الجمعة، 23 أغسطس 2019

من مآثر الشيخ محمد حسين يعقوب ...كتبه الشيخ / رضا الصمدي.

من مآثر الشيخ محمد حسين يعقوب
كتبه الشيخ / رضا الصمدي.
الشيخ محمد حسين يعقوب أشهر داعية يستطيع أن يحدث تحول غير عادي في الشارع المصري، بدون التنازل عن مبادئ أهل السنة ، مؤكدا على ثوابت السلف الصالح في كل أحواله يحفظه الله .
هذا الرجل لا يعرف الناس قدره ، ولا يعرف الناس ماذا يفعل في سبيل دين الله ، وليس هو ممن يحب أن يتحدث عن نفسه ، وليسمح لي الأخوة أن أحكي بعضا من سيرته ، مكتفيا بالقليل حتى لا أطيل .
الشيخ محمد حسين يعقوب خطب في معظم مساجد مصر الشهيرة ومحافظاتها ، وأشرطته العلمية والوعظية دخلت كل بيت تقريبا ، وتداولها المسلمون في كل شارع ، وأحدث الله بها من الأُثر ما لا يعلم مداه إلا الله تعالى .
والدليل على ذلك أن معدل توزيع أشرطته يبلغ الملايين بفضل الله ، وهو لا يتناول جزءا واحدا من الدين ويركز عليه ، بل إنه يتناول الجانب التربوي من أوسع أبوابه ، ويحصر على تخريج جيل جديد يشبه السلف الصالح .
الشيخ له مشروع تربوي قديم وعتيق كان لي الفضل في تلقيه عنه حفظه الله .
فإنه يعمل على جبهتين : الجبهة الجماهيرية ، حتى يكون تيارا إسلاميا سلفيا قويا ، والجبهة التربوية الخاصة ، ويجعلها من نصيب شباب الصحوة الذين ينتقون بعناية ، ويركز مع هذه الشريحة على العلو بمقامها العلمي والعملي إلى مستويات سامقة .
ومكتبته وتراثه العلمي أعرفه أنا ، ويعرفه كل من دخل مكتبته ، ولكني أزعم اختصاصي بمعرفة الشيخ أكثر من غيري لكثرة ما ذاكرته في أبواب العلم والوعظ والتربية وتراث السلف .
إنه يكاد يحفظ كتب ابن القيم وابن الجوزي ، ويعرف ذلك المتخصصون في كتب ان الجوزي واسألوا الشيخ يسري السيد الذي فهرس علوم ابن القيم وأثنى على فهرسته الشيخ بكر أبو زيد ، اسألوه عن الشيخ محمد حسين يعقوب .
على يدي هذا الرجل تاب فجار ، وأقلع الكثير من المذنبون ، وعلى يديه تنسك اللآف من شباب الصحوة .. ومن الذي لا يعرف الشيخ محمد حسين يعقوب ؟ .
إبتدأ الشيخ محمد دعوته السلفية في قريته المعتمدية من قرى الجيزة ، وهي على مقربة من حي بولاق الدكرور أحد أشهر أحياء القاهرة الكبرى ، والذي اشتهر ( بولاق ) بأنه معقل كبير من معاقل حركة الجهاد والجماعة الإسلامية .
لم تكن دعوته قوية لأنها عاد لتوه من بلاد الجزيرة ، بعد أن تضلع من العلم وشافه العلماء وسمع منهم وتفرغ للمطالعة والدرس والوعظ في قريته .
ثم ابتدأ حفظه الله في توسيع دعوته على إثر اجتماع ثلة من الدعاة السلفيين في القاهرة والجيزة ، وكان على رأسهم الشيخ حسن أبي الأشبال والشيخ عبد الفتاح الزيني والشيخ محمد الكردي وغيرهم سددهم الله ، وتكونت عبر هؤلاء رابطة من الدعاة تعنى بتكثيف الدور الدعوي للمنهج السلفي ، وانطلقت الانطلاقة الأولى من مسجد الرحمة بشارع الهرم .
كان هذا المسجد من مساجد الصوفية ، ولكنه تحول بفضل جهود الدعاة في هذه المنطقة وبمساعدة الدعاة من المناطق الأخرى إلى معقل من معاقل السنة ، وفي غضون خمس سنوات كتبت جريدة التايمز ( فيما أظن ) أن أكبر مسجدين في القاهرة لتجمع الأصوليين هما : الرحمة والتوحيد ، وهو مسجد الشيخ فوزي السعيد .
