الأحشاء لتسهيل الهضم، من المُمكن أن تُؤدي إلى انسداد القنوات الصفراوية وتُلحق الضرر بالأنسجة المُجاورة لها. ويُؤدي هذا في نهاية الأمر إلى حدوث تليف كبدي. وفي تلك الحالة، تتعرض كافة الأعضاء لخطر من الدرجة الأولى من قبيل: التدخل في إبطال مفعول الذيفان، وفي تركيب بعض البروتينات المُهمة، على سبيل المثال عوامل التخثر المسؤلة عن تجلط الدم.
أمراض الغدد الصماء والنمو
يحتوي البنكرياس على جزر لانغرهانس المسئولة عن إفراز الإنسولين، وهو هرمون يُساعد على تنظيم مستويات الجلوكوز في الدم. وقد يُؤدي حدوث أي تلف في البنكرياس إلى فقدان خلايا جزر لانغرهانس مما يُسبب داء السكري. ومن ناحية أخرى، يُساعد فيتامين دي في تنظيم نسبة الكالسيوم والفوسفور في الجسم. ويُؤدي نقص فيتامين دي، الذي يرجع لضعف التغذية، إلى هشاشة العظام مما يزيد من خطر الإصابة بكسور. علاوة على ذلك، فإن الأشخاص المُصابين بالتليف الكيسي عادًة ما يظهر في أيديهم وأرجلهم تشوهات تُعرف بتعجر الأصابع، التي تُعود أسبابها إلى ذلك المرض المُزمن وأيضًا إلى نقص التأكسج في عظام المريض.
من السمات المميزة أيضًا لهذا المرض تأخر النمو. فبشكل عام، يُلاحظ على الأطفال المُصابون بهذا المرض نقص حاد في الوزن مُقارنة بأقرانهم. وفي كثير من الأحيان، يتم التشخيص بشكل أكثر دقة بعد أن يتم التحقق من أسباب هذه الظاهرة. وأسباب تأخر النمو متعددة، فهي تشمل على عدوى الرئة المُزمنة وسوء امتصاص المواد الغذائية في الجهاز الهضمي وزيادة الأيض المُتعلق بتلك الحالة.
يُمكن تشخيص التليف الكيسي عن طريق فحص الأطفال حديثي الولادة وإجراء اختبار لقياس نسبة التعرق بالكهرباء أو الاختبارات الجينية. ففي عام 2006، في الولايات المتحدة الأمريكية، تم فحص 10% من المواليد بعد الولادة مُباشرة، وذلك في إطار برامج فحص المواليد الجدد، والتي من شأنها أن تُحدد مدى ارتفاع إنزيم التربسن. ومع ذلك، فإن معظم البلدان لا يجري فيها مثل هذه الفحوصات بشكل روتيني. ولهذا السبب، فإن الأشخاص المُصابين لا يتلقون التشخيص المُناسب إلا بعد ظهور أعراض المرض عليهم. فالفحص التشخيصي الأكثر شيوعًا واستخدامًا لهذا المرض هو اختبار العرق، كما وصفه دكتور لويس إي جيبسون ودكتور روبرت كوك عام 1959، عبر استخدام رحلان كهربائي كمي، إرحال أيوني، جنبًا إلى جنب مع عقار محفًز للتعرق، بيلوكاربين. وتتم هذه العملية عن طريق تطبيق هذه المادة، التي تحمل شُحنة مُوجبة على قطب كهربائي مُوجب (+) في اتصال مع الجلد. وبعد تمرير التيار الكهربائي، يُهاجر العقار من الغشاء عبر قطب آخر يحمل شُحنة سالبة (-)، بحيث يتم وضع مسافة مُحددة حتى مرورها عبر البشرة، وينتج عن ذلك تحفيز الغُدد العرقية مسببًة إفراز نسبة مُحددة من العرق. بعد ذلك، يتم تجميع عينات العرق على ورق ترشيح أو في أنبوب شعري ومن ثَم يتم تحليلها وتحديد مدى تركيز الصوديوم والكلوريد. فالأشخاص المُصابون بالتليف الكيسي لديهم نسب أعلى من هذه الأيونات في العرق. وبمجرد أن تُظهرالفحوصات نتائج إيجابية لاختبار العرق، يتم التشخيص بشكل أكثر تفصيًلا ودقة، وذلك من خلال تحديد الطفرات في الجين الذي يعمل على تشفر بروتين منظم الإيصالية عبر الغشاء في التليف الكيسي.(CFTR).
هناك العديد من الاختبارات لتحديد المُضاعفات المُحتملة ومُراقبة تطور المرض. فالصور التي حصلت عليها الأشعة السينية والمقطعية تُسهل الكشف عن علامات الإصابة أو عدوى الرئتين. ويتم زرع القشع باستخدام الميكروسكوب، فهو اختبار يُساعد في الكشف عن نوع البكتيريا التي تُصيب الرئة أو الشُعب الهوائية، كما يساعد في اختيار المضادات الحيوية الأكثر فعالية للمرض. فتقيس اختبارات قياس الوظائف التنفسية سعات الرئة وحجمها وسرعة الرئتين في تعبئة الهواء وتدفقه. ومن خلال هذة الاختبارات، يُمكن تحديد ما إذا كان العلاج بالمضادات الحيوية مُلائم أو عمل تقييم لاستجابة المريض لهذه المضادات. فاختبارات تحليل الدم تُساعد في التعرف على مشاكل في الكبد ونقص الفيتامينات وتكشف عن ظهور مرض السكري. يقوما الجهازان ديسكا أو ديسك بقياس امتصاص الأشعة السينية ثنائي البواعث لصحة العظام، والتي تُعتبر كدليل لوجود مرض هشاشة العظام. وفي النهاية، فإن تحديد نسبة الإيلاستاز في البراز، يُساعد في الكشف عن قصور الإنزيمات الهضمية.
الفسيولوجية المرضية
يرتبط البروتين المركب من الجين CFTR بالغشاء الخلوي في كُلا من الغُدد العرقية والرئة والبنكرياس إلى جانب أعضاء أخرى تتضرر بذلك أيضًا. يُغطي البروتين هذا الغشاء ويعمل كقناة أيونية لربط الجزء الداخلي من الخلية، السيتوبلازم، مع السائل خارج الخلية. هذة القناة هي المسؤلة بشكل رئيسي عن التحكم في مرور الكلوريد من وإلى الخلية. وفي حالة حدوث خلل في البروتين CFTR، يتم عرقلة هذة الحركة ومن ثم ترسب الكلوريد خارج الخلية. وبسبب حمل الكلوريد لشُحنة كهربائية سلبية، فإن الأيونات التي تحمل شُحنات مُوجبة لا يمكنها أيضًا أن تمر عبر الغشاء السيتوبلازمي، ويرجع ذلك إلى الشُحنة الكهربائية التي تبذلها أيونات الكلوريد. فالصوديوم هو من أكثر الأيونات الموجودة خارج الخلية شيوعًا، وبالجمع بين الكلوريد والصوديوم، ينتج كلوريد الصوديوم. وفي حالة الإصابة بالتليف الكيسي، يفقد المريض كميات كبيرة من كلوريد الصوديوم في العرق. ويُعتبر الملح المفقود هو السبب الرئيسي لشرح الفائدة التشخيصية لاختبار العرق.
فالتقنية التي من خلالها يُؤدي الخلل الخلوي لظهور الأعراض السريرية، الآنف ذكرها، ليست معروفة بدقة. وتُشير إحدى النظريات إلى أن فشل البروتين مُنظم الإيصالية عبر الغشاء في التليف الكيسي في نقل الكلوريد، وبالتحديد تراكم كمية كبيرة من المُخاط على الرئتين، أدى إلى خلق بيئة غنية بالمواد الغذائية مُلائمة للبكتيريا تستطيع من خلالها الهرب من الجهاز المناعي. ومن المفترض أيضًا أن هذا الخلل، الذي يحدث في البروتين، يُؤدي إلى زيادة مُتناقضة في اقتناص الكلوريد والصوديوم، مما يُحفز إعادة امتصاص المياه، والتي ينتج عنها نقص الماء بالمُخاط وترسبه بشكل جاف وسميك. وتركز نظريات أخرى على ظاهرة حركة الكلوريد خارج الخلية، التي من شأنها أن تُؤدي أيضًا إلى جفاف المُخاط والإفرازات البنكرياسية والصفراوية. وتتفق هذه النظريات، بشكل عام، في إرجاع سبب الإضرابات الكبيرة التي تُعرقل القنوات الناقلة الدقيقة إلى الإفرازات اللزجة السميكة التي تترسب على العديد من الأعضاء المُتضررة. كل ذلك يُؤدي إلى حدوث عدوى مُزمنة ويعزز إعادة هيكلة الرئة، بالإضافة إلى حدوث أضرار بنكرياسية، بسبب تكتل الإنزيمات الهضمية وانسداد الأمعاء بكميات كبيرة من البراز.
دور العدوى المزمنة في مرض الرئة
تستعمر البكتيريا في سن مبكر كلتا الرئتين عند الأشخاص المُصابين بالتليف الكيسي. فتنتشر هذه الكائنات الدقيقة لدى الأشخاص المُصابين وتتكاثر بشكل أكبر في المُخاط المُتراكم في الشعب الهوائية الضيقة. ويحفز المُخاط اللزج هذه الكائنات على التكاثر في الأغشية الحيوية، مما يُؤدي إلى صعوبة اختراقها بواسطة المضادات الحيوية وخلايا جهاز المناعة. وفي الوقت نفسه، تستجيب الرئتان للتلف المُستمر، الذي تُسببه الإفرازات السميكة والالتهابات المزمنة، التي تتكون تدريجيًا في الشعب الهوائية السفلية، حيث توسع القصبات، مما يُصعب القضاء على هذه العدوى.
مع مرور الوقت، تتغير نوع البكتيريا التي تصيب المرضى وتتغير أيضًا خصائصها. ففي المرحلة الأولي، تُستعمر الرئتان من قِبل أنواع مُحددة من البكتيريا مثل المكورات العنقودية الذهبية والمستديمة النزلية. وتنتشر فيما بعد الزائفة الزنجارية، وأحيانًا تتكون البيركهولدرية البصلية من عدة أنواع مُختلفة من البيركهولدرية. وعند انتشار هذه البكتيريا داخل الشعب الهوائية، سُرعان ما تتكيف مع البيئة وتطور مقاومتها للمضادات الحيوية. ويُمكن أن تُطور الزائفة بعض من خصائصها المُميزة مما يُؤدي إلى تكوين مُستعمرات كبيرة، وتُعرف هذه السلالات باسم الزائفة المُخاطية، وهي نادرًا ما تظهر عند الأشخاص الأصحاء.
تنتشر العدوى بشكل كبير بين الأشخاص المُصابين بالتليف الكيسي. فقد كان من الأمور المعتادة في السابق أن يتشارك الأشخاص المُخيمات الصيفية والأنشطة الترفيهية معًا. وكانت المستشفيات تحتجز المرضى المُصابين بالتليف الكيسي في غُرف مشتركة، بالإضافة إلى عدم تعقيم المُعدات الطبية، (على سبيل المثال: الرذاذات) عند استخدامها بشكل متكرر مما أدى إلى انتقال سلالات بيكتيرية خطيرة جدًا بين المرضى. ولكن في الوقت الحالي، تقوم منشآت الرعاية الصحية بعزل هؤلاء المرضى عن بعضهم البعض؛ علاوة على إنه يجب على الأشخاص المسئولة عن رعايتهم ارتداء معاطف وقفازات للحد من انتشار السلالات البكتيرية الخبيثة. وفي كثير من الأحيان، يتلقى الأشخاص المصابون بتلك البكتيريا الخطيرة الرعاية في أيام مُتباينة ومبانٍ مُختلفة عن غيرهم. وعلاوًة على العدوى البكتيرية، فإن مرضى التليف الكيسي هم عُرضة أكثر من غيرهم للاستعمارالفطري، وذلك بسبب قدرة بعض الفطريات على استعمار الجهاز التنفسي السفلي، ومن ناحية أخرى، تُطَور بعض أنواع البكتيريا من نظام مناعتها وتُخرج أجيالاً تُقاوم بعض أنواع المضادات الحيوية. وتنمو فطريات الرشاشية الدخناء والمبيضة البيضاء بشكل كبير، بحيث يُؤدي هذا الاستعمار الفطري إلى ارتفاع معدل الاستجابة الالتهابية أمام الفطريات. وفي الوقت الحاضر، ليس معروفًا بشكل واضح دور الفطريات في الإصابة بالتليف الكيسي، فهي لا تعتبر المُسببة للمرض إلا في حالات داء الرشاشيات الغازية وداء الرشاشيات القصبي الرئوي التحسسي.
وراثية المرض
التليف الكيسي هو عبارة عن مرض صبغي جسمي متنحي. فهو يحدث نتيجة طفرة في حمض أميني، وهي فقدان فينيل ألانين في الموضع 508، مُسببًا حدوث خلل في البروتين الحامل، وبالتالي تتوطن في الغشاء الخلوي للبروتين CFTR. وتم وصف هذا البروتين بأنه مكون من أكتر من 1800 طفرة، أغلبها عبارة عن حذوفات صغيرة، وعلى الرغم من ذلك، فهي تُحدت تأثيرات مختلفة، كتغيرات في إطار القراءة وتغيرات في الأحماض الأمينية وتغيرات في الربط الجيني.
يقع الجين CFTR على الذراع الطويل من الكروموسوم 7 في الموضع 7q31.2 مُحتلًا بذلك 1800 زوج من أسس القواعد النيتروجينية؛ وبشكل أكثر دقة، من الزوج القاعدي الصبغي 252 907 116 إلى 950 095 117. فهو جين كبير الحجم، حيث يمتلك 250 كيلو قاعدة تحتوي على 27 إكسون. وقد تم تحديد موقعه وتسلسله عن طريق رسم الخرائط الوراثية.
يعمل هذا الجين على تشفير تركيب القناة الأيونية، التي تحتوى على 1480 حمض أميني، فهو البروتين الذي يقوم بنقل أيونات الكلوريد عبر الخلايا الظهارية، ويتحكم أيضًا في تنظيم الناقلات الأخرى. ويختفي هذا الجين أو يظهر بنسب أقل بكثير من المعدل الطبيعي عند الأشخاص المُصابين بالتليف الكيسي. فيتغير اختراق المرض للأشخاص تبعًا للأليل الذي يعتمد بدوره على بيئة وجينوم الشخص المصاب.
البيولوجيا الجزئية
هي عبارة عن عدة آليات، من خلالها تُحدِث الطفرات مُشكلات في بروتين منظم الإيصالية عبر الغشاء في التليف الكيسي. وبشكل خاص، فإن الطفرة ΔF508 تُنشأ بروتين لا ينطوي بشكل طبيعي، بحيث تحلله الخلية في نهاية الأمر. وتحدث العديد من الطفرات المُشتركة بين يهود أشكناز نتيجة لتركيب البروتينات في وقت قصير للغاية. ويرجع ذلك بسبب الإنهاء المُبكر للتخليق الحيوي للبروتين. وهناك طفرات أخرى أقل انتشارًا تُنتج بروتينات لا تستخدم الطاقة بشكل صحيح، حيث أن تلك الطفرات لا تسمح بمرور الكلور عبر الغشاء على النحو المناسب، أو أنها تتحلل بمعدل أسرع من الطبيعي. فحدوث خلل في نقل الكلور يُؤدي إلى عدم طرد الخلايا للماء خارجًا، وبالتالي زيادة لزوجة المُخاط. لذلك فإن بعض الطفرات يُمكن أن تؤدي إلى انخفاض إنتاج نسخ من بروتين (CFTR).
من الناحية الهيكلية، فإن الجين CFTR ينتمي إلى ما يُعرف بفصيلة الناقلات ABC، بالإنجليزية ATP: أدينوسين ثلاثي الفوسفات، ويأتي بمعنى عُلَيْبات أو كاسيتات. ويتكون الهيكل الثالت من البروتين المُشفر بواسطة الجين من مجالين قادرين على تحليل الأدينوسين ثلاثي الفوسفات، الذي يسمح للبروتين باستخدام طاقة في شكل ATP. وعلى نحو مماثل، فإن زوج آخر من هذه المجالات، يتألف كل واحد منهم من ستة من لولب ألفا، الذي يسمح بمرور البروتين من خلال غشاء الخلية. ويتم تحديد التنشيط بفضل نتيجة عملية الفسفرة في موقع ربط منظم، وخاصة من خلال بروتين كيناز A، رقم التصنيف الإنزيمي 2.7.11.11 للـ PKA، المعروفة سابقًا بـ cAPK أو بروتين الكيناز المُعتمد على الأدينوسين أحادي الفسفات الحلقي. ويتحد حمض الكربوكسيلي النهائي (-C) للبروتين مع الهيكل الخلوي عن طريق التفاعل مع نطاقات بروتينية PDZ.
المضاعفات
يُعاني المصابون بالتليف الكيسي من سوء التغذية، لأن المادة المُخاطية تسد قناة البنكرياس مما يمنع الانسياب الطبيعي للخمائر، الإنزيمات، الهاضمة التي تعمل على تفتيت الطعام داخل الأمعاء. كما تسد منافذ الهواء في الرئتين وتُصبحان عُرضة للعدوى السريعة.
إن النمو الضعيف عند الأطفال يظهر كعدم قدرة على زيادة في الوزن أو الطول مُقارنةً بالأطفال الآخرين في نفس السن. كما تتعدد الأسباب العائدة إلى الفشل في النمو وتشمل: الالتهاب المزمن في الرئتين، سوء امتصاص الجهاز الهضمي للمواد الغذائية وزيادة الحاجة إلى الوحدات الحرارية بسبب المرض المزمن.
التشخيص
تشخيص تقليدي (أساليب غير جزيئية)
يُوجد سلسلة من الفحوصات يتم إجرائها بشكل شائع لتحديد الخلل في عمليات الأيض المرتبطة بالتليف الكيسي، خاصة الكلور. ووُجد من بينهم:
اختبار العرق: حيث يتم فحص البيلوكاربين عن طريق الإرحال الأيوني لتحفيز إنتاج العرق وتُقاس بنفس الطريقة نسبة تركيز الأملاح.
اختبار فرق الجهد الكهربائي الأنفي.
اختبار مولِّد التربسين المتفاعل مناعيًا: وهو اختبار يقيس مدي تركيز الإنزيمات البنكرياسية في الدم.
تشخيص جزيئي
التشخيص الجزيئي للمرض مُعقد للغاية، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2010، تم اكتشاف 1824 طفرة، مُعظمها عُبارة عن حذوفات صغيرة دقيقة. ويتم تصنيف هذه الطفرات وفقًا لتأثيرها على الجين والخصائص الظاهرية للمرض. وبسبب تنوع الطفرات واختلاف السكان عن بعضهم البعض تعين على الدراسات والاختبارات التشخيصية أن تُوجه النظر إلى هذا الجانب. علمًا بأن الطفرة الأكثر شيوعًا بين معظم السكان الحذف 508F. ويجب الوضع في الاعتبار أن الأليلات تختلف كثيرًا باختلاف الأشخاص، لذلك يجب ضبط وتكييف الفُحوصات للكشف عن المُتغيرات الأكثر شيوعًا بين السكان المُجرٍ عليهم الدراسة.
في الوقت الراهن، يُجرى فحص جيني لجميع المواليد عن طريق النظر في التسلسل الجيني لبروتين CFTR، لمعرفة ما إذا كان الطفل حامًلا للمرض وبالتالي يُمكن معالجته. فحينما يبدأ الكشف عن المرض وعلاجه مبكرًا، تزيد فرصة المريض في أن يعيش حياة صحية أطول.
التشخيص الجزيئي غير المُباشر: يتم إجراءه من خلال تحليل الارتباط الجيني، ويتم ذلك عن طريق:
تعدد أطوال جزء الحصرRFLP : طريقة قديمة تقوم على الحصر، ولكنها غير مُستخدمة حاليًا.
عوامل تحديد جيني ساتلي مصغّر SSR/ STR (الساتلايتس المُصغرة:Microsatélite): هي الطريقة المُتبعة حاليًا. ولكن يتم تطبيقها داخل حدود شجرة العائلة للوصول لنتائج جيدة، لإن مناطق الساتلايتس المُصغرة تختلف اختلافًا كبيرًا من شخص لآخر.
عوامل تعدد أشكال النوكليوتيدات المفردة SNP: سيتم استخدامها في المستقبل القريب، لأنها تتميز بأن نتائجها قابلة للتطبيق على أشخاص ليس بينهم أية صلة.
