الأربعاء، 2 أكتوبر 2019

باريس

باريس (بالفرنسية: Paris) هي عاصمة فرنسا وأكبر مدنها من حيث عدد السكان. تقع على ضفاف نهر السين في الجزء الشمالي من البلاد في قلب منطقة إيل دو فرانس. بلغ عدد سكانها 2,243,833 عام 2010 ضمن نطاقها الإداري فقط، بينما يربو عدد سكان المدينة مع ضواحيها عن 12 مليون نسمة.

ظلت باريس منطقة فائقة الأهمية لما يزيد عن ألفي عام، ومع مطلع القرن الثاني عشر، أصبحت باريس مركزاً أوروبياً للتمويل والدبلوماسية والتجارة والأزياء والعلوم والفنون وأكبر مدن العالم الغربي حتى أوائل القرن الثامن عشر. كانت باريس مسرحاً للعديد من الأحداث السياسية الهامة على مر التاريخ، مثل الثورة الفرنسية. أما في الوقت الحاضر، فإنها تعدّ واحدة من أكبر المراكز الاقتصادية والثقافية ذات الثأثير الهام في السياسة والعلوم والترفيه والإعلام والأزياء والفنون مما جعلها واحدة من مدن العالم الرئيسية. في عام 2011، كان الناتج المحلي الإجمالي للمدينة 607 مليار يورو (845 مليار دولار) وهو من أكبر النواتج المحلية للمدن في العالم. باريس هي واحدة من الوجهات السياحية الرائدة في العالم كما أنها مقر لمعظم الشركات الفرنسية.

تمتلك باريس مجموعة متنوعة من المتاحف والمسارح والمعالم الأثرية التي بنيت على مر القرون، مثل برج إيفل وقوس النصر ومتحف اللوفر وقصر فيرساي. باريس هي إحدى أكبر مراكز الفن في العالم، باحتوائها على عدد كبير من المتاحف التي تضم لوحات لأبرز الفنانين العالميين. كما أن لمطبخ المدينة سمعة عالمية، حيث تستقطب أشهر الطهاة على مستوى العالم. تضم باريس وضواحيها أرقى المدارس والجامعات الفرنسية، كما تحتوي على مقرات أكبر الصحف الفرنسية، مثل: لوموند، ولو فيغارو، وليبراسيون.

باريس هي مقر لنادي باريس سان جيرمان لكرة القدم، كما يوجد فيها ملعب فرنسا الذي بني لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 1998. كما تستضيف المدينة بطولة رولان غاروس لكرة المضرب.تتميز باريس بتنوع وسائل المواصلات وجودتها. تحتوي المدينة على مطارين دوليين رئيسيين هما مطار شارل ديغول الدولي ومطار باريس أورلي. يخدم مترو باريس -الذي افتتح عام 1900- حوالي 9 ملايين راكب يومياً.
أصل التسمية
اسم باريس مستمد من سكانها الأوائل، وهم إحدى قبائل الغال ويعرفون بـباريسي. سميت المدينة لوتيشيا إبان العصر الروماني في الفترة ما بين القرن الأول والقرن الرابع بعد الميلاد. إلا أنها سميت باريس مرة أخرى في عهد يوليان المرتد (360-363). يعتقد أن اسم باريسي يأتي من الكلمة السلتية الغالية باريسو التي تعني الشعب العامل أو الحرفيون.

وقد وصفها الرحالة الموريسكي أحمد بن قاسم الحجري في رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب، وذكر اسمها بالعربية «بريش»:

   باريس هي دار سلطنة الفرنج، وبينها وبين مدينة روان نحو الثلاثة أيام، وطولها خمسة آلاف وخمسمائة خطوة وعرضها أربعة آلاف وخمسمائة خطوة، وبيوتها عالية، وكلها عامرة بالناس، وديار الأكابر مبنية بالحجر المنجور إلا أنه بطول الزمن يسوَد لون الحجر، وتقول النصارى أن أعظم مدن الدنيا القسطنطينية، ثم مدينة بريش، ثم مدينة اشبونة (لشبونة) ببلاد الأندلس.    باريس
لباريس العديد من الألقاب، حيث تعرف بمدينة الحب وعاصمة الموضة، لكن اللقب الأشهر للمدينة هو مدينة النور   (La Ville-Lumière) وهو اللقب الذي حصلت عليه باريس لشهرتها كمركز للعلم والفكر خلال عصر التنوير وكذلك بسبب اعتمادها في وقت مبكر على نظام إضاءة الشوارع. عرفت باريس بمدينة النور في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما أزال البارون هوسمان المعين من قبل نابليون الثالث الشوارع والأحياء التي تعود للعصور الوسطى وقام بتحويل باريس إلى مدينة حديثة.

التاريخ
البدايات
تعود أولى العلامات الأثرية الدالة على وجود مستوطنات دائمة إلى الفترة ما بين 4500-4200 قبل الميلاد. حيث وجدت أدلة تعدّ من الأقدم من نوعها في باريس عام 1991 على استخدام تلك الشعوب البدائية القوارب. (يوجد في متحف كارنافاليه بقايا ثلاثة من هذه القوارب الأثرية)  سكنت قبيلة باريسي -إحدى قبائل الغال- المنطقة الواقعة على ضفاف نهر السين في عام 250 قبل الميلاد تقريباً. غزا الرومان باريس في عام 52 قبل الميلاد تقريباً واستوطنوا فيها في أواخر القرن نفسه. سميت المدينة لوتيشيا في عهد الإمبراطورية الرومانية، ثم تغير اسمها إلى ليوتيس. توسعت المدينة بشكل كبير على مدار القرون التالية لتصبح مدينة مزدهرة تحتوي على القصور والحمامات والمعابد والمسارح.

أدى انهيار الإمبراطورية الرومانية، جنباً إلى جنب مع الغزوات الجرمانية في القرن الخامس الميلادي إلى تراجع أهمية المدينة بشكل جلي. وفي حلول عام 400، هجرت "ليوتيس" من قبل العديد من سكانها وتضاءلت أهميتها. استعادت المدينة اسم باريس عام 360 تقريباً في نهاية عصر الاحتلال الروماني، عندما أُعلن يوليان المرتد إمبراطوراً. تمّ هذا الإعلان في إيل دو لا سيتي وهي جزيرة واقعة في نهر السين. أقام يوليان في هذه المنطقة ثلاث سنوات، مما جعل من باريس العاصمة الفعلية للإمبراطورية الغربية.

عصر الميروفنجيون

كلوفيس الأول, أول ملوك سلالة ميروفنجيون.
كانت منطقة باريس تحت سيطرة الفرنجة في أواخر القرن الخامس. جعل الملك الفرنجي كلوفيس الأول أول ملوك سلالة ميروفنجيون من باريس عاصمة لبلاده عام 508 وأعاد سكان المدينة إلى المسيحية مرة أخرى. قام ملوك سلالة كارولنجيون بجعل مدينة آخن (الواقعة في ألمانيا في الوقت الحاضر) عاصمة للبلاد بدلاً من باريس، وكان ذلك في أواخر القرن الثامن الميلادي. تزامن هذا مع بدء غزوات الفايكنج في أوائل القرن التاسع..

وقعت واحدة من أبرز غارات الفايكنج في 28 مارس 845، عندما غزت 200 سفينة إسكندنافية على طول نهر السين باريس، فقاموا بسرقة ونهب المدينة، ولم يغادروها حتى حصلوا على أموال كثيرة قدمت لهم من قبل ولي العهد. تكررت الغزوات على المدينة مما اضطر يوديس -كونت باريس- إلى بناء حصن في إيل دو لا سيتي عام 885. إلّا أنّ المدينة عانت من حصار شديد استمر ما يزيد عن العام، انتهى في نهاية المطاف في عهد الملك الكارولنجيوني شارل البدين. عاش التاج الفرنسي حالة من النزاع والاضطراب بعد إعلان يوديس نفسه حاكماً، واستمر ذلك حتى عام 987، حينما انتخب كونت باريس أوغو كابيه ملكاً على فرنسا. عادت باريس تحت حكم الملوك الكابيتيون عاصمة من جديد، ويرى العديد من المؤرخين أنّ تتويج أوغو كابيه كان لحظة ميلاد فرنسا الحديثة.

العصور الوسطى وحتى القرن الثامن عشر
أصبحت باريس مدينة مزدهرة مع نهاية القرن الحادي عشر، وتوافد عليها العلماء والرهبان من أجل تبادل الأفكار، كما قام فيليب أوغست ببناء جامعة باريس عام 1200. تصاعدت بعد ذلك قوة النقابات التي تسببت في قيام ثورة في البلاد بعد القبض على الملك الفرنسي من قبل الإنجليز عام 1356. كان عدد سكان باريس حوالي 200,000 عندما وصلها الموت الأسود عام 1348، الذي فتك ب800 شخص يومياً. كما توفي قرابة 40,000 بسبب الطاعون الدبلي عام 1466. كما فتك الطاعون بالمدينة خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، حيث كان يزورها سنة كل ثلاث سنوات تقريباً. خسرت باريس مكانتها باعتبارها مقراً لفرنسا بعد احتلالها من قبل الإنجليز إبان حرب المئة عام، لكنها عادت عاصمة للفرنسيين عندما استعادها شارل السابع، على الرغم من أن العاصمة الفعلية كانت فال دو لوار. استمر هذا الحال حتى قيام فرانسوا الأول بنقل مقر إقامته إلى باريس عام 1528.

خلال حروب فرنسا الدينية، كانت باريس معقل الكاثوليكية. وفي أغسطس من عام 1572، في عهد شارل التاسع، تواجد العديد من النبلاء البروستانت في باريس من أجل حضور زفاف هنري النافاري -هنري الرابع ملك فرنسا فيما بعد- ومارغريت شقيقة شارل التاسع، فوقعت حينها مذبحة سان بارتيليمي في 24 أغسطس واستمرت لبضعة أيام وانتشرت في جميع أنحاء البلاد.

قام هنري الرابع عام 1590 بفرض حصار باريس قوبلت بتلقيه تهديدات من فيليب الثاني ملك إسبانيا، فاعتنق هنري الكاثوليكية عام 1594، ورحبت به باريس ملكاً عليها. أنفقت أسرة بوربون مبالغ طائلة من أجل إبقاء سيطرتها على المدينة فبنوا الجسور وغيرها. على الرغم من ذلك، لم يكن أهل باريس سعداء بحكامهم، فقامت ثورة عمت أنحاء المدينة فرت على إثرها العائلة الحاكمة من المدينة. نقل لويس الرابع عشر فيما بعد مقر الإقامة الملكية إلى قصر فيرساي، وكان ذلك عام 1682. نمت سمعة باريس في القرن الثامن عشر إبان عصر التنوير بسبب كتابات مثقفي المدينة أمثال: فولتير ودنيس ديدرو.

الثورة الفرنسية

اليمين: اقتحام سجن الباستيل (1789); اليسار: خريطة باريس والمناطق المجاورة عام 1735.
في نهاية القرن الثامن عشر، كانت باريس المقر الرئيسي للثورة الفرنسية؛ كان موسم الحصاد سيئاً للغاية عام 1788 مما أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء بشكل هائل كما وصلت الديون إلى حد غير مسبوق. في 14 يوليو 1789، جزع الباريسيون من الضغوطات التي مارسها الملك لويس السادس عشر على الجمعية التي شكلتها الطبقة الثالثة، فاقتحموا سجن الباستيل وهو رمز الحكم المطلق. اشتعلت حينها الثورة ورفض الشعب مزاعم الملك بأنه يملك حقاً إلهياً لحكم البلاد. انتخب جان سيلفان بايي محافظاً على باريس في 15 يوليو 1789، وبعدها بيومين اختير علم فرنسا الجديد المكون من ثلاثة ألوان: الأزرق والأحمر يمثلان باريس أما الأبيض فيمثل آل بوربون الذين ينحدر منهم لويس السادس عشر.

أعلن قيام الجمهورية لأول مرة عام 1792. وفي السنة التي تلتها، أعدم كل من لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت في ميدان الكونكورد في باريس والذي كان مسرحاً للعديد من عمليات الإعدام. كانت المقصلة أكثر أدوات الإعدام استخداماً في تلك الفترة. ففي صيف عام 1794، أعدم أكثر من 1300 شخص في شهر واحد فقط. تشكل بعد ذلك مجلس مؤلف من خمسة أعضاء تولى إدارة البلاد حتى أطيح به بعد الانقلاب العسكري الذي قاده نابليون بونابرت الذي وضع حداً للثورة واختير فيما بعد في استفتاء عام إمبراطوراً على فرنسا.

القرن التاسع عشر
احتلت باريس من قبل الروس والحلفاء على إثر هزيمة نابليون بونابرت في 31 مارس 1814، وكانت هذه المرة الأولى التي تحتل في باريس من قبل قوات أجنبية منذ قرابة 400 سنة. تلا ذلك استعادة بوربون حكم فرنسا من جديد، حيث أصبح لويس الثامن عشر ملكاً في الفترة (1814-1824)، تلاه شارل العاشر الذي انتهت فترة حكمه بعد قيام ثورة يوليو 1830. بات نظام الحكم في فرنسا بعد الثورة نظاماً ملكياً دستورياً متمثلاً في الملك لويس فيليب الأول، الذي بدوره قامت عليه ثورة فبراير 1848. قادت ثورة فبراير إلى تكوين الجمهورية الفرنسية الثانية. اجتاح وباء الكوليرا باريس عامي 1832 و 1850، حيث قتل وباء 1832 وحده 20,000 من أصل 650,000 وهو مجموع سكان باريس في ذلك الوقت، أي حوالي 3% من سكان المدينة.

بدأت كبرى عمليات التنمية في باريس مع الثورة الصناعية، فأنشأت شبكة متطورة من السكك الحديدية. أدى هذا النمو إلى زيادة عدد المهاجرين إلى المدينة على نحو غير مسبوق. تطورت باريس بشكل كبير في عهد الإمبراطورية الفرنسية الثانية تحت حكم نابليون الثالث. عَهَدَ نابليون الثالث تطوير باريس إلى البارون هوسمان، الذي أزال شوارع باريس الضيقة والمتعرجة التي تعود إلى العصور الوسطى مكوناً شبكة من الطرق الواسعة والواجهات الكلاسيكية الحديثة التي لا تزال تشكل جزءاً كبيراً من باريس الحديثة، مما أعطى المدينة رونقاً خاصاً. لم يؤد هذا التوسع إلى تجميل المدينة فقط, بل زاد من فعالية الجيش ويسّر استخدام المدفعية من أجل مواجهة أي ثورة قد تحدث مستقبلاً.

سقطت الإمبراطورية الفرنسية الثانية خلال الحرب الفرنسية البروسية (1870-1871). استسلمت باريس المحاصرة تحت القصف الشديد في 28 يناير 1871. أبدى سكان سكان باريس امتعاضاً شديداً من الهدنة المهينة التي وقعتها الحكومة الفرنسية القابعة في فرساي إلى تكوين حكومة كومونة باريس مدعومةً بجيش مكون من أعداد كبيرة من أعضاء الحرس الوطني السابقين. قام هذا الجيش بمقاومة القوات البروسية، إلى جانب جيش حكومة فرساي. سقطت حكومة كومونة باريس بعد أسبوع دموي أعدم فيه قرابة 20,000. انتهت الحرب على إثر ذلك في 28 مايو 1871. كان تصميم البارون هوسمان سبباً في انتصار جيش فرساي.

تزايدت أهمية باريس في أواخر القرن التاسع عشر حتى أصبحت مركزاً للتكنولوجيا والتجارة والسياحة والعمارة، حيث يعد برج إيفل -الذي ظل أطول مباني العالم حتى عام 1930- أشهر الأدلة الدالة على تطور العمارة في باريس في تلك الفترة. كما افتتح مترو باريس عام 1900.

القرن العشرون

تحرير باريس، 1944.
خلال الحرب العالمية الأولى، كانت باريس في طليعة المدن المشاركة في الحرب. نجت المدينة من الغزو الألماني بعد انتصار القوات الفرنسية البريطانية على ألمانيا في معركة المارن الأولى عام 1914 التي وقعت على مقربة من المدينة. في 1918-1919، كانت باريس مسرحاً لانتصار الحلفاء وكذلك مفاوضات السلام. في الفترة ما بين الحربين العالميتين، اشتهرت باريس بتجمعاتها الثقافية والفنية والحياة الليلية. كما أصبحت المدينة مركزاً لتجمع الفنانين من جميع أنحاء العالم، من المؤلف الموسيقي الروسي إيجور سترافينسكي إلى الرسام الإسباني بيكاسو ومن الكاتب الأمريكي إرنست همينغوي إلى الرسام الإسباني سلفادور دالي.

في 14 يونيو 1940، بعد 5 أسابيع من معركة فرنسا، سقطت باريس في يد القوات الألمانية. مر الألمان بجوار قوس النصر في الذكرى ال140 لانتصار نابليون بونابرت في معركة مارينغو. ظلت القوات الألمانية في باريس حتى تحررها في أغسطس عام 1944 بعد شهرين ونصف من غزو نورماندي. لم يصب وسط باريس بأذى ملحوظ خلال الحرب العالمية الثانية، حيث لم يكن هناك أهداف إستراتيجية لقاذفات الحلفاء، فالمصانع الكبرى كانت تقع في ضواحي المدينة كما لم تكن السكك الحديدية عرضة للأذى. وعلى الرغم من أوامر هتلر بتدمير المدينة بمعالمها التاريخية، إلا أن القائد الألماني ديتريش فون شولتيتز رفض؛ ما أكسبه لقب "محرر باريس".

في حقبة ما بعد الحرب، شهدت باريس تطوراً هو الأكبر من نوعه منذ عام 1914. بدأت ضواحي المدينة تتسع بشكل واضح، وبنيت مجمعات كبيرة في المدينة عرفت باسم (cités)، وكذلك إنشاء لا ديفونس (أكبر منطقة أعمال متخصصة في أوروبا). كم تم بناء شبكة مترو الأنفاق (RER) من أجل الوصول إلى الضواحي البعيدة في المدينة. كما وطورت شبكة من الخطوط السريعة لخدمة ضواحي باريس.

منذ سبعينيات القرن الماضي، شهدت العديد من ضواحي باريس (خاصة الشمالية والشرقية) انخفاضاً في النشاط الصناعي، وأصبحت مركزاً لتجمع المهاجرين وارتفعت فيها نسبة البطالة، بينما كانت الضواحي الغربية والجنوبية قد تحولت من مناطق تعتمد على الصناعات التقليدية، إلى مناطق متطورة تعتمد على الصناعات التكنولوجية الفائقة. ترتب على ذلك أن أصبح نصيب الفرد من الدخل في هذه المناطق هو الأعلى في فرنسا، وبين أعلى المعدلات في أوروبا. أدى اتساع الفجوة الاجتماعية بين هاتين المنطقتين إلى وقوع اضطرابات دورية في منتصف الثمانينات، وكذلك وقوع أعمال شغب عام 2005 تركزت في الضواحي الشمالية والشرقية في الغالب.

القرن الواحد والعشرون

خريطة تظهر جنوب بريطانيا وشمال فرنسا.
يجري الآن تنفيذ مشروع تجديد حضري هائل (Grand Paris) الذي بدأ عام 2007 من قبل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي. يتألف Grand Paris من مشاريع اقتصادية وبيئية وثقافية ومشاريع تحسين الإسكان والنقل. من أجل توحيد الأراضي وتنشيط اقتصاد العاصمة. واحد من أكبر هذه المشاريع هو مشروع بناء مترو جديد يتألف من 200 كم من الخطوط السريعة التي تربط مناطق باريس الكبرى مع بعضها البعض بتكلفة 26.5 مليار يورو، ومن المفترض الانتهاء من هذا المشروع بحلول عام 2030.

الجغرافيا
تقع مدينة باريس في وسط شمال فرنسا وتمتد على نطاق واسع على ضفتي نهر السين. تبعد باريس براً حوالي 450 كم إلى الجنوب الشرقي من لندن، وتبعد 287 كم إلى الجنوب من كاليه، وتبعد 305 كم إلى الجنوب الغربي من بروكسل، بينما تبعد 774 كم إلى الشمال من مارسيليا، وتقع على بعد 385 كم إلى الشمال الشرقي من نانت. تضم باريس جزيرتين: إيل سان لويس وكذلك إيل دو لا سيتي التي تعد أقدم أجزاء المدينة. باريس مدينة مستوية بشكل عام، ترتفع أخفض بقاع المدينة 35 متر عن سطح البحر. تحوي باريس عدة تلال، أطولها تلة مونمارتر التي ترتفع 130 متر عن سطح البحر.

تبلغ مساحة باريس حوالي 87 كم مربع باستثناء غابة بولونيا وغابة فانسن، مطوقة بطريق دائري (بوليفار بيريفيريك) يبلغ طوله 35 كم. توسعت حدود باريس التي بلغت مساحتها 78 كم مربع عام 1860، لتصل إلى 86.9 كم مربع في عشرينيات القرن الماضي. ضمت غابة بولونيا وغابة فانسن إلى مدينة باريس رسمياً عام 1929، فبلغت بذلك مساحة المدينة 105 كم مربع. بينما تبلغ مساحة منطقة باريس الحضرية 2,300 كم مربع.

المناخ
مناخ باريس مناخ محيطي يشابه بذلك مناخ سائر مدن أوروبا الغربية، ويتأثر بتيار شمال الأطلسي. المناخ العام للمدينة معتدل ورطب نسبياً. أيام الصيف تكون دافئة باعتدال عادة، حيث تتراوح درجات الحرارة بين 15-25 درجة مئوية، مصحوبة بقدر لا بأس به من أشعة الشمس. على الرغم من ذلك، ترتفع درجة الحرارة عن 30 درجة مئوية بضعة أيام كل عام، حتى أن بعض السنين شهدت هذا الارتفاع لفترات طويلة سنوياً. مثل ما حدث عندما عصفت موجة الحرة بأوروبا، حيث استمر ارتفاع درجة الحرارة في باريس عن 30 درجة لبضعة أسابيع، بل ووصلت إلى 39 في بعض الأيام. في يوليو 2011، كان متوسط درجات الحرارة 17.6، حيث بلغ متوسط درجات الحرارة الدنيا 12.9، ومتوسط درجات الحرارة العليا 23.7.

عادة ما يكون مناخ باريس في الخريف والربيع معتدل في النهار ومنعش في الليل، لكنه متقلب وغير مستقر. حيث ترتفع درجات الحرارة أحياناً أو تنخفض بشكل مفاجئ في كلا الموسمين. أما في الشتاء، فتكون أشعة الشمس نادرة، ويكون الطقس بارداً في النهار، لكن لا تصل درجة الحرارة إلى ما دون الصفر غالباً. حيث يكون متوسط درجات الحرارة 7 درجات مئوية. انخفاض درجات الحرارة إلى حد الصقيع أمر شائع جداً في باريس، لكن درجة الحرارة لا تنخفض إلى ما دون -5 إلا لبضعة أيام سنوياً. تساقط الثلوج في المدينة لا يحدث كثيراً، لكن المدينة ترى الثلج أحياناً سواءً تراكم أم لم يتراكم.

تتساقط الأمطار على باريس على مدار العام. يبلغ معدل هطول الأمطار السنوي 652 ملم، تتساقط على شكل أمطار خفيفة موزعة إلى حد ما على مدار السنة. يعد شهر أغسطس أغزر الأشهر تساقطاً للأمطار، في حين أن أكثر أشهر السنة جفافاً هو شهر مارس. أعلى درجة حرارة سجلت في المدينة كانت 40.4 درجة مئوية في 28 يوليو 1948، بينما أخفض درجة حرارة سجلت كانت -23.9 في 10 ديسمبر 1879.

السكان

عدد سكان باريس (1800-2008).
بلغ عدد سكان باريس 2,234,105 وفقاً لإحصائيات عام 2009. ارتفع إلى 2,243,833 عام 2010. لكنه ما زال بعيداً نوعاً ما عن الذروة التاريخية التي وصل إليها عدد سكان المدينة عام 1921، حين بلغ عددهم أكثر من 2.9 مليون نسمة. أهم العوامل التي أدت إلى انخفاض عدد سكان المدينة كانت الانخفاض الكبير في حجم الأسرة الباريسية، والهجرة السكانية الكبيرة التي اتجهت إلى ضواحي المدينة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. أسباب هذه الهجرة عديدة أهمها انخفاض النشاط الصناعي وارتفاع أسعار الإيجار في المدينة. كان انخفاض عدد سكان باريس واحداً من الأكبر من نوعه بين مدن العالم; لذلك سعت إدارة المدينة جاهدة من أجل الحفاظ على سكان العاصمة الفرنسية، ونجحت في ذلك إلى حد ما. حيث أظهرت إحصائيات يوليو 2004 ارتفاعاً في عدد سكان المدينة للمرة الأولى منذ عام 1954، بواقع 2,144,700 نسمة.

باريس هي واحدة من أكثر المدن كثافة سكانية في العالم. تبلغ الكثافة السكانية للمدينة من دون احتساب غابتي بولونيا وفانسن 24,448 نسمة/ كم مربع وفقاً لإحصائيات عام 1999. ولا يمكن مقارنة هذا الرقم إلا مع بعض المدن الآسيوية الكبرى، وكذلك منهاتن في نيويورك. أما مع احتساب الغابتين، فإن الكثافة السكانية ستبلغ 20,169 نسمة/ كم مربع. تكون باريس بذلك خامس أكبر البلديات الفرنسية كثافة بعد لو بري سان جيرفيه، وفانسين، ولوفالوا-بيري، وسان مانديه، علماً بأن جميع هذه البلديات تقع ضمن حدود المدينة.

في تعداد باريس السكاني عام 1999، 19.4% من السكان ولدوا خارج فرنسا. وفقاً لنفس الإحصاء، 4.2% من سكان منطقة باريس الحضرية كانوا مهاجرين حديثين (الذين هاجروا بين عامي 1990-1999)، معظمهم من قارة آسيا و أفريقيا. يعيش حوالي 37% من المهاجرين الذين يعيشون في فرنسا في منطقة باريس. بدأت موجة الهجرة الدولية الأولى إلى باريس في عشرينيات القرن التاسع عشر مع قدوم الفلاحين الألمان الفارّين من الأزمة الزراعية في بلادهم. تبعها موجات هجرة متتالية حتى يومنا هذا متمثلة في الإيطاليين ويهود أوروبا الوسطى الذين هاجروا خلال القرن التاسع عشر. ومن ثم الروس بعد ثورة 1917، وكذلك الأرمن الفارين من مذابح الأرمن التي نفذت من قبل الدولة العثمانية. أما في فترة الحرب العالمية الأولى، فازدادت هجرة سكان المستعمرات، وبعدها البولنديون في فترة ما بين الحربين. تلاهم الإسبان والإيطاليون والبرتغاليون وسكان شمال أفريقيا من خمسينيات إلى سبعينيات القرن الماضي. تلا ذلك موجة من هجرة يهود شمال إفريقيا بعد استقلال بلادهم. أما الآن فغالبية المهاجرين من الآسيويين والأفارقة.

مدينة باريس مدينة شابة نسبياً; حيث أنه وفقاً لإحصائية عام 2008، كانت نسبة السكان الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة 46%., وهي بذلك أعلى من المعدل الوطني الذي يبلغ 41.8%..

الإدارة

قصر الإليزيه مقر رئيس جمهورية فرنسا.
تقسم مدينة باريس إلى 20 دائرة أو منطقة إدارية. بصفتها عاصمة الجمهورية الفرنسية، باريس هي مقر الحكومة الوطنية في فرنسا. يقيم رئيس الجمهورية في قصر الإليزيه الواقع في الدائرة الثامنة. تقع الوزارات الحكومية في مناطق مختلفة من المدينة، لكن معظمها يقع في الدائرة السابعة.

يقع مجلسا البرلمان الفرنسي على الضفة اليسرى من النهر. تقام جلسات المجلس الأعلى ومجلس الشيوخ في قصر لوكسمبورغ الواقع في الدائرة السادسة. بيد أن مقر الجمعية الوطنية الفرنسية في قصر بوربون في الدائرة السابعة. يقيم رئيس مجلس الشيوح، وهو المنصب الأعلى في البلاد بعد رئيس الجمهورية في قصر لوكسمبورغ الصغير، وهو قصر صغير مرافق لقصر لوكسمبورغ مقر مجلس الشيوخ.


خريطة تظهر تقسيم باريس الإداري.
تقع أعلى المحاكم الفرنسية في باريس. حيث أن محكمة النقض أعلى المحاكم في التسلسل القضائي والتي تستعرض القضايا الجنائية والمدنية تقع في قصر العدل (Palais de Justice) في منطقة إيل دو لا سيتي. في حين أن مجلس الدولة -الذي يقوم بالمشورة القانونية للسلطة التنفيذية وهو أعلى المحاكم في النظام الإداري، والذي يقوم برفع الدعاوي ضد الهيئات العامة- يقع في القصر الملكي (Palais Royal) في الدائرة الأولى. كذلك يجتمع المجلس الدستوري والسلطة العليا في جناح مونبنسيه في القصر الملكي. كل دائرة من الدوائر الإدارية العشرين تملك مجلس بلدية خاص بها ومجلس منتخب، الذي بدوره يقوم بانتخاب رئيس البلدية. يتم اختيار مجموعة أعضاء من كل مجلس دائرة إدارية لتكوين مجلس باريس الإداري، الذي بدوره يقوم بانتخاب عمدة باريس.

باريس هي مقر للعديد من المنظمات الدولية بما فيها اليونسكو، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وغرفة التجارة الدولية، ونادي باريس، ووكالة الفضاء الأوروبية، والوكالة الدولية للطاقة، والمنظمة الدولية للفرانكوفونية، والمكتب الدولي للأوزان والمقاييس، والجامعة الدولية لحقوق الإنسان، وغيرها. باريس هي واحدة من المراكز التجارية والثقافية الرائدة على مستوى العالم، وهي مدينة ذات إسهامات في السياسة والتعليم والترفيه والإعلام والعلوم والفنون، كل ذلك يجعل منها واحدة من كبريات مدن العالم.

نمو مدينة باريس لم يغير من شكلها الدائري الأولي. فمدينة باريس التي تقع في منتصف منطقة إيل دو فرانس والتي أصبحت بلدية منذ عام 1834 (ولفترة قصيرة بين عامي 1790 و1795) كانت بنصف حجمها الحالي فقط في ذلك الوقت، وكانت تتألف من 12 دائرة إدارية فقط. لكن ضمت البلديات المجاورة لباريس فيما بعد لتكوّن 20 دائرة إدارية، وما زالت المدينة على حالها منذ ذلك الوقت.

الاقتصاد
باريس هي المركز الاقتصادي الرئيس في فرنسا. ففي عام 2011، كان الناتج المحلي الإجمالي 670 مليار يورو (845 مليار دولار)، وبهذا لا تكون أغنى مناطق فرنسا فحسب، بل تكون أكبر خامس مدينة في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي بعد طوكيو، ونيويورك، ولوس أنجلوس، ولندن; مما جعل من باريس محركاً للاقتصاد العالمي. ولو كانت باريس دولة، لكانت في المركز السابع عشر في قائمة أقوى اقتصادات العالم، حيث أن اقتصاد المدينة أكبر من الاقتصاد التركي والهولندي، ومقارب للاقتصاد الإندونيسي. وفي حين أن سكان منطقة باريس الحضرية مثلوا 18.8% من سكان فرنسا عام 2011، فإن الناتج المحلي الإجمالي للمدينة مثل 31% من ناتج فرنسا. تتركز الثروة بشكل كبير في ضواحي المدينة الغربية، لا سيما نويي-سور-سين وهي إحدى أغنى مناطق البلاد.

لا ديفونس، أكبر منطقة أعمال متخصصة في أوروبا.
لا ديفونس، أكبر منطقة أعمال متخصصة في أوروبا.
تحول اقتصاد باريس تدريجياً إلى اقتصاد يعتمد على صناعة الخدمات ذات القيمة العالية مثل الخدمات المالية وخدمات تكنولوجيا المعلومات. كما أصبح يعتمد على الصناعة التكنولوجية الفائقة مثل صناعة الإلكترونيات والبصريات وغير ذلك. ومع ذلك، حلت باريس في المركز الثاني على مستوى القارة الأوروبية بعد برلين في مؤشر المدن الأوروبية الخضراء عام 2009. تتركز الأنشطة الاقتصادية في باري في وسط هوت دو سين وكذلك منطقة لا ديفونس مما حوّل مركز باريس الاقتصادي إلى الجزء الغربي من المدينة، وتحديداً في المثلث الذي زواياه قصر غارنييه، ولا ديفونس، وفال دو سين. في حين يهيمن قطاع الخدمات على الاقتصاد الباريسي، ما زالت باريس مركزاً صناعياً هاماً في أوروبا، خصوصاً في مجال صناعة السيارات والطائرات والإلكترونيات. تحتضن منطقة باريس مقر 33 شركة من شركات فورتون العالمية ال500. وبهذا العدد تكون منطقة إيل دو فرانس الثانية على مستوى العالم بعد منطقة كانتو.


منظر لا ديفونس من قوس لاديفونس في الليل.
أشار تعداد باريس السكاني عام 1999 إلى أنه من بين 5,089,170 موظف يقيمون في منطقة باريس الحضرية، عمل 16.5% منهم في قطاع الخدمات التجارية، و13.0% في التجارة (تجارة التجزئة والجملة)، و 12.3% في الصناعات التحويلية، و10.0% في الإدارة العامة وشؤون الحماية والدفاع, و8.7% في الخدمات الصحية, و 8.2% في مجال النقل والمواصلات, و6.6% في التعليم، و24.7% عملوا في العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى. 17.9% من العاملين في قطاع الصناعات التحويلية يعملون في مجال الصناعات الإلكترونية والكهربائية، و14.0% في مجال الطباعة والنشر، أما البقية فيعملون في مجالات صناعية أخرى. توظف الخدمات المتعلقة بالسياحة 6.2% من القوى العاملة في باريس، و3.6% من جميع العاملين في منطقة باريس. تتراوح نسبة البطالة في الأحياء المليئة بالمهاجرين 20% إلى 40%، وفقاً لمصادر مختلفة.

تستضيف باريس حوالي 28 مليون سائح سنوياً، 17 مليون منهم سياح أجانب، مما يجعل المدينة الوجهة السياحية الأولى في العالم. تمتلك المدينة 4 مواقع من مواقع التراث العالمي. تضم باريس العديد من المتاحف والأماكن التاريخية الجاذبة للسياح; مما حفز الحكومة الفرنسية إلى إنشاء المزيد منها. أهم متاحف المدينة هو متحف اللوفر الذي يستقبل 8 ملايين زائر سنوياً، مما يجعله أكبر المتاحف من حيث عدد الزوار في العالم بفارق شاسع عن أقرب منافسيه. كما تمتلك باريس عدداً من الكاتدرائيات الجاذبة للسياح، أهمها كاتدرائية نوتردام دو باري التي تستضيف 12 مليون سائح سنوياً. أما برج إيفل أشهر معالم المدينة على الإطلاق، فإنه يستقبل في المتوسط أكثر من 6 ملايين سائح سنوياً، واستضاف أكثر من 200 مليون سائح منذ بنائه. كما تعد ديزني لاند باريس وجهة سياحية رئيسية لجميع زوار القارة الأوروبية وليس زوار باريس فحسب، حيث استقبلت 14.5 مليون سائح عام 2007.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زياد علي

زياد علي محمد