تنامى دور مسجد الرحمة بفضل دروس الشيخ محمد حسين يعقوب ودروس مشايخ الإسكندرية ، ودروس الشيخ أبو إسحاق الحويني ، ودروس مشايخ الدعوة على وجه العموم ، وأكثر ما اشتهر من دروس مسجد الرحمة درس : مدارج السالكين للشيخ محمد حسين يعقوب ، ومن هذه الدروس ابتدأ الشيخ انطلاقته الدعوية وبسط نظريته في إصلاح الجيل وشباب الصحوة عبر بث المعين السلفي التربوي من خلال علوم ابن القيم حتى يكون نسك الشباب مبنيا على أسس وقواعد ، ولا يكون عرضة للتهدم من أول عاصفة .
ذاعت واشتهرت دروس الشيخ على مستوى الجمهورية ، ولأنها لا تتحدث عن السياسة مباشرة فإن الأمن لم يواجهها بأي منع أو تعنت إلى أن ابتدأت شهرة الشيخ في التوسع أفقيا ورأسيا ، عبر كل شرائح المجتمع ، وخاصة الطبقة الغنية وبخاصة طبقة رجال الأعمال.
كما ابتدأت شهرة الشيخ تتوسع عند العامة من خلال أشرطته التي يستخدم فيها اللغة العامية ليخاطب العامي الذي فرعن دين الله تعالى يناديه أن يعود إليه ، ومن أمثلته : لماذا لا تصلي ، وزعت منه مئات الآلاف من النسخ ، ولا يوجد أحد من سائق السيارات ممن صلى إلا وللشيخ فضل عليه بعد الله تعالى ، فضلا عن الألوف من الشباب ممن تأثر بهذا الشريط وكان سببا في هدايته للنسك ..
عندئذ بدأت المضايقات ، والمضايقات هي تحقيقات ، واستدعاءات مستمرة ، تحدث مرة لبعض العلماء في الجزيرة فاعتبرها الناس أحدوثة الدهر ، بينما تتكرر هذه الإستدعاءات يوميا ولعشرات الدعاة والعلماء ..
هذه جملة من المعلومات المتعلقة بجهود الشيخ الجماهيرية ، تركت تفاصيل بعضها ، وقد أعود إليها لأنني اكتب إرتجالا دون إعداد لضيق الوقت فليسامحني الشيخ حفظه الله .
وصف الشيخ محمد حسين يعقوب:
الشيخ محمد حسين يعقوب طويل القامة ، قوي البنيان ، ذو لحية بيضاء تسر الناظرين ، محياه جميل المنظر ، ذو وجه حاسم ومعالم تشي بهم ثقيل يحمله بين جوانحه .
خلوت به في نجواه ، وصاحبته في علانيته ، حضرا وسفرا ، آكلته في بيته وبين جمع الناس ، صادقته في صميم شئون حاله ، فما وجدت إلا سيرة العلماء الربانيين ، وحال الأتقياء العارفين.
كان يحب شباب الصحوة كأنما هم أبناؤه الذين من صلبه ، بل والله الذي لا إله إلا هو كان يعطي شباب الصحوة من وقته أكثر ما يعطي أهل بيته .
وقد ذكرت مرة أنه يفتح بيته من بعد صلاة الظهر ، يصلي في المسجد ثم يدخل إلى بيته ويبدأ في استقبال الوفود من كل المحافظات ، والشباب من كل المناطق ، حتى قبيل المغرب ، ثم يرتحل سيارته بادئا رحلة الدروس ، من بعد المغرب وحتى التاسعة مساء ، ومن بعد التاسعة يبدأ في الزيارات لأهل العلم والدعاة والشباب بل ولآحاد الناس ، يقضي الحوائج ، ويزور المحتاجين ، ويلقي الدروس في البيوت ، يزور المرضى ، يحل مشكلات الأسر ، ويرتحل لأجلها الرحلات الطويلة الشاسعة ، كم من مرة (لا أستطيع أن أحصيها) أراه في وقت متأخر من الليل يطرق باب بيتي ( وأنا تلميذه بل ربيبه الذي أكلت من موائد علمه وأدبه ) مرة يزورني ليقول لي : أحبك في الله ، ومرة يزورني ليستشيرني وأعلم علم اليقين أنه ما ساقه إلا الحب في الله، وربي يعلم حقارة نفسي ودناءتها ، ولكن لتواضع هذا الشيخ الإمام الداعية كنت أعتبره كأنه الوالد، مع العلم أن فارق السن والعمر بيني وبينه قرابة خمسة عشر سنة .
كان الشيخ محمد حسين يعقوب يتمسك بالسنة قدر المستطاع في دقائق الأمور قبل جليلها ، ولا يدانيه في ذلك إلى رجلان من علماء مصر وأجلتها : الشيخ الإمام الحبر أسامة عبد العظيم حمزة المدرس في جامعة الأزهر ، والشيخ الرباني أبو ذر عبد المنعم حسين القلموني ، حفظهما الله .
ثوبه قصير على السنة ، ما رأيته يوما بثوب يطول حتى يصل إلى الكعب ، سواء في بيته أو خارج بيته ، وما أظنني رأيته يوما حاسر الرأس إلا مرة أو مرتين ، فكان غطاء الرأس لا يفارق رأسه ، وهذا من سمت العلماء .
أحاديثه معي كانت تدور كلها حول مشكلات المسلمين وكيفية حلها ، وخاصة مشكلات الشباب ، وكان يقص علي المشكلات التي تعرض عليها وهو مطأطيء الرأس مهموما مطرقا كأن حملا ثقيلا هد كيانه ، وكان ربما سهر الليالي يفكر في مشكلات الشباب ، يدعو لهم ، ويكتب ويسطر لهم من تراث السلف ما يكون زادا لهم في مسيرتهم في هذه الدنيا ، كان يوالي أهل السنة في كل مصر وقطر ، لا يعاديهم ، ولا يظهر شماتة بأحد من الدعاة ولا ينتقص منهم علنا ، بل يناصح ويمزح مع المخالف توطئة للحديث معه فيما يريد أن ينصحه فيه ، فكان بهذا محبوبا عند الموافق والمخالف ، ويذكر أن الشيخ محمد حسين يعقوب كان معروفا بمنهجه الصارم في الحرص على الهدي الظاهر ( اللحية والقميص ) ، وكان ينعى على الدعاة الذي يتساهلون ويسهلون للشباب التخلي عن الهدي الظاهر ويقول إن هذا سبب في تخليهم عن الهدي الباطن ، ولكنه مع ذلك كان إذا قابل أحد أولئك الدعاة باسطه وناصحه ومازحه ، حتى لا يظن الشباب أن بين الدعاة خلاف ومشاحة ومنازعة ، مما يؤثر سلبا على شعورهم بوحدة الصف .
ويعلم ربي وحده ( ولا يعلم هذا إلا قليل ) كما سعى الشيخ محمد حسين يعقوب في جمع كلمة أهل السنة ، وتحقيق وحدة الدعاة عن طريق زيارتهم وتخفيف حدة التوتر بينهم ومناصحته في طرق الدعوة .. كان يبادئ المخالف بالزيارة حتى يفاجأ بها ، وعلى يدي رأيت بعضا من تلك الزيارات ، كان الشيخ على جلالته وكبر سنه يبدأ في زيارة من هو دونه من الدعاة ليوثق من أواصر المحبة بين الدعاة ، ويحقق مبدأ جماعية أهل السنة .
عبادة الشيخ وزهده وشجاعته وحميته لدين الله تعالى :
لقد كانت طريقة حياة الشيخ محمد حسين يعقوب تجذب انتباه كل من يصاحبه ويزامله أو يتتلمذ عليه ، إذ كانت البساطة والزهادة في الدنيا أهم ما يميز حياته وحياة أسرته . ما وجده في متناول يده استعمله ، وما لم يجده لم تتشوف نفسه إليه ولم يسع إليه تحصيلا أو طلبا .
وقد زاره مرة زمرة كبيرة من طلبة العلم ، فلم يجد ما يقدمه لهم من طعام إلا خبزا وملحا فقدمه لهم دون حياء أو حرج ، فأما إذا كان في بيته طعاما شهيا قدمه أيضا لأحبته دون بخل أو حرج . وكانت تمر على بيته الأيام والليالي وليس في بيته ما يطعم به أهله ، وهذه لعمري فترات من حياته لا يعرفها إلا قليل ، ولعل البعض ممن يعاشر الشيخ الآن يتعجب ، ولكن مثل هؤلاء الدعاة ليسوا ممن يروجون لترجمتهم وتفاصيل حياتهم .
خطب مرة في مسجد الرحمة ينتقد شيخ الأزهر ووصفه بأقذع الأوصاف لما صدرت منه من فتاوى أضلت الناس وأذهلتهم عن الحق وأهله ، وأما خطبه في نقد الواقع والمسئولين عنه فلا حصر لها ولا عدد ، وقد خطب مرة عن أحداث البوسنة حينما أعلن أن الصرب اغتصبوا خمسين ألف مسلمة ، فبكى وجعل المسجد يبكي كله عن بكرة أبيه.
أما مواعظه التي يبكي فيها الشباب ويتوب فيها المذنبون فأكثر من أن تعد وتحصى، وكانت له مواعظ في مسجد النفق في إمبابة ، وكانت مخصصة للعوام والشباب وصغار طلبة العلم ، ففتح الله على يديه بهذه المواعظ أبواب هداية لكثير من الناس فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
يعرف كل من يذهب ليصلي مع الشيخ محمد حسين يعقوب أن صلاته غير عادية ، ومن أراد أن يصلي وراء الشيخ فيجب أن يعد نفسه لصلاة طويلة مديدة تطول أحيانا لستين دقيقة ، أعني صلاة الفرض العادية ، وكان مسجده لا يؤمه إلا طلبة العلم والزاهدين وأهل العبادة من الشباب ، أما فترة اعتكافه التي كان يدير فيها سير الاعتكاف في مسجد الرحمة فكان مضرب المثل في الانضباط والصرامة والعودة إلى سيما السلف في العبادة والاجتهاد وترك اللغو والعبث في المسجد.
أما عبادته في نفسه فقليل من الناس يعلم حقيقتها ، ولكن كل من سمعه وسمع دعاءه يعلم أن الرجل بينه وبين الله سر، فلله دره من عابد ، عدد المرات التي أستعدي فيها للأمن للتحقيق معه لا تحصى كثرة ، ولكن الله كان يعافيه من ظلم وبطش الظالمين لما ألقى على وجهه وهيئته من المهابة ، فكان أفجر الفجار من ضباط أمن الدولة بمجرد أن يدخل عليهم يلقي الله في قلوبهم الرعب وتتصاغر نفوسهم عن الاعتداء عليه أو إهانته .
ومع هذا وذاك فكان يحفظه الله يمنع بين الحين والحين ، ولكن هذا المنع لم يكن ليعوقه عن أن يدعو إلى الله في كل مكان وزمان ، صحبته في الحضر والسفر ، فما من موقف أتيح له أن يدعو فيها أحدا إلا دعاه ، وكثيرا ما كان يقف بسيارته ليعالج موقفا أو يكلم عاصيا أو يزجر داعرا فاجرا .
مشية الشيخ يحفظه الله فيها تذلل وإخبات ، فكان يخفض رأسه ويطئطئها عندما يمشي بين الناس ، ولا يرفعها إلا لمن سلم عليه فصافحه أو التزمه.
وكان يحفظه الله يكرم أهل العلم وإن قل سنهم ، وكان يقبل أيدي العلماء وطلبة العلم تكريما لهم ، فياله من تواضع وحياء .
أكثر ما تأثر الشيخ حفظه الله بابن القيم وابن الجوزي ، حتى إنه ذكر لي أنه رأى ابن الجوزي في أكثر من رؤيا ، ورأى كذلك احمد بن حنبل ، ورأى أنه صافحه ، وقص الرؤيا على الشيخ محمد حسان ( امامي ) فطلب منه الشيخ محمد حسان أن يصف له يد الإمام أحمد بن حنبل فقال له إنها يد كبيرة وعروق الدم فيها بارزة ، فصدق الشيخ محمد حسان رؤياه لأنه سبق له أن رآه أيضا .
هناك الكثير من المآثر التي لا يجوز لي أن أنطق بها لأنه ليس المصلحة في كشفها ، ولكنها أمور تكشف عن معدن أصيل في تعامل الشيخ مع من خالفه ، بل مع من آذاه ، وللشيخ أياد بيضاء على الفقراء واليتامى والمساكين والأرامل ، وهؤلاء يعرفون دوره في مساعدته بما يستطيع ويقدر ، فلله در مروءته .
هذا ما تيسرت كتابته في حق شيخنا القدوة العلامة الداعية أبي العلاء محمد بن حسين يعقوب حفظه الله وأعلى قدره في العالمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

زياد علي

زياد علي محمد