التشخيص الجزيئي المُباشر: من الممكن ترتيب التسلسل الجيني لبروتين CFTR، ولكن في الوقت الراهن الكشف عن الطفرات هو الغاية، ويتم تنفذ ذلك وفق استراتيجيتين:
تَتَبُع الطفرات: وذلك عن طريق تقنيات الكشف عن الطفرات ولكن بدون التعرف عليها. فمن الأشياء الأكثر استخدامًا في هذة العملية هي الفصل الكهربائي الهلامي التدريجي، كما هو الحال في بعض مُتغيرات تفاعل البوليميراز المتسلسل PCR. ومثال على هذا، اكتشاف الطفرة 508F. وتم تنفيذ هذا الاكتشاف بفضل إنزيم الحصر الذي يقطع الأليل الصحي، كما يسمح لأن تُصبح نتائج عملية التفاعل البوليميراز المتسلسل PCR بعد التضخيم أصغر من الأليل الصحي الذي تظهر به الطفرة، وهكذا يظهرالفرق.
التعرف على الطفرات وتحديدها: هي عبارة عن تقنيات قائمة على أساس تهجين مُحدد مع أليل متغير. على سبيل المثال: مجموعات ASO وOLA، فحص ربط النوكليوتيد، أو يتم استخدام الفحص التقليدي وصمة ساذرون.
أليل محدد النوكليوتيد ASO وصمة البقع dot blot: تُستخدم للكشف عن طفرات مُحددة سبق ذكرها. بحيث تحتفظ بتضخم الحمض النووي لدراسته. وفيما بعد، يتم تحديده في الغشاء، بدون العلاج أو الفصل الكهربائي الأنف ذكره. وبعد ذلك، يتم تهجينه مع نيوكليوتيدات مُحددة للأليل الذي يحمل 20 زوج من القواعد التي تم توضيحها للكشف عنه سابقًا. فهو عبارة عن آلية بسيطة ورخيصة وسريعة وأمنة في حالة ما إذا تمت دراسة جين واحد وعدد قليل من الطفرات، كما هو الحال في الكشف عن التليف الكيسي. وتكون مُكلفة إذا لزم إعادة عملية التهجين مرات عديدة. ولتلك الحالات، يتم استخدام أليل محدد النوكليوتيد وصمة البقع العكسية التي يتم فيها تحديد الغشاء للأليلات المُختلفة المُهجنة مع الناتج الجيني المُتضخم السابق ذكره.
OLA فحص ربط النوكليوتيد: هي الطريقة الأكثر استخدامًا في الوقت الراهن لدراسة التليف الكيسي، فهناك خطوتان هامتان ألا وهما: الخطوة الأولى تتكون من البقايا الجينية لتفاعل البوليميراز المتسلسل متعدد الإرسال PCR multiplex. والخطوة الثانية ربط إنزيم حراري مع أليلات ذات نيوكليوتيدات مُحددة. ويتم تنفيذ هذة الخطوات الأولى في نفس أنبوب التفاعل. وبعد ذلك، يتم إجراء دراسة للبقايا بواسطة الرحلان الكهربائي الشعري. فمزايا هذة العملية هي الأتمتة، بالرغم من أنها مُكلفة لحاجتها إلى التسلسل الآلي.
تشخيص ما قبل الولادة
يتم فحص الزوجين المقبلين على الحمل أو الراغبين فيه للبحث عن طفرات جين CFTR، لتحديد كافة احتمالات ولادة طفلهم بمرض التليف الكيسي. وعادًة ما يتم إجراء هذا الاختبار على واحد من الزوجين أو كليهما. وفي حالة الكشف عن زيادة خطر الإصابة بتليف كيسي، يتم إجراء هذا الاختبار على الجنين أيضًا. ويرجع ذلك إلى أن تشخيص ما قبل الولادة لا يُتيح نسب عالية أو بديلة من العلاج، والسبب الرئيسي لإجراء مثل هذا الفحص، من الناحية العملية، هو توفير إمكانية الإجهاض في حالة ما إذا كان الجنين حامًلا لهذا المرض. يُقدم اختبار الكشف عن التليف الكيسي على نطاق أوسع في بلاد كالولايات المتحدة. وتُوصي الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد بإجراء الاختبار على الزوجين الذين لديهم تاريخ مرضي مع التليف الكيسي بين عائلاتهم وأقاربهم، لأن نسبة كبيرة من خطر الإصابة بالمرض يرجع سببه إلى الوراثة.
ولأن تطور التليف الكيسي عند الجنين يتطلب من كلا الزوجين نقل نسخة من الجين الطافر CFTR، وبسبب التكلفة العالية لاختبار ما قبل الولادة، يتم إجرائه في البداية على أحد الأبوين دون الآخر. فإذا تبين أنه حامًلا لطفرة من جين CFTR، ففي هذة الحالة يتم فحص الآخر لتحديد خطر أن يُولد الطفل بهذا المرض. ويُمكن أن يحدث التليف الكيسي بسبب وجود أكثر من ألف طفرة مُختلفة. ففي عام 2006، لم يكن من المُمكن إجراء دراسات مختبرية سريرية لكل طفرة. ويتم إجراء هذا الاختبار لتحليل الدم بحثًا عن الطفرات الأكثر شيوعًا، مثل طفرة ΔF508، وقد كشفت معظم الأساليب المتوفرة ما لا يزيد عن 32 نوعًا مختلفًا. فإذا ما تم التعرف على التاريخ الذي حملت فيه عائلة ما نوع من الطفرات غير الشائع، فمن المُمكن حينئذ الكشف عن هذه الطفرة تحديدًا. ويُستنتج من ذلك أنه ليست كل الطفرات المعروفة تم الكشف عنها من خلال الاختبارات المُجْراه حديثًا، فالنتيجة السلبية للتحليل ليست ضامنًا بأن يُولد الطفل خاليًا من المرض. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الطفرات الأكثر شيوعًا التي تم اكتشافها هي بالضرورة الأكثر خطرًا، والاختبارات الوراثية الأقل خطرًا أقل نجاحًا، وبذلك فإن الطفرات الأكثر انتشارًا في هذه المجموعات هي أقل وجودًا في عامة السكان.
وفي كثير من الأحيان، يتم إجراء اختبارات إضافية أثناء الحمل أو قبله على الأزواج الأكثر عُرضة للخطر. ويُوفر التلقيح الصناعي في المختبر إلى جانب التشخيص الوراثي قبل عملية التلقيح إمكانية فحص الجنين قبل زراعته في الرحم. ويتم إجراء هذا الاختبار بعد مرور 3 أيام من عملية التخصيب، وهو يسعى إلى تحديد وجود جينات غير طبيعية من CFTR. فإذا تم تحديد اثنين من الجينات الطافرة من CTRF في الجنين، يتم استبعاده من عملية النقل، ويتم زراعة آخر يحمل على الأقل جين واحد طبيعي.
من المُمكن إجراء اختبارات خلال فترة الحمل على المشيمة، فحص الزغابات المشيمية، وعلى السائل الأمنيوسي الذي يحيط بالجنين، بزل السائل الأمنيوسي، وذلك باستخدام الموجات فوق الصوتية. ومع ذلك، فإن خزعة الزغابات المشيمية ترتبط بخطر موت الجنين بمعدل 1 في المائة، ومع بزل السلى بنسبة 1 في 200، لذلك، لابُد من تحديد الفوائد بشكل صحيح لتحقيق التوازن بين المُخاطر قبل الشروع في الاختبار. وبدلاً من ذلك، يختار بعض الأزواج الخضوع لتقنيات التلقيح بالمساعدة بواسطة بويضات مأخوذة، اللجوء إلى التخصيب في المختبر، أو عن طريق عينات السائل المنوي المأخوذة، التلقيح الاصطناعي.
العلاج
أحد الجوانب الرئيسية في علاج التليف الكيسي هو السيطرة على التلف الرئوي الناجم عن سُمك المُخاط والالتهابات وذلك من أجل تحسين جودة حياة المريض. ولعلاج الالتهابات المُزمنة الحادة يتم أخذ مضادات حيوية عن طريق الحقن الوريدي والاستنشاق والفم. وأيضًا يتم استخدام الأجهزة الآلية والأدوية للسيطرة على الإفرازات، وبالتالي تُخفف من تراكم السوائل وتعمل على إبعادها عن مجرى التنفس. وهناك جوانب علاجية أخرى تتصل بعلاج مرض السكري بواسطة الأنسولين وأمراض البنكرياس بواسطة التعويض الإنزيمي. وبالإضافة إلى ذلك، يتم افتراض فعالية عدة إجراءات مختلفة، مثل: زراعة الأعضاء والعلاج الجيني، لحل بعض الآثار المرتبطة بهذا المرض. كما أن اتباع نظام غذائي صحي ومُمارسة الرياضة وعلاج الاضطرابات العدوانية بواسطة تناول المضادات الحيوية، يُزيد من متوسط عمر المرضي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق