الخطبة الأولى:
أما بعد:
فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون:
ولما طال الأمر على كثير من الناس، أصابت القلوب الغفلة والقسوة وحينما ابتليت بالغفلة والقسوة تخبطت واتخذت طرائق مختلفة، ومن الطرائق المتخبطة اتخاذهم سفلة الناس، وخبالة المجتمعات، قدوات لها تترسم خطاها، وتسير على سيرها، فراج سوق المغنيين والمغنيات، والممثلين والممثلات، واللاعبين واللاعبات، فأمسى التشبه بهم مواكبة للعصر، واتخاذ صورهم وجمعها في ألبومات دليل الحب والولاء، وإذا كان أمثال هؤلاء الساقطين هم قدوة لنا فكبر على الأمة أربعاً.
أيها الاخوة الكرام:
في ظل الضجيج الإعلامي في إبرز القدوات السيئة والمنحرفة، فإنه يحلونا أن نبحث في صفحات التاريخ المشرق، وآياته الخالدة، مشاعل غائبة عن واقع الناس، ولنطلع على أحاديث وقصص ما كانت لتفترى، ونتعرف على ما روى التاريخ من أبناء العظمة الباهرة، إنها ليست أساطير، وإن بترت من فرط إعجازها كالأساطير، إنها حقائق تبين ما كان لأصحاب رسول الله من شخصية وحياة، وإنها لتسمو وتتألق بقدر ما بذلوا في سبيل التفوق يضع يده في العذرة ويدنيها من فيها، فإذا وجد ريحها صدف عنها، فحرمها أبو بكر على نفسه، لقد توصل هذا الإمام بصفاء طبعه وحدة فؤاده إلى ضرر الخمر فحرمها على نفسه، ولم ينزل في تحريمها وحي، ولم تمنعها شريعة، والناس في جاهلية فكيف يحلها اليوم لأنفسهم ناس من الناس يشربونها في منتدياتهم وسمرهم، وبين أيديهم كتاب الله الذي حرمها عليهم.
وفي جانب الصدع بكلمة الحق وإعلانه للناس وحبه العظيم لرسول الله وصحبه على الأذى في ذات ابن هذا الموقف، جاء في الإصابة لابن حجر أن أصحاب رسول الله اجتمعوا وكانوا تسعة وثلاثين رجلاً، فألح أبو بكر على رسول الله بالظهور قال: ((أبا بكر إنما قليل)) فلم يزل يلح إلى رسول الله حتى ظهر وتفرق المسلمون في نواحي المسجد، وقام أبو بكر خطيبا ورسوله جالس، فكان أول خطيب دعا إلى الله -عز وجل- والى رسوله، وثار المشركون عليه وعلى المسلمين فضربوهم في نواحي المسجد ضرباً شديداً، ودنا عتبة بن ربيعة من أبي بكر وجعل يضرب بنعلين مخصوفين حتى لم يعرف أنفه من وجهه، وجاءت بنو تميم وهم قبيلة أبي بكر فأجلواْ المشركين عن أبي بكر وحملوه في ثوب حتى أدخلوه بيته لا يشكون في موته، ورجع بنو تميم فدخلوا المسجد فقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة، ورجعوا إلى أبي بكر يكلمونه، حتى أجابهم آخر النهار، فكان أول ما قاله: ماذا يمكن أن يقول أي إنسان حصل له مثل ما حصل للصديق قال الصديق: ما فعل رسول الله؟ لقد نسي الصديق آلامه الشديدة، نسي الجراح التي كانت تشغب دما، نسي نعلي عتبة بن ربيعة التي هوى بها على وجهه الكريم، وتذكر رسول الله، خشي عليه أن يصيبه المشركون بأذى كما أصيب هو، وحينما سمع بنو تميم سؤال أبي بكر عن الرسول نالوه بألسنتهم وعذلوه، ثم قالوا لأمه، انظري أن تطعميه شيئا أو تسقيه، فلما خلت به وألحت جعل يقول: ما فعل رسول الله، قالت: والله ما أعلم بصاحبك، قال: فاذهبي إلى أم جميل، فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله، قالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن شئت ذهبت معك إليه، قالت: نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا، فدنت منه أم جميل، وأعلنت بالصياح، وقالت إن قوما نالوا منك هذا لأهل فسق، وإني لأرجوا أن ينتقم الله لك، قال: ما فعل رسول الله قالت: هذا أمك تسمع، قال: لا عين عليك منها، قالت: سالم وصالح، قال: إي هو: قالت في دار الأرقم، قال: فإن لله علي أن لا أذوق طعاما ولا شرابا أو أتي رسول الله فأمهلتا وحتى إذا هدأت الرجال، وسكن الناس، خرجنا به يتكئ عليهما، حتى دخلتا به على رسول الله فانكب عليه فقبله، وانكب عليه المسلمون، ورق له رسول الله رقة شديدة، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ليس بي إلا ما نال الفاسق من وجهي.
هذا نموذج حق، وموقف صدق من كثير من المواقف المثالية التي أنتجها الصديق في عالم لا يعرف القيم قدرها.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلم يبلغ الصديق رضوان الله عليه ما بلغ من المنزلة الشامخة، والسؤدد العظيم إلا بالإيمان بالله ورسوله عليه صلوات الله وسلامه عليه، فحين قضى النبي على مشركي قريش وعلى صحابته ما حدث في ليلة الإسراء والمعراج ارتد من ارتد عن ضعفاء الإيمان، وهزئت قريش برسول الله أيما هزء، واستغل الخبيث أبو جهل الفرصة ليفتن أبي بكر بهذا الخبر، فجاء لينظر ماذا يكون موقفه من هذه الحادثة العجيبة، فإذا بأبي بكر يرد على رئيس الضلالة في قريش بهدوء المؤمن الواثق بنبيه، المطمئن إلى صدق رسول الله: أو قد قال ذلك؟ فيقول أبو جهل: نعم! فيقول الصديق: لئن قال ذلك لقد صدق، قال أبو جهل ومن معه: تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وعاد قبل أن يصبح؟ قال أبو بكر إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك من خبر السماء في غدوة أو روحة، إنه إيمان بلغ الدين وأتى أكله كل حين بإذن ربه.
أيها المسلمون:
ولئن كان الناس في خصوماتهم ونزاعاتهم يتراشقون بالسباب والشتم، والكذب البهتان فإن الصديق لم يكن كذلك، عن ربيعة الأسلمي قال: كنت أخدم النبي فأعطاني أرضا وأعطى أبا بكر أرضا، وجاءت الدنيا فاختلفنا في عذق نخلة فقال أبو بكر: هي في حدي، وقلت أنا: هي في حدي، فكان بيني وبين وبينه كلام، فقال أبو بكر كلمة كرهتها، وندم، فقال: يا ربيعة رد علي بمثلها حتى يكون قصاصاً، فقلت لا أفعل، فقال: لتقولن أو لأستعدين عليك رسول الله، فانطلقت أتوله، فجاء أناس من أسلم فقالوا: رحم الله أبا بكر، في أي شيء يستعدي عليك رسول الله وهو الذي قال لك ما قال؟ قلت: أتدرون من هذا؟ أبو بكر الصديق وهو ثاني اثنين وهو ذو شيبة في الإسلام، فإياكم أن يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله فيغضب لغضبه، فيغضب الله -عز وجل- لغضبهما فيهلك ربيعة، قالوا: فما تأمرنا قلت: ارجعوا وانطلقت وحدي اتبع أبا بكر حتى أتى رسول الله فحدثه الحديث، فقال يا ربيعة، مالك وللصديق فقلت: يا رسول الله كان كذا وكذا، قال لي كلمة كرهتها، فقال لي: قل لي كما قلت لك حتى يكون قصاصا فأبيت قال رسول الله: ((أجل فلا ترد عليه ولكن قل غفر الله لك يا أبا بكر)) فولى أبو بكر وهو يبكي -رضي الله عنهم- أجمعين.
أيها المسلمون:
إنها لآلئ منثورة هنا وهناك من سيرة أولئك، العظماء الذين يجب علينا أن نقرأ سيدهم ونقرأها أبناءنا وننشئهم على وابلها انقياض كي نراها سلوكا عمليا في واقعنا وواقعهم، وما لم يحصل ذلك فإن الشباب والجيل سوف يكون كهشيم تذروه الرياح وسراب يحسبه الظمآن ماء.
أما بعد:
فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون:
ولما طال الأمر على كثير من الناس، أصابت القلوب الغفلة والقسوة وحينما ابتليت بالغفلة والقسوة تخبطت واتخذت طرائق مختلفة، ومن الطرائق المتخبطة اتخاذهم سفلة الناس، وخبالة المجتمعات، قدوات لها تترسم خطاها، وتسير على سيرها، فراج سوق المغنيين والمغنيات، والممثلين والممثلات، واللاعبين واللاعبات، فأمسى التشبه بهم مواكبة للعصر، واتخاذ صورهم وجمعها في ألبومات دليل الحب والولاء، وإذا كان أمثال هؤلاء الساقطين هم قدوة لنا فكبر على الأمة أربعاً.
أيها الاخوة الكرام:
في ظل الضجيج الإعلامي في إبرز القدوات السيئة والمنحرفة، فإنه يحلونا أن نبحث في صفحات التاريخ المشرق، وآياته الخالدة، مشاعل غائبة عن واقع الناس، ولنطلع على أحاديث وقصص ما كانت لتفترى، ونتعرف على ما روى التاريخ من أبناء العظمة الباهرة، إنها ليست أساطير، وإن بترت من فرط إعجازها كالأساطير، إنها حقائق تبين ما كان لأصحاب رسول الله من شخصية وحياة، وإنها لتسمو وتتألق بقدر ما بذلوا في سبيل التفوق يضع يده في العذرة ويدنيها من فيها، فإذا وجد ريحها صدف عنها، فحرمها أبو بكر على نفسه، لقد توصل هذا الإمام بصفاء طبعه وحدة فؤاده إلى ضرر الخمر فحرمها على نفسه، ولم ينزل في تحريمها وحي، ولم تمنعها شريعة، والناس في جاهلية فكيف يحلها اليوم لأنفسهم ناس من الناس يشربونها في منتدياتهم وسمرهم، وبين أيديهم كتاب الله الذي حرمها عليهم.
وفي جانب الصدع بكلمة الحق وإعلانه للناس وحبه العظيم لرسول الله وصحبه على الأذى في ذات ابن هذا الموقف، جاء في الإصابة لابن حجر أن أصحاب رسول الله اجتمعوا وكانوا تسعة وثلاثين رجلاً، فألح أبو بكر على رسول الله بالظهور قال: ((أبا بكر إنما قليل)) فلم يزل يلح إلى رسول الله حتى ظهر وتفرق المسلمون في نواحي المسجد، وقام أبو بكر خطيبا ورسوله جالس، فكان أول خطيب دعا إلى الله -عز وجل- والى رسوله، وثار المشركون عليه وعلى المسلمين فضربوهم في نواحي المسجد ضرباً شديداً، ودنا عتبة بن ربيعة من أبي بكر وجعل يضرب بنعلين مخصوفين حتى لم يعرف أنفه من وجهه، وجاءت بنو تميم وهم قبيلة أبي بكر فأجلواْ المشركين عن أبي بكر وحملوه في ثوب حتى أدخلوه بيته لا يشكون في موته، ورجع بنو تميم فدخلوا المسجد فقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة، ورجعوا إلى أبي بكر يكلمونه، حتى أجابهم آخر النهار، فكان أول ما قاله: ماذا يمكن أن يقول أي إنسان حصل له مثل ما حصل للصديق قال الصديق: ما فعل رسول الله؟ لقد نسي الصديق آلامه الشديدة، نسي الجراح التي كانت تشغب دما، نسي نعلي عتبة بن ربيعة التي هوى بها على وجهه الكريم، وتذكر رسول الله، خشي عليه أن يصيبه المشركون بأذى كما أصيب هو، وحينما سمع بنو تميم سؤال أبي بكر عن الرسول نالوه بألسنتهم وعذلوه، ثم قالوا لأمه، انظري أن تطعميه شيئا أو تسقيه، فلما خلت به وألحت جعل يقول: ما فعل رسول الله، قالت: والله ما أعلم بصاحبك، قال: فاذهبي إلى أم جميل، فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله، قالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن شئت ذهبت معك إليه، قالت: نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا، فدنت منه أم جميل، وأعلنت بالصياح، وقالت إن قوما نالوا منك هذا لأهل فسق، وإني لأرجوا أن ينتقم الله لك، قال: ما فعل رسول الله قالت: هذا أمك تسمع، قال: لا عين عليك منها، قالت: سالم وصالح، قال: إي هو: قالت في دار الأرقم، قال: فإن لله علي أن لا أذوق طعاما ولا شرابا أو أتي رسول الله فأمهلتا وحتى إذا هدأت الرجال، وسكن الناس، خرجنا به يتكئ عليهما، حتى دخلتا به على رسول الله فانكب عليه فقبله، وانكب عليه المسلمون، ورق له رسول الله رقة شديدة، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ليس بي إلا ما نال الفاسق من وجهي.
هذا نموذج حق، وموقف صدق من كثير من المواقف المثالية التي أنتجها الصديق في عالم لا يعرف القيم قدرها.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلم يبلغ الصديق رضوان الله عليه ما بلغ من المنزلة الشامخة، والسؤدد العظيم إلا بالإيمان بالله ورسوله عليه صلوات الله وسلامه عليه، فحين قضى النبي على مشركي قريش وعلى صحابته ما حدث في ليلة الإسراء والمعراج ارتد من ارتد عن ضعفاء الإيمان، وهزئت قريش برسول الله أيما هزء، واستغل الخبيث أبو جهل الفرصة ليفتن أبي بكر بهذا الخبر، فجاء لينظر ماذا يكون موقفه من هذه الحادثة العجيبة، فإذا بأبي بكر يرد على رئيس الضلالة في قريش بهدوء المؤمن الواثق بنبيه، المطمئن إلى صدق رسول الله: أو قد قال ذلك؟ فيقول أبو جهل: نعم! فيقول الصديق: لئن قال ذلك لقد صدق، قال أبو جهل ومن معه: تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وعاد قبل أن يصبح؟ قال أبو بكر إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك من خبر السماء في غدوة أو روحة، إنه إيمان بلغ الدين وأتى أكله كل حين بإذن ربه.
أيها المسلمون:
ولئن كان الناس في خصوماتهم ونزاعاتهم يتراشقون بالسباب والشتم، والكذب البهتان فإن الصديق لم يكن كذلك، عن ربيعة الأسلمي قال: كنت أخدم النبي فأعطاني أرضا وأعطى أبا بكر أرضا، وجاءت الدنيا فاختلفنا في عذق نخلة فقال أبو بكر: هي في حدي، وقلت أنا: هي في حدي، فكان بيني وبين وبينه كلام، فقال أبو بكر كلمة كرهتها، وندم، فقال: يا ربيعة رد علي بمثلها حتى يكون قصاصاً، فقلت لا أفعل، فقال: لتقولن أو لأستعدين عليك رسول الله، فانطلقت أتوله، فجاء أناس من أسلم فقالوا: رحم الله أبا بكر، في أي شيء يستعدي عليك رسول الله وهو الذي قال لك ما قال؟ قلت: أتدرون من هذا؟ أبو بكر الصديق وهو ثاني اثنين وهو ذو شيبة في الإسلام، فإياكم أن يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب فيأتي رسول الله فيغضب لغضبه، فيغضب الله -عز وجل- لغضبهما فيهلك ربيعة، قالوا: فما تأمرنا قلت: ارجعوا وانطلقت وحدي اتبع أبا بكر حتى أتى رسول الله فحدثه الحديث، فقال يا ربيعة، مالك وللصديق فقلت: يا رسول الله كان كذا وكذا، قال لي كلمة كرهتها، فقال لي: قل لي كما قلت لك حتى يكون قصاصا فأبيت قال رسول الله: ((أجل فلا ترد عليه ولكن قل غفر الله لك يا أبا بكر)) فولى أبو بكر وهو يبكي -رضي الله عنهم- أجمعين.
أيها المسلمون:
إنها لآلئ منثورة هنا وهناك من سيرة أولئك، العظماء الذين يجب علينا أن نقرأ سيدهم ونقرأها أبناءنا وننشئهم على وابلها انقياض كي نراها سلوكا عمليا في واقعنا وواقعهم، وما لم يحصل ذلك فإن الشباب والجيل سوف يكون كهشيم تذروه الرياح وسراب يحسبه الظمآن ماء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق