إن كل أمة من الأمم تعتز بتاريخها وتفخر ببطولات رجالها وأبنائها، وإن أحق أمم الأرض بهذا الاعتزاز والفخار وبجدارة واقتدار، بل وبشهادة العزيز الغفار هي أمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال - تعالى -: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (1).
ونقدم لشباب الدعوة الذين يدعون إلى الله على بصيرة على منهج الوسطية في الإسلام الذي حثنا عليه ربنا- تبارك وتعالى -في قوله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا (2)، وقال - تعالى -: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (3).
هذا النموذج من شباب الصحابة ليكون لهم نبراسا وضياء على طريق الدعوة إلى الله - تعالى -.
فمع كوكب من كواكب المجموعة النبوية الكريمة المباركة، نقدم قدوة ومثلا أعلى لشباب الصحوة الإسلامية ولجميع البشرية كلها بصفة عامة، إنه شاب صغير من شباب الصحابة رضوان الله عليهم.
إسلامه ومبايعته للرسول - صلى الله عليه وسلم -:
أسلم في الثامنة عشر من عمره وتوفي في الثالثة والثلاثين من عمره وفي هذه الفقرة القصيرة المملوءة بالبركة خط على صفحات التاريخ مجدا لم تشهده البشرية من قبل.
ففي ليلة من ليالي مكة، الليل دامس والصمت مخيم، والظلام شامل والسكون يضفي على الخيام في "منى" بكوكبة مضيئة من الأنصار - رضي الله عنهم -، يتسللون بين خيام "منى" يتلفتون وكأنهم قد سرقوا الإيمان سرقة، إلى أين؟ إلى العقبة لمقابلة النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجل البيعة ويلتقي هذا الصحابي الكريم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ويقولون: علام نبايعك يا رسول الله؟ فيقول - صلى الله عليه وسلم - كما ورد في حديث جابر من عبدالله الأنصاري الذي رواه البيهقي وابن إسحاق بسند صحيح، يقول - عليه الصلاة والسلام - "تبايعوني على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وتبايعوني على النفقة في العسر واليسر، وتبايعوني على أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم وتبايعوني على أن تنصروني إذا قدمت عليكم إلى يثرب، وتبايعوني على أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأبناءكم ولكم الجنة" فيقول البراء بن معرور - رضي الله عنه - "والذي بعثك بالحق لنمنعنّك مما نمنع منه أوزرنا فبايعنا يا رسول الله، فإنا والله إنا أهل الحرب، وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر".
ويقطع القول أبو الهيثم بن التيهان - رضي الله عنه - وأرضاه، فيقول يا رسول الله إن بيننا وبين القوم حبالا فإنا قاطعوها هل عسيت إن أظهرك الله - جل وعلا - أن ترجع إلى قومك وتدعنا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "بل الدم الدم، الهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم، فقال البراء بن معرور: ابسط يديك يا رسول الله نبايعك وبسط الحبيب يمينه المبارك وامتزجت القلوب والأيدي في مهرجان حب وولاء لم ولم تعرف البشرية له مثيلا، ومن بين هذه الأيدي الكريمة تمتد يد صغيرة وضيئة لشاب كريم المحيا براق الثنايا، يبهر الأبصار بهدوئه وسمته، فإذا ما تكلم ازداد انبهارا وتقديرا وإجلالا واحتراما.
إنها يد مقدام العلماء، إنها يد إمام الحكماء.
إنها يد سيد الدعاة الأتقياء، إنها يد القارئ القانت.
إنها يد المحب الثابت، إنها يد السهل الثري.
إنها يد السمح السخي، إنها يد معاذ بن جبل.
فتى الثامنة عشر:
إنه الشاب الذي أسلم في الثامنة عشرة من عمره، توفي في الثالثة والثلاثين من عمره، وكان تاجا بين الصحابة الكرام، وكان شامة وعلامة وكان شعلة من شعل الهداية وكان داعية من دعاة الحق.
إنه الشاب الذي إذا وقفنا على تاريخه تحسرنا على حياتنا، وبكينا دما بدل الدمع خجلا وحياء على ما قدمناه لديننا، وقد مضى بنا قطار العمر إلى مسافات وأعوام، إنه ابن العشرين من عمره، في هذه السنوات القصار الطوال "معاذ بن جبل" - رضي الله عنه -، الذي يقول عنه فاروق الأمة عمر - رضي الله عنه - وأرضاه، والأثر الذي رواه الحاكم في المستدرك وأقره الذهبي بل وصححه الحافظ بن حجر في الفتح يقول عمر - رضي الله عنه -: "من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل" من العشرين إلى الثلاثين، سبحان الله!.
وابن مسعود - رضي الله عنه - قرأ يوما قول الله - تعالى -: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ (4)، ثم قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "إن معاذ بن جبل كان أمة قانتا لله كان يعلم الناس الخير، وكان مطيعا لله ورسوله" ويقول الحبيب - صلى الله عليه وسلم - عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - "خذوا القرآن من عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيقة" "رواه البخاري".
معاذ الداعية:
ويذكر النبي معاذا يوما مع الصحابيين الجليلين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - فيقول والحديث رواه الترمذي وابن حيان، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - "نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل معاذ بن جبل".
نعلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحبه كل شيء في الكون حتى الحجر والمدر، وأمرنا بمحبته - صلى الله عليه وسلم -، بل نتقرب إلى الله - عز وجل - بمحبتنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن لمكانة معاذ عند الله ورسوله يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، يقول له كما جاء في الصحيح: "يا معاذ إني لأحبك" أستاذ الإنسانية ورسول البشرية يحب معاذاً ويعلنها، فما كان من معاذ إلا أن قال: والله إني لأحبك يا رسول الله، ثم قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - "لاتدعنَّ في دبر كل صلاة أن تقول "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
وعندما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرسل داعية إلى اليمن، ما اختار إلا معاذا، وهذا دليل على ثقة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، مع أنه ابن الثلاثين من عمره وفي الصحابة من هم أسن منه، وعندما يقل الاختيار عليه فهذا دليل على كفاءته العلمية والفقهية التي تؤهله أن يكون داعية لأهل اليمن.
كيف لنا الاستفادة من معاذ بن جبل؟:
فيجب على دعاة اليوم وبخاصة الشباب الذي يريد أن يتصدى للدعوة الإسلامية أن يكون مؤهلا تأهيلا علميا وإيمانيا وأدبيا، وأن يكون قد أخذ العلم من مصادره الصحيحة، ومن العلماء الموثوق بهم لأن الأمة وبخاصة في عصرنا هذا في حاجة ماسة إلى دعاة مخلصين لينهضوا بها فوق منابر الدعوة الهادفة، وبعض الشباب الذي يحمل الفكر المنحرف، هذا الفكر الذي لا يوافق الوسطية والاعتدال في الدعوة إلى الله، وديننا الحنيف يدعو إلى الخير ويدعو إلى الرشد، ويدعو إلى الحوار البناء الهادف، بل يأمر الدعاة في دعوتهم للناس باللين والرفق، قال - تعالى -مخاطبا رسوله - صلى الله عليه وسلم -: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (5)، وقال الله – تعالى - لموسى - عليه السلام - في دعوته إلى فرعون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (6).
فهيا إلى ترغيب الناس إلى الخير، هيا لنأخذ بيدي العاصي والضال برفق ولين لا بالشدة ولا بالقسوة، فما نجحت أي دعوة وما تقدمت إلا بالترغيب والمحبة، وهذا هو إمام الدعاة محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي علم معاذا الخير كله، وسائر الصحابة يصفه ربه فيقول: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ (7)، وقال الله - تعالى –عنه: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (8).
وفاته:
أرسله الرسول - صلى الله عليه وسلم - داعية إلى اليمن ومشى معه الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرافقه إلى حدود المدينة، وأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يركب ومشى بجوار ابن الثلاثين الذي ركب الدابة، ويودعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وداعا مؤثرا تكاد تنخلع منه القلوب وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرد أن يملأ قلبه وعينيه من معاذ - رضي الله عنه -، فقال له: "يا معاذ لعلك تأتي في القادم فلم تجدني"، فبكى معاذ ونزل يقبل رأس ويدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: فإذا ما أتيت قبري وسلمت عليَّ فو الذي نفسي بيده لأردن عليك السلام، ويأتي معاذ في العام الثاني، فلم يجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقف أمام قبره يسلم عليه، ولكنه لم يطق أن يمكث في المدينة بدون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطلب من الصديق خليفة المسلمين أن يذهب إلى الشام لعله ينال الشهادة هناك، فأذن له، وبعدها ذهب معاذ - رضي الله عنه - إلى الشام. توفي قائد جيش المسلمين أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه -، فيصدر الخليفة أبو بكر - رضي الله عنه - أوامره لمعاذ أن يكون قائد جيش المسلمين ولكنه يموت بمرض الطاعون رحم الله معاذ بن جبل. عليك سلام الله يا معاذ الخير، يا معاذ الفقه والعلم وأسكنك فسيح جناته.
ونقدم لشباب الدعوة الذين يدعون إلى الله على بصيرة على منهج الوسطية في الإسلام الذي حثنا عليه ربنا- تبارك وتعالى -في قوله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا (2)، وقال - تعالى -: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (3).
هذا النموذج من شباب الصحابة ليكون لهم نبراسا وضياء على طريق الدعوة إلى الله - تعالى -.
فمع كوكب من كواكب المجموعة النبوية الكريمة المباركة، نقدم قدوة ومثلا أعلى لشباب الصحوة الإسلامية ولجميع البشرية كلها بصفة عامة، إنه شاب صغير من شباب الصحابة رضوان الله عليهم.
إسلامه ومبايعته للرسول - صلى الله عليه وسلم -:
أسلم في الثامنة عشر من عمره وتوفي في الثالثة والثلاثين من عمره وفي هذه الفقرة القصيرة المملوءة بالبركة خط على صفحات التاريخ مجدا لم تشهده البشرية من قبل.
ففي ليلة من ليالي مكة، الليل دامس والصمت مخيم، والظلام شامل والسكون يضفي على الخيام في "منى" بكوكبة مضيئة من الأنصار - رضي الله عنهم -، يتسللون بين خيام "منى" يتلفتون وكأنهم قد سرقوا الإيمان سرقة، إلى أين؟ إلى العقبة لمقابلة النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجل البيعة ويلتقي هذا الصحابي الكريم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ويقولون: علام نبايعك يا رسول الله؟ فيقول - صلى الله عليه وسلم - كما ورد في حديث جابر من عبدالله الأنصاري الذي رواه البيهقي وابن إسحاق بسند صحيح، يقول - عليه الصلاة والسلام - "تبايعوني على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وتبايعوني على النفقة في العسر واليسر، وتبايعوني على أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم وتبايعوني على أن تنصروني إذا قدمت عليكم إلى يثرب، وتبايعوني على أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأبناءكم ولكم الجنة" فيقول البراء بن معرور - رضي الله عنه - "والذي بعثك بالحق لنمنعنّك مما نمنع منه أوزرنا فبايعنا يا رسول الله، فإنا والله إنا أهل الحرب، وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر".
ويقطع القول أبو الهيثم بن التيهان - رضي الله عنه - وأرضاه، فيقول يا رسول الله إن بيننا وبين القوم حبالا فإنا قاطعوها هل عسيت إن أظهرك الله - جل وعلا - أن ترجع إلى قومك وتدعنا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "بل الدم الدم، الهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم، فقال البراء بن معرور: ابسط يديك يا رسول الله نبايعك وبسط الحبيب يمينه المبارك وامتزجت القلوب والأيدي في مهرجان حب وولاء لم ولم تعرف البشرية له مثيلا، ومن بين هذه الأيدي الكريمة تمتد يد صغيرة وضيئة لشاب كريم المحيا براق الثنايا، يبهر الأبصار بهدوئه وسمته، فإذا ما تكلم ازداد انبهارا وتقديرا وإجلالا واحتراما.
إنها يد مقدام العلماء، إنها يد إمام الحكماء.
إنها يد سيد الدعاة الأتقياء، إنها يد القارئ القانت.
إنها يد المحب الثابت، إنها يد السهل الثري.
إنها يد السمح السخي، إنها يد معاذ بن جبل.
فتى الثامنة عشر:
إنه الشاب الذي أسلم في الثامنة عشرة من عمره، توفي في الثالثة والثلاثين من عمره، وكان تاجا بين الصحابة الكرام، وكان شامة وعلامة وكان شعلة من شعل الهداية وكان داعية من دعاة الحق.
إنه الشاب الذي إذا وقفنا على تاريخه تحسرنا على حياتنا، وبكينا دما بدل الدمع خجلا وحياء على ما قدمناه لديننا، وقد مضى بنا قطار العمر إلى مسافات وأعوام، إنه ابن العشرين من عمره، في هذه السنوات القصار الطوال "معاذ بن جبل" - رضي الله عنه -، الذي يقول عنه فاروق الأمة عمر - رضي الله عنه - وأرضاه، والأثر الذي رواه الحاكم في المستدرك وأقره الذهبي بل وصححه الحافظ بن حجر في الفتح يقول عمر - رضي الله عنه -: "من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل" من العشرين إلى الثلاثين، سبحان الله!.
وابن مسعود - رضي الله عنه - قرأ يوما قول الله - تعالى -: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ (4)، ثم قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "إن معاذ بن جبل كان أمة قانتا لله كان يعلم الناس الخير، وكان مطيعا لله ورسوله" ويقول الحبيب - صلى الله عليه وسلم - عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - "خذوا القرآن من عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيقة" "رواه البخاري".
معاذ الداعية:
ويذكر النبي معاذا يوما مع الصحابيين الجليلين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - فيقول والحديث رواه الترمذي وابن حيان، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - "نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل معاذ بن جبل".
نعلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحبه كل شيء في الكون حتى الحجر والمدر، وأمرنا بمحبته - صلى الله عليه وسلم -، بل نتقرب إلى الله - عز وجل - بمحبتنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن لمكانة معاذ عند الله ورسوله يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، يقول له كما جاء في الصحيح: "يا معاذ إني لأحبك" أستاذ الإنسانية ورسول البشرية يحب معاذاً ويعلنها، فما كان من معاذ إلا أن قال: والله إني لأحبك يا رسول الله، ثم قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - "لاتدعنَّ في دبر كل صلاة أن تقول "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
وعندما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرسل داعية إلى اليمن، ما اختار إلا معاذا، وهذا دليل على ثقة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، مع أنه ابن الثلاثين من عمره وفي الصحابة من هم أسن منه، وعندما يقل الاختيار عليه فهذا دليل على كفاءته العلمية والفقهية التي تؤهله أن يكون داعية لأهل اليمن.
كيف لنا الاستفادة من معاذ بن جبل؟:
فيجب على دعاة اليوم وبخاصة الشباب الذي يريد أن يتصدى للدعوة الإسلامية أن يكون مؤهلا تأهيلا علميا وإيمانيا وأدبيا، وأن يكون قد أخذ العلم من مصادره الصحيحة، ومن العلماء الموثوق بهم لأن الأمة وبخاصة في عصرنا هذا في حاجة ماسة إلى دعاة مخلصين لينهضوا بها فوق منابر الدعوة الهادفة، وبعض الشباب الذي يحمل الفكر المنحرف، هذا الفكر الذي لا يوافق الوسطية والاعتدال في الدعوة إلى الله، وديننا الحنيف يدعو إلى الخير ويدعو إلى الرشد، ويدعو إلى الحوار البناء الهادف، بل يأمر الدعاة في دعوتهم للناس باللين والرفق، قال - تعالى -مخاطبا رسوله - صلى الله عليه وسلم -: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (5)، وقال الله – تعالى - لموسى - عليه السلام - في دعوته إلى فرعون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (6).
فهيا إلى ترغيب الناس إلى الخير، هيا لنأخذ بيدي العاصي والضال برفق ولين لا بالشدة ولا بالقسوة، فما نجحت أي دعوة وما تقدمت إلا بالترغيب والمحبة، وهذا هو إمام الدعاة محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي علم معاذا الخير كله، وسائر الصحابة يصفه ربه فيقول: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ (7)، وقال الله - تعالى –عنه: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (8).
وفاته:
أرسله الرسول - صلى الله عليه وسلم - داعية إلى اليمن ومشى معه الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرافقه إلى حدود المدينة، وأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يركب ومشى بجوار ابن الثلاثين الذي ركب الدابة، ويودعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وداعا مؤثرا تكاد تنخلع منه القلوب وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرد أن يملأ قلبه وعينيه من معاذ - رضي الله عنه -، فقال له: "يا معاذ لعلك تأتي في القادم فلم تجدني"، فبكى معاذ ونزل يقبل رأس ويدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: فإذا ما أتيت قبري وسلمت عليَّ فو الذي نفسي بيده لأردن عليك السلام، ويأتي معاذ في العام الثاني، فلم يجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقف أمام قبره يسلم عليه، ولكنه لم يطق أن يمكث في المدينة بدون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطلب من الصديق خليفة المسلمين أن يذهب إلى الشام لعله ينال الشهادة هناك، فأذن له، وبعدها ذهب معاذ - رضي الله عنه - إلى الشام. توفي قائد جيش المسلمين أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه -، فيصدر الخليفة أبو بكر - رضي الله عنه - أوامره لمعاذ أن يكون قائد جيش المسلمين ولكنه يموت بمرض الطاعون رحم الله معاذ بن جبل. عليك سلام الله يا معاذ الخير، يا معاذ الفقه والعلم وأسكنك فسيح جناته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق