الأربعاء، 16 أكتوبر 2019

السعوديه

السعودية أو (رسميًا: المملكة العربية السعودية) هي دولة عربية، وتعد أكبر دول الشرق الأوسط مساحة، وتقع تحديدًا في الجنوب الغربي من قارة آسيا وتشكل الجزء الأكبر من شبه الجزيرة العربية إذ تبلغ مساحتها حوالي مليوني كيلومتر مربع. يحدها من الشمال جمهورية العراق والأردن وتحدها دولة الكويت من الشمال الشرقي، ومن الشرق تحدها كل من دولة قطر والإمارات العربية المتحدة بالإضافة إلى مملكة البحرين التي ترتبط بالسعودية من خلال جسر الملك فهد الواقع على مياه الخليج العربي، ومن الجنوب تحدها اليمن، وسلطنة عُمان من الجنوب الشرقي، كما يحدها البحر الأحمر من جهة الغرب.

حكم آل سعود تاريخيا في نجد ومناطق واسعة من الجزيرة العربية أكثر من مرة، وتعتبر المملكة السعودية الحالية نتاجًا ووارثة لتلك الكيانات التاريخية، أول تلك الكيانات إمارة الدرعية التي أسسها محمد بن سعود سنة 1157 هـ / 1744 وظلت حتى قاد إبراهيم باشا جيش والي مصر العثماني في حملة للقضاء عليها عام 1233 هـ / 1818م، ويشار إلى تلك المرحلة باسم "الدولة السعودية الأولى"، ولكن لم يطل الوقت بعد سقوط الدولة الأولى حتى أقام تركي بن عبد الله بن محمد إمارة جديدة لآل سعود في نجد، اتخذت من الرياض عاصمة واستمرت حتى انتزع حكام إمارة حائل إمارة الرياض من آل سعود سنة 1308 هـ / 1891، ويشار إلى تلك المرحلة بـ"الدولة السعودية الثانية". لاحقًا استرد عبد العزيز آل سعود الشاب سنة 1319 هـ / 1902 إمارة الرياض من يد آل رشيد، وتوسع مسيطرا على كامل نجد 1921 وتسمت بسلطنة نجد حتى نجح عبد العزيز بانتزاع مملكة الحجاز من يد الهاشميين، فنصب ملكا على الحجاز في يناير من عام 1926، وبعدها بعام غيّر لقبه من سلطان نجد إلى ملك نجد، وسميت المناطق التي يسيطر عليها مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، وظلت بذلك الاسم حتى وحد عبد العزيز جميع المناطق التي يسيطر عليها في كيان واحد، وكان ذلك في 1351 هـ / 23 سبتمبر 1932 وأُعلن اسمها "المملكة العربية السعودية".

تتألف السعودية حاليًا من 13 منطقةً إداريّةً، تنقسم كلّ منطقةٍ منها إلى عددٍ من المحافظات يختلف عددها من منطقةٍ إلى أخرى، وتنقسم المحافظة إلى مراكز ترتبط إداريًا بالمحافظة أو الإمارة. يوجد بها المسجد الحرام الواقع في مكة المكرمة، والمسجد النبوي في المدينة المنورة، واللذان يعدان أهم الأماكن المقدسة عند المسلمين.

السعودية عضو في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز ورابطة العالم الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي ومجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).

تتمتع السعودية بوضع سياسي واقتصادي مستقر في العموم واقتصادها نفطي إذ أنها تمتلك ثاني أكبر إحتياطي للبترول وسادس احتياطي غاز، وأكبر مصدر نفط خام في العالم والذي يشكل قرابة 90% من الصادرات، وتحتل المملكة المرتبة التاسعة عشر من بين أكبر اقتصادات العالم وتُعتبر السعودية من القوى المؤثرة سياسيًا واقتصاديًا في العالم، لمكانتها الإسلامية وثروتها الاقتصادية وتحكمها بأسعار النفط وإمداداته العالمية ووجودها الإعلامي الكبير المتمثل في عدد من القنوات الفضائية والصحف المطبوعة.
ينسب اسم الدولة إلى سعود بن محمد آل مقرن الجد الأكبر للأسرة الحاكمة وإليه تنسب وكان هو حاكماً للدرعية ، وسعود هو اسم علم مذكر عربي وهو جمع سَعد وهو مشتق من السعادة ومعناه الحظوظ السعيدة وانتشر الاسم وبدأ يطلق على الذكور في الخليج والجزيرة العربية في فترة ما بعد القرون الوسطى المتأخرة .

أول ظهور لاسم "سعوديين" كان في المراسلات الصادرة من قبل البريطانيين، وذلك للإشارة إلى الرجال والقوات التابعة لابن سعود. وفي 12 جمادى الأولى 1351هـ الموافق 10 أغسطس 1932م انعقد بالطائف اجتماع للعلماء والأعيان وممثلي رعايا المملكة وجمع من المواطنين ورأوا ضرورة تغيير اسم الدولة من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى اسم يُظهر الدولة كوحدة متكتلة وعلى ضوء نتائج ذلك الاجتماع تم تغيير الاسم إلى المملكة العربية السعودية.

التاريخ
تاريخ شبه الجزيرة العربية
شبه الجزيرة العربية هي تلك المنطقة الجغرافية التي تقع في جنوب غرب قارة آسيا عند تلاقي قارة آسيا مع قارة أفريقيا. ولها حدود بَحْرِيَّة من الشمال الغربي تتمثل في البحر الأحمر وخليج العقبة، ومن الجنوب بحر العرب ومن الجنوب الشرقي خليج عمان والخليج العربي وتضم شبه الجزيرة العربية من الناحية السياسية حاليا عدة دول هي السعودية واليمن وعُمان و الأردن والإمارات والكويت وقطر والبحرين.

وتقدر المساحة الإجمالية للجزيرة العربية بثلاثة ملايين كيلو متر مربع أغلبها مناطق صحراوية غير مستغلة. وقد أثبتت العديد من الدراسات الجيولوجية الحديثة بأن جزيرة العرب كانت قبل حقب زمنية بعيدة واحة خضراء تجري فيها الأنهار وتعج بمظاهر الحياة المتنوعة، الأمر الذي جعل اختيارها مكاناً مناسبًا لحياة الإنسان منذ أقدم العصور. تتمتع أراضي الجزيرة العربية بالكثير من الموارد والخيرات الطبيعية التي أكسبت المنطقة أهمية اقتصادية وجعلت منها محورًا مهمًا يلعب دورا كبيرا وحيويا على الساحة الدولية. تجلت تجليًا أوضح بالاكتشافات النفطية في القرنين الماضيين وتقديرات كبيرة لاحتياطيات النفط داخل أراضيها.

التاريخ القديم
تميزت شبه الجزيرة العربية بموقعها الذي يتوسط بلاد الشرق الأدنى القديم، ودروها البشري المؤثر في تكوين السلالات الأكثر عددًا بين سكانه الأقدمين، كما كان لها نصيب أيضًا من دور الوساطة والتأثير في بعض خطوط اتصالاته واقتصادياته. تدل الآثار الباقية أن شبه الجزيرة مرت بفترات متعاقبة بداية بما خلفه الإنسان البدائي القديم في العصور الحجرية من أدوات حجرية ورسوم بدائية متفرقة، كما أنها تتضمن أساسًا ما تركته الجماعات العربية المتحضرة في عصورها التاريخية القديمة من آثار معمارية قائمة كبقايا المعابد والأسوار والسدود والحصون والأبراج والمساكن والمقابر، وما عثر على ما تحتويه من آثار متنوعة لأدوات الاستعمال اليومي وأدوات الزينة وفنون النحت والنقش، في مناطق عدة من أنحاء شبه الجزيرة العربية. أشارت الاكتشافات الأثرية إلى وجود أقدم الحضارات التاريخية على مستوى شبه الجزيرة العربية في منطقة نجران، ومن أقدم الحضارات المكتشفة في شبه الجزيرة حضارتي العبيد ودلمون اللتين ازدهرتا في منطقة الأحساء والخليج العربي، حيث اكتشفت أقدم آثار الحضارة الإنسانية، وقد جاء ذكر دلمون في الكتابات المسمارية القديمة التي تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد التي وجدت في بلاد الرافدين وشمال سوريا.

من الحضارات التي ازدهرت في شبه الجزيرة، حضارة قوم عاد الذين سكنوا شبه الجزيرة العربية، ويقول الباحثون أن مساكن عاد كانت في الأحقاف الواقعة في جنوب الربع الخالي. ومن الحضارات التي ظهرت في شبه الجزيرة أيضاً حضارة قوم ثمود التي تعد من ضمن الحضارات البائدة التي تألفت من قبائل وعشائر متعددة. وقد بلغت حدًا عظيمًا من المدنية والازدهار في شمال الجزيرة العربية، واتفق المؤرخون المسلمون على أن أهم ديارهم كانت بوادي القرى فيما بين الحجاز والشام، وقد وجدت آثار لهم في مدينة العلا بين المدينة المنورة وتبوك وكانوا بعد قوم عاد، وقد تميزوا كونهم ينحتون بيوتهم في الجبال.

ازدهرت كذلك حضارة مدين، وهم الذين أرسل الله إليهم نبيه شعيب عليه السلام، ليأمرهم بعبادة الله تعالى. وتعود حضارتهم إلى ما قبل القرن الثالث عشر ق.م وانتشرت في إقليم يمتد إلى الشرق والجنوب الشرقي من خليج العقبة، ويتوقع وصولها حين فترة ازدهارها إلى حدود منطقة ما يعرف الآن العلا شمال الحجاز وكان لهم شأن كبير في السيطرة على طرق التجارة.

كما توجد الكثير من الحضارات التي توالت في شبه الجزيرة العربية، حيث ازدهرت مملكة معين التي قامت على ضفتي وادي جوف وهي المنطقة السهلية الواقعة بين نجران وحضرموت، التي تميز أهلها في فنون العمارة والزخرفة، التي وضعت فنون الحضارة المعينية في مركز رفيع يضاهي فنون حضارات مراكز الشرق القديم في مصر وبلاد الرافدين، كما برعوا في الزراعة والصناعة واشتهروا أيضاً بالتجارة، وامتد نفوذهم إلى بعض المناطق في شمال الجزيرة العربية وخارجها، وتعود إليهم نقوش قديمة عُثر عليها في مدينة العلا قرب وادي القرى. وقد ازدادت شهرة الحضارة المعينية حتى وصلت إلى مراكز حضارات العالم القديم، وكتب عنها الكلاسيكيون من اليونان والرومان والبعثات الأثرية الإيطالية والفرنسية التي قامت بأعمال تنقيب في مواقع من أرض الجوف كشفت عن نتائج علمية تشير أن الدولة المعينية عاصرت مرحلة ازدهار مملكة سبأ وكانت أحياناً تابعة لها وأحياناً أخرى تعمل عَمَلًا مستقلًّا عنها.

التاريخ الإسلامي
بعد أن ظلت شبه الجزيرة العربية فترة من الاضطرابات وعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي وبادت كثير من القبائل العربية أو وقعت في الأسر أو اضطرت إلى هجر مواطنها الأصلية، جاء العصر الذهبي للحضارة العربية مع ظهور الإسلام، حيث بُعِث رسول الإسلام محمد في شبه الجزيرة العربية، لينتشر الإسلام فيها واستمرت الدعوة إلى أن وصلت خارجها شرقًا وغربًا، والذي ميّز الحضارة الإسلامية أنها لم تقم على التمييز العنصري لفئة أو جماعة معينة، الأمر الذي هيأ بيئة مناسبة لتنوع الإبداع لدى مختلف الشعوب الإسلامية.
اتخذت الدولة الإسلامية من المدينة المنورة عاصمة لها وتوسعت حدودها في عهد النبي محمد وفي عهد خلفائه الراشدين لتشمل كافة أنحاء شبه الجزيرة العربية ثم اتجهت إلى خارجها، ولكن شبه الجزيرة لم تخلوا من أحداث مثيرة وخاصة تلك التي حصلت بعد وفاة النبي محمد، أبرزها حروب الردة التي وقعت في عهد أبو بكر الصديق والتي عمل فيها على القضاء على المرتدين عن الإسلام. ثم انتقل مركز الخلافة بعد عهد الخلفاء الراشدين إلى دمشق خلال فترة حكم الدولة الأموية، وكانت شبه الجزيرة في تلك الفترة تابعة للدولة الأموية التي اعتمدت على دعم القبائل العربية وعملوا على ترسيخ مبادئ الإسلام في البلاد التي فتحوها وازدهرت العلوم في العصر الأموي، وجاء من بعدها الدولة العباسية والتي انتقل فيها مركز الخلافة من دمشق إلى بغداد ليعزز من مكانة الخليج العربي كطريق بحري للتجارة مع الصين وبلدان أفريقيا الشرقية، وذلك على حساب طريق التجارة عبر البحر الأحمر ولكن سيطرة الدولة العباسية لم تستمر على شبه الجزيرة العربية استمرارًا كاملًا سوى مائة عام. وقد شجع الخلفاء العباسيون الأوائل الحج إلى مكة من خلال تحسينهم لطرق المواصلات وتأمين السلامة.

شهدت الأوضاع في شبه الجزيرة العربية بعد ذلك تدهورًا واضطرابًا مع تفكك الخلافة العباسية وعجزها عن السيطرة على أرجاء الدولة، ثم سيطر الفاطميون بعد ذلك على الحجاز وعندما أنهى صلاح الدين الأيوبي الدولة الفاطمية في مصر، استطاع أن يفرض سيطرته على الحجاز. ثم امتد سلطان المماليك على هذه البلاد من عام 650 هـ حتى عام 923 هـ، حيث تسلم العثمانيون الخلافة بعد ذلك. وقد أحكم العثمانيون سيطرتهم على بلاد شبه الجزيرة العربية وخاصة المدن المقدسة التي كانت تحت الحماية المباشرة خلافًا لما كانت عليه مناطق البادية والمناطق البعيدة حيث أنها لم تكن تحت سيطرتهم بالكامل، إضافة إلى ذلك فإن البرتغاليين كانوا يهاجمون حدود شبه الجزيرة وخصوصاً من ناحية الخليج العربي، في الوقت الذي كانت فيه الدولة العثمانية تحارب الجبهة الأوروبية ضد النمسا وروسيا، والجبهة الشرقية ضد الأسرة الصفوية في فارس. حينها كان الضعف قد دبَّ في الدولة العثمانية، فأخذ الولاة يتمردون على سلطتها ويميلون عنها ويطلبون الاستقلال. في أواسط القرن الخامس عشر الميلادي هاجر الجد الأكبر لأسرة آل سعود مانع بن ربيعة المريدي من جوار القطيف إلى نجد حيث استقر وقام بتأسيس مدينة الدرعية.

التاريخ الحديث
الدولة السعودية الأولى
قامت الدولة السعودية الأولى في الفترة (1157 هـ - 1233 هـ / 1744 - 1818م)، بعد أن كانت شبه الجزيرة العربية في أوائل القرن الثاني عشر الهجري الموافق للثامن عشر الميلادي تعيش حالة من التفكك وانعدام الأمن مما أوجد حالة من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، إضافة إلى انتشار البدع والخرافات، فمهَّد هذا الأمر لعمل تحالف بين أمير الدرعية محمد بن سعود وبين محمد بن عبد الوهاب. كان محمد بن سعود قد تولى إمارة الدرعية في 1139 هـ / 1727م، بعد مقتل أميرها زيد بن مرخان بن وطبان، وأسس إمارة أصبحت فيما بعد انطلاقة لتأسيس الدولة السعودية الأولى. يرى البعض أن محمد بن عبد الوهاب عمل على تصحيح العقيدة وتطبيق الشريعة الإسلامية وتحقيق التوحيد، بينما يرى آخرون أن ضعف الرابطة القبلية في نجد حينها وظهور ممالك المدينة المستقلة الصغيرة كانت دافع محمد بن عبد الوهاب لنشر دعوته بغية توحيد هذه المناطق وإخراجها من حالة التدهور السياسي والاجتماعي وليس انتشار الشرك.

بدأ محمد بن سعود بدعوة القبائل البدوية القريبة واستطاع من خلال الغارات المتواصلة إخضاع عدد من تلك القبائل. وتوفي محمد بن سعود بعد عام واحد وتولى ابنه عبد العزيز قيادة الجيش، وقد استطاع ضم الرياض بعد سبعة وعشرين عامًا من الإقتتال، وأخضع الأحساء والبريمي إلى دولته، ووصل إلى كربلاء، كما استولى على ولايات الساحل المتصالح، وقد خاض عدة معارك مع شريف مكة الذي اضطر إلى عقد معاهدة سلام مع بن سعود عام 1798م / 1213 هـ بعد هزيمته، إلا أن ابن سعود نقض العهد عام 1801م / 1216 هـ وسيطر على الطائف ومكة وجدة إلى أن تم اغتياله عام 1803م / 1218 هـ.

لاحقًا تمكن ابنه سعود الكبير من إخضاع المدينة المنورة الذي هدم عددًا كبيرًا من الأضرحة مشيًا على تعاليم محمد بن عبد الوهاب الذي توفي عام 1792م / 1206 هـ، فاضطرب موسم الحج في تلك الفترة مما حدا بمحمد علي باشا إلى التدخل وإرسال ابنه طوسون باشا الذي نزل ينبع وتوجه منها صوب المدينة وفي منتصف الطريق هُزم في معركة وادي الصفراء في 1812م / 1227 هـ، مما أجبره على التراجع والعودة إلى ينبع طلبا للتعزيزات من والده، ثم عاد ليخرج قوات سعود الكبير من مكة والمدينة في نفس العام، وبعدها أرسل محمد على باشا ابنه إبراهيم باشا كقائد للحملة المصرية ضد آل سعود، وخاض عدة معارك في نجد في الفترة ما بين 1816م / 1231 هـ و1819م / 1232 هـ. إلا إن عائلة آل سعود لم تنته، وتولى عبد الله بن سعود الكبير القيادة في وضع حَرِج، ودخل في معارك مع قوات إبراهيم محمد علي باشا الذي خلف طوسون وكانت أوامر محمد علي باشا بتدمير مركز بن سعود، وكانت المسافة بين المدينة والدرعية قرابة 650 كم من الصحراء، فأراد عبد الله بن سعود استغلال الجغرافيا الصعبة لصالحه، فوزّع جيشه على شكل وحدات صغيرة في قرى نجد أملاً في تجاوز الهوة العددية بينه وبين قوات إبراهيم باشا، لكن إبراهيم باشا فَطِن لذلك وقام بتدمير وتسوية كل القرى النجدية التي أبدت مقاومة لقواته بالأرض إلى أن وصل عام 1819م / 1232 هـ إلى الدرعية وقام بهدم أسوارها، وعمل على أسر عبد الله بن سعود وعدد كبير من عائلته وأنصاره بعد حصار دام ستة أشهر، ليتم بعد ذلك إعدامه في ميدان عام في الأستانة، وبذلك انتهت الدولة السعودية الأولى.

الدولة السعودية الثانية
في شهر مايو سنة 1818 الموافق 1233 هـ غادر إبراهيم باشا نجدًا بأمر من والده محمد علي. وقد جرت محاولات لإعادة بناء دولة نجدية أولاها محاولة محمد بن مشاري آل معمر والذي أعاد إعمار الدرعية وانتقل إليها، لكنه لم يستمر طويلاً حيث استطاع مشاري بن الإمام سعود العودة إلى الدرعية بعد الفرار من السجن، وحاول ابن معمر محاربته ولم يستطع فبايع لمشاري ثم أهل سدير والمحمل وحريملاء وأهل الدرعية والكثير من أهل الوشم. بعد ذلك عاد بعض أفراد آل سعود الهاربين وأمر مشاري بالغزو وحارب أهل السلمية واستولى عليها وعلى اليمامة، ثم ذهب إلى الدلم حيث بايعه صاحبها ثم عاد إلى الدرعية. بعد ازدياد قوة مشاري تم إبلاغ السلطان العثماني بذلك، وانتقل ابن معمر إلى سدوس ليحشد ضد مشاري، فقام لاحقًا بتحريك جيشه إلى الدرعية والقبض على مشاري. ثم تحرك إلى الرياض للقبض على تركي بن عبد الله الذي استطاع الهرب ثم مباغتة قوات ابن معمر في ضرمى، ومنها اتجه إلى الدرعية فقبض عليه وأخذه إلى الرياض حيث حبسه مع ابنه للضغط على عشيرته في سدوس ليعيدوا مشاري، وكانوا قد سلموه إلى الترك، فأمر تركي بقتلهما. لكن تركي لم يستطع البقاء في الرياض لعودة القوات المصرية إليها فهرب مرة أخرى.

بعد خروج القوات المصرية عاد تركي إلى عرقة، ثم انضم إليه أمير الوشم ثم سويد صاحب جلاجل ومن معه، وأعلن تركي الحرب وإخراج من تبقى من الترك من الرياض لكن سويد انسحب، وحاصر الأتراك تركي في عرقة ولكنهم اضطروا للانسحاب. بعد ذلك قام تركي بمهاجمة ضرما والاستيلاء عليها. ثم كاتب أهل سدير فبايعوه ثم بايعه أهل جلاجل والزلفي ومنيخ والغاط ثم أهل حريملاء. بعد ذلك قرر تركي طرد الحامية التركية الوحيدة المتبقية في الرياض ولكنه لم يستطع لمعاونة فيصل الدويش لهم، وعندما انسحب الدويش حاصر تركي الرياض مرة أخرى فاستسلمت الحامية العسكرية وغادرت. بعد ذلك اختار تركي الرياض عاصمة له وأعاد بناء أسوارها وبناء جامعها.

بعد معركة السبية توجه تركي بجيوشه إلى الأحساء وبايعه أهلها وأقام فيها أربعين يومًا، فوفد عليه أهل القطيف وأهل عُمان من رأس الخيمة وبايعوه ثم استطاع أن يخضع سلطان مسقط وشيخ البحرين. عاش تركي حتى اغتيل على يد ابن أخته مشاري بن عبد الرحمن والذي استولى على الحكم حتى قتله فيصل بن تركي بعدما حاصر القصر واقتحمه.
حاولت مصر بعد ذلك شن حرب على عسير واختارت خالد بن سعود الكبير ليتولى شؤون الدولة بدلاً من فيصل، فانتهت فترة حكمه الأولى بالأسر والنفي إلى مصر. ولكن خالد لم يستمر طويلاً في الحكم فقد انتفض عبد الله بن ثنيان آل سعود ضده، كما استطاع فيصل الهروب من سجن القلعة بمعاونة عباس حلمي الأول.

استطاع فيصل بعد هروبه وعودته إلى نجد أن يأسر عبد الله بن ثنيان ويعيد الحكم له لتبدأ ولايته الثانية. في هذه الفترة كان فيصل يوطد حكمه في أرجاء الدولة وأخذت قوة آل الرشيد تزداد. أصيب فيصل في آخر حياته بالعمى وأصبح ابنه عبد الله يتولى إدارة شؤون الدولة بمشورة أبيه.

بعد وفاة فيصل تولى ابنه عبد الله الحكم وبايعه الناس، لكن أخاه سعود شن حربًا ضده استمرت عشر سنين. انتقل سعود إلى نجران حيث ساعده رئيسها في جمع ما يحتاجه من الرجال، وانطلق بجيشه إلى الرياض، لكنه هُزِم من قِبَل الجيش الذي كان قد جهّزه عبد الله بقيادة أخيه محمد مما أدى إلى هروبه إلى الأحساء. لاحقًا بعد أن استعاد سعود قوته، جهز جيشًا آخر استطاع به هزيمة أخيه محمد وأسره ثم توجه إلى الرياض، لكن أهلها ثاروا عليه بقيادة عمه وهزموه فعاد عبد الله إليها.

حاول سعود بعد ذلك دخول الرياض مرة أخرى ونجح في ذلك، حيث هرب عبد الله إلى قرب الكويت. بعد ذلك قام سعود بمحاربة عتيبة وانهزم أمامهم وقتل كثير من أتباعه. في نفس الوقت استطاع عبد الرحمن بن فيصل العودة من العراق، وعندما وصل الرياض وجد أخاه سعود خارج الرياض وقد أصابه المرض وتوفي مريضاً، فتولى عبد الرحمن الحكم، فقام عبد الله بعد ذلك بهزيمة عبد الرحمن والعودة إلى الحكم.

في خضم هذه الحرب زادت شوكة آل الرشيد حكام إمارة جبل شمر وتحارب محمد بن عبد الله الرشيد مع قوات عبد الله بن فيصل في أم العصافير وانهزم فيها وقُتل الكثير من أتباعه. بعد هذه الهزيمة تفاوض الاثنان وحصلت بينهم هدنة. قام بعد ذلك أبناء سعود بن فيصل بالتحرك بجيوشهم تجاه الرياض وقبضوا على عمهم، فتذرع ابن رشيد بذلك وتوجه بجيشه إلى الرياض وتصالح مع أبناء سعود على أن يخرجوا من الرياض ويطلقوا سراح عمهم عبد الله، وبعد ذلك أصبحت الرياض تحت سيطرة آل الرشيد، وعُين سالم بن سبهان أميرًا عليها والذي قام بقتل ثلاثة من أبناء سعود الأمر الذي أغضب آل سعود وابن رشيد فقام بعزله.

سمح ابن رشيد لعبد الله وأخيه عبد الرحمن بالعودة إلى الرياض، لكن عبد الله توفي وزادت مخاوف ابن رشيد من محاولة عبد الرحمن استعادة السلطة فأرسل سالم مرة أخرى لكن عبد الرحمن خدعه وأصابه بجراح وقتل كثيرًا ممن معه، ففاوض ابن رشيد أهل الرياض على أن يكون عبد الرحمن إمامًا على العارض والخرج وأن يطلق سراح سالم مقابل سراح آل سعود الموجودين في حائل. بعد ذلك توجه ابن رشيد لمحاربة أهل القصيم والذين هُزِموا في معركة المليداء. لمّا علم عبد الرحمن بذلك خرج من الرياض لكنه تلقى تشجيعاً بالعودة، وعندما التقى بجيش ابن رشيد انهزم أمامهم في حريملاء. بعد ذلك عاش عبد الرحمن في البادية ثم انتقل إلى قطر ثم إلى الكويت، وكانت نهاية الدولة السعودية الثانية بمعركة حريملاء.

الدولة السعودية الثالثة
فقد آل سعود سلطتهم في نجد وغيرها من مناطق الجزيرة العربية في أعقاب سقوط الدولة السعودية الثانية إلاّ أنّ مقومات قيام الدولة السعودية الثالثة ظلت موجودة، لكنها خامدة تحتاج إلى من يحركها. فظل الولاء في نجد يزداد ازديادًا تدريجيًّا لآل سعود وهم في الغربة والمنفى، خاصة كلما شعروا بسوء إدارة آل رشيد وشدتهم في التعامل مع المجتمع النجدي. وظل عدد كبير من أهالي نجد يرون بأن حكم آل سعود حكم نجدي محلي في المقام الأول، وأن آل سعود هم رمز للاستقلال الوطني ولابد من دعمهم ومؤازرتهم، خاصة عندما تأكدوا من تبعية آل رشيد للدولة العثمانية وولائهم لها، وهي الدولة التي قادت ضد نجد حملات عسكرية كثيرة أساءت كثيرًا إلى علاقة تلك الدولة بسكان نجد وغيرها من أقاليم الجزيرة العربية الأخرى.

استفاد آل سعود كثيرًا من إقامتهم في الكويت وقتذاك، حيث منها بدأت تحركاتهم السياسية وغير السياسية لاستعادة أمجاد حكمهم الذي فقدوه. وأكدت الدولة العثمانية لآل صباح أن آل سعود قوة لايستهان بها في حال بروز أطماع محمد بن رشيد، أو محاولته الاستقلال عن الدولة العلية، أو الاتصال بالقوى السياسية الأجنبية ذات السيادة في الخليج.

اتجه الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود ومن معه صوب الرياض لمعركة استرداد الرياض وكان له ذلك بعد أن هزم قوات آل رشيد في قصر المصمك، عندما تتابع رجال عبد العزيز في دخول القصر، فاضطر باقي رجال الحماية إلى الاستسلام. ونودي، في الرياض، أن الحكم لله، ثم لعبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود. وبذلك خطا عبد العزيز خطوته الأولى، لاستعادة حكم آبائه وأجداده، ومن ثم، توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية. وفي ذلك التاريخ، 5 شوال 1319هـ / 15 يناير 1902م، بدأت الدولة السعودية الثالثة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زياد علي

زياد علي محمد